حاوره: دلشاد مراد
فن #السينما#، مكمل للفنون الأخرى، وله أهميته ودوره، فماذا عن واقع هذا الفن في #روج آفا# وشمال شرق سوريا، تأسيسه، أبرز الاعمال السينمائية المنتجة.. وغير ذلك. في هذا العدد نحاور المخرج السينمائي #شيرو هندي#، للحديث عن تجربته، ورؤيته حول المشهد السينمائي عموماً.
مرحبا بكم، نبدأ حوارنا برؤيتكم لفن السينما، والدافع الذي حفزكم للدخول والعمل في هذه المهنة؟
أهلا بكم، إن فن السينما، وكما تعلمون، تحوي في طياتها أو لها علاقة بالعديد من الأشكال الفنية الأخرى، كالفوتوغراف، الموسيقا، الأدب، الفن التشكيلي، النحت، الديكور، المكياج، الدراما، و#المسرح#، إذ أن هناك تداخلات مشتركة بين السينما وهذه الفنون كلها.
لكن ذلك لم يكن السبب الوحيد الذي دفعني إلى العمل في هذا المجال والشغف به، فالسينما من وجهة نظري هو مرآة المجتمع والحياة، وهو الأكثر مقاربة للواقع، كونا فن يعبر عن تفاصيل الحياة كلها من الآلام والافراح والأتراح، والتفاصيل اليومية للإنسان، والقصص والأحداث التي يمر به، فإمكان السينما التعبير عن الواقع وتفاصيله بكل سهولة.
ولذلك فأن من يعمل بمجال السينما، وخاصة الإخراج، عليه أن يمتلك حساً وإدراكاً عالياً بالتفاصيل الدقيقة في المجتمع، وأن يكون ذو مستوى عال من الثقافة والوعي، كما أن يكون ملماً بالجماليات البصرية والاستخدام الأمثل للتصوير السينمائي، ولهذا أرى أن السينما، فن غني ومكثف، وتعبير حقيقي لحياة الإنسان والمجتمعات.
والسينما؛ أكثر شمولاً وامتلاكاً للجمهور من المسرح والفن التشكيلي والنحت، فالمسرح يمكن عرضه من خلال عدد قليل من الأمكنة، على عكس السينما الذي يمكن عرضه في كل أرجاء العالم وبشكل أسرع، من خلال المهرجانات والصالات السينمائية في العالم. وحتى يمكن عرض الأفلام السينمائية في المحطات التلفزيونية، على الرغم من تحفظي على عرض السينما في التلفاز لأسباب شتى.
ما أهمية فن السينما بالنسبة لقضايا المجتمعات والشعوب؟
للسينما تأثير كبير على المجتمع، وقد انتشر هذا الفن في كافة أرجاء العالم، فالعروض المسرحية تحتاج وقتاً، كما أن جزءً كبيراً من فئات المجتمع لا تتمكن من زيارة المعارض الفنية التشكيلية، ولكن من السهولة أن تشاهد فيلماً سينمائياً، فكثرة مشاهدوها وجمهورها يؤهلها للعب بدور لافت ومؤثر في المجتمع.
ومن هذا المنطلق فإن الأنظمة وشركات الإنتاج السينمائي تعمل على استهداف الرأي العام المجتمعي في داخل بلدانها أو خارجها، سلباً أم إيجابياً، من خلال الإنتاج السينمائي، فبإمكانها ان تنشر مثلاً جوانب من القضايا الإنسانية في العالم بأجمعها، أو استخدامها في الدعاية لقوة الأنظمة والدول الكبرى في العالم …. الخ.
وهكذا فإن للسينما تأثير على ذهنية الإنسان ونظام حياته وثقافته واقتصاده، وبالتالي على المجتمعات، ونلاحظ هذا التأثير خاصة من قبل أفلام هوليوود الأمريكية، بسبب النسبة الهائلة من المشاهدين والجمهور لتلك الأفلام في العالم، ومنها في روج آفا وشمال شرق سوريا أيضاً، على الرغم من أن محتوى بعض تلك الأفلام لا يتوافق مع المعايير الأخلاقية والثقافية للمجتمعات المحلية في مناطقنا.
