آنو جوهر عبدوكا
مجتمعنا ال#كوردستان#ي، أحد أعرق المجتمعات الشرق أوسطية مبني على تراكم تجربة مئات وآلاف السنين من التفاعل الإنساني في ارض كوردستان وبلاد الرافدين، ارض شهدت قيام وأفول حضارات عدة، وشهدت نشوء الأديان وانتشارها، فحضارتنا والأفكار التي ولدت من رحم هذه الأرض غيَّرت وجه العالم اجمع حضاريا ودينيا وسيظل هذا التأثير قائما الى الأبد.
أن تشكُّل هوية الشعب الكوردستاني مر بمراحل كثيرة ونتجت عن ذلك قِيم مُشتركة لل#مجتمع الكوردستاني# نعتز بها جميعا ككوردستانيين، كوردا، كلدانا، اشوريين، سريان، تركمان، ارمن وعرب، ونَلتزم بها سواء كنا مسلمين، مسيحيين، أيزيديين، كاكائيين، صابئة مندائيين، بهائيين، يهود أو زرادشتيين.
القِيم الكوردستانية والتي تُشكل اهم أسس الهوية الكوردستانية، كأحترام لحمة العائلة وكيانها، احترام كبار العائلة والمسنين، إغاثة الملهوف والمحتاج، اكرام الضيف وحمايته وصون شرفه وعرضه كشرف اهل البيت، الالتزام الأخلاقي بتعليمات الوالدين والاقارب، الابتعاد عن المخدرات والانحراف الأخلاقي وعدم قبول الظلم والعبودية والذود عن ارض الوطن واحترام الذات الإلهية والمقدسات واحترام كل الأديان والقوميات جعلت من المجتمع الكوردستاني احد اكثر مجتمعات المنطقة انفتاحا من جهة وأكثرها التزاما ومحافظة على هويته من جهة أخرى، فهل يعتبر هذا تناقضاً؟
بالتأكيد كلا.
إن انفتاح المجتمع الكوردستاني بطبيعته، جعل انفتاحه على العالم مهمة ليست بصعبة وجعل من كوردستان ارضاً تجمع كل الانتمائات، فكوردستان بطبيعتها تتمتع بالتنوع الديني والقومي وهذا أهّلها لتتقبل التنوع الاقتصادي والسياسي والإنساني عموما بسهولة كبيرة، ولكن هذا بطبيعة الحال لا يعني ان تنصهر منظومة اخلاق وقيم الهوية الكوردستانية في بوتقة أي قيم اوهوية اجنبية أخرى مستوردة، فالقيم والهويات متساوية وليست هنالك هوية اهم من غيرها او قيم اكثر سموا من غيرها.
من حيث يدرون او لا يدرون، يحاول البعض من أصدقائنا، البعض وليس الكل، من ممثلي المنظمات الدولية والدول الصديقة، البعيدة والقريبة جغرافيا، تصدير قيمهم الى مجتمعنا الكوردستاني، ولا يكتفون بهذا فقط، بل يروجون لقيمهم ويدعمون من يروج لها ماديا ومعنويا ويعتبرونه مصلحا اجتماعيا في مجتمع غير مجتمعهم لانه يتوافق مع وجهة نظرهم لما يجب ان يكون شكل وطبيعة المجتمع الكوردستاني؟ وهذا طبعا مع الأسف ليس من شيم الصداقة بشيء، فالصديق يعتز بصديقه كما هو وليس كما يريده ان يكون حسب مزاجه، فالصداقات ليست مزاجيات وفرض رؤى وقيم، بل الصداقة هي ان تتقبل الصديق وتدعمه في نموه محافظا على هويته و قيمه الأخلاقية والمجتمعية والتي هي غنى للإنسانية جمعاء، فالتنوع غنى وليس ضعفا البتة.
قبل ان يكتب ميثاق الأمم المتحدة وقبل ان يصاغ الإعلان العالمي لحقوق الانسان وفي وقت كان المسيحيين واليهود والمسلمين وذوو البشرة الغير بيضاء يعانون الاضطهاد والمذابح، في كوردستان، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في بارزان، علّمَ الشيخ أحمد بارزاني (الخودان) محبيه وأبناء شعبه، بأن الإنسانية اهم قيمة في الوجود بقوله: مروَ ڤ بة – كن انساناً قبل كل شيء، كان المسجد قائما جنبا الى جنب الكنيسة المسيحية والمعبد اليهودي في بارزان، علم الخودان أبناء شعبه بأن يحترموا الطبيعة وان لا يقطعوا الأشجار الحية الخضراء وان لا يؤذوا الحيوانات البرية و ان لا يصطادوها، علّمهم ان يحترموا حق المرأة في اختيار زوجها وشريك حياتها وانا لا تُزوج الشابة بالشيخ المسن و ان يكون للمرأة رأيها وشخصيتها المصانة، وحتى المياه وعدم الإسراف بالثروة المائية والسمكية كانت لها نصيبها ضمن دستور الحياة والطريقة الإنسانية التي انتهجها الشيخ الخودان وشيوخ كرام من كوردستان ك ملا كوره في كوييه وملا افندي في أربيل وكاكه احمدى شيخ في السليمانية، ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي، في وقت كان العالم يغوص في صراعات راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر في حروب وصراعات دامية لم تحترم الذات الإنسانية البتة.
