جوان تتر
قراءة #اللغة الكرديَّة# فقيرة، كما أنّ الترجمة إليها نادرة من بقيَّة اللغات، وعلى الرغم من فوائد الترجمة، إلّا أن المثقفين الكرد والمهتّمين لم يفطِنوا حتّى الآن إلى تلك الأهميَّة بما يتيح للآخر المختلف أن يطّلع على #الثقافة الكرديَّة# بوساطة الترجمة، أو أن يتعرّف الإنسان الكرديّ إلى باقي الثقافات المغايرة عبر اللغة الكرديَّة.
$حركة الترجمة متأخّرة، ولا تخدم التواصل الثقافي بين اللغتين العربية والكرديَّة$
يقول الشاعر والمترجم الكردي السوري الشاب #عبدالله شيخو# (1987)، أحد مؤسّسي مشروع هنّار الثقافي، المعني بالترجمة في مدينة #القامشلي#، أنّ حركة الترجمة متأخّرة، ولا تخدم التواصل الثقافي بين اللغتين العربية والكرديَّة، وفي الغالب تتمّ عبر ترجمات خجولة وضيّقة النطاق، تتّسم غالبًا بما يمكن أن نسمّيه بمدّ جسرٍ ثقافي يصفه عبدالله شيخو بالهشّ وترقيعه بين الفينة وشقيقتها، مُرجعًا ذلك إلى انعدام: آليَّة مؤسساتية للترجمة الثنائيَّة بين اللغتين، بالإضافة إلى غياب جهات ثقافيَّة عربية أو كردية تملك برنامجًا جادًّا ومدروسًا للترجمة بين اللغتين، كما يقول عبدالله شيخو عن هذه الحركة بأنّها غير ملائمة لالعلاقات التاريخية الاجتماعية الوثيقة بين الشعبين، ولا تستثمر نقاط التلاقي والتمازج الثقافي بينهما.
ينظر عبدالله شيخو -الذي ترجم ما يقارب ستة كتب من اللغة العربيَّة إلى الكردية، من أهمها روايات للكردي السوري سليم بركات، وأيضًا رواية اليهودي الحالي لليمني علي المقري؛ إلى الترجمة بين اللغتين العربية والكرديَّة واصفًا إيّاها بالبطء. كما يقول عنها إنّها مخيّبة، ملقيًا اللوم في ذلك على: الأسباب الرئيسة ذات الصلة بالواقع السياسي والتعامل السياسي الفجّ المؤذي خلال العقود الأخيرة، ماضيًا في تفسير المشكلة من وجهة نظره التي تفصح بأن: مثقّفي الشعبين ينظرون إلى بعضهم البعض من منظار السياسية ويربطون الحقل السياسي -المليء بالألغام- بالحقل الثقافي الذي يحتاج خطابًا إنسانيًا هادئًا مبنيًا على الاحترام المتبادل في محاولة لنزع الألغام السياسيَّة.
والحال هذه يقول عبدالله شيخو إنّ هناك: لا مبالاة ثقافيَّة عربيَّة باللغة والثقافة الكرديّتين، وليس هناك تخصصّ ثقافي عربي في الكردولوجيا، كما أنّ الجامعات العربية لا تملك فروعًا للأدب الكردي، ولا مراكز ثقافية كردية في الدول العربيَّة، وهنا المسؤولية مشتركة، متابعة التواصل بين اللغتين تعطي انطباعًا أوليًّا بأنّ هناك تباعدًا بين الشعبين، اجتماعيًا، تاريخيًا وجغرافيًّا.
على صعيد اشتغاله الشخصي في العمل على الترجمة من اللغة العربيَّة إلى الكردية، أنجَز عبدالله شيخو ترجمات لمجموعة روايات السوري سليم بركات، وعن آليَّة هذه الترجمات يقول: لا أستطيع الجزم أنّ الآلية كانت مدروسة، في الغالب كانت مرتبطة بذائقتي الشخصيَّة في انتقاء الأعمال التي وددت ترجمتها، تلك التي أحببتها ووددت لو يقرأها الكرد وتغتني بها المكتبة الكرديَّة، ومعظم ما ترجمتهُ كان أدبًا، وبالأخصّ في فنّ الرواية.
يمكن للترجمة أن تخلق أساسًا متينًا لتواصل ثقافي، اجتماعي وحتّى سياسي مبنيّ على الاحترام المتبادل
دائمًا ما تكون بدايات الترجمة لشابّ تحديًا كبيرًا، لذا يقول عبدالله شيخو: في البدء ترجمتي كانت موجّهة بشكل خاصّ نحو روايات سليم بركات التي كانت تحديًّا شخصيًا ولغويًّا، كون بركات يكتب بتلك اللغة الصعبة الممرّغة بالشعريَّة التي لم ينفكّ عنها بعد، كذلك لا يمكنني إهمال كرديته وقرب نصوصه حسيًّا من القرّاء الكرد الذين يتقنون العربيَّة، وكان مجرّد نقله إلى اللغة الكرديَّة نقلًا لأولئك القرّاء الكرد البعيدين عن لغتهم وثقافتهم إلى ميدان القراءة الكرديَّة المفتقرة لشبكة قرّاء موسّعة، تساعد في رفع سويّة المنتوج الثقافي الكردي، فيما يقول عن أهميّة ترجمة سليم بركات على أنّها كانت: جسرًا نحو أولئك الكرد المتوجّسين من غنى الكرديَّة وعمقها المفرداتي، ذلك أنّ الأنظمة التي حكمت الكرد كانت استبداديَّة على شعوبها بشكل عامّ، ومستبدّة بشكل مدروس وممنهج ضدّ الكرد ووجودهم ولغتهم وثقافتهم وسعت إلى طمسها، تقزيمها وزعزعة ثقة الكرديّ نفسه بها.
