قبل كل شيء يجب أن نسأل أنفسنا ماهي الرواية؟ وهل توجد رواية كردية؟ والأوضاع التي يعيشها #الشعب الكردي# هل تصلح أن تكون مادة أدبية لرواية ما؟
فكما نعلم كانت توجد في السابق الأساطير, وبإمكاننا أن نعتبر ذلك من أشكال الرواية إلى حد ما، ف “مم وزين” يصح أن نطلق عليها اسم الرواية، ففي الوقت الراهن إذا أردنا أن نجعل من “مم وزين” رواية عصرية ومفهومة من قبل الجميع, يجب علينا إعادة كتابتها من جديد وبرؤية جديدة وعصرية. فلا يمكن لنا أن نتعامل مع الرواية ببساطة أو بأسلوب ديماغوجي, هنا يجب أن نكون يقظين وحذرين في أن لا نقع في مصيدة المديح أو الذم, وأن لا نحارب حقائق الأمور وهنا أعني بكلامي أن لا يكتب المرء بأسلوب المديح أو الذم، فهذا خطأ، وعندما نكتب عن الثورة مثلاً يجب أن لا ننسى أولئك الذين آزروا الثورة, ولا أولئك الذين ناصبوها العداء.
فالرواية لها عناصرها, وهي عدد من الشخصيات يتم سرد تطورها, وذلك ضمن مقدمة وعرض وخاتمة، فمثلاً الابتعاد عن الحقيقة في كتابة الرواية يؤدي بالمرء إلى الجنوح إلى الخيال, والقيام بكتابة وسرد الحقائق كما هي يعتبر من أدب المذكرات.. ورفاقنا يجيدون كتابة الحكايات، أما الروايات فلا قدرة لهم على كتابتها، وذلك لأن الرواية بالإضافة لكل ما سبق تضاف إليها عناصر جديدة وهي قيام الروائي بوصف وسرد ما يجب أن تكون عليه الأمور، وأن لم يوفق الروائي بذلك فمن الأصح أن نطلق عليه اسم /القاص/ لا الروائي, والأمثلة كثيرة على ذلك. إذ أن هناك روائيون روس عظام أمثال /تشيرنوفسكي، تولستوي، دوستويفسكي/، وكذلك هناك الكثير من الأمثلة في الأدب الفرنسي، وفي الآداب الإسلامية يمكن أن نجعل من /نهج البلاغة/ مثالاً حياً على ذلك…
من وجهة نظري من الأفضل أن نبدل قول “#الأدب والثورة#” ب “الأدب وحقيقة الثورة”، فضمن هذه المقولة تندرج النقاط الإيجابية والسلبية, وكما تعلم فهذا أمر واقعي، فالأدب له مهمة دقيقة وحساسة في حياة الثورة، ويمكن القول بأن الثورة بدون أدب كامرؤٍ بدون ثياب, فالأدب يعطي الثورة معناها, وبعدها الجمالي, ويمكن القول إن الثورة بدون أدب مثل إنسان لا يُرى فيه أثراً للجمال.
