على مدى الأعوام العشر المنصرمة ولدت سينما الثورة في مناطق شمال شرقي #سوريا# وكان المسار الثقافي يتجه نحو ضرورة الاهتمام بالسينما على يد بعض المخرجين الموهوبين والممثلين الشباب الذين يتحدون المصاعب، معتمدين على معداتهم البسيطة، وهي عبارة عن جهاز عرض وشاشة وحاسوب وآلات تصوير ومواقع تصوير مبنيَّة بجهود ذاتيَّة وخبرات داخليَّة.
إمكانيات ضعيفة ومستوى جيد
إسماعيل رشيد (22 عاماً) طالب في كلية الفنون الجميلة ومن المهتمين بالشأن الثقافي يقول متحسِّراً: “شاهدت فيلم لأجل الحرية، كان فيلماً رائعاً ومؤثراً، وأتساءل كيف إذا عرض هذا الفيلم في صالة عرض كبيرة مخصصة أساساً للأفلام السينمائية، حينها من المؤكد أن المتعة والفائدة كانت ستكون أكبر وأعمق”.
يضيف “رشيد” لنورث برس: “الأحداث وملاحم البطولة التي سطرت في مناطق شمال شرقي سوريا بعد عشر سنوات من الحرب كانت مادة دسمة لصانعي الأفلام السوريين، ووجود صالات عرض للأفلام في غاية الأهمية، ولابد من التفكير في إجراء مسابقات للأفلام تضم كامل جغرافية المنطقة حتى لو كانت أفلاماً يشارك فيها ممثلون من المنطقة من عرب وكرد وسريان، بالمحصلة هم سوريون وعايشوا المعاناة ذاتها”.
بدأ “كومين سينما” وهي المؤسسة التي تهتم بالفن السابع في مناطق شمال شرقي سوريا، ونجحت في إنتاج أفلام سينمائية من قصص واقعية من وحي معارك حقيقية، لم تكن هذه الانطلاقة مبكرة فقد بذلت جهوداً جبارة لإقناع الأهالي بانضمام فتيات إلى ميدان التمثيل كما أنها رسمت طريقها بصعوبة ورسمت مساراً جديداً لها أساسه الاستلهام من الواقع المعاش، لكن الحلقة الأضعف كان عنوانها: سينما من دون صالات عرض.
غاية السينما هو إيصال الرسالة للمجتمع وهذا تحقق في منطقتنا
تقول نجبير غانم ممثلة ولعبت دور البطولة في أكثر من فيلمين محليين لنورث برس: “كان لا بد للسينما أن تجد المكان المناسب لها، وفي سوريا اختارت السينما الارتباط بموضوع الثورة، وثورة روج آفا كانت الأمل ولا بد من تمجيدها وتوثيقها”.
لعبت نجبير دور البطولة في فيلم (كوباني) إنتاج عام 2020 وفيلم (بربو) إنتاج عام 2021 وعرض الفيلمان في كل مناطق شمال شرقي سوريا، لكن في صالات العرض التابعة لهيئة الثقافة والفن.
تتابع نجبير: “أنا كممثلة شاركت في الفيلمين اللذين أنتجا في شمال شرقي سوريا، عرض 5 مرات في كوباني وأيضا في منبج والرقة والشهباء وتل رفعت والدرباسية والحسكة، ولا يزال العرض مستمراً في مراكز ثقافية تابعة لهيئة الثقافة والفن”.
وتستدرك نجبير قائلةً: “للأسف لا نملك صالات للسينما لعرض أفلامنا، فالفرص غير متاحة أبداً لافتتاح صالات للسينما، نحن نعمل بمعدات متواضعة جداً ومن دون أجر لأننا ببساطة نريد أن نوصل رسالتنا إلى الجمهور من خلال الأفلام التي نقدمها، ونعمل في ظل التهديدات التركية المستمرة وهذا بحد ذاته صورة للفن الحقيقي الذي نرغب تقديمه من دراما الثورة وحب الانتماء للوطن”.
وتضيف: “عدم وجود صالات للسينما مشكلة كبيرة لأننا إذا أردنا أن نرسم صورة لأطفالنا في المستقبل تكون زاهرة ونشبع الجيل الناشئ بحب السينما لابد أن نجهز لهم الصالات المخصصة لها، وتلك مهمة ربما شاقة على هيئة الثقافة والفن لأنها مكلفة وحسب نقاشاتنا المستمرة معهم كجهة رسمية مسؤولة ثمة خطط جديدة مستقبلية”.
وفي السياق لا يمكن إنكار أن الأفلام التي أنتجت هي أفلام ذات مستوى جيد من حيث الفكرة والتمثيل والتصوير رغم المصاعب، لكن بإمكانيات جداً متواضعة وبسيطة، فكل الممثلين يعملون من دون أجر من تصوير ومونتاج وممثلين، والغاية الأسمى هي تقديم محتوى هادف للجمهور “وأن تعرض مسلسلاتنا وأفلامنا وتأخذ حقها محلياً وعالمياً”، بحسب الممثلة.
