أمام مشاق وعذاب نظام عمره 5 آلاف عام، تقف المرأة مجدداً، معلنةً النضال لاستعادة الكرامة والحقوق المسلوبة منها تاريخياً، متسلحة بشعار Jin,Jiyan,Azadî، فما جذور هذا الشعار الذي وضعه القائد عبد الله أوجلان، لتستطيع المرأة به التخلص من قيود النظام العبودي؟
أصبحت #قضية المرأة# المخفية في أغوار التاريخ السحيقة، والتي سلبها النظام الأبوي السلطوي حريتها، منذ عهد سومر، قبل 5 آلاف عام، قضية عالمية.
المرأة الآلهة والملكة والقائدة
شهدت منطقة الهلال الخصيب، أرض البركة، أول ثورة نسائية (العهد النيوليتي)، قبل 12 ألف عام ق.م، حيث تولت بلقيس إدارة اليمن، وزنوبيا تدمر، وشجرة الدر مصر، والملكة كليوباترا الشهيرة، إلى الملكة نفرتيتي المعروفة بدهائها وحنكتها السياسية، وصولاً إلى الملكة سميرا ميس الآشورية البابلية والإمبراطورة زينب النفزاوية شمال أفريقيا وإسبانيا، وأنديرا غاندي في الهند، وأناهيد أغابيكيان الأرمنية.
وكانت لل#مرأة الكردية# مكانة مرموقة في إدارة مجتمعها، والتحفت بهوية الآلهة، فظهرت بأسماء مختلفة مثل الآلهة عشتار، وستار، وعشتروت، وسافوشكا، وأناهيتا، وأحياناً أصبحت ملكة أو أميرة مثل عدولة خان، وخانزاد، وتجسدت في شخصية حبسة خان النقيب القائدة الاجتماعية التي أصبحت أماً لمجتمعها واتسمت في زمانها بقوة العقل والتنظيم وحماية شعبها من الفقر والجوع.
القائد أوجلان: تحرير المرأة أثمن وأكثر ضرورة من تحرير الوطن
أَولى القائد أوجلان أهمية كبيرة بقضية تحرر المرأة وحريتها، وأنشأ وطوّر علم المرأة (جنولوجيا)، واعتبر تحريرها أثمن وأكثر ضرورة من تحرير الوطن، واتخذ من حريتها مبدأ أساسياً لتحقيق حرية المجتمع.
صدحت حناجر النساء الكرديات بهتاف Jin,Jiyan,Azadî، أو ما يقابلها باللغة العربية (المرأة، الحياة، الحرية)، في مدن روجهلات كردستان وإيران المنتفضة.
جذور Jin,Jiyan,Azadî
في أواسط أعوام التسعينات وتحديداً عام 1996، كرّس القائد عبد الله أوجلان جهده في تحليل قضية المرأة التي كانت تعني له الحياة والحرية، ليشكل بذلك أرضية لشعار أصبح عالمياً تنادي به النساء المنتفضات في وجه النظام الحاكم القائم.
وترمز مفرداته إلى حقيقة المجتمع الأمومي النيولوتي، Jin المرأة، Jiyan الحياة، Azadî الحرية، أوجدها القائد أوجلان أثناء عودته إلى تحليل المجتمع النيوليتي، عندما طورت المرأة الثورة الزراعية وأبعاده الممتدة إلى راهننا.
وجذور هذا الشعار مخفية في أروقة التاريخ، وتعود إلى الثورة الزراعية وسيادة اللغة الآرية وثقافة المجتمع الأمومي، التي تشكلت على حواف سلسلة جبال طوروس وزاغروس، كما رصدها القائد أوجلان.
استخدم شعار Jin,Jiyan,Azadî (المرأة، الحياة، الحرية) عقب ظهور حركة حرية كردستان، وكثيراً في التظاهرات التي خرجت في باكور (شمال كردستان).
ولاقى صدى عالمياً واسعاً، بعد تبنّيه من قبل المقاتلات في وحدات حماية المرأة (YPJ) في روج آفا، أثناء حملات تحرير مناطق شمال وشرق سوريا من مرتزقة داعش.
يستمدن نضالهن من نضال ثورة المرأة في روج آفا
وكسرت المرأة، بريادتها للانتفاضة المنطلقة في روجهلات كردستان وإيران، منذ أكثر من شهر، حاجز الخوف، فلجأت السلطات الإيرانية إلى قطع شبكة الإنترنت في محاولة منها لإسكات أصوات المحتجين المطالبين بالعدالة والحرية والمساواة.
علّقت الرئيسة المشتركة لمنظمة حقوق الإنسان لكردستان، مديا روجهلات، على ذلك، قائلة في مراسم تشييع جينا رُفع شعارJin,Jiyan,Azadî، لأول مرة، لتكون صرخة وبديلاً ومفتاح حل لجميع المشكلات، وأصبح شعاراً رئيساً للانتفاضة.