ويمكننا القول بأن الأدب هو خطاب الثورة، فالثورة بدون أدب تعاني الكثير من السلبيات, ويعتبر هذا الأمر من نقاط الضعف الأساسية لهذه الثورة, والأدب الذي لا يصل بمستواه إلى مستوى الثورة أدب هامشي وناقص, وهكذا فلا يمكن لأحدهما الاستمرار بدون الآخر, فمثلاً في #كردستان# من أي المواضيع يمكن أن تستمد الرواية مادتها…؟ وهنا لا يمكن تناول الأوضاع السياسية والاجتماعية في الرواية كما يحدث ذلك في خطاب أو اجتماع سياسي، فمثلاً حين تشرع في كتابة رواية ما لتكن عني فرضاً, من الممكن أن تبدأ من سنوات الطفولة, أو العلاقات التي قمت بها, أو من أحداث صراعي مع أحد ما, أو من خلال علاقتي مع تلك المرأة, وقد تكون بداية يسيرة, وقصيرة, ولكنها ستقودك حتماً إلى بحر من التفاصيل والأحداث, وأهم ما يتعلق بهذا الموضوع هو واقع المجتمع الكردي. ومن الممكن أن تطلق على هذا العمل اسم موت الرجل الكردي, أو موت المرأة الكردية, أو موت الشعب الكردي, ففي رواية “مم وزين” عبر الشاعر “أحمد خاني” عن استحالة قيام العشق الكردي في ذلك الوقت من الزمان. وقد سرد ذلك بشكل فريد عبر ملحمة شعرية وهناك الكثير من العشق المشهور عن الشعوب المجاورة لنا، ففي الأدب العربي نرى قصة ” ليلى ومجنون” وفي ثورتنا هناك “زيلان” وقصة عشقها الملحمي, فقد عبرت بعملها هذا عن حقدها ورفضها لكل الأشكال القديمة التي تعيشها المرأة الكردية، وكانت “زيلان ” منارة على طريق حياة المرأة الجديدة، وإن استطعتَ أن تغوص إلى هذه العقد الصغيرة، فأنك سترى خلال ذلك حربنا وعشقنا الكبير وكذلك بطولتنا وانتصارنا الكبير.. وأنا شخصياً لدي الإمكانية لكتابة أكثر من /300/ صفحة عن الأيام الأخيرة في حياة زيلان المليئة بالتفاصيل الحساسة والساخنة.
ويمكن الكتابة أيضاً عن كيفية ظهوري, وعن طباع شخصي وعن مميزات المجتمع الكردي, والعلاقات الأسرية العائلية, والأسباب التي كانت وراء هروب الكرد ولجوئهم نحو الجبال, والخصائص النفسية للرجل والمرأة الكردية، فإن لم تقم بذلك فلا يمكنك أن تكتب رواية حقيقية تلامس الواقع في الكثير من جوانبه، بالإضافة لذلك, نقاط الضعف والسلبيات التي تعيش وتطفو في مجتمعنا الكردي، وهل هنالك إمكانية حقيقية لحياة حرة، ويمكن أيضاً الكتابة عن الكثير من القضايا النفسية والتاريخية. وهنا يمكن الإتيان بالأمثلة مكان الأحداث التاريخية ضمن الرواية، ففي رواية /ما العمل؟/ لتشيرنوفسكي نرى ذلك واضحاً. ويمكن توضيح ماهية الأعمال التي قام بها الإسكندر المقدوني أو الإمام علي… إلخ. ويتم كل هذا ضمن إطار من الربط التاريخي مع العصر الراهن وواقع الثورة، يجب أن تكون على هذا الشكل، وهذا يتطلب حل وفك كل العقد الموجودة, كالعقد الشخصية والخاصة, وعقد الحياة اليومية التي تؤثر بشكل مباشر في عملية الهدم والبناء، وبهذه الطريقة من الممكن أن تخطو #الرواية الكردية# خطوة إضافية في طريق تطورها ونموها…
إن أردنا أن نكتب رواية عن الثورة الكردستانية لا يمكن لنا إن شئنا أم أبينا إلا وأن نذكر – pkk وشخصية القيادة- طبعاً هذا ضمن البيلوغرافية المتاحة والموجودة بين يد المؤلف، وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يملك المؤلف الحرية الكاملة في دمج ومزج شخصيات هذه الرواية كيفما شاء, وإظهار كل الجوانب السلبية التي تستعرضها الرواية لواقع ما. وهدفي الكبير هو كتابة رواية ضمن هذه الرواية الشمولية للتاريخ والحالة النفسية للإنسان, ومن هذه النقاط شخصية القيادة نفسها… فمن أجل فهم هذه الشخصية