الأرشيف هو ذاكرة الشعوب. دوماً ما تكون خطوات الأمم التي تحتفظ بأرشيفها سبّاقة على تلك التي تهمل أرشيفها. الشعب ال#كرد#ي تمكّن، شفاهيّاً، من نقل الأحداث التي مرّ بها عبر التاريخ، فنونه وثقافته جيلاً بعد جيل، لكن في الأسلوب الشفاهي عادةً ما يتمّ فقدان الكثير من الأعمال أو تتعرّض للتحريف والتشويه.
واقع أرشفة الإرث الثقافي والتاريخي للشعب الكردي واقع مثير حقّاً، إذ يصعب علينا، حتّى الآن، معرفة آليّة اختيار أجدادنا لنمط ملابسهم مثلاً، وكيف كان شكل الأطباق التي كانوا يتناولون فيها أطعمتهم، والقائمة تطول ولا أرغب بخوض غمارها.. إذ لا نملك متحفاً خاصّاً بمثل هذه الأمور.
في مسألة الأرشفة، ثمّة خطوات تبعث على الأمل، مثال على ذلك، المكتبة الرقميّة التابعة للمعهد الكردي في باريس، وأيضاً الجهود التي يبذلها موقع “آرشيف كرد” على الإنترنيت. لكنّ الحاجة لنماذج كالحالتين ملحّة للحفاظ على أرشيفنا من الضياع.
كلّنا يتفّق على أنّ الظروف السياسيّة للشعب الكردي لا تسمح بأرشفة النتاجات بشكل منظّم، لكنّنا ملزمون بالاعتراف أنّ الكرد أنفسهم مهملون، لدرجة كبيرة، في الحفاظ على تراثهم وإرثهم الثقافي.
كما تتذكّرون، في 18 أيلول من العام 1996، داهمت الشرطة البلجيكيّة مبنى قناة Med TV الكرديّة في مدينة ديندرلو، ووضعت يدها أرشيف القناة ومحفوظاتها. بعد هذا الحدث، كان لا بدّ للكرد أن يراجعوا أنفسهم فيما يتعلّق بالحفاظ على الأرشيف. استولت الشرطة التركيّة على أشرطة الكاسيت جميعها، وبعدها طلبت إدارة القناة من متابعيها أن ترسل لها ما تمكّنوا من تسجيله لبرامج القناة، وذلك عبر إعلانات نشرتها في الصحف والمجلّات.
هناك كتاب بحثيّ من تأليف الكاتب فراس باران بعنوان “Hunerkom Akademî Mîr: 1978-2006”، وهو عمل بحثيّ قائم بحدّ ذاته. كنت بحاجة للحصول على هذا الكتاب، وبما أنّني لم أتمكّن من ذلك، طلبته بشكل مباشر من مؤلّفه، الذي لم يكن يملك نسخة منه! حيث أنّ الشرطة الألمانيّة كانت قد داهمت مقرّي “مير ميوزيك” و”منشورات مزوبوتاميا” وصادرت أرشيف المؤسّستين من كتب مطبوعة، من بينها الكتاب الذي كنت أبحث عنه.
منذ فترة ليست ببعيدة، نشر الفنّان الكردي غمكين بيرهات منشوراً عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، طلب فيه من متابعيه أن يرسلوا له أشرطة الكاسيت وأقراص CD التي تحتوي كافّة أعماله الغنائيّة والموسيقيّة!
في الحقيقة، إنّ هذه القصّة بالنسبة لي هي مشهد دراميّ مثير للشفقة، من خلاله يمكن اختزال الوضع المأساوي الذي نمرّ به كشعب كردي لا يمكنه الحفاظ على أرشيفه من الضياع.
كنتيجة حتميّة، أريد أن أقول التالي: أعرف تماماً أنّ الكرد لديهم حلم بتأسيس “مؤتمر وطنيّ” وهذا الأمر هو شغلهم الشاغل، لكنّني أعلم أيضاً أنّ هذا الحلم لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب. وفي الوقت ذاته، يجب على الكرد، الذين يصرفون جهداً كبيراً في سبيل عقد مؤتمرهم الوطني، أن يلتفتوا لأهمّية إنشاء “أرشيف قوميّ” يجمعون من خلاله إرثهم الثقافي ويربطون به ماضيهم بمستقبلهم، وهذا الأمر لا يتطلّب توحيد الصفّ بين الأحزاب السياسيّة.
سيكون عملاً جبّاراً لو تمكّنت كلّ الأحزاب السياسيّة من فتح المجال أمام المؤسّسات والمنظّمات التابعة لها والقريبة منها للجلوس على طاولة واحدة ومناقشة السبل والوسائل لإنشاء “أرشيف قوميّ” للشعب الكردي. أمّا الجوانب التقنيّة والمادّية، فممكن نقاشها على الطاولة ذاتها. وارد جدّاً أنّ تكون المسائل المادّية، بالنسبة للبعض، هي التي تشكّل عائقاً أمام مشروع كهذا، لكن بالنسبة لي، اجتماع تلك المؤسّسات على الطاولة يشكّل الخطوة الأصعب، وهذه الخطوة هي مهمّة الأحزاب التي تحدّثت عنها.
–مقال مترجم من اللغة الكرديّة من موقع Diyarname
ترجمة: عماد تالاتي[1]