ماذا عن بدايات فن السينما في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ولاسيما أنكم عملتم منذ البداية في كومين فيلم روج آفا؟
لا يمكننا الحديث عن تاريخ طويل للإنتاج السينمائي في روج آفا، ومناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عموماً، فكما نعلم، كان ذلك محظوراً في مناطقنا في عهد نظام البعث. أما عندما نتحدث عن دُور السينما، نعم هناك تاريخ لابأس به فيما يتعلق بالصالات السينمائية وعرض الأفلام فيها، وخاصة في الخمسينيات وبدايات الستينيات، حيث كان الإقبال كبيراً على تلك الصالات في معظم مدن المنطقة.
ولكن للأسف، استخدمت السلطة صالات السينما في حساباتها السياسية ومواجهة الشعب الكردي في سوريا، فكان حريق سينما عامودا عام 1960 والذي أودى بمئات من تلاميذ المدارس في المدينة، حيث كانت النشاطات الطلابية الكردية في أوجهاآنذاك.
ومنذ ذاك الوقت وحتى العام 2000م عملت السلطة في سوريا على تقييد وإغلاق بعض صالات السينما أو عرض أفلام موجهة أو أفلام أكشن أو ذو مضمون غير أخلاقي، أي عملت على إفراغ فن السينما وصالاتها من جوهرها وتشويهها أمام الرأي العام المحلي في المنطقة، مما جعل الأهالي يبتعدون عن صالات السينما، ويمنعون من إرسال أبنائهم إليها، ويعتبرون ما يعرض فيها خارج ثقافة وأخلاقيات مجتمعهم. وفيما بعد تحولت دُور السينما إلى صالات للأفراح وغير ذلك، ولم يعد أحد يسأل عن صالات السينما.
ومع التقدم التكنولوجي والرقمي، وظهور أدوات حديثة لعرض الأفلام “السيدي وقنوات تلفزيونية خاصة بالأفلام”، أصبح بإمكان أفراد المجتمع مشاهدة الأفلام وبكل سهولة، ولكن ذلك لا يصنف ضمن السينما، التي لها أدوات عرض وطقوس خاص بها من خلال “صالة السينما”.
أما بالنسبة لكومين فيلم روج آفا، وهي المؤسسة المعنية بإنتاج الأفلام السينمائية بكافة أشكالها في روج آفا، فقد تأسس بتاريخ 14 تموز 2015 في مدينة درباسية. في بادئ الأمر كنا نتجول في مدن وبلدات روج آفا بحثاً عن شباب وشابات مهتمين أو من لديهم أي خبرات فنية، وكان هناك أصدقاءمن تركيا والأجزاء الأخرى لكردستان وأوروبا ممن قدموا لنا المساعدة، وبالنتيجة تمكنا من فتح دورة تدريبية نظرية وعملية لمدة شهر، وأصبح الشباب المتدربون أعضاءً في كومين فيلم روج آفا.
وعندما غلبنا اليقين؛ بأن التدريب الشهري لا يعطي نتائج مطلوبة، قمنا بتأسيس قسم السينما في أكاديمية “الشهيد يكتا” بمدينة تربه سبيه، وكانت مدة الدراسة أو التدريب فيه سنة وشهرين. وخلال عامين تلقى (20) طالباً دروساً حول السينما في الأكاديمية. وبعد تخرجهم انضم معظمهم إلى فعاليات وأنشطة كومين فيلم روج آفا.
كان بداية الكومين ومركزها في مدينة درباسية، وانتقلت فيما بعد إلى مدينة قامشلو، وكان لنا فرع في سري كانيه قبل احتلالها من قبل تركيا. وقد تأسس كومين للفيلم في عفرين عام 2016م، وكومين للفيلم في كوباني أيضاً عام 2018م.