وشددت مديا هذا الشعار بديل أمام ممارسات القهر والظلم وقتل النساء في إيران، مؤكدة النساء في روجهلات كردستان وإيران، يستمدن نضالهن من نضال ثورة المرأة في روج آفا تحت شعار Jin,Jiyan,Azadî (المرأة، الحياة، الحرية)، ويرغبن ببناء نظام تستطيع فيه النساء التعبير عن أنفسهن وقوتهن.
كما أكدت على أن شعارJin,Jiyan,Azadî، وحّد الصف الإيراني وصوته.
تأسيس جمهورية مهاباد
بقيت روجهلات (شرق كردستان) في صِدام مرير مع محتليها، إلى أن أُعلن عن تأسيس جمهورية مهاباد في 22 كانون الثاني عام 1946، برئاسة قاضي محمد، وفي ديسمبر 1946، وبعد انسحاب قوات الاتحاد السوفييتي، هاجمت جحافل النظام الإيراني بوحشية وقضت على الثورة بعد إعدام قاضي محمد، أواخر آذار عام 1947.
أسهم الكرد في إسقاط دولة الشاه، خلال ثورة الخميني عام 1979، ونتيجة عدم إنصافهم، دخلوا في مواجهات مريرة مع النظام الإيراني، حتى أعلن المرشد الأعلى للثورة روح الله الخميني (الجهاد) ضد الكرد، واصفاً إياهم بالمجرمين والكفار.
10 آلاف شهيد ضحايا الفتوى
توجهت قوافل القوميين المتطرفين المتعصبين إلى مدن روجهلات (شرق كردستان) للبدء بأكبر عملية إبادة وتطهير عرقي، حيث راح ضحية فتوى الجهاد ضد الكفار التي أطلقوها أكثر من 10 آلاف شهيد. كما أن الكثير من الكرد فقدوا حياتهم بعمليات إعدام ميدانية وآخرين رمياً بالرصاص.
تمسك الكرد في روجهلات بتراثهم وثقافتهم في وجه سياسة الاضطهاد التي مارستها السلطات الإيرانية بحقهم، ولم يرضخوا وينحنوا لها، وقرروا العيش بثقافتهم.
المرأة في ظل السلطات الإيرانية
تئن المرأة تحت وطأة دولة تحط من شأنها ومنزلتها، ومن أجل أن يحيا الرجال؛ وضعت السلطات الإيرانية قوانين لإحجام دورها وتقييد حريتها، ويتم إعدامها وتراق دمائها لتعزيز وتعميق السطوة الذكورية السلطوية، حيث وظفت وجودها ومظهرها الديني سياسياً، باعتبار النظام محتكر للمذهب وحمايته.
وتعتبر إيران من أكثر الدول تنفيذاً لعقوبة الإعدام، حيث قدّر عدد عمليات الإعدام التي نفذت في الفترة الممتدة بين عامي (2013 2021) بنحو 4300 عملية إعدام.
وأفادت منظمة إيران هيومان رايتس غير الحكومية، التي تتخذ من أوسلو مقراً لها، بإعدام السلطات الإيرانية 15 امرأة عام 2021 وحده، وبلغ عدد النساء اللواتي طبق بحقهن عقوبة الإعدام منذ عام 2010 بنحو 170 امرأة.
قالت مديا المرأة مذنبة في قانون النظام الايراني، وأكبر مثال على ذلك اعتقال ريحاني جباري التي قتلت رجلاً من أجل حماية نفسها من محاولة الاعتداء عليها، فحكمت المحكمة عليها بالإعدام.
وتوضح القانون الإيراني يدعم قتلة المرأة، بحيث لا تستطيع التعبير عن نفسها وحماية حقها، وهناك مثال حي على ذلك، شلير التي قامت برمي نفسها من الطابق العلوي، فعلت ذلك لحماية نفسها من رجل كان يحاول اغتصابها، إذ دافعت عن نفسها أمام ذلك الرجل، وكان سيتم اتهامها وتخرج المحكمة ضدها.
بمقتل جينا انفجر المجتمع الكردي
وبيّنت مديا خلال 43 عاماً من حكم النظام الايراني، شُرعن الهجوم على المرأة، بحيث يتم احتجازها في منزلها، والاعتداء عليها ومهاجمتها، ما ولّد انفجاراً داخل المجتمع، لافتة الانتباه إلى أن العشرات قتلوا وأعدموا في المدن الكردستانية وخاصة من شعب بلوش، دون ذكر تفاصيل أخرى عن ذلك، وأكدت بمقتل جينا انفجر المجتمع الكردي.