تلزم المصادر والمراجع, وحتى يمكن الذهاب إلى مسقط رأسي، فذلك يفيد في إغناء معرفة هذه الشخصية. ولفهمها أكثر يجب أن التطرق إلى الجوانب الأخرى سواء النفسية أو المنشأ الاجتماعي والطبقي, أو الوعي والفهم الاجتماعي, وحتى العلاقات الجنسية. ومن ناحية أخرى يجب أن تتعرف على هذه الحرب التي تقوم بها هذه الشخصية ومعرفة كل من يعارض, ويؤيد هذه الشخصية, ويتطلب لكتابة هذه الرواية أيضاً الفهم العميق للبنية الفكرية للدولة التركية الفاشية, وتاريخ الهمجية التركية. فهذه الأمور مهمة وحساسة جداً والتوقف على شخصية “كمال أتاتورك” وفهم كافة أبعادها سواء التاريخية أو الشخصية أو السياسية.. وفهم ومعرفة تاريخ الدولة التركية, والجيش التركي فهذه أمور مهمة أيضاً, والفهم العميق لجنرالات ومفكري الفاشية التركية… ينبغي القيام بكل ذلك.. وبالإضافة إلى ذلك يجب تفهم واستيعاب فكر الحزب والعلاقات التنظيمية…؟ وما هو الشكل الذي يجب أن نرى فيه واقعنا الكردستاني..؟. إن هذا الأمر لا يرتبط بالثورة، وإنما بالأدباء والمفكرين الكرد, ويمكن للمرء أن يكتب الكثير, عن الأغاني والأشعار والحكايات.. إلخ، وبتصوري لو كان هناك روائي كردي حقيقي وقام بكتابة رواية كردية حقيقية، فإنه حتماً سيحصل على جائزة “نوبل”، وبدون أي شك فهذه الجائزة تنتظر ظهور الرواية الكردية. فمثلاً يشار كمال إلى الآن لم يحصل على هذه الجائزة، أتعلمون ما سبب ذلك…؟ لأن يشار كمال لا يقوم بسرد وذكر كل الحقائق الكردية، وإنما يقوم بذكر بعضها فقط, ولو إنه توقف وبشكل عميق وجذري على حقيقة الواقع الكردي لنال تلك الجائزة بكل سهولة… فأرضنا بكر وبحاجة لكثير من الجهد والعطاء، فالفنان والمثقف الكردي يجب أن يتخلص من جوعه الفكري والعقلي, فها نحن قمنا بالخطوة الأولى وحرثنا تلك الأرض البكر، وهنا يأتي دور الفنان والمثقف الكردي لكي يقوم بعمله وممارسة دوره التاريخي…
وعلى الرغم من السلبيات التي يعيشها الأدب الكردي, وابتعاده عن حقيقة الثورة, ولتحقيق ذلك يتطلب من الأدباء البحث العميق والحوار العلمي الجاد والخيال الخلاق المبدع… ليكونوا أصحاب جسارة وعشق كبيرين, ولتتحقق في شخصيات مفكرينا وأدباءنا مفاهيم العشق الكبير وعدم الانشغال بالمسائل الصغيرة والتافهة, والعمل على كشف الجوانب السلبية والإيجابية في حياة ثورتنا وواقعنا الكردي، ويجب على المرء أن لا يتغاضى عن هذه القضايا الحساسة والمصيرية، فهذا من صميم عمل الأدباء والفنانين, وندائي للأدباء كونوا أصحاب جسارة كبيرة, واعتبروني سنداً كبيراً لكم…
في الحقيقة سيكون من الفائدة التطرق إلى العلاقة بين الإنسان الذي يستهدف الإبداع وحقيقة الرواية وما تم إبداعه مع الرواية، خاصةً أن ما عايشناه في الواقع الكردي من بنى تحتية وفوقية كبيرة إلى آخر درجة، تساعدنا على استيعاب أفضل للرواية، وفي الحقيقة لم أكن أعلم قليلاً مدى قوة الروايات التي كتُبتْ وكيف يتم تناول الكتابة، وكيف يتم تطويرها؟ كنت أعاني الصعوبة في إدراك معناها. لكن الممارسة الثورية عبر ذاتها، أدت بنا إلى مواجهة تجاه الرواية. أقيمّ بشكل عام الرواية كتعريف، بأن النظام الجديد الذي يفرض نفسه في الممارسة العملية بشكل بارز مع النظام الذي بدأ بالانهيار بكافة أسسه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أنه أثرٌ أدبي لمرحلة ما. وبهذا المعنى، ليس فقط ظاهرة خاصة بالحزب، بل إنني على ثقة بأنه تتواجد العديد من الكتب المشابهة للروايات في ظاهرة الإسلام على سبيل المثال أيضاً.
