غاندي إسكندر _
تمثل ثورة (#روج آفا#)، وما تمخض عنها من مكتسبات لامست وجدان وكيان الشعوب السورية في شمال وشرق سوريا، أهم المنجزات في التاريخ الحديث لسوريا، حيث لأول مرة في تاريخ الدولة السورية منذ نشأتها، يشعر الإنسان بأهمية وجوده كإنسان فعال، وذي مكانة ورأي يأخذ به.
فقد استطاعت الشعوب، التي تحالفت على مبدأ صيانة حالة التآخي، والعيش المشترك إلى بلورة إدارة ذاتية ديمقراطية، تجربة جديدة بالمعايير السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية على امتداد خارطة الشرق الأوسط، رغم المصاعب والعراقيل الكثيرة، لاسيما دولة الاحتلال التركي، التي سخرت لإفشالها أدواتها الإرهابية كلها، وتعمل ليل نهار على مختلف الأصعدة؛ لإحداث شرخ بين الشرائح الاجتماعية المنتصرة على الإرهاب، والمكونة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.
$الفكر الأخواني القشة التي قصمت ظهر الثورة السورية$
لاشك، أن حالة الانفجار الشعبي في وجه حكومة دمشق قبل عقد من الزمان، وحالة الشتات الذهني للمجتمع السوري مرتبطة بعقلية وذهنية الدولة القومية، والحزب الواحد المفروض على الشعوب السورية كلها منذ عشرات السنين؛ لذلك ومن أجل الخلاص من أنموذج الدولة القومية، التي لم تجلب سوى الأزمات تلو الأخرى، وأودت بالمجتمع السوري إلى الغرق في بحر من الخلافات والصراعات المذهبية، والقبائلية والقومية، فمفهوم الدولة المستند على المركزية في إدارة شؤون البلاد يناهض الحرية، والاستقلال، ولا يهب سوى الفساد، ولاسيما في المؤسسات المرتبطة بها تطبيقا لمبدأ الأحادية، التي زرعتها الدولة بيديها في عقول مواطنيها، ولاسيما المواطنون السوريون، الذين ينتمون إلى قوميات وأعراق ومذاهب مختلفة؛ لذلك ورغبة من الشعوب السورية في تصحيح مسار الحياة السياسية المكبلة للحرية انتفضت، الجماهير وطالبت بحريتها المسلوبة، لكن سرعان ما اُغتصبت عدوة الشعوب الحراك السوري في المنطقة المتمثلة بتركيا وبعض الأنظمة العربية الخليجية كقطر، وحولوا مطالب السوريين في الحرية إلى مطالب إخوانية سلفية؛ أدت فيما بعد إلى تدمير المجتمع السوري وتقطيع أوصاله، فمنذ مؤتمر أنطاليا الذي عُقد في تركيا في 2011ظهر الفيتو التركي على الخروج، بأي قرار فيه تركيز على مبدأ التعددية السياسية واللامركزية تحسبا لظهور القضية الكردية في سوريا، وهو ما أكده أحد أعضاء المؤتمر الفاعلين (كمال اللبواني)، وكان مؤتمر (أنطاليا) وبعده بشهر مؤتمر (بروكسل)، الذي سيطر عليه الأخوان مؤشرا على بداية تفكك المعارضة السورية وتدخل الأيادي التركية، والقطرية فالسيطرة الإخوانية كانت بمثابة القشة، التي قصمت ظهر الثورة السورية، وحينذاك بدأت عن طريق الإخوان مرحلة شراء الولاءات، والذمم من العسكريين المنشقين والشخصيات المدنية الفاعلة لتنفيذ مآرب معينة، ومن خلال التيار الإخواني وتفرعاته (داعش والنصرة ) خطفت كل من تركيا وقطر الثورة السورية، وتحول من نادوا بالحرية إلى أدوات لمحاربة الكرد، ومشروعهم النهضوي.
$التستر خلف عمامة السنة$
تركيا، التي تحركها النزعة العنصرية الكمالية، والقومية الطورانية تستتر خلف الستار الإسلامي منذ تسلم حزب العدالة والتنمية الحاكم، هذا الستار الذي من خلاله تتحكم تلك القومية بعقول وإرادة بعض السذج، حيث أتقنت القيام بدور (حُماة السنة) من خلال شخصية (أردوغان)، الذي تباكى وذرف دموع التماسيح على القدس في فلسطين والسنة في سوريا، فوضع عدة خطوط حمراء لحماية السنة في (حماه وحلب وحمص)، والتي تم تجاوزها بسرعة البرق عند أول اجتماع مع بوتين وبدء مرحلة المقايضات، والباصات الخضراء، ولاسيما مع تبلور حالة التعايش والتآخي، وتبني شعوب شمال وشرق سوريا لمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، الذي يشكل لبنة ومنصة مزركشة بكامل الألوان السورية، وباقة طيف جميلة تلك الألوان، التي تتنافر مع التفكير الطوراني التركي، وعقلية القومية الواحدة والعرق الواحد، والعلم الواحد، واللغة الواحدة، فمن وجهة نظر العقلية التركية، أي مشروع يشارك فيه السوريون على اختلاف مشاربهم القومية والدينية، هو بمثابة المسمار الأخير، الذي يُدق في نعش الدولة القومية الكمالية التركية، ولأن أصحاب هذا المشروع الديمقراطي القائم على التنوع والتعددية، ومبدأ التشاركية في الإدارة انطلق من (كوباني) في التاسع عشر من تموز 2012على يد الشعب الكردي، وانتشر بشكل مدوي في جميع مدن وقرى ( روج آفا) من عين ديوار إلى راجو، وحينذاك عدّ أردوغان وحكومته أن الشعب الكردي في سوريا هو خطر، وتهديد على الأمن القومي التركي، وبدأ العمل على نسج المؤامرات ودعم أشد التيارات الإسلامية تطرفا( داعش والنصرة)، واستخدمتهم في الحرب ضد الشعب الكردي لغرض إبادتهم والقضاء على الإدارة الذاتية، التي اكتسبت دعما شعبيا من شعوب المنطقة كافة، كونها الأنموذج، الذي يعبر عن رؤية وتطلعات المجتمع السوري المتنوع في سوريا المستقبل.