$هوّة معرفيَّة$
الترجمة على الدوام تعتبر شيئًا ما إضافيًا على ثقافة أيّ شعب، وبصدد الترجمة وأهميّتها في الزمن السوري الراهن وعملها على تقارب وجهات النظر يقول المترجم عبدالله شيخو أنّها: تقرّب وجهات النظر إلى أبعد الحدود، ويمكن للترجمة أن تخلق أساسًا متينًا لتواصل ثقافي، اجتماعي وحتّى سياسي مبنيّ على الاحترام المتبادل، يضيف: هناك جهل خاصّ من جانب العرب السوريين بالكرد وثقافتهم، وشريحة واسعة من العرب تتداول مرويات مضحِكة – مبكية عن الكرد وثقافتهم، على المثقفين العرب أن يتساءلوا عن سبب هذه الهوة المعرفية بين شعبين متعايشين منذ مئات السنين، فمن المؤلم أن تكون الحرب السوريَّة سببًا في معرفة العرب السوريين للكرد السوريين، يحتاج السوريّون إلى خلق بيئة مناسبة للتواصل الثقافي، وقد تكون الترجمة وسيلةً ناجحة لذاك التواصل.
$مواصلة الترجمة$
ثمّة مشاريع كثيرة انطلق بها عبدالله شيخو ضمن مشروع هنّار الثقافي، وأغلب تلك المشاريع كانت متمركزة على النقل من مختلف اللغات إلى الكرديَّة، وعن تبلور هذه الفكرة يقول: الفكرة قديمة قدَم الحاجة إليها، ولكن الظروف الجيّدة نسبيًا في روج آفا، وشمال سوريا، سمحت لي ولأصدقائي بهذا المشروع المهمّ للكرد وثقافتهم. مشروع هنّار هو مشروع كردي ثقافي، مستقلّ، متعدّد الاهتمامات، عمادهُ اللغة الكردية ويسعى إلى تأصيلها، وعن أهداف هذا المشروع يقول شيخو: بشكل أساس يهدف المشروع إلى ترجمة الإرث الثقافي، الدراسات، المؤلّفات التاريخيَّة والأدبيَّة، الأبحاث العلميَّة والمؤلّفات السياسيَّة إلى اللغة الكرديَّة لتصير جزءًا من المكتبة الكرديَّة، بمعنى أوضح، هنّار تعتبر الترجمة عماد مشروعها.
وعن خطّة العمل يقول عبدالله شيخو: الخطّة مبنيَّة على الاهتمام الأوّلي الذي سنوليه للترجمة وجمع الفلكلور/التراث الشعبيّ والأدب الشفهي الكردي، كذلك تأسيس قسم لأرشفة ما يُجمع وتصنيفه للاستفادة منه من خلال الدراسات والأبحاث التي من المأمول إعدادها في المستقبل القريب، ولكن حتّى الآن قام مشروع هنّار بنشر مجموعة كتب منها ما هو منقول عن اللغة الفرنسية مباشرةً إلى اللغة الكرديّة، وهي رواية الثلج/Neige للكاتب الفرنسي مكسانس فغمين Maxence Fermine، والثاني مجموعة قَصصيَّة باللغة الكرديَّة للكاتب الكردي إبراهيم سيدو آيدوغان، فيما تمكنّا أيضًا من إصدار ترجمة ويليام سارويان اسمي آرام/ My Name is Aram، وكتاب آخر تضمّن نوتات موسيقيَّة لأغاني المغنّي الكردي المعروف محمّد شيخو وقصًّة للأطفال بعنوان: شينكو ل آندرو لانغ من ترجمة بهار مراد عن الإنجليزيَّة، وأيضًا كتاب حيّ الأرمن لمكرديج ماركوسيان باللغتين الكردية والأرمنيَّة، فيما العمل جارٍ الآن على طباعة الترجمة الكرديَّة ل: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبي، وأيضًا الترجمة الكرديَّة لمسرحيَّة جلجامش لفراس السوّاح.
عبد الله شيخو: أشعر دومًا أنّني ألتقط التفاصيل الجميلة في الثقافتين التي أترجم عنها وإليها
وعن كيفيَّة إعادة ترويج اللغة الكردية عبر الترجمة بعد سنوات القمع يتابع عبدالله شيخو: بالنسبة لأيّ لغة مقموعة؛ أيّ لغةٍ لم تنل نصيبها من التقدم والانتشار، تكون الترجمة الدواء الأنجع لتثبيت قدميها، وإطلاقها نحو ميادين تجريبية تساهِم في نمذجتها، إغنائها وتقدمها. هذا ما تخبرنا به مسيرة اللغات التي عاشت تحت نير الكبت الثقافي/السياسي، يمكن للترجمة أن تدفع باللغة الكردية والثقافة الكردية نحو التعريف الصحيّ لها في الوسط الاجتماعي والثقافي السوري. يمكن لها أن تُعرّف السوري بهذا الجمال الذي تكتنزه هويته الوطنية التي عاشت القمع في الأمس، وتعيش اليوم ضياعًا وتطرّفًا كبيربين.[1]