سيكون من الفائدة إجراء اختبار كتجربة باسم “الرواية في الإسلام” لأنه لو ذكرنا موضوع الرواية؛ فإنه يخطر على بالنا الرواية والروائيين الغرب. لكن سيكون من المهم جداً إجراء تقييمات مثل “يا ترى لمن تعود الكتب والكتابات الغربية من الرواية في حقيقتنا التاريخية، ومتى ظهرت؟” إذا أردنا الدخول إلى شكل الرواية على النمط الوطني أو الإقليمي، يجب إجراء الدخول نحو شكل روايتنا في الشرق أكثر ما تكون في الغرب، وفي نفس الوقت الدخول في المراحل التاريخية القديمة. ينبغي في هذه الأثناء رؤية الحكايات والملاحم، كذلك هناك المسلسلات التاريخية المشابهة للرواية إلى نسبة كبيرة.
العديد من الكرنولوجيين، والمؤرخين العثمانيين والإسلام، هم نوعاً ما روائيون. على سبيل المثال تعلمون أن “سياحت نامة” ل اولياء جلبي تشبه سلسلة روائية. هناك العديد من الروائيين الترك يظهرون أنفسهم وكأنهم لا علاقة لهم بهذه الأمور أبداً ويتغاضون عنها، واحتارُ لتقليدهم كُتاب الحكاية والرواية الغربية، هناك العديد من الأمثلة يمكن إعطائها على هذا الأساس. مثلاً الأعمال الأدبية “حكايات ألف ليلة وليلة”، “كرم وأصلي”، “مجنون وليلى”، تُعدْ كل واحدة منها أثر روائي رئيسي. لكن حتى الآن لم يتناولها أحد على هذا الأساس. هناك العديد من المنقبات الحربية الإسلامية، والتي هي عبارة عن نموذج لسرد روائي…
أتطرق مرةً أخرى إلى ظاهرة الكرد، في الحقيقة أن الروايات الجوهرية بتراجيديتها وعظمة انهيارها مهما كان اسمها فليكن تمثل النسيج الانفصالي المتنامي المعاش في الوقت الراهن. تكمن نقطة متناقضة أساسية، بين روحها المنهارة وروحها المتنامية، بين علاقاتها المنهارة وتيبولوجيتها المتنامية، أيضاً بين دنيا أحاسيسه المنهارة، ودنيا أحاسيسه المتطورة، ونمط علاقتها موضع الخطابة ونمط الحياة لديها بشكل عام. والرواية تملئ هذه الساحة وفق المهام التي تتطلب منها. أنها فرعٌ أدبي جديد. بلا شك تقدم سردها بالاعتماد على المراحل المتعلقة بها…
إن الرواية الفرنسية قبل الثورة الفرنسية وبعدها ذات علاقة وثيقة فيما بينها. لا حاجة لإيضاحها، لأن العلاقة بينها واضحة. وهذا ينطبق أيضاً على جميع البلدان الأوروبية الأخرى التي عايشت مراحل الثورات البرجوازية. المرحلة التي تسبق الثورة البلشفية وما بعدها مرتبطة بحقيقة الرواية الروسية. إن عظمة الرواية الروسية قبل الثورة الروسية ومع انحلال ظروف المجتمع الإقطاعي الثقيلة، مرتبط بعظمة النظام الجديد المتطور والعلاقات والتناقضات المتنوعة العديدة لتلك الثورة التي أحدثت هذه وأظهرتها على الساحة.