$أدوات القمع التركية$
الأزمة السورية، وما رافقها من خراب ودمار وقتل وذبح وتشريد ولجوء، لا تتحمل وزره حكومة دمشق فقط ، بل أن تركيا، هي التي عاثت خرابا وفسادا في الجسد السوري أكثر من أي طرف إقليمي آخر، فتركيا هي من جمعت ما يسمى بالمعارضة المسلحة، ونقلتهم بالباصات الخضراء إلى (إدلب)، وهي من سلمت متصدري المشهد العسكري المعارض للحكومة السورية في بداية الحراك الجماهيري إلى السلطات في دمشق، كقائد ما سمي ب (الجيش السوري الحر) (حسين الهرموش)، وهي من شكلت جسما سياسيا معارضا ينفذ أجنداتها، ويأتمر بأمرها وينفذ تعليماتها مقابل حفنة من الدولارات ك (الائتلاف السوري)، وهي من ترسم خطوط السيطرة العسكرية لمرتزقتها بالتنسيق مع روسيا وإيران ضمن جلسات وتفاهمات (أستانا)، والأمر الذي لا خلاف عليه أن جميع تحركاتها العسكرية، وحراكها الدبلوماسي تندرج لتحقيق أمر واحد وهو الاستفادة من الأدوات، التي تأتمر بأمرها وتسير وفق هواها لضرب الكرد والشعوب المشاركة معها في مشروعهم الديمقراطي، وتحقيق أطماعها التاريخية في احتلال المنطقة؛ ومن أجل ذلك فتحت حدودها الدولية مع سوريا على مصراعيها لدخول وخروج أكثر العناصر الإسلامية تطرفا (مرتزقة داعش)، ووجهتم بعد أن شكلوا جيشا من القتلة وسيطروا على أسلحة الجيش العراقي في الموصل إلى المكان، الذي شهد انطلاقة ثورة التاسع عشر من تموز(كوباني) عام 2014في مسعى من حكومة أردوغان القضاء على مهد الثورة الكردية، والانطلاق منها فيما بعد صوب المدن الكردية في (روج آفا) لكن المقاومة الأسطورية، التي أبداها مقاتلو وحدات حماية الشعب، والمرأة أفشلت خطط أردوغان، وخرج الشعب الكردي من معركة كوباني مكللاً بالنصر، وبدأت مرحلة التحرير مرافقة بمرحلة البناء والتشارك مع شعوب شمال وشرق سوريا، في صنع ما طمحت إليه الجماهير السورية، وبعد فشل ما خططت له عبر مرتزقة داعش بدأت عن طريق جيشها، تنفيذ طموحاتها الاحتلالية بغزو مدن شمال وشرق سوريا مستخدمة جسماً عسكرياً من بقايا (الجيش الحر، وداعش، والنصرة)، تحت مسمى (الجيش الوطني السوري)؛ فاحتلت مدن (جرابلس والباب والراعي وإعزاز) دون مقاومة تذكر من جانب مرتزقة داعش، وفي 2018، نتيجة مؤامرة مع الروس وجهت بنادقها صوب مدينة #عفرين#؛ فاحتلتها بعد مقاومة تاريخية من قبل قوات سوريا الديمقراطية، دامت ثمانية وخمسين يوما، وأول خطوة قامت بها أدواتها هي هدم تمثال (كاوا الحداد)، الذي يرمز إلى الانبعاث الكردي، والشعوب المضطهدة في مواجهة المستعبدين ، لكن احتلال عفرين، ومن ثم احتلال (#سري كانيه# و#كري سبي#) على الرغم من قساوة الجرح والألم، إلا أنها زادت من تمسك شعوب شمال وشرق سوريا بإرادتهم الحرة المتمثلة بالإدارة الذاتية، وزادت الالتفاف الجماهيري لشعوب المنطقة حول بعضهم، وحول مكتسباتهم، التي تحققت بدماء أبنائهم.
$ما يجمعهم أكثر ما يفرقهم$
شعوب ميزوبوتاميا هي شعوب شقيقة ومتعايشة مع بعضها منذ مئات السنين، وأن ما يجمعهم أكثر، هو ما يفرقهم وسيبقون كذلك رغم أنف الشوفونيين، والمستبدين والطغاة أحفاد أرطغرل الغازي، وليعلم أردوغان وحاشيته ومرتزقته من قطاع الطرق وشذاذ الآفاق، الذين لا يمتلكون سوى ثقافة العنف والتشهير بالسلاح، وقواعد حياتية قائمة على السرقة والنهب وجز الأعناق، أن قافلة تشييد الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومبادئ التعايش المشترك، وتنمية الثقافات المشتركة ستسير نحو التقدم أكثر، وأكثر وأن أغصان الزيتون، التي ترمز إلى السلام، التي وضعها أردوغان على فوهة بنادقه ودبابته، ستزرع من جديد في أرض (عفرين وسري كانيه وكري سبي)، والمدن السورية المحتلة، وسيتلاشى مشروع بني عثمان الاحتلالي، وسترتطم أحلامه على صخور المقاومة لشعوب المنطقة، التي لن ترضى وتقبل بالعيش مرة أخرى تحت ظل الطربوش العثماني.[1]