ما هو رؤيتكم لعمل الإخراج السينمائي التي تقومون بها؟
الأعمال التي أحبذ أن أعمل بها من خلال الإخراج السينمائي هي الأفلام التوثيقية، ولاسيما في الشأن الثقافي الرصين، كالأغاني الشعبية “دنكبيجي- Dengbêjî” التي كانت تنتقل شفوياً عبر الأجيال، إضافة إلى التراث والفلكلور الكردي والشعوب الأخرى، وفي مجال الموسيقا أصبحت لدينا أعمال مشتركة مع الموسيقي المعروف “محمود البرازي”، ولدينا محاولات لإنتاج أفلام وثائقية في هذا المجال.
لا يمكنني الادعاء بأنه أصبح لدي رصيد كبير في الإخراج السينمائي، كما إني لم أصل إلى المستوى الذي يمكنني من تقديم رؤية خاصة بي في هذا المجال، فنحن لا زلنا في بداية المشوار.
ماذا عن فيلم (من أجل الحرية) الذي اعتبرها البعض كأول فيلم سينمائي احترافي أنتج حتى الآن في شمال وشرق سوريا، هل يمكنك تقديم نبذة عن مسيرة العمل في هذا الفيلم، وتقييمكم لها؟
بالنسبة لفيلم “من أجل الحرية-Ji Bo Azadiyê“، فهي تتحدث عن مقاومة “100 يوم” لشباب وشابات حي “سور” في مدينة آمد “ديار بكر” بشمال كردستان ضد الحصار المشدد المفروض من قبل الدولة التركية وهجماتها على الحي.
ففي الوقت الذي شنت فيه القوات التركية هجماتها، واتباعها سياسة القتل العشوائي والتدمير الممنهج لإجهاض الإدارة الذاتية الذي أعلنها عدد من مدن شمال كردستان، وكذلك هجماتها على مناطق روج آفا، عمل شباب وشابات وأهالي “سور” بتنظيم أنفسهم، وإعلان إدارتهم الذاتية رافضين سياسات الدولة التركية بحق الشعب الكردي، لكن شوفينية النظام التركي دفعه إلى حصار “سور” بشكل كامل، وقصفها بالدبابات، في محاولة منه لتركيع أهاليها، ولكن حدث ما لم يتوقعه النظام التركي، إذ أعلن شباب وشابات “سور” تشكيل وحدات مقاومة للدفاع عن الحي أمام الهجوم التركي، وبسبب كثافة القصف التركي وتدمير أجزاء كبيرة من الحي، اضطر أهاليها للنزوح منها، ليبقى فيها مجموعة من وحدات المقاومة المحلية التي جابهت الحصار المشدد والقصف العشوائي، ونجحت بصد وإفشال العديد من محاولات الجيش التركي لاقتحام الحي، وأوقعت خسائر في صفوفهم.
دامت المقاومة الملحمية لشباب وشابات “سور”لمدة 100 يوم، إلى أن استشهد معظمهم. وجاء فيلم “من أجل الحرية” ليوثق هذه المقاومة التاريخية بكل لحظاتها، وإظهارحقيقة ما جرى في “سور” للإعلام والرأي العام العالمي، ويكشف زيف الدولة التركية وشوفينيتها وسياساتها القائمة على القتل والتدمير.
تم تصوير الفيلم في مدينة كوباني، حيث تم تخصيص قسم كبير من أحد أحياء المدينة لتصوير الفيلم فيه، واستطعنا خلال مدة سبعة أشهر تحويل ذلك الحي والديكور المخصص للتصوير، إلى مكان مشابه لشوارع وبيوت “سور”، وقد ساعدنا في ذلك أهالي ومؤسسات مدينة كوباني، مما خفف العبء علينا، وقد استغرب البعض من قدرتنا على إنجاز فيلمنا وكل ما عملناه خلال الظروف الصعبة التي كانت تشهدها المنطقة، فالحرب على إرهاب تنظيم داعش على أشده، وكانت منطقة الرقة (إلى الجنوب من كوباني) ميداناً لتلك الحرب، وكانت قوات سوريا الديمقراطية تشن حملة لتحرير منطقة الرقة من إرهاب داعش، كما شهدت تلك الفترة هجوم الاحتلال التركي على منطقة عفرين. ويمكننا اعتبار إنجاز الفيلم بحد ذاته شكل من أشكال المقاومة في الظروف الني كنا نعيشها آنذاك.
