عبدالرحمن محمد_
للسنة السادسة يُقام معرض الكتاب في #قامشلو#، في ظاهرة ثقافية كانت شبه غائبة عن المنطقة قبل عام 2011، وباتت اليوم تقليداً سنوياً تحتفي به مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتحتضنه شعوبها لأنه صوتها ومرآة حالها.
كثُرت الآراء والمقترحات حول إقامة المعرض من حيث الفكرة ومن ثم من حيث الوقت والأهمية وإمكانيّة إقامته خلال الدورات الخمسة الماضية، وفي هذا العام، والحقيقة عن المعرض بات وجهاً من أوجه المقاومة والنضال الذي تخوضه شعوب المنطقة برمتها، في وقت تكالبت نوائب الدهر مع غزاة العصر لتشكل جبهة رعناء تحاول القضاء على مكتسبات الشعوب حول ثقافتها بل ووجودها.
الأوضاع الأمنية كانت التحدي الأول من حيث تهديدات دولة #الاحتلال التركي# وهجماتها على المنطقة في أكثر من مرة لكن المعرض أُقيم رغم ذلك، ومن ثم كان الوباء العالمي أو ” جائحة” كورونا، تحدياً آخر ورغم ذلك أقيمت النسخة الخامسة من المعرض ضمن شروط واحتياطات صحيّة لدرء مخاطر الجائحة ومن ثم كان التخطيط لإقامة الدورة الحالية.
كان قرار إقامة المعرض تحدياً واضحاً أمام الجهة الراعية والمنظمة، وبخاصةٍ إن هيئة الثقافة الراعية للمعرض دأبت خلال الدورات السابقة على الاستماع لآراء روّاد المعرض من قراء وكتاب ودور نشر وسواهم، لتلافي أي تقصير والعمل بالآراء والمقترحات الصائبة المُقدمة من أصحاب الخبرة وذوي التجربة، ولهذا كان القرار بإرجاء تاريخ الافتتاح، والذي كان في كل عام في العشرين من تموز تزامناً مع ذكرى استشهاد الكاتب والشخصية الوطنية حسين شاويش “هركول”، ولأن الموعد يتصادف مع قمة ارتفاع درجات الحرارة في الصيف تم تأجيله ليكون في وقتاً أنسب واتُّفِق على إقامته هذا العام في ذكرى رحيل قامة من قامات الأدب والشعر الكردي، الشاعر الخالد #جكر خوين# وإهداء هذه الدورة لروحه تكريماً لعطاءه الكبير، ويبقى المعرض حاملاً لاسم الشهيد “هركول” عرفاناً وتكريماً له.
عضو اللجنة التحضيرية عبد المجيد خلف قال في كلمته في الافتتاح: “حتى وقت قريب لم نكن قد ثبتنا وعد إقامة المعرض بسبب الأوضاع العامة والتهديدات التركيّة، لكننا وفي سباق مع الزمن أعلننا عن إقامة المعرض في ذكرى رحيل الشاعر الكردي جكر خوين، وواصلنا الليل مع النهار لتكون المناسبة مناسبتين، ولنَفي بالوعد بإقامة المعرض في كل الظروف، وبخاصةٍ إننا كنا قررنا تأجيل إقامته منذ فترة، لقد واجهنا التحدي ونأمل أننا سننجح”.
التحدي الآخر الذي يمثله المعرض إنه يقام في وقت تحاول فيه الكثير من القوى الإقليمية والمحلية، النيل من ثورة شعوب المنطقة، وعلى وجه الخصوص دولة الاحتلال التركية وبتهديداتها المستمرة، ومحاولتها زعزعة الأمن الداخلي، وصرف الناس عن ثقافتهم وهويتهم وتراثهم والانشغال بالوضع الأمني والمعيشي، وما تقوم به من صهر ومحو لكل ما هو كردي في المناطق التي تحتلها في #عفرين# و#سري كانيه# و#كري سبي#، وهذا ما أشار له لقمان أحمي في كلمة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا: “لأن عدونا يحاربنا في أشكال متعددة، وعلى جبهات عدة، سنتصدى له بكافة الأشكال، والثقافة والفكر أول وجوه التحدي والمقاومة، وسنعمل دوماً على الارتقاء بالثقافة والفكر، وهذا ما كان الشهيد هركول يُنبّه إليه دائماً، ويقول إن علينا أن نحارب ونقاوم بالقلم كما نحارب ونقاوم بالبندقية، لأن الفكر والثقافة من أمضى وأقوى الأسلحة”.
هكذا كان الشهيد “هركول” ينظر للثقافة والقلم، وكان من أوائل من عمل ودعا إلى الدفع بالحراك الثقافي إلى الأمام، وكان الشاعر الخالد “جكر خوين” ولا تزال مقولته الخالدة تردد على كل لسان، والتي تقول ترجمتها “أن لم يكن هناك تعليم لن يتقدم أحد ويتطور، وستزداد كثيراً العلل والأمراض”.
إنه الإصرار على الرقي والتقدم، والمثابرة على مواجهة الظروف مهما قست، ومقاومة كافة أشكال الصهر والإمحاء مهما تجبّرت، ولأن الكتاب والكلمة زادا العقول وثمراتها.
يُذكر أن المعرض يضم لهذا العام قرابة 130 ألف كتاب، في ثلاثة عشر ألف عنوان، وباللغات العربية والكردية والتركية والإنكليزية، وبمشاركة إحدى وخمسين دار نشر محليّة وعربية وعالمية، وستكون هناك أنشطة موازية ثقافية وفنية ومسابقات متنوعة.[1]