من حق الأمم والأوطان والمجتمعات ان تحافظ على هويتها وقيمها ومنظومتها الأخلاقية والاجتماعية، ولذلك وتبعا لتعليمات دولة رئيس الوزراء السيد مسرور بارزاني وعملاً ببرنامج عمل الكابينة التاسعة وبعد التشاور مع ممثلي الشعب في البرلمان (لجنة البلديات والنقل والاتصالات) ورجال الدين من مختلف الديانات وبعد اجتماعات عدة مع اتحاد العلماء المسلمين في كوردستان والادعاء العام، قررت وزارة النقل والاتصالات في حكومة إقليم كوردستان الايعاز لجميع شركات الاتصال باستحداث وإطلاق الباقة العائلية لخدمة الانترنت والتي بدأ استخدامها لمدة تزيد عن شهر من قبل الالاف من العوائل في كوردستان والتي من خلالها يتم حجب المواقع الإلكترونية التي تتعارض مع منظومة القيم والأخلاق الكوردستانية وخاصة حجب ضمن هذه الباقة ما يحتوي على (المواقع الإباحية، مواقع القمار، الأسلحة والعنف بالعموم وخاصة العنف ضد المرأة والطفل والحيوانات، المواقع التي تروج للتدخين والمخدرات والمسكرات، المواقع التي تتعرض للذات الإلهية والمقدسات والأديان الكوردستانية وتحرض بالضد من السلم الأهلي والمجتمعي)، وبهذه الخطوة تساعد الحكومة ومن خلال باقة اختيارية غير اجبارية الاباء والامهات أي أولياء الامور في كوردستان على الحفاظ على كيان العائلة الكوردستانية وصون القيم والأخلاق الكوردستانية التي نتشارك بها جميعا والتي تعتبر اللبنة الأساسية للمجتمع الكوردستاني وسيبقى العمل مستمرا على تحديث هذه الباقة واستحداث غيرها في نفس الصدد واطلاق حزمة توعوية في المستقبل القريب وعمل كل ما شأنه صون العائلة الكوردستانية واخلاقيات المجتمع وقيمه.
هذه الخطوة تعتبر البداية فقط، فبدعم أهلنا واحبائنا مواطني كوردستان، ودعم رئاسة الحكومة، والبرلمان، والادعاء العام، وجهود الكوادر الفنية في وزارة النقل والاتصالات وشركات الاتصالات الوطنية الكوردستانية والعراقية، سيتم العمل تدريجيا على اطلاق حزمة من التعليمات والإجراءات التي من شأنها الحفاظ على القيم الأخلاقية وترسيخ أسس الهوية الكوردستانية، فمنصات السوشيال ميديا والمنصات التي تقدم المحتوى الترفيهي الاجتماعي كتيكتوك وفيسبووك ونيتفليكس وغيرها يتوجب عليها احترام حرمة الأخلاق والقيم وحرمة الهوية الكوردستانية، كما على أصدقائنا ان يحترموا خصوصية مجتمعنا وان يحترموا قيّمه واخلاقياته وهويته الإنسانية، فليس من المقبول فرض هوية وثقافة اجنبية وتفضيلها على الهوية والثقافة الوطنية، ففي النهاية كوردستان الكوردستانيين هم من احتضنوا اكثر من مليوني نازح ومهاجر والبيشمركه قدموا الالاف من الشهداء والجرحى في حربهم ضد الإرهاب وداعش عوضا عن العالم برمته، فلولا كوردستان لكانت الآن الملايين على أبواب الغرب نازحة ومهاجرة ولكان الإرهاب يدق أبواب الغرب بعنف، اذن من اجل عالم اكثر امنا وإنسانية، ومن اجل شرقٍ اكثر تسامحا وتعايشا وسلاما،علينا جميعا ان نحافظ على القِيم والهوية الكوردستانية، قوية ، مترسخة، ومزدهرة.[1]