أما إذا تطرقنا إلى الرواية التركية، فإننا نتحدث عن رواية خامدة جداً. يتم إعطاء أفضل مثال رواية “محمد الناحل” على الأسلوب الروائي ل يشار كمال. إنه يدرس ظاهرة غريبة. بوجهة نظري فإن البحث في شخصية أحد العصاة، دون تحليل حقيقة المجتمع لا يمكن أن يعطي أي برهان، ولا تعدو سوى كونها حكاية، محال أن تكون رواية اجتماعية جدية، حيث تجري الرواية الاجتماعية وفقاً لمهمتها الأساسية المنبع لها مع حدوث الانحلال من خلال تمزيق النسيج الاجتماعي القديم، وظهور تنظيم النسيج الاجتماعي الجديد. عندما يكون المصدر بهذا النحو، عندها يمكن أن ندعوها رواية. وإلا فإن الأحداث المناقضة التي لا تشمل كافة المجتمع في سردها تعتبر حكاية. إنه يقيم مرحلة استقرار التركمان الجبليين على الأرض، حتى أنه يسكن في قرية بهذا النوع من القرى. فساكنو الجبال يكونون أشقياء والذين ينزحون إلى السهل يصبحون بكوات. لذلك يضطر إلى مدح الأثنين معاً، لكنه بعيد عن إعطاء صورة للتطورات الموجودة في تلك المرحلة. إن تعظيم هذا البيك والعاصي لا أراها ظاهرة تعبر عن الجوهر الاجتماعي كثيراً. إنها نمط من أنماط الحكاية، وسرد قريب من نمط الملحمة القديمة. على هذا الأساس ما أستطيع قوله، أنها أصبحت منقطعة عن حقيقة التاريخ العثماني وتاريخ تركيا فيما بعد. في الواقع، لا يدخل يشار كمال في هذا المضمار، أنه يتجنب ذلك. وهذا الوضع أرغب في إيضاحه نوعاً ما . كذلك تنطبق على الظاهرة الكردية. في الواقع أنه ذو أصلٍ كردي؛ على الرغم من لجوئه إلى جقورأوفا لسبب ما، لما لا يبحث في هذا الواقع؟ مما يخاف؟.
في الحقيقة يمكن توجيه الانتقادات على هذا الأساس للأدباء الآخرين أيضاً، وهم الذين يشكلون فئة المثقفين التي عمدت الكمالية إلى تصفيتهم. لا يمكنهم في أي وقت من الأوقات أن يظهروا أي مقاربة راديكالية تجاه الحقيقة الاجتماعية. إن أكثر نقد جذري ليشار كمال هو برأيي، أنه ينشغل بالتفرعات أكثر من أصل الموضوع. لم يرَ تنامي الكرد، والأبعد من ذلك، أنه لا يريد رؤية مجزرة الكرد والإبادة العرقية أبداً، يحاول من خلال تناوله لشخصٍ ما انقطع عن عشيرته دون أن يضع العلاقة بينه وبين الحقيقة الاجتماعية الأساسية، ودون الأخذ بعين الاعتبار الاتجاهات السياسية، الاجتماعية، والتاريخية لهذا الانقطاع. هذه مقاربة خطيرة إلى آخر درجة…
أود أن أسأل هنا ، أي رواية يمكن أن تؤدي إلى الثورة الاجتماعية؟
أوجه نداءً للأدباء أيضاً، لننشئ مدخلاً ثورياً للرواية الكردية أو الحقيقة الكردية، بشكلٍ عام لنسأل أنفسنا السؤال التالي “كيف يجب أن يكون الأدب الثوري الكردي؟” أو لنتعمق على ما يلي “كيف يجب استيعاب الروابط الداخلية لحقيقة الكرد أو جوانبها العصرية والتاريخية جميعاً”. توجد في روسيا رواية “ما العمل” ل تشيرنوفسكي التي أعجبت لينين. لم أقرأها بعد، لكن قرأها الرفاق ويقولون “نجري مقارنة بينها وما تقومون به أنتم، هناك نقاط مشتركة كثيرة جديرة بالاهتمام”. أظن إن تلك الرواية كُتبت في أعوام الستينات من القرن التاسع عشر، رافقت مرحلة تخلص المجتمع الروسي من القنانة حديثاً والمرحلة التي بدأت الشخصية الديمقراطية المثقفة الروسية بالظهور، ومرحلة ظهور الرومانطيقية. يقولون “إنكم تشبهون ذلك قليلاً”. لا أستطيع التحدث عنها بالتفصيل كوني لم أطالعها…
