د.جاويدان كمال –
تمر التجربة الإنسانية بمرحلة حساسة ومصيرية لم يسبق أن شهد التاريخ مثيل لها، فحالة عدم الاستقرار والحروب والكوارث البيئية والأزمات الأقتصادية والصحية تهدد المبادئ البشرية والقيم الإنسانية في قمة هرمها الاخلاقي بشكل خاص.
من المعروف أن انتقال الإنسان من المرحلة البدائية نحو التحضر والتمدن مرّ بمراحل عدة إلى أن توصلت البشرية لسن بعض القوانين العالمية لحفظ الأمن والسلام الدولي ما أعطى بصيص أمل لأكثر المتفائلين والمؤمنين بالصيرورة البشرية بأن القيم الإنسانية ستنتصر في النهاية مع ارتفاع نسق الوعي الجمعي لحقوق الإنسان وانتشار قيم المساواة والديمقراطية والسلم الأهلي والابتعاد عن الحروب العبثية المرتبطة بالنزعات الشخصية و القومية والإيديولوجية من مبدأ تعلم البشرية من أخطائها السابقة وخضوع العالم لقوانين جديدة تفرض واقعا أكثر عدالة.
دأبت الأنظمة الحاكمة المستعمرة لكردستان على تطبيق سياسات عنصرية بعيدة كل البعد عن المبادئ الانسانية بهدف إبادة الشعب الكردي وتغيير هويته حفاظا منها على سلطتها بالدرجة الأولى فكانت عدوة شعوبها قبل أن تكون عدوة الشعب الكردي لأنها لم تفسح المجال أمام شعوبها للتطلع نحو التقدم والازدهار بقدر ما زرعت في عقولها فكرة وجود عدو متربص بهم متمثلا بهوية الشعب الكردي ليأتي البحث عن الأمان في الدرجة الأولى ويبقى الخوف لغة التواصل بين هذه الشعوب والشعب الكردي واصفة إياه بالدخيل والوثني والوحشي، بينما عاش هذا الشعب على ارضه التاريخية وأصر على الدفاع عن وجوده وهويته ليبقى أسير النضال من أجل الحصول على حقوقه المشروعة المنزوعة من خلال تقسيمات سايكس بيكو ومعاهدة لوزان وقبلها معركة جالديران وغيرها من الاتفاقيات والحروب الكثيرة التي لم تنصف هذا الشعب العريق.
بحث الشعب الكردي عن حقوقه بشتى السبل والوسائل الممكنة طارقا كل الأبواب الممكنة فحمل السلاح بيد وراية السلام باليد الأخرى، إلّا أن الحرب كانت تفرض عليه مرارا وتكرارا دون الاستماع للغة العقل من قبل تلك الأنظمة الحاكمة حتى سنحت الفرصة للكرد في سوريا لطرح مشروعهم السلمي وتطبيقه، ما دفع الأنظمة الحاكمة إلى فرض حرب جديدة عليه ضد قوى الإرهاب التي تم جمعها من مختلف بقاع العالم وتوجيهها نحو هذه التجربة، إلا أن المشروع الديمقراطي الذي طبق في روجآفا \ شمال وشرق سوريا ورغم عدم اشتداد عوده استطاع دحر الارهاب وافشال الخطط الهادفة إلى اجهاضه فكان أن أصبحت كوباني وتجربة الادارة الذاتية رمزا لكل القوى العالمية المناهضة للحروب العبثية والمشاريع اللاإنسانية ورمزا لانتصار الحق والحرية والتعايش المشترك، وأعادت الأمل والتوازن للفكر الإنساني وكل الشعوب التواقة إلى الحرية، ما جعل منها هدفا مستمرا للنظام الحاكم في تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية الساعي بكل قواه لإنهاء هذه التجربة الفريدة في محاولات يائسة منه لإعادة عجلة التاريخ للوراء، هذا النظام الذي مازال يرى في كوباني شوكة في حلقه ولم يرق له حتى الآن التعاطف المتنامي الذي يشهده العالم مع تجربة روجآفا، إذ أن بقاء هذه التجربة صامدة تعني له نهاية حكمه الديكتاتوري وبزوغ فجر الديمقراطية و التعايش المشترك بين الشعوب ونهاية الحكم العثماني المارق الذي يمثله.
لقد باتت الإدارة الذاتية في روجآفا\ شمال وشرق سوريا والمشروع الذي تبناه حزب الاتحاد الديمقراطي ودافعت عنه كل مكونات المنطقة والبطولات التي سطرتها قوات سوريا الديمقراطية بصيص الأمل الوحيد لحل الأزمة السورية في إطار مشروع ديمقراطي تعددي يحفظ حقوق الشعب الكردي وكل شعوب المنطقة شاء النظام التركي الذي تاجر بقضية الشعب السوري لتحقيق مآربه ذلك أم أبى.[1]