مقدمة:
وثقت رابطة “تآزر” للضحايا، اعتقال ما لا يقل عن 135 شخصاً، بينهم 12 امرأة و10 أطفال، خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، في مناطق #عفرين# ورأس العين/#سري كانيه# وتل أبيض التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض، كنتيجة لعمليتي “غصن الزيتون” في عام 2018 و “نبع السلام” في عام 2019.
ففي شهر أيلول/سبتمبر 2022، طالت عمليات الاحتجاز والحرمان من الحرية 109 أشخاص في مناطق “غصن الزيتون و “نبع السلام”، حيث وثقت “تآزر” اعتقال 90 شخصاً، بينهم 10 نساء و5 أطفال في منطقة عفرين، و19 شخصاً، بينهم امرأة و5 أطفال في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وقد تمَّ إطلاق سراح 29 شخصاً فقط من عموم المحتجزين/ات، فيما لا يزال مصير 80 شخصاً، بينهم 8 نساء و6 أطفال مجهولاً.
أما في شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، فقد وثقت “تآزر” اعتقال 26 شخصاً في مناطق “غصن الزيتون” و “نبع السلام”، بينهم 23 شخصاً في منطقة عفرين و3 أشخاص فقط، بينهم امرأة، في منطقة رأس العين/سري كانيه، وقد تمَّ الإفراج عن 9 أشخاص من عموم المحتجزين/ات، فيما لا يزال مصير 17 شخصاً مجهولاً.
تركز العدد الأكبر من حالات الاعتقال، خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوَّل/أكتوبر في منطقة عفرين، حيث جرى اعتقال 113 شخصاً، بينهم 10 نساء و5 أطفال، في حين شهدت منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض اعتقال 22 شخصاً على الأقل بينهم امرأتين و5 أطفال، وقد تمَّ إطلاق سراح 38 شخصاً، بينهم 4 نساء و4 أطفال من عموم المحتجزين/ات، فيما لا يزال مصير 97 شخصاً، بينهم 8 نساء و6 أطفال مجهولاً.
تعرض معظم المحتجزين/ات للاعتقال بشكل تعسفي، وتنوعت أسباب احتجازهم/ن والتهم الموجهة لهم/ن، ففي حين واجه بعضهم/ن تهماً من قبيل التعامل مع “الإدارة الذاتية” أو العمل لدى إحدى مؤسساتها سابقاً، أو محاولة العبور إلى تركيا بطريقة غير شرعية، اعتقل آخرون بهدف ابتزاز عائلاتهم/ن وتحصيل فدية مالية.
وقال بعض المحتجزين المُفرج عنهم/ن أو عائلاتهم/ن ل “تآزر”، إنهم/ن تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في السجون التي تديرها فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
اعتمدت الرابطة في توثيقاتها التي جمعتها في قاعدة البيانات الخاصة بها على شبكة باحثيها الميدانيين، والمعلومات التي حصلت عليها من ذوي المحتجزين/ات وشهود عيان، فضلاً عن التحقق من معلومات المصادر المتاحة للعموم (المصادر المفتوحة).
وتُنوّه “تآزر” إلى أن الانتهاكات التي ترتكبها تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” في مناطق عفرين ورأس العين/سري كانيه وتل أبيض هي أكثر بكثير مما يتم توثيقها والتحقق منها، إذ تعتقد الرابطة أنّ العدد الفعلي لحالات الاعتقال هو أعلى بكثير من الرقم الوارد في هذا التقرير.
وكانت رابطة “تآزر” قد وثقت في تقرير لها، ما لا يقل عن 117 حالة اعتقال في مناطق “نبع السلام” و “غصن الزيتون” خلال آب/أغسطس 2022، حيث طالت عمليات الاحتجاز 107 أشخاص، بينهم 8 نساء و 11 طفل/ة في منطقة عفرين، وكذلك 10 أشخاص، بينهم امرأة وطفل في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض.
كما نشرت الرابطة، بحلول الذكرى السنوية الثالثة لإطلاق عملية “نبع السلام” التركية، بتاريخ 9 تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، حصيلة ثلاثة أعوام من انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، وتضمنت اعتقال ما لا يقل عن 511 شخص، من بينهم 68 امرأة و42 طفلاً، على يد تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها “أنقرة”، كما تمّ توثيق ما لا يقل عن 325 حالة تعذيب للمحتجزين/ات في سجون تلك الفصائل، في حين قضى 5 أشخاص على الأقل نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له.