وتقول” “أنا كممثلة أفكر دوماً في تقديم الأفضل لجمهوري، ولكن يجب أن يكون هناك من يساعدنا، الكل مسؤول أمام الفن السابع ليرتقي من ممثلين وسيناريست ومخرجين والديكور”.
وتعرب عن أمنيتها في أن “يصل صوتنا، لأن كل القصص تحاك من واقعنا ومن مدننا المنكوبة وقصص مجتمعنا وأنا دوماً أطرح مصطلح سينما الثورة لأنها بالفعل تعبر عن آلام ومعاناة العيش في زمن الحرب والثورة”.
“غانم” تحكي معاناتها في العمل وتقول: “لازلنا في خطر مستمر ولم نشعر بالأمن والاستقرار حتى نعمل بالشكل الأمثل ونقدم الأفضل، لازالت الصعوبات موجودة، المعابر مغلقة والممرات الإنسانية غير متاحة حتى بعض مدننا لازالت محتلة من قبل الأتراك والفصائل المسلحة، وأمام كل هذه التحديات لازلنا نقدم ونمثل ونشعر بصدق ما نقدمه من مشاهد ونطلع العالم على منتوجاتنا السينمائية”.
وتؤكد أنه يقع على عاتق هيئة الثقافة والفن أن تقوم بهذا العمل “وتفتح الصالات لعرض الأفلام وهذا يشجع الناس على الاهتمام بالفن السابع وإعطاءه حقه في العرض والتقييم والنقد”.
ارتفاع التكاليف
روناهي حسن النائبة في هيئة الثقافة والفن في شمال شرقي سوريا، قالت لنورث برس: “دور السينما كان ضعيفاً ويكاد يكون معدوماً أثناء الثورة السورية، ولم تكن ترتقي للمستوى المطلوب، ولكن بعد ثورة روج آفا بدأ العمل على صناعة الاسكيتشات والأفلام القصيرة، وشيئاً فشيئاً أخذت تعطي أصداء جيدة وتصنع مسلسلات وأفلام طويلة من منتجين وممثلين ضمن مناطقنا”.
وتضيف: “قبل ذلك كنا نضطر الاستعانة بخبرات الأكاديميين من الخارج ونحاول استقدامهم للعمل في مجال التدريب وصناعة السينما، وفي هذا السياق تحاول هيئة الثقافة على الدوام تسليط الضوء على الدور الريادي لهذا الفن، ولكن مع ضعف الامكانيات المادية لأن بناء الصالات تحتاج إلى ميزانية ضخمة”.
وأكدت “حسن” لنورث برس: “هناك خطوات كبيرة سوف تتخذ في خططنا القادمة، وهي بناء صالات كبيرة للعرض بالرغم من تكاليفها الباهظة، وقد طلبنا من الجهات الرسمية العاملة في مجال السينما دراسة مالية لضمها للميزانية في العام المقبل”.
تحولت دور السينما لصالات الأفراح والأفلام الهابطة
وعن أسباب عدم اهتمام الناس بالفن السابع وعدم وجود صالات للعرض، قالت صافيناز عفدكى مخرجة وعضوة في “كومين سينما” لنورث برس: “باعتقادي أن عدم وجود صالات للسينما له أسباب كثيرة منها سياسات الدولة السورية التي اتبعت في الثمانينيات، لأن منطقة الجزيرة كانت صالات السينما فيها أكثر من الصالات الموجودة في دمشق ولأن الكرد والسريان والعرب الموجودين في المنطقة كانوا متأثرين جداً بالثقافة الفرنسية وفتحوا الكثير من الصالات”.
لكن “للأسف تحولت تلك الصالات إلى صالات للأفراح أو عرض الأفلام الإباحية والهابطة، وهذا قلل من احترام الفئة التي ترتادها، إضافةً إلى أن النظرة المجتمعية لتلك الصالات كانت دونية وهي أماكن غير مرغوب فيها والزائر لها يوصف بالمبتذل”، بحسب “عفدكى”.
أما السبب الثاني الذي ترك منطقة الجزيرة من دون صالات سينما هو “حريق سينما عامودا فاحتراق 280 طفل في عام 1960 ليس بالأمر الهين، لذا ارتبط اسم السينما بالموت وهذا أثَّر على المجتمع ونظرتهم إلى السينما وصالاتها”، بحسب “عفدكى”.
وتضيف: “السبب الرئيس هو عدم وجود العدد الكافي من المشاهدين الذين يمتلكون الرغبة في مشاهدة أفلام محلية، ولا نملك ثقافة عرض الأفلام في صالات السينما بمعنى أن نشتري بطاقة وندخل إلى الصالة ونحضر فيلماً فهذا لم يحدث”.
وتقول: “كان لدى كومين السينما تجربة (السينما المتنقلة) وكانت ناجحة وجابت القرى والمدن واستهدفت الأطفال وكانت خطوة جيدة لتعريف الناس بواقع السينما، ولا ننسى أن عدد الأفلام التي أنتجت ليست كافية لافتتاح صالات عرض خاصة، نحن لازلنا في البدايات فالأولَى أن نزرع ثقافة حب السينما لدى مجتمعنا ونشجع على إنتاج الأفلام ومن ثم نطالب بافتتاح الصالات”. [1]