يمكنني أن أقيم الفيلم، بأنه عمل احترافي وكبير، شارك فيه أكثر من 200 شخص بمختلف الأعمال والأدوار، وعدد كبير من الممثلين، وكنت مشاركاً فيه كمشرف على تدريب الممثلين، ومعظم الذين مثلوا في الفيلم كانوا مقاتلين حقيقيين، ولم يكونوا احترافيين في التمثيل والسينما او أي تجربة لهم في هذا المجال، على العكس من ذلك في القتال، مما جعل مدة التدريب طويلة، حتى استطعنا من تأهيلهم للتمثيل، لأن وجودهم في الفيلم كان ضرورياً. وللأسف استشهد فيما عدد من الذين مثلوا في الفيلم، ولاسيما المقاتل “روبار” الذي مثل دور القيادي “جيا كه ر- Çiyager“، حيث استشهد في مقاومة كبيرة في جنوب كردستان، وكذلك غيره ممن استشهدوا. ولعل ما أثقل كاهلنا هو استشهاد رفيقنا “مازدك آرارات” والذي كان من مؤسسي “كومين فيلم روج آفا” وكان يشرف على أعمال فيلم “من أجل الحرية”، وحاول إنتاج فيلم عن “مقاومة كوباني”، وقد بدأنا بالفعل في التحضيرات للفيلم، ولكن بسبب تدهور الوضع في كوباني وتعرضها للهجمات، جعلنا نوقف عملنا، واستشهد رفيقنا في ذلك الوقت.وعلى الرغم من ألمنا وحزننا على استشهادهم، لكن ذلك كان يقوي من عزيمتنا أكثر في متابعة عملنا بوتيرة أعلى، وإتمام الرسالة التي نحملها من خلال الفيلم، والمشاركة في المهرجانات الدولية وعرضها في العديد من البلدان.
عرض فيلم (من أجل الحرية) في الهند وعدد من الدول الأوروبية، حيث زرتم تلك البلدان، كيف كان انطباعات العاملين والمهتمين بالقطاع السينمائي في تلك البلدان حول الفيلم؟
زرنا مدينة كلكوتا الهندية في شهر تشرين الثاني 2019م، حيث كان يقام مهرجان دولي للأفلام السينمائية، على إثر قبول مشاركة فيلم “من أجل الحرية” في المهرجان، وعلى الرغم من أنه كان من المزمع عرض الفيلم مرتين، إلا أنه تقرر عرضه ثلاث مرات، لكثرة الجمهور الراغبين بمشاهدة الفيلم بعد اطلاعهم على مضمونه.
كانت كلكوتا تجربة مفيدة لنا، من خلال مشاركتنا في المهرجان الدولي ولقاءاتنا مع العديد من السينمائيين هناك، فالهند معروف بإنتاجها السينمائي النوعي والغزير. كما لاحظنا تأثر الجمهور والسينمائيين بالفيلم بعد عرضه ومشاهدتهم له، إذ تعرفوا من خلاله على القضية الكردية وعدالتها في مواجهة شوفينية الدولة التركية، وكان تأثرهم واضحاً عندما علموا إن بعض ممثلي الفيلم قد استشهدوا، حتى أنه كان واحداً من أكثر الأفلام متابعة من قبل الإعلام الهندي، ولاحظنا ذلك من خلال اللقاءات معنا ونشر التقارير عن الفيلم.
