#زهير كاظم عبود#
عانى المجتمع الأيزيدي من الظلم والتعسف من بعض رجال دين بقية الأديان والملل بنتيجة سوء الفهم أو الأتهامات التي كثر توجيه سهامها الظالمة والباطلة مع استغلال تفشي الجهل والأمية بين ابناء هذه الديانة قبل أن يدخل جيل جديد من ابناؤهم إلى معترك الحياة العملية ويحملوا مشعل التنوير الثقافي ، ويثبتوا بجدارة وأقتدار قراءتهم للتاريخ والمستقبل بعقول منفتحة وواعية مع حرص وأصرار للمحافظة على التراث والتقاليد والتمسك بأسس #الدين الأيزيدي# الداعية للخير والمحبة .
عانى المجتمع الأيزيدي معاناة لايتحملها الصخر وقدم تضحيات متكررة وطويلة وثقيلة متحملاً كل هذا بأناة وصبر وضبط للنفس وأمل في أن تسود المحبة بين الناس وينتشر السلام في ربوع الدنيا وتتعايش الأديان والمذاهب والملل بوئام وسلام ومحبة يجمعها عبادة الله الذي تعتقد به جميع هذه الأديان ، وقاسمها المشترك دعوات الخير والصلاح والسلام بين الناس .
فلماذا تحمل الأيزيدية دون غيرهم هذا الكم الهائل من المآسي والنكبات ؟ ولماذا صار الذي جرى عليهم بالتحديد ؟ وبعد كل هذا ما هي الأتهامات التي تدفع بأتجاه ذبحهم وقتلهم ومحاربتهم وأضطهادهم ؟ ماهي الجناية العظمى التي اقترفتها هذه الشريحة ؟
حين كتبت عن أيام الفرح للأيزيدية والتي يعتزون بها في حياتهم المليئة بالأحزان ، كتب أحد الأخوة في موقع أيلاف الألكتروني معلقاً بضرورة أن اكتب عن أيام بؤسهم وحزنهم ، وأن لاأدع الأنا تسيطر على ذاتي بالنظر للكم الكبير من الكتابات التي تنشرها المواقع ، وبالرغم من أني أحترم رأي كاتب التعليق فأن لي فصلاً حاولت أن اختزله ضمن كتابي المنشور بعنوان ( الأيزيدية .. حقائق وخفايا وأساطير ) أصدار دار قنديل في المانيا 2003 ، وبالنظر لمحدودية التوزيع فقد أضفت عليه بعض الفصول أملا أن تتم أعادة طباعته بفصول مزيدة عن الطبعة السابقة ، وأمل أن يبعدني الله عن سيطرة الأنا البغيضة أذ ليس للأنسان الا أن يقدم مايفيد الناس بقدر امكانياته .
أجل تعرض المجتمع الأيزيدية للمآسي والأضطهاد منذ زمن طويل ولم يزل ، ويمكن أن تتوقف حملات الأبادة والقتل ضد الأيزيدية في فترات متقطعة تبعاً للظروف ، ووفق الحملات التي يشنها بعض من أعداء الأنسان يدعون للقتل والذبح والدم بشكل يلفت النظر .
الدعوات للقتل لاتنطلق من مهووس أو مريض نفسياً او عقلياً ولامن خارجين عن القانون وأنما تتلبس من البعض بلباس الدين الأسلامي والأسلام منها براء ، وتنوعت الدعوات بقتل الأيزيدية تارة ضمن منحى ديني وأخر سياسي وأخر طائفي مقيت وأخرها قومي بغيض ، ولهذا تجد بين هؤلاء من يتبرقع بلبوس غير حقيقته فينطلق بحجج واهية وذرائع غير منطقية وغير مقبولة ، لكنها في كل الأحوال دعوات للقتل تدعو لقتل الأنسان وأستباحة دمه وتدعو لنشر الشر والأحقاد ولزرع الفرقة وأحداث الشروخ القاتلة بين البشر .
أسموهم أتباع الأمويين وهم من هذه الفرية براء ، وأسموهم عبدة الشر وهم يدعون للناس بالخير وأن تحل البركة من الله عز وجل قبل أن يدعوه لأنفسهم وقومهم ، وهم متمسكين بعبادة الله الواحد الأحد ( خودا ) ، وباتأكيد ان ضحاياهم ترنو بعيونها نحو الله تشتكي ظلم الأنسان وجور أبن آدم .