المسؤولية القانونية:
انتهك “الجيش الوطني السوري” حقوق المحتجزين وفقاً للالتزامات القانونية الدولية، فقد اعتقلت فصائله المختلفة الأفراد واحتجزتهم تعسفاً، فضلاً عن ممارسة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على المحتجزين والمختفين قسراً وعائلاتهم/ن، بوسائل منها تعمد إخفاء مصير هؤلاء الأشخاص وأماكن وجودهم، في انتهاك للقانون الدولي الإنساني والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان[1]، كما أن الاستبعاد الفعلي لهؤلاء الأشخاص من دائرة حماية القانون، إن وجدت هذه الحماية أساساً، والامتناع عن تحديد مصير هؤلاء الأشخاص يشكل أيضاً انتهاكاً للحق في الحياة.[2]
وفي ضوء الاستخدام الموثق المستمر للتعذيب ضد المحتجزين، وامتناع قيادة الفصائل والحكومة السورية المؤقتة/الائتلاف السوري المُعارض عن اتخاذ خطوات فعالة لمنع مثل هذه الممارسات، توجد أسباب معقولة للاعتقاد أن “الجيش الوطني” قد يمارس مثل هذا السلوك عملاً بسياسة تنظيمية. ولذلك، قد يكون هذا السلوك جزءاً من هجوم منهجي على المحتجزين في عهدتها، يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية هي جريمة التعذيب.
تخضع قوات “الجيش الوطني السوري” للقيادة والسيطرة الفعليتين للقوات التركية، لذا فأن الانتهاكات التي ترتكبها هذه الجهات قد تنطوي على مسؤولية جنائية للقادة العسكريين الأتراك الذين كانوا على علم بالجرائم أو كان ينبغي أن يكونوا على علم بها، أو لم يتخذوا جميع التدابير اللازمة والمعقولة لمنع أو قمع ارتكابها.[3]
في جميع الأحوال، وبصفتها قوة احتلال، على السلطات التركية ضمان عدم قيام مسؤوليها ومن تحت قيادتهم في “الجيش الوطني السوري” باحتجاز أي شخص تعسفياً أو إساءة معاملته، كما أنها ملزمة بالتحقيق في الانتهاكات المزعومة وضمان معاقبة المسؤولين عنها بالشكل المناسب.
اعتقالات “غصن الزيتون”:
وثقت رابطة “تآزر” اعتقال 113 شخصاً، بينهم 10 نساء و5 أطفال خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، في منطقة عفرين ذات الغالبية الكُردية، وقد تمَّ الإفراج لاحقاً عن 21 شخصاً منهم، فيما لا يزال مصير 92 شخصاً بينهم 8 نساء و5 أطفال مجهولاً.
وشهدت ناحية “شيراوا” في ريف عفرين أكبر عدد من حالات الاعتقال بواقع 30 حالة اعتقال خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، تلتها ناحية “معبطلي/موباتا” ب 25 حالة اعتقال، ثم ناحية جنديرس ب 21 حالة، وشهد مركز مدينة عفرين والقرى المحيطة بها 15 حالة اعتقال، وناحية شران 10 حالات اعتقال، وناحية بلبل 6 حالات اعتقال، في حين شهدت ناحيتي شيخ حديد/شيه وراجو تسجيل ثلاث حالات اعتقال في كل منهما.
وكان فيلق الشام مسؤولاً عن اعتقال 18 شخصاً من مجمل حالات الاعتقال في مناطق عفرين، تلته فرقة “الحمزة/الحمزات” باعتقال 16 شخصاً، فيما اشتركت فرقة “السلطان مراد” مع قوات الاستخبارات التركية في تنفيذ 14 حالة اعتقال، كما كانت القوات التركية لوحدها مسؤولة عن 10 حالات اعتقال على الأقل.
كما نفذت “الشرطة المدنية” 13 حالات اعتقال، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) المُصنفة على قوائم الإرهاب 4 حالات اعتقال، وكانت الفرقة 13 مسؤولة عن 3 حالات اعتقال، فيما لم تتمكن “تآزر” من تحديد الفصائل المسؤولة عن حالات الاعتقال الأخرى في منطقة عفرين بشكل دقيق.