ألاحظ إن اتباع الأدب للأساليب السهلة يعتبر خطراً كبيراً. وذكرت بالتالي “اكتساب مسؤولية إجراء التقييم السليم لممارسة التعبير الفني، والتقييم الأدبي السليم لممارسته الثورية”. في الواقع لقد مضى فترة طويلة وأنا أتعمق على ذلك الموضوع. بمعنى من المعاني كانت هناك رغبة في تطوير التحليلات على شكل رواية. أحياناً تجاوزت حدود الرواية. وإن طالعتم تلك التحليلات ستدركون بأنها تقترب من الرواية تدريجياً نوعاً ما. أي أنها تخرج من كونها تقييمات سياسية. حتى إذا انتبهتم، ستجدون أن جميع تقييماتي تتجه مستندةً إلى المعايير الأدبية. حسب تعبيركم وحديثكم الذي أوضحتموه “جميل، رائع” تعتبر من التعابير التي تدخل في إطار الفن. تحاولون تقييم وتناول وضعنا من خلال استخدام الفن. إنني أدرك هذا بكل وضوح، لن يتم التعبير عن التطورات الحاصلة لدى الإنسان الكردي فقط من خلال بعض القيادات السياسية، الأيديولوجية، بل يجب أن تلعب الثورة دورها في المجالات الأدبية والفنية أيضاً. بالإضافة إلى ذلك فكرت في “إن قمنا بتسيير قيادة أيديولوجية، سياسية، وعسكرية. لكن ماذا عن القيادة الأدبية والفنية، هل هناك من يقوم بها؟” وانتظرت ما إذا كان الأدباء الكرد سيعمدون إلى خطو الخطوات؟”. حقاً، رأيت أن هؤلاء لن يخطو أية خطوة تجاه ذلك…
في الواقع أن يشار كمال هو مهاجر من وان. لجأ إلى جقوراوفا “وهو من بقايا المجزرة”، لكنه مع الأسف يتهرب حتى من البحث في جذوره التاريخية ومن عمل أدبي لترسيخ ذلك ضمن إطار بحث سياسي. وما أنتجه من نتاج أدبي يعتبر، أدب تركي، إنه أدب دوّنه بنظرة كمالية. يشار كمال لا يستطيع رؤية وحشية الاستعمار التركي ومجزرته بحق الشعب الأرمني. لكنه لا يتطرق إلى تلك الحقائق لأنه يقوم بالعمل الأدبي وفق الميثاق المللي والارتباط به.
أظن أن الشاعر أحمد عارف، وجمال ثريا أحدهما من ديار بكر، أما الآخر من ديرسم. يستقر الابن الذي ينتمي إلى دياربكر في جانقايا، يمكث عشرين عاماً دون أن يخطو خطوة واحدة نحو آمد. جمال ثريا ابن المجزرة الديرسمية، مع أنه لا يكتب حتى قصيدة شعرية باسم ديرسم. يقوم بكتابة أجود أشعاره بالتركية واستناداً إلى الحقيقة التركية..
كتب يلماز كوني الرواية وأنتج أفلام عدة. حسب رأيي، ينبغي أن يتم إنتاج فيلم حزين حوله. أي إن فيلم يلماز يجب أن يحلل شخصيته قليلاً. جوهر تحليل شخصية يلماز هو أنه يمثل الرجل الكردي أمام اللا حل. إما أن يعمد إلى القتل، أو ينتحر!….
لكن بالطبع يفرض هذا الوضع نفسه، فليس هناك مشكلة تحل بسهولة، إذ يتطلب إيجاد حل وإعطاء الجواب الثوري المناسب لها. أعطيت في الآونة الأخيرة نتيجة لهذه الحاجات الضرورية بصدد الأدب الثوري الكردي أو قابلية العمل للفن الكردي، الأجوبة حول كيف ستكون المقاربة حول ذلك. الأسئلة التي سألتموها أيضاً أسئلة على هذه الشاكلة. سأتحدث عن ماهية علاقة الكرد.
