عماد عمر يوسف
أسهمت عوامل سياسية واجتماعية وفكرية عدة في تزايد أعداد المؤسسات والتنظيمات الأدبية الكردية، وكان هذا الانشطار الثقافي نتيجة حتمية للظروف الموضوعية والبيئة الحاضنة للأدباء الكرد، الذين كثرت أعداد انتماءاتهم للأطر الثقافية وقل إنتاجهم الثقافي، مع غلبة الإنتاج الشعري على كتاباتهم ونشاطاتهم، وهي ظاهرة كان لا بد لنا من الوقوف عليها بحثًا عن دواعي انتشارها وتكوينها.
عانى الكرد عمومًا من التحدث بلغتهم فضلًا، عن تدوينها شعرًا ونثرًا وقواعد لغوية
عانى الكرد عمومًا من التحدث بلغتهم فضلًا، عن تدوينها شعرًا ونثرًا وقواعد لغوية، وتعرض المشتغلون فيها للكثير من المضايقات والملاحقات الأمنية التي أودعت الأدباء واللغويين الكرد في المعتقلات، بسبب نشاطهم الثقافي وإنتاجهم الأدبي، وقد كانت لهذه الظروف تأثيرها على الحركة الأدبية من منحيين اثنين، لأول: انعكاس حالة التضييق على المهتمين بالأدب الكردي على زيادة الوعي القومي بالتشجيع على الكتابة والتأليف باللغة الأم، وكان الشعر يعتبر بالنسبة لهم المادة السهلة للحفظ والإلقاء في المناسبات الكردية القليلة، التي كان يتم إحياؤها غالبًا بنوع من السرية، حتى وصل الأمر ببعض المراقبين للحركة الأدبية الكردية في سورية إلى القول: أن كل من تعلم شذرات من اللسان الكردي كتب شعرًا وغدا شاعرًا. والثاني: الإنتاج الأدبي وصف بأنه أدب مناسباتي لذا قل الاهتمام بالمستوى الفني، وربما كان الكثير من المصنف شعرًا أقرب إلى الخواطر والخطابة في اعتماده الأسلوب التقريري المباشر في طرح الأفكار، ناهيك عن الضعف في البنى اللغوية والنحوية.
اقرأ/ي أيضًا: الترجمة في اللغة الكرديَّة.. محاولة ردم الهوّة المعرفيَّة في زمننا الرّاهن
خلال متابعتي في الفترة الأخيرة لما يتم إصداره من كتب في المعارض ودور النشر، وجدت أن معظمها عناوين لمجموعات شعرية، حتى إن بعض اتحادات الكتاب المحلية التي تقدّم تسهيلات للكتاب في طباعة مؤلفاتهم اعتذرت عن استقبال المواد الشعرية، معللة ذلك بكثرة ما تم إصداره من كتيبات لا ترقى أن تكون أدبًا من جهة، ولا تستحق ما يدفع فيها من مال من جهة أخرى.
قد يكون انعدام حركة النقد الأدبي والرقابة الثقافية من أهم أسباب انتشار هذه الكتب، فضلًا عن القيمة الاجتماعية والمشاركة الثقافية للناشر في سعيه إلى إيجاد مكانة له في الوسط الثقافي الكردي، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن هذه الإصدارات لا تدرّ ربحًا ماديًا للمؤلف، ولا يمكن اعتبار الإصدارات الشعرية للشعراء المغمورين تجارة رابحة، ولا حتى للشعراء المجيدين الذين عانوا من الفقر والفاقة طوال حياتهم، بل إن مجمل إنتاجهم الأدبي تم طباعته بعد رحيلهم.
ويرجح شيار سليمان، الباحث في الأدب الكردي، سبب تغلب الشعر على الإنتاج الأدبي إلى ثقافة التقليد من جهة، والايقاع الموسيقي المؤثر في الشعر من جهة أخرى، فيقول: إن معظم النتاج الأدبي كان شعرًا بسبب ثقافة التقليد التي تواترت عبر القرون، فنكهة نتاج المبدع من نكهة ثقافته، كما تكون قيمة شهد النحلة من مزايا الرحيق الذي تتناوله من أنواع الزهور المختلفة، وبما يمتاز به هذا الجنس الأدبي من بلاغة وإيقاع يؤثر بها في النفوس ويحرك الأحاسيس والمشاعر، لا سيما عندما يلحّن الشعر لتصبح مفرداته أسلس وأكثر انسيابًا إلى أعماق المشاعر، لذلك عندما كان يراد توصيل الأفكار والأحاسيس إلى أكبر شريحة من الناس كانت تصاغ شعرًا، حتى تعاليم الأديان كانت توضع في قوالب شعرية، أو قريبة إلى الشعر، كما هو الحال في آيات الآفستا التي كانت تسمى بالياسنا، وملحمة الشاعر الكبير أحمدي خاني مم وزين، حيث صاغ القصة الواقعية التي كانت تتداول بين الناس في قالب شعري بديع حمل عصارة فكره وفلسفته، فأصبحت جزءًا من تراث الأدب العالمي.
ويؤخذ على هذه المجموعات الشعرية انعدام الترتيب وضعف التصنيف، حيث نلاحظ أن معظمها تخضع لخيار تأليفي لا يراعى في اصطفافها تراتبية التآلف والتوجه في المجموعة الواحدة، فقد نرى التنوع في الغرض الشعري وفي القوافي والشكل والمحتوى في مجموعة واحدة، بالاعتماد على الترتيب الزمني في وضع القصائد وجمعها، ومردّ ذلك عائد إلى ضعف حركة التدوين من جهة، وأن هذه المجموعات غالبًا ما تطبع باعتبارات منفصلة عن الشاعر في تقديم شعره، تتحكم بها الاتحادات والجهات الراعية للطباعة بناء على مخططاتهم في المقام الأول، لذا قد نجد قصيدة أطفال إلى جانب قصيدة غزل أو حماسة أو وصف حدث معين في مجموعة واحدة، وقد نجد خاطرة نثرية إلى جانب قصيدة موزونة مقفاة، وقد نجد خطابًا مدرجًا بين الشعر غريبًا عن لغته وأدواته .
ومما يمكن الإشادة به في هذه الإصدارات صبغتها الكردية، وإغناؤها لمكتبة الأدب واللغة الكرديين، والتي قد تعتبر مرحلة جنينية قد تكون بداية الانبعاث نحو نبوغ شعراء ذو مستوى عالمي جودةً وغزارة في الإنتاج.
صاغ أحمدي خاني قصة مم وزين الواقعية في قالب شعري بديع حمل عصارة فكره وفلسفته
يرى شيار سليمان: بالرغم من جميع المظاهر السلبية التي ترافق الحركة الأدبية باللغة الكردية، إلا أنها بوادر جيدة تدل على انتعاش اللغة، ولا بد من أن يولد الانتشار الأفقي والكم المتزايد من المهتمين باللغة الكردية تطورًا في النوع أيضًا، لكن لا بد من جهود حثيثة في مجالات النقد البناء، بالإضافة الى بناء المؤسسات والأكاديميات التي تعنى بهذا المجال، حتى نرتقي باللغة والأدب الكرديين إلى مستوى الآداب العالمية، وبالمحصلة الأدب العالمي كالحديقة ولكل لغة فيها رونقها ورائحتها ا لمميزة.
[1]