مير عقراوي
ليس إلاّ عبثاً وتخلُّفاً وإثماً عظيماً وخيانة كبرى بالأمانة أن يَتحوَّل حِراك آتجاه يزعم إنه نضالٌ وكفاحٌ وطني وقومي فتحرري لينقلب الى ضد الوطنية والقومية والعدالة والديمقراطية والإنسانية بالعمق والصميم ؛
فيبطش ويفتك بالمعارضين والمخالفين والمنافسين له والمختلفين معه فكرياً وسياسياً من خلال الإرهاب والإرعاب ، بالرصاص والإغتيال والتصفيات الجسدية ، أو محاولة تشويه سمعتهم وتدميرهم عبر المخابرات الإقليمية والدولية ، وذلك تزويدهم بتقارير تم حشوها بكل أنواع وألوان الأكاذيب والإفتراءات ، وبالتالي الإستيلاء على الثروات الوطنية ونهبها كما هو حاصلٌ الآن في إقليم كردستان العراق منذ ثلاثة عقود مضت .
إنها الإدعاءات المزيفة ، والوطنيات المزيفة التي آدعاها ويدعيها القادة المزيفون المستبدون لأجل للتسلط على رقاب الشعوب وسرقة خيراتهم ونهب ثرواتهم الوطنية .
ربما لم يكن يدر في خلد النخبة المثقَّفة والمتعلِّمة الكردية التي أسست حزباً كردياً عام [ 1946] من القرن العشرين الماضي بعنوان الحزب الديمقراطي الكردستاني للدفاع عن مظلومية الشعب الكردي التاريخية أن يَهوى الحزب ويسقط فيما بعد في قبضة عائلة قبلية سُلْطوية أضحى هدفها الإستراتيجي والغائي هو جعل الحزب ، بل #القضية الكردية# برمَّتها في خدمة العائلة ومصالحها القبلية والعشائرية السُلْطوية والفوقية . وبذلك فإنها تجاوزت قيم الديمقراطية ومباديء العدالة الإجتماعية وضربتها عرض الحائط ، بل جعلتها تحت نعالها وداستها دونما حسيب ورقيب أو مسائلة .
لقد إستغل حزب البارزاني ، أو العائلة والقيادة البارزانية تحديداً الحزب والقضية الكردية لأجل منافعها العائلية والذاتية ، وهي – كما يبدو بكل وضوح وبالأرقام والتواريخ والحقائق والوقائع الدامغة – منذ تأريخ تصديها للحزب ، أو بالأحرى الإستيلاء عليه منذ منتصف الستينيات الماضية من القرن الماضي إنتهزت جميع الفرص وآستغلتها في سبيل ذلك ، وفي سبيل فرض زعامتها الجورية وقيادتها الدكتاتورية وسطوتها ورعبها على الحزب نفسه ، وعلى الأحزاب السياسية ، ثم على المجتمع الكردي في كردستان العراق أيضاً بشكل عام .
عليه فعندما تصدت العائلة البارزانية لقيادة الحزب إستغلوه الى أبعد حدود بآسم القومية والوطنية الكردية ، وبآسم هوية الكوردایەتی ، أي الذاتية الكردية فحاربت العشائر والأحزاب السياسية في كردستان العراق . ربما لم تبق عشيرة كردية إلاّ حاربتها العائلة البارزانية وحزبها تحت غطاء محاربة أعداء الثورة الكردية . هكذا فإنها كانت ومازالت ترفض ، كل الرفض النقد والإختلاف والمعارضة ، ومن تجرأ على النقد والمعارضة فقد كان نصيبه الإغتيال والتصفية الجسدية ، أو النفي الى خارج البلاد حيث الهرب من جبروتهم وإرهابهم وبطشهم . حتى إن السلطة – العائلة البارزانية لم تترك الكرد المعارضين لآستبدادها وطغيانها في حالهم وهم في المنفى ، بل إنها حاولت إغتيالهم أو تقديم تقارير إفترائية وكيدية ضدهم الى أجهزة الأمن والمخابرات الأجنبية للدول التي يقيمون فيها للنيل منهم ، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبلدان الأوربية وتركيا وايران الشاه وايران الخميني وغيرها .
الغريب في الأمر والمفارقة الكبرى ، هي إن حزب البارزاني آستجاب لطلبات المخابرات التركية والإيرانية في عهد الشاه المخلوع لتصفية ، أو تسليم المعارضين القياديين الكرد من كردستانَيْ تركيا وايران لهم الذين آستجاروا بالثورة الكردية في أواخر الستينيات الماضية من القرن العشرين المنصرم ، أو في بداية السبعينيات الماضية وكانوا محكومين عليهم بالإعدام في تركيا وايران الشاه يومها . وذلك ظناً منهم إن القيادة الكردية في كردستان العراق سوف تحميهم وتوفر لهم الأمان كونهم أبناء أمةٍ مظلومةٍ واحدةٍ وأرومةٍ مغدورةٍ واحدةٍ ، لكن يا لَلْبشاعة والشناعة والطامَّة الكبرى فإن الأحداث أثبتت العكس تماماً بعد ذلك ، حيث تم تصفيتهم وآغتيالهم من قبل مخابرات حزب البارزاني وتسليم جثث البعض منهم الى سلطات ايران الشاه المخلوع !! .