كيف تقيم العمل السينمائي في روج آفا، وشمال وشرق سوريا عامة، من ناحية (نوعية الانتاج، الاهتمام والدعم، تفاعل الجمهور، النقد السينمائي…)؟
لا يمكننا أن نقدم تقييماً موسعاً للعمل السينمائي في روج آفا وشمال شرق سوريا، كون التجربة السينمائية فيها لاتزال في بداياتها، فالأعمال المنتجة إما أنها نتاجات شخصية أو مؤسسات لاتزال في طور التكوين تضم أعضاء قليلون، فلم يتوفر بعد أعمال موسعة أو مؤسساتية احترافية تستخدم كافة أدوات وأشكال العمل السينمائي، وعلى سبيل المثال كومين فيلم روج آفا، الذي يضم أعضاء ممن لديه بعض من التجارب السينمائية، وكذلك ممن تلقوا التدريب في أكاديمية الشهيد يكتا، وهناك أصدقاء مساعدين ممن أتوا من الخارج. هكذا يسير الكومين نشاطاته.
وحتى يصل العمل السينمائي لدينا إلى المستوى المطلوب، ينبغي توفر أدوات وظروف وشروط العمل السينمائي، وتوفر صالات السينما ليكون سانحاً للجمهور فرصة مشاهدة الأفلام المحلية والعالمية على الدوام.
يمكننا إنتاج فيلم أو اثنين في السنة، إلا أن ذلك لا يكفي قياساً لما تشهده بلادنا من الأحداث والثورة، وإلى ما ذلك من قصص الحياة الكثيرة في الوقت الراهن. وبالمقابل لو كان يتوفر لدينا مؤسسة ضخمة للسينما وكوادر كثر في هذا المجال، لأمكننا إنتاج العشرات من الأفلام خلال السنة، وتنظيم مهرجانات للسينما، وبالتالي فأن تأثيرها سيكون عندئذ أكثر على المجتمع، وعلى نشر قضايانا في الخارج.
وحتى يتحقق ما نبتغيه لابد من وجود احترافيين ومهنيين في العمل السينمائي، ولذلك لابد من الاهتمام بمسألة التدريب السينمائي؛ ولو تطلب ذلك توفير متدربين خبراء من الخارج في مجال السينما. وخلاف ذلك؛ فأننا لن نتطور في العمل السينمائي.
مشاركة فيلم(من اجل الحرية)في مهرجان كلكوتا للأفلام السينمائية من اليسار شيرو هندي. ديار حسو. آرسين جليك.
ماذا عن أهمية مهرجانات الأفلام السينمائية التي تقام في شمال وشرق سوريا؟
تعتبر مهرجانات الأفلام السينمائية، النشاط الأكثر أهمية وتأثيراً فيما يتعلق بإحداث نقلة في زيادة المشاهدة كماً ونوعاً، ولها دورها البارز في تحفيز وتشجيع السينمائيين على الإبداع والمهنية، وكذلك تعد ملتقى للسينمائيين من مختلف بلدان العالم،وهو ما يزيد من فرص التعارف واللقاءات والنقاشات وتبادل الخبرات، وحتى إنتاج أعمال مشتركة. كما تساهم في مشاهدة الأفلام الجديدة، ومعرفة مستوى الأفلام العالمية، واكتشاف سينمائيين جدد والتعرف عليهم، ومعرفة التأثير على الجمهور والمجتمع، وكذلك معرفة آراء وانتقادات المجتمع حول الأفلام المنتجة.
ونحن في روج آفا، وعلى مدار أربع سنوات نظمنا مهرجان للأفلام السينمائية، وذلك بتاريخ 13 تشرين الثاني من كل عام، وهذا التاريخ هو يوم استذكار حادثة حريق سينما عامودا، وهو يوم أليم في ذاكرة شعبنا في روج آفا، فأردنا أن نغير نظرة شعبنا من السينما ودلالاته بالنسبة لحادثة الحريق، من يوم للألم إلى يوم ذا علاقة بالسينما وإعادة الرابط بين الجمهور والسينما، في مسعى منا لكسر المحاولات التي لجأت إليها الحكومات السورية على الدوام لإبعاد الشعب عن السينما. فبدل تلك الآلام، أردنا أن نجعلها يوماً لتطوير أنفسنا في مجال السينما، وفرصة لإقبال الجمهور إلى السينما، وإعادة الأخيرة إلى المجتمع.