أحياناً أفكر على النحو التالي، “إن كتبت رواية الكرد، ماذا سيكون عنوانها؟” أفكر في الرواية من ناحية، ومن ناحية أخرى أضع نفسي في مركز الرواية. إني أفكر بنفسي في مركز الرواية هذه، لكوني أتمركز في مركزين، الانحلال الكبير والارتقاء العظيم في كردستان. إنه عبارة عن نسيج علاقات، حيث تعتبر سلسلة الأحداث في هذا النسيج تحليلات عظيمة، يقولون من سلسلة الانحلال، هناك مسيرة حرية كبيرة، حيث إني أعمل على معرفة وصولها. أبحث عن اسم الرواية. ما الاسم المناسب الذي يمكن إطلاقه على تحليل النسيج الكردي وخطوات الحرية؟
إنني أتناول الحرية في المقدمة وأقول عنها: “على طريق الحرية” أو “العلاقات الحرة”. أأخذ انحلال الكرد بعين الاعتبار، اعتبرها “العقدة الكردية”، أتذكر بقايا هذا الانحلال وأسميها “انعدام الشرف الكردي”، كما أفكر في أسماء أخرى مشابهة.
لكن يكمن ورائها الحقيقة التي بحثت عنها دائماً. لا أستطيع أن أطلق عليها هوية الكرد، أقول عنها هوية الكرد المنتهية. سنقول عنها “الكرد” هل هناك شيء باسم الكرد؟ هل هناك شيء آخر عدا انعدام الشرف والخيانة، رواية جيدة؟ هل يمكن لهذا أن يصبح رواية جيدة؟… من الممكن أن تكون رواية الحرب في مواجهة الخيانة وانعدام الشرف، وإن تم كتابتها ستكون رواية رائعة. هنا خطر ببالي علاقة PKK بالأدب، والأبعاد العاطفية التي خلقها نضال التحرر الوطني بقيادة PKK لدى الإنسان الكردي. بات البعد العاطفي بالذات في بنية PKK يفرض نفسه للإحساس به.
توجد نقطة مهمة أخرى هنا، ألا وهي الخروج عن إطار القروية. يظهر بصعوبة من خلال ردع المقاومات بشكل قاسي جداً. هناك الإنسان الذي ينشأ من جديد ومن جميع النواحي، كذلك الشخصية القديمة، وظهور الشخصية التي تتطور مع مرحلة رفضٍ عجيب للشخصية القديمة. حيث إن عدم قبول مفهوم الشرف، والعائلة عظيم بمقدار رفض الجمهورية التركية نفسها. ينتفض بشكلٍ كبير. لكن بذلك القدر فقط..! أي هي انتفاضة كبيرة فقط..!.
تتجه إلينا المئات من الفتيات القرويات، اللاتي لا يعرفن القراءة والكتابة أبداً. لكنهن رفعن رأسهن حتى كادت أن تصل عنان السماء..! نسألهن “حسناً، هل تعرفن شيئاً ما؟”، ترددن ” كلا”. فقط لديهن رفض كبير للواقع لا غير. حتى الراعي نفسه يوزع قطيعه الآن وينضم إلى صفوف PKK أيضاً. فالحرية لدى PKK وعملية تجييش المرأة، الراعي والقروي وما يخلقه من آلاف الأحاسيس والأفكار وعادات الحياة الجديدة جميعها تمهد السبيل لظهور العديد من المسارح التراجيدية، الكوميدية، الحزينة والسعيدة في الوقت نفسه.
والأكثر أهمية من ذلك الأفراد الذين كانوا يتشاجرون مع بعضهم البعض من أجل دجاجة في الماضي أو الذين لم يكونوا يسلّمون أولادهم لنا ولو ساعة واحدة فقط. يقولون اليوم بعد منحهم للعديد من أولادهم “منحته لكردستان”، “منحتها عروسة لكردستان”، و”ضحيت بها لكردستان”، يطلقون الزغاريد. نستنتج من خلال كل هذه المقاربات بوضوح، الانفتاح نحو طريق حياة جديدة.