في عام [ 1968 ] أقدم حزب البارزاني على قتل قياديين كرد لكردستان ايران الذين لجأوا يومها الى كردستان العراق وآستجاروا بها من فتك مخابرات الشاه الإيراني المخلوع بهم ، وهم : الأخوين سليمان معيني وعبدالله معيني ، وخليل شاوباش وملا آواره وإسماعيل شريف زاده . وفي عام [ 1971] أقدم حزب البارزاني بتصفية القيادي الكردي لكردستان تركيا ، وهو سعيد آلجي ، ثم ألقت القبض على صديقه الدكتور شفان وآتهمته بقتل سعيد آلجي ثم سجنوه في سجن [ رايات ] الرهيب والسيء الصيت له وبعد شهور تم إعدامه رمياً بالرصاص ! .
هناك العديد من الحالات المتعددة في الماضي والحاضر التي قدمت مخابرات حزب البارزاني التقارير الإفترائية ضد شخصيات كردية إنتقدته وخالفته في الفكر والسياسة والممارسة . في هذا الصدد ذكر صديقي المفكر الكردي الراحل الدكتور جمال نَبَزْ [ 1933 – 2018 ] : إن مخابرات حزب البارزاني في منتصف الستينيات الماضية من القرن الماضي قدم تقريراً للمخابرات الإيرانية المعروفة يومها ب[ الساواك ] لنظام الشاه المخلوع وملأته بما يحلو لها من الإفتراءات .
في عام [ 1979 ] من القرن الماضي حينما أراد سامي عبدالرحمن [ 1932 – 2004 ] مغادرة ايران ألقت السلطات الأمنية الإيرانية القبض عليه في مطار مهرآباد الدولي في طهران ، وذلك بعد تقرير لمخابرات حزب البارزاني الى المخابرات الإيرانية عن سامي عبدالرحمن ، وكاد أن يُعدم لولا تدخل الملا حسين المارونسي / عالم دين كردي [ 1909 – 2011 ] الذي كان تربطه علاقات جيدة مع خليفة الخميني الراحل حسين علي منتظري [ 1922 – 2009 ] ، حيث أدت وساطة الملا حسين المارونسي بالإفراج عن سامي عبدالرحمن ، والسبب إن سامي عبدالرحمن يومها إنشق عن حزب البارزاني وأسس حزباً جديداً بآسم [ حزب الشعب الديمقراطي الكردستاني ] ، كما ونشر كتاباً بعنوان [ البديل الثوري للحركة التحررية الكردية ] إنتقد فيه العائلة البارزانية وآستبدادها . في عام [ 1983 ] إلتقيت سامي عبدالرحمن في مكتب حزبه ، في محافظة أروميه الإيرانية ، وحينما سألته عن الجهة التي كانت السبب وراء آعتقاله من قبل الأمن الإيراني ، قال إن مخابرات حزب البارزاني هي السبب ! .
في عام [ 2005 ] تم آستجوابي من قِبَل الأمن الأمريكي المعروف بال[ إف بي آي ] ودائرة الهجرة الأمريكية في مدينة سان دياغو / ولاية كاليفورنيا الأمريكية ثلاث مرات ولست ساعات ، فقالوا لي ؛ لقد وصلتنا تقارير عنك من شمال العراق من مركز مخابرات حزب البارزاني حول علاقاتك مع منظمة القاعدة وأسامة بن لادن والإشراف على معسكر للتدريب والتسليح في أفغانستان ورئاسة تحرير مجلة لمنظمة القاعدة بآسم [ المجاهدون ] في مدينة بيشاور الباكستانية ، والسفر من الباكستان الى أندونيسيا وماليزيا والفلبين ودول أخرى مع ملايين الدولارات لأجل تأسيس خلايا تنظيمية لمنظمة القاعدة ، مضافاً اللقاء والإجتماع مع رئيس المنظمة أسامة بن لادن والدكتور أيمن الظواهري ! .
بعدها أثبتُّ لهم بالأدلة الدامغة بأن كل ما ورد في تقرير المخابرات لحزب البارزاني لكم ما هو إلاّ كذب وآفتراء وتخرُّصٌ ، كما آتضح لي إن ال[ إف بي آي ] الأمريكي صدَّق ما أوردته وما قلته وما قدَّمتُه لهم من وثائق وإثباتات حول برائتي الكاملة من التهم والإفتراءات والأكاذيب المنسوبة ضدي من قِبَل حزب البارزاني ومخابراته . وفي ختام الإستجواب الثالث قالت السيدة من ال[ إف بي آي ] المسؤولة عن ملفي في هذا الشأن : لقد إقتنعنا وثبت لدينا إن تقرير مخابرات حزب البارزاني الينا ضدك ليس إلاّ كذباً وآفتراءً . من جهة أخرى حدَّثني صديقي الدكتور محمد إحسان الوزير في حكومة نيجيرفان البارزاني بأنه علاوة على التقرير الذي ذكرته فإن حزب البارزاني سلَّم قيادة التحالف الأمريكية في الشرق الأوسط عام [ 2004 ] قائمة بأسماء الإرهابيين في المنطقة – بحسب رأيه – حيث تضمنت القائمة إسمك أيضاً !! .
أما الإغتيالات وحالات القتل والتصفيات الجسدية الكثيرة التي أقدم عليها حزب البارزاني في كردستان العراق وخارجها التي طالت الأطباء والأدباء والكتاب والصحفيين وعلماء الدين والسياسيين المعارضين ، بل حتى قادة من الحزب نفسه لخشيته منهم إفشاء خفايا وأسرار له ، فتلك هي قصة تراجيدية أخرى بحاجة الى وقفة خاصة .[1]