والمهرجان الذي نظمناه، كان في البداية تعريفاً لأعمالنا، ومن ثم توسعت أعمالها لتضم عروض لأفلام محلية وخارجية، على الرغم من الإمكانيات شبه المعدومة والظروف الذي يمر به شعبنا ووطننا، حيث الحصار المفروض على مناطقنا، وشتى المصاعب أمام مجيء الوفود الخارجية، وعدم توفر صالات مخصصة للسينما، حيث يتم تخصيص صالات مراكز الثقافة والفن والصالات البدائية لبعض المخيمات لعرض الأفلام السينمائية في الوقت الراهن.
نأمل في السنوات اللاحقة، تحسين الظروف المساعدة لتنظيم مهرجان الأفلام السينمائية في مناطقنا بشكل ملائم، بحيث نتمكن من دعوة عدد كبير من السينمائيين العالميين، وسيكون بإمكاننا حينذاك الاستفادة من تجاربهم السينمائية الاحترافية، وبالمقابل سيكون بإمكانهم التعرف عن قرب على التجربة السينمائية الناشئة في روج آفا وشمال شرق سوريا.
هل ثمة أفلام جديدة تقوم أو تنوي كومين فيلم روج آفا بإنتاجها؟
يوجد سيناريويين بأيدينا حالياً، الأول سيناريو لفيلم طويل بعنوان “Nasname“أي “الهوية”،ويتحدث عن السنوات الأولى لثورة روج آفا، وفي غضون شهر سننتهي من إعداد السيناريو، ومن المزمع أن نصور الفيلم في شتاء العام الجاري. والسيناريو الثاني لفيلم عن مهجري سري كانيه خلال العدوان التركي على المنطقة. وغير ذلك أنتجنا فيلماً وثائقياً بعنوان “Evîn di ramberê qirkirinê“ أي “الحب في مواجهة الإبادة”، وهو يتحدث عن الغناء الشعبي في منطقة شنكال، عن واقعها، وما تتضمنه تلك الأغاني من قصص الحب والآلام التي عاناه الكرد الأيزيديون جراء سياسات الإبادة بحقهم، وقد دام إنتاج هذا الفيلم الوثائقي مدة سنتين، وحالياً نقوم بإرسالها إلى المهرجانات الدولية للأفلام، وسيعرض هنا للمشاهدة خلال صيف العام الجاري.
وهناك مشاريع أخرى نعمل عليها، ومنها فتح أكاديمية للتدريب السينمائي. ونحن ننتظر رفع الإجراءات الخاصة بالوقاية من كورونا بعد الانتهاء من هذا الوباء عالمياً، لمواصلة العمل في هذا المشروع.
كيف ترون مستقبل فن السينما في شمال وشرق سوريا، على ضوء الأعمال التي تُنتج اليوم؟
لقد أثرت الثورة الجارية في روج آفا، والدماء التي أريقت من أجلها، إيجاباً على مختلف الصعد، فظهرت مؤسسات وأعمال ثقافية وفنية تحمل في طياتها روح وقيم هذه الثورة، التي أعطت زخماً لشعوب المنطقة لممارسة ثقافاتها وفنونها بكل حرية. ولذلك ينبغي أن تكون نتاجاتنا الفنية على مستوى تلك التضحيات التي قدمت من أجل هذه الثورة.
ولكن الأمر الذي له أهمية كبيرة هو أن يتم إعادة بناء مؤسساتنا بما يحقق الاحترافية والتشاركية في آن واحد، إذ أننا نحتاج إلى تثبيت الركائز المؤسساتية أكثر، لأنها تفتح آفاقاً واسعة من جميع النواحي، وكذلك تفتح الطريق أمام الكثيرين لممارسة إبداعاتهم الفنية.[1]