صدر للكاتب والباحث الكوردستاني جوتيار تمر كتاب (مشكلة قطع الطريق عند الكورد في العصر الاسلامي الوسيط) دراسة سوسيولوجية تحليلية نقدية ، عن دار تموز (تموزي) بدمشق.
جوتيار تمر / كوردستان
نبذة مختصرة عن الكتاب: مقدمة تعريفية - مفاهيم وعرض
يؤكد فيبر – ماكس فيبر- احد رواد علم الاجتماع، ان علم الاجتماع هو علم اجتماع تاريخي حينما ينصب اهتمامه بالنتائج الفريدة على المفرد التاريخي، بحيث يكون نمط التأويل الذي يهدف اليه في ذلك الاطار هو التفسير عن طريق تفهم المعنى، وتكون المعطيات التي يحاول البحث عنها في معاني ذلك المفرد او شروطه الواقعية، فالسوسيولوجيا عنده العلم الذي يعني بفهم الفعل أو النشاط الاجتماعي وتأويله، وتفسير حدثه ونتيجته سببياً، بمعنى العلم الذي يحاول ان يدرس الفهم التأويلي للفعل الاجتماعي، من اجل الوصول الى تفسير علمي لمجراه وآثاره، ويشتمل الفعل الاجتماعي على كل مظاهر السلوك الانساني طالما يضفي عليها الافراد معناً ذاتياً، اي الفعل الذي له معنى الذي يمكن فهمه، والمعاني هي البواعث التي تحرك سلوك الافراد وتحوله الى سلوك اجتماعي.
ولا يمكن للباحث التاريخي اطلاق الاحكام على مجتمعات عرقية بالكامل، وفق نظريات تستند على العصبية القبلية والسيادة المطلقة واعتبارات طبقية من اجل اثبات تفوقه العرقي من جهة، ومن اجل الصاق صفة معينة ومحددة بشعب اخر ضمن دائرة المجتمع العام الذي يتسيده هؤلاء ليس لانهم اكثر تحضراً او تفوقاً او اذكى، انما فقط لانهم كانوا ممن حملوا في اول الامر التشريع، على الرغم من انهم لم يستطيعوا ان يتعاملوا مع التشريع نفسه بقيمه الذاتية، حيث ما لبثوا ان انغمسوا في الصراعات القبلية وابعدوا التشريع عن مضمونه، ومن ثم قاموا بتصنيف الاقوام بحسب ولائهم وخضوعهم للمنطق القبلي الذي يريدونه، حتى ان كتاباتهم وظفت لأجل ترسيخ مبدأ الفوقية للعنصر العربي القبلي على باقي العناصر الاخرى، وفي الوقت نفسه سُخرت تلك الكتابات لأجل تشكيل الرؤية السلطوية حول الاقوام الاخرى داخل المجتمع الاسلامي فتحولت الى أداة بيد السلطوية، حيث سلطت الضوء على جزئيات خارجة عن النسق الاجتماعي العام، وعممت مترتبات تلك الجزئيات لتتشكل في ذهنية الاجيال الصورة التي تريدها السلطة ان تُصقل عن الاقوام الاخرى.
وانطلاقاً مما سبق يهدف الكتاب اعطاء الصورة الاوضح من خلال التأكيد على ان مشكلة قطع الطريق عند الكورد كانت وسيلة عصر افرزتها عدة ظروف، وهي لم تكن حصراً بالكورد فقط انما كانت ظاهرة – جمعية- متجلية في حاضرة الخلافة العباسية نفسها وعاصمتها بغداد، وحتى على طريق الحجاج للحجاز، وباقي الامصار والبلدان والاقاليم، لذلك يمكن عدها من حيث المنطق العام او العالم الاسلامي بشرقه وغربه كظاهرة تفشت بين غالبية الاقوام المنضوية تحت لواء الدولة الاسلامية، وهنا للتأكيد فحسب، إننا نعدها ظاهرة لسرعة انتشارها بين الاقوام والامصار والقبائل، اي انها ظاهرة من ذلك المنطلق فقط، فهي من حيث البناء الاجتماعي لا يمكن عدها ظاهرة لكونها استمرت لعقود طويلة كسلوك اجتماعي ناجم عن مشكلة اجتماعية متعلقة بالمستوى المعيشي للأقوام افراداً كانوا أم جماعات، وقبائل وشعوب، فالكورد كأمة واقعة تحت الحكم الاسلامي عانوا من مشكلات اجتماعية جمة، واحدى اهم تلك المشكلات كانت الفقر وتدني المستوى المعيشي وفقدان الاستقرار والامن الغذائي والامن العام في مناطقهم جراء وقوعها على مفترق الطرق لاسيما كانت معبراً لجيوش الامبراطوريات والخلفاء والخارجين على السلطة، لذا فان انتشار قطع الطريق بين بعض القبائل وبعض الجماعات والافراد لا يمكن عدها ظاهرة بل العكس تماماً هي مشكلة اجتماعية لها اسبابها وظروفها الخاصة بالمجتمع الكوردي، وهي لا تستوفي احدى اهم الاسس في مفهوم الظاهرة من حيث سرعة الظهور وسرعة الزوال، باعتبار انها خضعت في المجتمع الكوردي لمنظومة علاقاتية تلازمية لصيرورة النظم السياسية والادارية للدولة تجاههم، الامر الذي دفعنا الى القول على ان قطع الطريق من حيث الانتشار في غالبية الاقاليم عُدت ظاهرة وقتها، ولكنها من حيث الاقوام وانتشارها بين فئات محددة من تلك الاقوام تُعد مشكلة اجتماعية ناجمة بالدرجة الاساس عن سوء الاوضاع الاقتصادية والمعيشية وانتشار الفقر بين الاوساط العامة بالذات، لذا تتطلب الدراسة توضيح مفهوم الظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية والفرق بينهما ومن ثم توضيح مفهوم قطع الطريق واحكامه في الفقه الاسلامي، مع تسليط الضوء على انتشار المشكلة في المجتمع الاسلامي بشكل عام دون الخوض في التفاصيل، والكوردي بشكل خاص، وبالتركيز على كيفية حكم الخاصة(السلطة والعلماء) على المشكلة عند الكورد من جهة، والوقوف على الاسباب التي كانت وراء انتشارها وتعميمها على الكورد من جهة اخرى، منتهجين بذلك المنهج السوسيولوجي والتاريخي والتحليلي النقدي احياناً للوصول الى النتائج المرجوة من الدراسة.