أن الزعم الذي يؤكد بأن الديانة الأيزيدية ماهي الا دعوة سياسية ألبست بغطاء ديني لأعادة السلطة الى الأمويين إدعاء ضعيف وزعم تعوزه الأدلة ، فأن هذا الزعم يدحضه الواقع و يفنده ما ورد في كتب التاريخ من حقائق ، فلم يحدث أن طرح في الموروث الشعبي أو الترانيم الدينية والموشحات الأيزيدية ما يشير الى الدعوة لأعادة السلطة الى البيت الأموي ولم يذكر التاريخ البعيد أو القريب حادثة معينة تدلل على الدعوة السياسية أو الانحياز المذهبي أو الطائفي .
وأذا كان الأيزيدية يذبحون تحت سعي محموم من مشايخ بلغوا الخرف اساءوا للأنسان وللحياة ولله وللديانات ، اوغلوا في جريمتهم بجواز قتل الأيزيدي دون جريمة أو فعل يستحق هذا القتل ، وأذا كانت الفترة المظلمة التي مر بها العراق وسادت الظلمة تاريخة المليء بالفجائع والنكبات مروراً من البابليين والسومريين وحتى زمان الطاغية ، وامتلأت أرض الأيزيدية وتلطخت صخورها بدماء ضحاياهم ، فقد غسلوا قلوبهم من وجعها وأسلموا أمرهم إلى الله العلي القدير في أن يستعيدوا حياتهم وانسجامهم مع اخوتهم وبداوا من جديد .
لايحمل الجيل الجديد من أبناء الأيزيدية أية ضغينة أو حقد على غيرهم من الأديان ، ويوصيهم آبائهم وقواليهم (( احبوا الناس يحبونكم ، وأحترموا الأديان والمقدسات يحترموا دينكم ومقدساتكم )) ، لايحمل الجيل الجديد أية بقع سوداء في القلب والضمائر ، ويعيشون في بقعة من بقاع ارض العراق لاتهتم بهم السلطات التي تعاقبت على حكم العراق ، تارة كردتهم وحاربتهم ، وتارة عربتهم وجرتهم بالقوة والمغريات ، وأخرى كلدتهم وجعلتهم اشوريين مرة اخرى ، غير انهم والسلطة يعرفون انتمائهم لأمة الكرد النبيلة .
وأذا كان هذا الجيل الجديد لايعود لفصول المأساة ولايحاول أن يتذكرها بدافع الأنتقام والتشفي ، وانما يتذكر معها قسوة الأنسان وبشاعة الظلم وغريزة القتل التي تسيطر على العقل البشري فتحيله إلى بهيمة لاتعرف الا سفك الدماء وأزهاق الأرواح دون سبب .
وفي هذا الزمن الأرقط يذبح الأيزيدي مرة أخرى بسبب دينه ، يتم قتله على الهوية ، فأي فجيعة أن يتم أباحة القتل بسبب الأعتقاد في القرن الحادي والعشرين حيث تحل حقوق الأنسان ، وكيف يسمح الأنسان لنفسه أن يستبيح دماء الآخرين على الهوية .
وهكذا يتساقط الأيزيدية الموجوعين والمحرومين من مكرمات السلطات التي تعاقبت عليهم ولم تزل مدنهم وقرآهم خرائب وبيوت تعود للعصور العتيقة لاتجد أثراً لسلطات تعاقبت وتساقطت واحدة تلو الأخرى ، يموت الأيزيدي وهو يحمل خبز عائلته يريد أن يوصلها لأهله ، يموت ويختلط عرقه بدمه فوق رغيف الخبز وتبقى عائلته بأنتظاره ورغيف الخبز ، غير أن القتلة يسلبون منه الحياة ورغيف الخبز ، ليس له هاجس سوى السؤال من اخية القاتل عن السبب ، فلم يزل الأيزيدية يسألون عن السبب في الذبح ، فهل من جناية أرتكبوها ؟
الأيزيدية الذين يقرون بوحدانية الله أحق بالذبح ممن يعبد البقر ويعيش بكل وقار وسلام وأنسجام مع اخوته الهنود ، فلكل أنسان دينه وهو حر أمام ربه ولاشأن للمخلوق الا بواسطة الحوار والأقناع ، ولم ترد نصوص الكتب المقدسة تبيح ذبح الفقراء والمساكين من ابناء الأديان الأخرى .