اعتقالات “نبع السلام”:
شهدت منطقتي رأس العين/سري كانيه وتل أبيض، اللتان تحتلهما تركيا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، كنتيجة لعملية “نبع السلام”، اعتقال ما لا يقل عن 23 شخصاً، بينهم امرأتين و5 أطفال، خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، على يد فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض. وقد تمَّ الإفراج عن 17 شخصاً من عموم المحتجزين/ات، بينهم امرأتين و4 أطفال فيما لا يزال مصير 6 آخرين، بينهم طفل مجهولاً.
وكان تجمع “أحرار الشرقيَّة” مسؤولاً عن اعتقال 12 شخصاً، على الأقل، والقوات التركية عن 4 حالات اعتقال، والشرطة المدنية عن حالتي اعتقال، فيما كانت فصائل أخرى تابعة ل “الجيش الوطني السوري” مسؤولة عن حالات الاعتقال الأخرى.
وكانت دوافع اعتقال غالبية المحتجزين/ات في مناطق رأس العين/سري كانيه وتل أبيض هي الرغبة في ابتزاز عائلاتهم/ن وطلب فدى مالية مقابل الإفراج عنهم.
ففي تاريخ 5 أيلول/سبتمبر 2022، تعرضت فتاة مع أخيها و6 آخرين كانوا برفقتهم للاعتقال من قبل حرس الحدود التركي “الجندرما”، أثناء محاولتهم عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، بالقرب من قرية “العزيزية” في ريف رأس العين/ سري كانيه الغربي، ليتم نقلهم فيما بعد إلى مخيم “حران” في ولاية “شانلي أورفا” التركية تمهيداً لترحيلهم إلى سوريا.
وتحدثت الفتاة البالغة من العمر (20 عاماً) ل “تآزر” حول تفاصيل اعتقالهم من قبل الجندرما التركية وتسليمهم لاحقاً إلى فصائل “الجيش الوطني السوري” شمال سوريا.[4]
“عقب اعتقالنا بعدة أيام، سلمتنا قوات الجندرما التركية إلى فصائل الجيش الوطني السوري في مدينة أعزاز شمالي حلب، وهناك خضعنا للتحقيق، وتعرض الشبان الذين كانوا معنا لضربٍ مُبرح، كما شُتمنا نحن النساء، وبقينا على هذه الحال مدة عشرة أيام، إلى أن تمَّ إطلاق سراحي وأخي وبعض الأشخاص، بعد أن تمَّ إجبارنا على دفع فدى مالية مقابل إطلاق سراحنا”.
وبحسب الشاهدة، فقد دفعت فدية مالية بلغت 330 ألف ليرة سورية (ما يعادل 65 دولار أمريكي حينها) للفصيل الذي اعتقلها وأخيها ضمن “الجيش الوطني السوري” المُعارض، مقابل الإفراج عنهما.
وبتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2022، تعرض 5 أشخاص آخرون للاعتقال على يد حرس الحدود التركي “الجندرما” في قرية “عرادة” التابعة لبلدة أبو راسين/زركان شرقي رأس العين/سري كانيه، ذلك أثناء محاولتهم عبور الحدود التركية بطريقة غير شرعية.
تعرض الضحايا (طالبوا اللجوء) لإطلاق نار مباشر من قبل قوات حرس الحدود التركي (الجندرما) أثناء محاولتهم اجتياز الجدار الحدودي التركي، فأجبروا على التوقف عن الحركة. وتحدث أحد المعتقلين ل “تآزر” حول تفاصيل الحادثة قائلاً:[5]
“اعتقلتُ مع 4 أشخاص آخرين، وبعد التحقيق معنا، قامت القوات التركية بنقل شخصين كانا معنا إلى مكان آخر لا نعلمه، بعد أن وجهت لهما تهمة الانضمام لقوات الدفاع الذاتي (التجنيد الإجباري لدى الإدارة الذاتية)، فيما تمَّ تسليمي مع شخصين آخرين، أحدهما طفل قاصر يبلغ من العمر (16 عاماً) إلى فصائل الجيش الوطني السوري في مدينة تل أبيض عبر المعبر الحدودي”.