اعتمدت الدراسة على العديد من المصادر الاصيلة التي اوردت الكثير من النصوص حول موضوع قطع الطريق عند الكورد وعدته طبع ملازم لكينونة الانسان الكوردي حتى قبل ولادته، وتم توظيف تلك المعلومات بحسب اهميتها الموضوعية، وليس بحسب تسلسلها التاريخي، ومن اهم تلك المصادر، كتاب تاريخ الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري لمؤلفه الطبري (ت 310ﮪ/ 923م)، و كتاب الكامل في التاريخ لأبن الاثير(ت630ﮪ/1232م) ومن ثم كتاب الاكتفاء للكلاعي (ت 634ﮪ/1237م) والتي من خلالها تم تتبع تاريخ خروج المسلمين لقطع الطريق على القوافل وكيفية تناول الحدث التاريخي ضمن هيكلة السلطة المركزية للخلافة الاسلامية العربية آنذاك مع ذكر النصوص المتعلقة بقطع الطريق عند الكورد ونظرتهم السلطوية اليها لاسيما الطبري وابن الاثير، كما اعتمدت الدراسة على بعض كتب السنن والتفسير والفقه للوقوف على الاحكام العامة الصادرة بحق قاطع الطريق واللصوص والسراق وغيرهم، والتي نذكرها بحسب اهميتها للدراسة، ككتاب احكام القرآن للجصاص (ت370ﮪ /980م)، وكتاب المصنف لابن ابي شيبة(ت 235ﮪ/849م)، وكتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لأبن حجر العسقلاني(ت852ﮪ/1448م)، وكتب اخرى في نفس المجالات المذكورة، ومن جملة المصادر التي اعتمدتها الدراسة كتب البلدانيين والجغرافيين وكتب مؤرخي البلاط–السلاطين-، ككتاب معجم البلدان لياقوت الحموي(ت 626ﮪ/1228م)، وكتاب البلدان لمؤلفه اليعقوبي(ت292ﮪ/904م) وكتاب درر الفرائد المنظمة في اخبار الحاج وطريق مكة المعظمة لمؤلفه الجزيري (ت 977ﮪ /1570م)، وكتاب سيرة السلطان جلال الدين منكبرتي للنسوي(ت 639ﮪ/1241م)، فضلاً عن كتب عديدة اخرى في ذلك السياق.
كما اعتمدت دراستنا على مراجع اساسية فيما يتعلق بتحديد مفاهيم الظاهرة والمشكلة والظاهرة الاجتماعية والمشكلة الاجتماعية فوجدت الدراسة في كتاب المشكلات الاجتماعية لكل من دلال ملحس استيتية و عمر موسى سرحان مرجعاً مهماً لاسيما فيما يتعلق بتحديد المفاهيم وخصائصها، وكتاب المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي لمؤلفه محمد عاطف غيث، وكذلك كتاب علم المشكلات الاجتماعية لمؤلفه معن خليل عمر، وكتاب مبادئ علم الاجتماع لمؤلفه احمد رأفت عبدالجواد، فضلاً عن العديد من الكتب الاخرى في ذات الاختصاص، والدراسات الاكاديمية التي عنت بموضوع المشكلات الاجتماعية كالدراسة التي قدمها طالب عبدالكريم كاظم القريشي المعنونة بالظاهرة الاجتماعية عند إميل دوركايم – تحليل اجتماعي- ، كما اغنت الدراسة العديد من البحوث والرسائل الاكاديمية والمنشورات والمقالات والدراسات على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن ذلك فقد وجدت الدراسة في المعلومات التي اوردتها المراجع المترجمة من الفارسية وكتب المستشرقين وبعض المراجع الكوردية ايضاً دفعة قوية لإتمام العمل لاسيما فيما يتعلق بالمفاهيم العامة للمشكلات الاجتماعية ككتاب علم الاجتماع لمؤلفه بوتو مور، وكتاب قواعد المنهج في علم الاجتماع لمؤلفه إميل دوركايم، وكتاب علم الاجتماع والتاريخ لمؤلفه بيتر بيرك، وكتاب تأملات في القراءة الانسانية للدين، لمؤلفه محمد مجتهد شبستري، وكتاب تاريخ اجتماعي ايران لمؤلفه مرتضى راوندي، وكتاب نظريات شيخ الاسلام ابن تيمية في السياسة والاجتماع لمؤلفه هنري لاوست، والعديد من الكتب والدراسات الاخرى.
تعد الدراسة الحالية مكملة للدراسات المذكورة، باعتماد اسلوب سوسيولوجي منهجي تحليلي نقدي ينطلق من تحديد مشكلة معينة اتسمت بمظهر الظاهرة من واقع المجتمع الاسلامي بشكل عام للتوصل الى مسبباتها في المجتمع الكوردي بشكل خاص، فضلاً عن محاولة ادراج المشكلة ضمن هيكلة الاحتياجات الاساسية للإنسان، محاولين بذلك ابعادها عن الدوائر التعميمية التي فرضتها المعرفة التاريخية الاسلامية. [1]