كيف ينظر إلى المرأة في إيران؟
تُضطهد المرأة في إيران، ويُضيّق الخناق عليها، بحيث يجب عليها الحجاب حتى أخمص القدمين، كذلك الحال للفتيات القصّر، فهن ممنوعات من التحدث إلى الغرباء، ومن الخروج من المنزل بمفردهن، إلا برفقة ذكر يسير بجانبهن.
فتنظر السلطة المركزية إلى المرأة على أنها سلعة جنسية تثير غرائز الرجل، ويجب تغليفها بالحجاب أو النقاب أو البرقع أو العباءة لمنع الشرور في المجتمع وفق وجهة نظر السلطات الإيرانية، وهي عرضة للمراقبة من قبل شرطة الأخلاق أو الآداب كما يسمونها، وهي قوة تأسست عام 2005 لإنفاذ القوانين التي وضعتها السلطة المركزية، من خلال اعتقال المختالين بقانون اللباس.
نصف مليون حالة تزويج قاصرات سنوياً
تحت وطأة حكم النظام الإيراني، يعد تزويج القاصرات أحد الأمثلة الواضحة لإهانة كرامة المرأة والعنف الممارس ضدها، إذ يشهد الميدان الاجتماعي الإيراني ارتفاعاً في معدل حالات الطلاق وتزويج القاصرات.
وفي جريمة بحق الطفولة، أوردت في المادة 1041 من القانون المدني الإيراني، السن القانونية لزواج للفتيات 13 عاماً و15 عاماً للذكور، في حين يستغل البعض أوضاع بعض الأسر الاقتصادية ويتزوجون من فتيات قاصرات يكبرونهن ب 30 عاماً.
ووفق إحصائيات، فإنه ومنذ عام 2017، كان متوسط زواج الفتيات القاصرات دون سن 15 عاماً، قرابة 30 ألف فتاة، كما ذكر موقع تجارت نيوز، ووفق بيانات مركز الإحصاء الإيراني، فقد شهدت إيران خلال السنوات الخمس الماضية، بين عامي (2017 - 2022) زواج 131 ألفاً و365 فتاة دون سن الخامسة عشر، وبحسب إحصائيات أخرى بلغ معدل زواج القاصرات سنوياً 500 ألف حالة.
ويتم تزويج الفتيات القاصرات رغماً عنهن، ويتعرضن للتعذيب والمضايقة من قبل الأزواج ويصعب عليهن حتى إمكانية الطلاق أو الانفصال، فلا يمكنهن اللجوء إلى المحكمة وتقديم شكوى، كونهن لا يتمتعن بأي حقوق للطلاق، وهذه الظاهرة التي أفرزتها السلطات وينظر للمرأة على أنها آلة لإنجاب الأولاد، ولّد كارثة اجتماعية مع زيادة حالات الطلاق.
قضية مجتمع بأكمله
فاعتقال الشابة الكردية جينا أميني (22 عاماً) وقتلها في 16 أيلول/ سبتمبر 2022، محنة تعيشها النساء يومياً، فالقضية ليست مرتبطة بالحجاب أو اللباس، والحرية ليست مقيدة بأغراض مادية، إنما قضية عنف وظلم واضطهاد ومعاناة ومأساة تعيشها المرأة والمجتمع.
الضغط الشعبي كان قد تراكم ووصل إلى أعلى معدلاته، والأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها أفرزت انفجاراً هائلاً في البلاد التي تعاني مشاكل مريرة، وبمقتل جينا أميني أُشعلت شرارة الانتفاضة في روجهلات كردستان، واليوم هذه الانتفاضة ساعدت المكونات الأخرى للمشاركة وإعلاء أصواتها في عموم إيران بقيادة المرأة.
وتريد السلطات الإيرانية تغطية العقول ونزعها من عقل المرأة، وأسرها في المنزل، وتحويلها إلى آلة إنجاب للأطفال وأغراض إمتاع للأزواج والعيش بعبودية كما العصور السابقة، فقتل جينا بهذه الوحشية كشف النقاب عن نظام إيران القمعي القائم على التمييز الإثني والاجتماعي والاقتصادي.
آن الأوان لتمزيق القيود والعيش بحرية
لكن خروج النساء إلى الساحات وخلع الحجاب، رسالة بأنهن ضد القمع والظلم، وإضرامهن النيران في الحجاب وهن يرقصن على وقع أنغام هي بمثابة تحدّ، ما أحرقنه لم يكن حجاباً إسلامياً بل نظاماً قمعياً قائماً على سياسات الفصل والتمييز ضد المرأة.
القمع والقتل لن يثني الشعوب عن مواصلة النضال لنيل الحرية، بعد أن ربطت الأنظمة في الشرق الأوسط الحبال حول أعناقها وكتمت أصواتها، ومنعت القوميات من الحصول على حقوقها والتحدث والتعلم بلغتها، هذه الشعوب اكتفت من هذه القيود وآن الأوان لكسرها والعيش بحرية وسلام.[1]
(ي م)
ANHA