لم تكن معاملة فصائل “الجيش الوطني السوري” في مدينة تل أبيض، أفضل من معاملة حرس الحدود التركي مع طالبي اللجوء السوريين، حيث خضعوا لتحقيقٍ مكثف أثناء توقيفهم، وتعرضوا للضرب والتعذيب أيضاً.
ووصف الشاهد ظروف اعتقالهم في مدينة تل أبيض بالمزرية، وتابع حديثه قائلاً:
“خضعنا للتحقيق عدة أيام، ورافق ذلك تعذيبنا وشتمنا بعبارات مسيئة، ثم فرضوا فدية مالية قدرها 700 دولار أمريكي مقابل إطلاق سراح كل منا، وتحت الضغط للأمر الواقع، دفعت عائلاتنا المبلغ وأطلق سراحنا”.
والتقت “تآزر” بشاهد آخر كان قد اعتقل بتاريخ 5 تشرين الأوَّل/أكتوبر 2022، في قرية “العزيزية” بريف رأس العين / سري كانيه الغربيّ، من قبل حرس الحدود التركي “الجندرما”، أثناء محاولته عبور الحدود إلى تركيا بطريقة غير شرعية، والذي تحدث حول تفاصيل اعتقاله قائلاً:[6]
“تعرضت للاعتقال من قبل قوات الجندرما التركية، وخضعت للتحقيق لمدة 24 ساعة، ومن ثم سلمتني الجندرما إلى عناصر تابعة للشرطة المدنية وفرقة السلطان مراد في رأس العين/سري كانيه، وتمَّ نقلي إلى مقر عسكري قريب من المشفى العام في المدينة، حيث بقيت هُناك ثلاث أيام”.
لم يجرؤ الشاهد على الاعتراف بأصوله الكرديَّة أثناء الاعتقال والتحقيق، ذلك خشيةَ تصفيته، حيث سبق أن وثقت “تآزر” ومنظمات محلية ودولية، ارتكاب فصائل “الجيش الوطني السوري” انتهاكات لحقوق الإنسان والتمييز على أسس عرقية، ولا سيما ضد الكُرد، وأستذكر ذلك الموقف خلال حديثه قائلاً:
“أثناء التحقيق، لم أفصح عن أنني كُردي، خوفاً من تصفيتي وقتلي، إذ قام أحد العناصر بفحص أكتافي للتحقق مما إذا كانت تحمل آثار حمل السلاح، بعد أن وجهوا لي تهمة القتال مع قوات سوريا الديمقراطية ضد فصائل الجيش الوطني السوري”.
أُفرج عن الشَّاهد بعد أن قضى ثلاثة أيام في المحتجز في ظروف صعبة أجبرته على دفع فدية مالية، حيث ختم حديثه قائلاً:
“بعد ثلاثة أيام من الاحتجاز، تمَّ الإفراج عني بعد أن دفعت مبلغ 500 ليرة تركية كفدية مالية مقابل إطلاق سراحي”.
اقتاد عناصر “الجيش الوطني السوري” المعتقل باتجاه أحد السواتر الترابية الفاصلة بينها وقوات سوريا الديمقراطية غربي مدينة رأس العين/سري كانيه، بالقرب من الطريق الدولي السريع M4، وهناك أطلق سراحه بعد سرقة هاتفه المحمول، ومبلغ 400 دولار أمريكي كان بحوزته.[1]
———————————–
[1] قاعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر 98، كما وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الاختفاء القسري بأنه جريمة حرب مركبة، انظر/ي القاعدة 156.
[2] الأمم المتحدة، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، التعليق العام رقم 36 (2018)، الفقرة 58.
[3] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 28.
[4] تمَّ إجراء المقابلة بشكل مباشر، بتاريخ 23 أيلول/سبتمبر 2022، وقد تمَّ التحفظ على نشر بيانات الشاهدة بناءً على رغبتها.
[5] تمَّ إجراء المقابلة عبر الانترنت، بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وقد تمَّ التحفظ على نشر بيانات الشاهد بناءً على رغبته.
[6] تمَّ إجراء المقابلة عبر الانترنت، بتاريخ 12 تشرين الأول/أكتوبر 2022، وقد تمَّ التحفظ على نشر بيانات الشاهد بناءً على رغبته.