طبعاً تعتبر تطورات سطحية بالنسبة لنا. إن ما يجب استيعابه بعمق كبير هو أنه ستعاش مرحلةً، لأول مرة تكتب فيه الرواية، الشعر والأغاني الكردية من جديد. يجب التطرق إلى هذه المرحلة جيداً، كذلك على كل من الأديب والمثقف الثوري تقييم هذه المرحلة من جمع نواحيها. لقد عملنا الآن على إحياء التاريخ من جديد، فيها ينقلب تاريخ الخيانة رأساً على عقب، ويظهر تاريخ الحرية…
أنني في الواقع كتبت رواية “الجريمة والعقاب” العائدة لكردستان. طبعاً كتبتها بالمعنى السياسي.. يمكن أن تكون الجرائم والعقوبات الموجودة في كردستان بمثابة المواضيع لروايات عدة. هناك العديد من المقاومات المهمة جداً والخيانات في كردستان. ظهر في صفوفنا المئات من الوطنيين والرفاق الذين فجروا القنابل الأخيرة بأنفسهم كي لا يستسلموا! أن كل واحدةٍ منها بمثابة موضوع ملائم للرواية! كذلك أحرقت عدة فتيات أنفسهن في عيد النوروز..! لا بد أن تنعكس كل هذه الأحداث على الرواية. كذلك هناك مقاومة إحدى الوحدات المكونة من خمسة أشخاص تتعرض لحصار جيش مؤلف من عشرة آلاف جندي والذي استمر لشهور عديدة. يتواجد المئات الذين استشهدوا من شدة البرد متجمدين في الجبال، والذين أُحرقوا بالأسلحة الكيمائية. كما أنه أفرغت آلاف القرى.
وأسأل هنا كل تركي يقول “أنا ديمقراطي” “أنا مثقف” لقد كتبتم عن فيتنام والسلفادور ونيكاراغوا وعن جميع البطولات التي حدثت في كل شبرٍ من الأرض في العالم. حسناً، كيف لا يمكنكم الكتابة عن كردستان التي كانت السند لكم خلال ألف عام؟ لماذا لا تستطيعون إصدار نتاج أو نتاجين، كلمة أو كلمتين، ووضع عنواناً؟ أين هي ديمقراطيتكم، ثقافتكم؟ كيف أنتم شعراء، وروائيون؟ ألا ترون أي جوانب شعرية تصلح للرواية في هذا النضال؟
إنني أقول لو تم كسب الحقيقة الكردية ضمن إطار فني، كتابتها لا تتوقف على الكرد فقط، بل على الترك أيضاً وإن كان مصير الكرد والترك واحداً، لماذا لا يكتبون معاً؟ يذكر الساسة الترك اليوم دون حياء “لقد عشنا بإخاء ألف عام سوية”. إن عاشوا بإخاء ألا يسأل الأخ الآخر إن كان جائعاً، كيف هي لغته، ثقافته، وحياته في أي وضعٍ هي…وأسئلة أخرى مماثلة؟ إن كنتم أخوة، لا تمنحه المال والملك، وإنما أسأل عن حاله وخاطره. أليس الفن هو السؤال عن الحال والحاضر؟ هذه هي الازدواجية الموجودة الآن. يرتكب المثقف التركي ذنباً كبيراً باكتفائه الصمت تجاه ذلك. لا يتحدث المثقف، الفنان والأديب التركي عن الواقع الكردي حتى بقدر ما يتحدث عنه السياسي التركي. الفنان والأديب في موقفٍ أشد رجعيةً مما هو لدى السياسي.
المصادر:
كتاب (أحاديث القائد عبد الله أوجلان)، حديث القائد مع الأديب الكردي (بافي نازي)، من منشورات حركة التحرر الكردستانية، 1998م.
كتاب “التاريخ مخفي في يومنا ونحن مخفيون في بداية التاريخ” الأدب المستهجن (حديث القائد مع يالجين كوجوك) – /منشورات مدرسة مظلوم دوغان للكوادر/ طبع ونشر – شيلانا-2016م.
*هذه التحليل العائد إلى المفكر عبد الله أوجلان، هي بالأصل أجوبة لأسئلة محاوريه (بافي نازي، يالجين كوجوك) في سياق الحديث عن الأدب الكردي، والمنشورة على شكل أسئلة وأجوبة في كتابين ذكرنا اسميهما أعلاه، وقد قامت هيئة تحرير المجلة بتجميع قسم من الأجوبة وترتيبها على شكل تحليل ورؤية للمفكر أوجلان حول الرواية الكردية.[1]