ثم ماذا أبتدع الأيزيدية وهم الديانة العريقة والقديمة قدم الأنسان في هذه الأرض ؟ بل بماذا اضر الأيزيدية غيرهم ليلقوا كل هذا العذاب والقتل والدمار والتشريد وأستباحة أموالهم دون أن يجدوا ضميراً واحداً يصطف معهم .
وهذا زمن أرقط تفجر فيه بيوت الله المسيحية ، وترمى القنابل على الكنائس في وقت القداس ، ترهب الراهبات وتفجع الآباء والقساوسة وترعب المصلين وهم يصرخون (( ابانا الذي في السماوات تقدس أسمك )) . لن توقف صلواتهم لله كل متفجرات المهووسين ، وكل قنابل المبتلين بالجريمة والله يمهل ولايهمل .
عطاء مستمر وضحايا يكتبون اسماؤهم في سماء العراق ، هكذا رسم الأيزيدية تاريخهم وهم يقفون مع جيش شعبهم الكردي يقاتلون في صفوف مقاتليه البيش مركة أو في صفوف الأنصار في جبال كردستان العراق ، او في معسكرات النفي التي قامت بها سلطة صدام ، او في القرى التي مسحها صدام من الأرض أو في ضحايا الأنفال في بهدنان او في ضحايا الفتاوى الدينية والذبح الشرعي الحلال ، او في الحملات التي دمرت قرآهم وقتلت رجالهم ونسائهم وذبحت اطفالهم وهم يرضعون منذ عهد السفاح الأول وحتى السفاح الأخير .
وأذ يتصيد المجرمين عودة البسطاء من الكادحين من أبناء الديانات غير الأسلامية فيمنعنون في قتلهم والتمثيل بجثثهم تحت شتى المزاعم وبقصد زرع بذرة الفرقة الدينية والأرهاب الفكري ، وأذ يبحث البائسين عن لحظة غدر يفرغونها في ظهر أيزيدي أو عامل مسيحي أو صابئي مندائي ليعتقدوا انهم بقتله سيمنعون العراق من ان يكون واسعاً شاسعاً متنوعاً قومياً ودينياً ومذهبياً ، ويعتقدون انهم يغيرون مجرى الحياة وأنسجام الناس في العراق ، الا خسأ ما يفعلون فسيبقون في غيهم يعمهون .
وسيبقى العراق راية خفاقة يحملها المسلم ويعاضده المسيحي ويشد على أياديهم الصابئي المندائي والأيزيدي ، ولن تستطيع زمر الشر التي تريد تلويث ارض العراق أن تغير وجه العراق البهي ، وأن تشوه وجهه الجميل وتنوعه الأجمل .
فهذا وطن أسمه العراق تجد فيه كل ديانات الله واحة ومتسعاً وفسحة للراحة الأبدية ، راسخاً بعمق في الأرض يجد قوته في تنوع دياناته الأصيلة وقومياته الجميلة .
وهذا وطن أسمه العراق لن يقدروا أن يغسلوا طعم الملح الذي تتميز به أرضه حتى لو نشروا دمائنا فوق ثراه .
وسيبقى الأيزيدي رمزاً للوداعة والمحبة يسجل حقاً مايمليه عليه الضمير وتعاليم دينه الذي اشبعوه تشويهاً وتخرصات واوهام حتى بات كالطلاسم والأسرار العميقة ، لكنه نقي وعبق وطاهر رغم كل محاولاتهم ، لكنهم لم يستطيعوا أن يدفعوا الأيزيدي للحقد والغدر والخيانة .
وسيبقى الأيزيدي متمسكاً بدينه وقوميته الكردية وبمقدساته ورموزه .
وسيبقى الأيزيدي يحتمي بالله وبالمحبة وبالدعوة لخير الأنسان [1].