*ديارى مارف
*معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى
منذ أسابيع قليلة، ولمناسبة حلول الذكرى الثالثة لتولي مسرور#بارزاني# رئاسة حكومة إقليم كردستان، ألقى هذا الأخير خطابًا لخّص فيه نتيجة إصلاحاته وإنجازات حكومته في السنوات الثلاث الماضية. وفي خلال الخطاب، وعدَ على النحو نفسه بتوسيع تَقدُّم حكومته في مجال حرية التعبير. ووصف بارزاني جهود الحكومة الرامية إلى توسيع نطاق حرية الكلام والتعبير، ووضعَ الأسس لإنشاء صحافة تتمتع بالمزيد من المسؤولية في إقليم كردستان.
لكن واقع الحكومة الحالية هو أن أنشطتها تعارضت مع هذه القيم، ومع ما وعد به بارزاني في كلٍ من هذه الخطابات الأخيرة والسابقة.
عُيّن مسرور بارزاني رئيسًا لمجلس الوزراء التاسع في حكومة إقليم كردستان في 10 تموز/يوليو 2019، خلفًا لابن عمه نيجيرفان بارزاني. ووعد مسرور بارزاني في خطابه الافتتاحي ببناء كردستان قوية من خلال: تنفيذ الإصلاحات، وتوحيد الأحزاب السياسية، وتعزيز الصحافة الحرة والمستقلة. إلا أن الكلام أسهل من الفعل، وأظهرت السنوات اللاحقة أنه فعلَ العكس تمامًا على أرض الواقع. ووضعَ بارزاني حكومة إقليم كردستان على حافة الهاوية إذواجهت أزمات حادة متعددة ستتطلب عقودًا لتعديلها. فالتحديات الاقتصادية، والفشل في دفع الرواتب، والتهديدات التي تتعرض لها المرأة، والتحديات الأمنية، كلها مشاكل تبتلي بها كردستان العراق. ومع ذلك، يواجه الصحفيين صعوبات للإبلاغ عن تلك القضايا باعتبار أن قواعد الرقابة الذاتية والجبرية ما زالت تطارد صحفيي إقليم كردستان العراق بشكل متزايد.
الانتقام من الصحافيين والنقاد
منذ أداء اليمين الدستورية كرئيس وزراء، شهد معدل الجرائم والانتهاكات مثل التهديدات والمضايقات والتعذيب ضد الصحافيين والنشطاء ارتفاعًا ملحوظًا. ونشرَ مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين حدوث 353 انتهاكًا بحق 260 صحافيًا ومؤسسة إعلامية في إقليم كردستان في عام 2021 وحده.
ووقعت إحدى أبرز الحملات القمعية في عام 2020، عندما اعتقل بارزاني أكثر من 80 صحافيًا وناشطًا ووضعهم خلف القضبان في محافظة #دهوك# بعد التظاهر ضد الفساد وسوء الخدمات العامة. وعلى الرغم من الإعراب عن مجموعة واسعة من المخاوف الجدية والإدانات المتأتية من المستويات الوطنية والإقليمية والدولية الأخرى لتحريرهم، بقي رئيس الوزراء متمسكًا بموقفه بعناد.
في نهاية عام 2021، تظاهرَ طلاب الجامعات بشكلٍ سلميٍّ مطالبين بحقوقهم الأساسية، مثل دفع مِنَحهم المالية التي عُلّقت لسنوات، وتحسين ظروف الإسكان الجامعي الحكومي. وفي المقابل، ردّت السلطات الكردية عليهم بوحشية عبر جرّهم في الشوارع وركل وجوههم وإطلاق الرصاص الحي في الهواء ونشر القناصين على سطح محافظة السليمانية.
في عام 2022، تابعت حكومة بارزاني هذا النمط نفسه لقمع الصحافيين وتقليص نطاق الحريات المدنية. فبعد أيام قليلة من خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة لتولية، اعتُقل صحافيان في إربيل ودهوك بسبب مهامهما المهنية. ثم في 22 تموز/يوليو، لم تسمح قوات الأمن التابعة لبارزاني بإجراء مظاهرة سلمية في إربيل ضد القصف التركي في كردستان، الذي أدى إلى مقتل حوالي 140 مدنيًا كرديًا وعراقيًا بشكل جماعي.
ليس رئيس الوزراء أو حكومته الحالية مسؤولَين وحدهما عن كافة الأزمات التي حدثت في كردستان العراق. فقد مرّ 31 عامًا بالضبط منذ أن بدأ حزبان أساسيان بحُكم كردستان العراق وتخريبها وهما: #الحزب ا#لديمقراطي الكردستاني# بزعامة مسعود بارزاني (من عام 1946 حتى الآن)، و#الاتحاد الوطني الكردستاني# بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني (بين عامَي 1933 و2017).
استخدم كلا الحزبين عددًا من الاستراتيجيات على مر السنين لإسكات الصحافيين والكتّاب والمتظاهرين الذين رفعوا أصواتهم ضد الفساد والظلم. وفي كلٍ من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، يتمتع الطالبانيون والبارزانيون بسلطة أكبر من القادة الآخرين، لأنهم سيطروا على حزبَيهم عبر استخدام قوات الأمن والمال من أجل حماية مصالح أُسَرهم، وخاصةً الابنين الأكبر لجلال طالباني ومسعود بارزاني، أي بافل طالباني ومسرور بارزاني.
سمعة بارزاني بين الصحافيين
تَعكس الحملات القمعية التي نفّذها بارزاني ضد الصحافيين جوانب عدة من حكومته. فيتألف معظم أعضاء حكومته ووزراء مجلسه من كبار الضباط ذوي الخلفيات الاستخباراتية، وهو فرع معروف بتشكيكه في الصحافة. وتولى مسرور بارزاني نفسه السلطة كصاحب خلفية استخباراتية قوية بصفته رئيس أجهزة الاستخبارات في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقبل أن يصبح رئيس الوزراء. ولم تكن عائلة بارزاني متسامحة إزاء النقد الداخلي.
في عام 2005، اعتقل بارزاني الكاتب المعارض كمال سيد قادر ووضعَه خلف القضبان لنشره مقالات تشهيرية عن السلطات الكردية. لكن ثمة مزاعم عن ممارسة المزيد من القمع العنيف، بما في ذلك مقتل الصحافي الشاب سردشت عثمان، الذي اختُطف في إربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وقُتل في محيط مدينة الموصل العراقية عام 2010. وكان عثمان صحافيًا شابًا انتقد الفساد وحُكم الأسرة والمحسوبية، وانتقد البارزانيين على وجه التحديد في مؤلفاتٍ عدة. وفي إحدى مقالاته تحت عنوان أنا مُغرَم بابنة بارزاني، تمنى عثمان بسخرية أن يكون صهر مسرور بارزاني، حتى يصبح ثريًا ومحميًا ويتمتع بنمط حياة أفضل. فخرقَ عثمان أحد المحرمات الاجتماعية حول الأسرة من خلال هذا المقال، وبالتالي تم التكهن بتورُّط رئيس الوزراء الحالي في جريمة قتل عثمان. كما اتُّهمت القوات الأمنية الموالية لبارزانيباغتيال الصحافي وداد حسين في عام 2016، والذي كان يعمل في صحيفة تابعة لحزب العمال الكردستاني المنافس للحزب الديمقراطي الكردستاني.
بشكل عام، ارتفع معدل العنف والجريمة في إقليم كردستان، ما أدى إلى تدهور الثقة وإضعاف الإحساس بالانتماء للمجتمع. وتترتب عن هذا القمع أيضًا آثار متوالية تنتشر في المجتمع الكردي العراقي، وهو أحد العوامل التي ساهمت في بروز أزمة الهجرة الجارية بين عامَي 2021 و2022 على حدود بيلاروس. وينشأ أيضًا شعورٌ بالقلق من نفور الشباب الأكراد وإغضابهم. فهذه الفئة العمرية هي الأكثر عرضة للتطرف أو الأسرع في الاحتجاج، ويشعر الكثيرون من الأكراد الشباب بالإحباط بسبب القيود المفروضة على حرية التعبير.
يجب على بارزاني أن يتعلم الدرس الذي تردد صداه مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء المنطقة حول ما يحدث للمسؤولين السياسيين عندما يتعدون على حقوق الناس وحقهم في التظاهر والتعبير. وإذا ما استمر مثل هذا القمع، فإنه سيجعل من الأرجح، وليس أقل، خروج الأكراد والاحتجاج في مواجهة حكومة لا تستطيع أو لن تستطيع أن تضمن لهم حرياتهم.
* صحفي كردي -عراقي وكاتب غير روائي مقيم في فانكوفر. حصل مارف على درجة الماجستير في التاريخ من جامعة بونا في الهند عام 2013. وهو كاتب في مؤسسة الإعلام الكندي الجديد. يمكن التواصل مع عبر صفحته على تويتر.[1]