الكاتب ابراهيم عبد الرحمن
موجه للسوريين من غير الكرد
لعل ما نشهده في هذه الأيام العصيبة؛ يعتبر من كبرى المحن الوطنية والامتحانات التي فشلت فيها الشرائح السورية بإعلاء حسها الوطني فوق أي اعتبار آخر، وأسباب ذلك كثيرة وللأسف كبيرة (وهي بشقيها الداخلي والخارجي)؛ منها حجم الألم الذي يطال مكوِّن، واستهزاء فئات سورية أخرى بألمه، وحدوث المشادَّات والحروب الإعلامية والسياسية والتخوينية بينهم إلى جانب الحرب العسكرية، ومنها أيضا الإصغاء لخطاب عنصري أجوف من طرف ضد مكون آخر، إلا أن جهل المكونات السورية بهوية بعضها بعض هو الأساس الذي بنيت عليه كل العوامل اللاحقة الهادمة للسلم الأهلي.
لنسمي الأمر بمسمياتها
ليس خفياً على أحد أن المجتمع السوري يتميز بتعدد مكوناته الدينية والأثنية والقومية والمذهبية، ففي بداية الأحداث وإن شئت سمِّها ثورة أو أزمة، برزت النزعة الطائفية من بعضهم وكانت النزعة بعلو صوتها بين السنة والعلويين؛ ترافقت ببعض الأدلة الموثقة لهذه الخطابات الشعبوية والإجرامية؛ كل منهم أرادها حرباً وفناءً للآخر.
تناسى عقلاء الطرفين أن أي فئة منهما غير قادرة على فناء الآخر ومحو وجوده من سوريا (الكلام لا يتعلق بمن بدء الحرب أو كان سبباً فيها وكذلك ليس بمعمم)، وبرأيي كانت هذه البداية؛ أي نقطة الضعف الأولى في الجسد المجتمعي، وهي قديمة، وكل طرف يبرر لنفسه رأيه ويقتنع كامل القناعة بصحة إدعائه.
مع مرور الوقت دخلت تشققات واختلافات أخرى في النسيج الوطني، فزاد الخطاب الطائفي وأهان الكرد واتهمهم تارة بالعمالة والانفصالية، وتارة ردد كبار قادة ما يسمى الائتلاف وحتى بعض المعارضين من خارجه، عبارات بذيئة ومهينة تصفهم بدونية وأنهم شبيه العبيد والبويجية ولم يرتقوا لمرتبة البشر، في نظرة استعلائية مهينة ومستحقرة لحقوق الإنسان، لا بل مصنفة للبشر وفق أنسابهم وأعراقهم، وبكل تأكيد قوبل برد فعل كردي؛ هو الآخر في بعضه كان شعبوياً تناول ما يتسم به جل هؤلاء، فكان الرد الكردي هو الآخر معمماً ومستفزاً.
بداية الرسالة
أخي السوري وشريكي في الوطن، لكي تصدق نظرتك الواقعية للحالة الكردية، حبذا أن تلم بهذه الحالة من نواحيها؛ التاريخية والسياسية والدينية والثقافية، ليس الذنب ذنبك وحدك، بل ذنب الحكومة التي لم تعمل على تعريف المكونات السورية ببعضها بعض، فهم شعوب وقبائل وملل ومذاهب وأقوام وديانات مختلفة، فمحمد سوري وكذلك سركيس وجوان وسنحاريب وآكوب وعلي وعمر واسحاق، هم كذلك فئات مختلفة في الثقافة واللغة والدين والمذهب والهوية السابقة للانتماء الوطني.
لا يتوقف تقصير الحكومات السورية على عدم تعريفها ببعضهم بعض، وإنما وفي الحالة الكردية (باعتبار شرق الفرات أو الجزيرة أو روجآفا حديث الساعة وبؤرة حرب لها تداعيات خطيرة جداً، ولا أبالغ إذا قلت الأخطر من بداية المذبحة السورية)، كانت الحكومات السورية المتعاقبة، حالها حال حكومات الجوار من العراق وتركيا، وعلى لسان كبار مسؤولي الدولة يخاطبون الكرد بلغة؛ تعممهم مثلا: (لديهم حلم كردستان ودولة كردية وهذا الأمر غير مقبول، فلا وجود لكردستان في سوريا، ولا وجود لها في تركيا ولا حتى وجود للكرد، فهم في سوريا مواطنون عرب سوريين وفي تركيا مواطنون أتراك، كانوا يعيشون في الجبال وكنا نسميهم بأتراك الجبال).
ويرددون كذلك: (إن الكرد لا يتعلمون من تاريخهم والخيانات التي لحقت بهم وذهبت أحلامهم، الأكراد يملكون نزعات انفصالية وتآمرية)، والكثير الكثير من نمط هكذا أقاويل، وهنا لست بصدد التطرق لصحة ادعائها من عدميتها؛ وإنما بصدد التذكير بانعدام الخطاب الوطني الجامع لهم والمعترف بأدنى حقوق البشر أولاً، ومن ثم بحقوقهم الخاصة، من لغة وثقافة وهوية إلى جانب حقوق المواطنة.
بمعنى آخر، إن الحكومات التي نشأت بعد انهيار الخلافة العثمانية وشكلت دول جديدة على حساب أرض السلطنة من عرب وكرد وترك وباقي القوميات والأديان لم تكن حريصة على أن هذه الفئة البشرية يجب أن تكون جزء من كيان الدولة الناشئة، وكان يجب أن يكون الحرص كبيراً بنظري لترابط الأراضي الكردية وكذلك صلات القربى وعلى جانبي الحدود.
التجربة الكردية في تركيا
المعاناة الكردية مع الأنظمة التركية تكاد تكون شاملة لكامل القرن المنصرم، قتل منهم مئات الألوف وهجر الملايين وحرق ما يزيد على خمسة ألف قرية (في التسعينات)، وفي مذبحة ديرسم فقط قتل ما يزيد عن 92 ألف من المدنيين، نعم فقط من المدنيين وأشرف أتاتورك بنفسه على عملية رشهم بالغازات السامة، والتي قامت بها ابنته بالتبني صبيحة.
أتاتورك هذا ما كان لينجح بتأسيس دولته هذه؛ لولا وقوف الكرد معه، إذ وعدهم بدولة مستقلة بعد انتهاء الحرب، حيث كانت الثورات والانتفاضات لا تهدأ وكانت تقمع بوحشية كبيرة، ونشأ حزب العمال الكردستاني في آخر سبعينات القرن المنصرم وكان من بين مؤسسيه أتراك أيضا، وقوبل تأسيس الحزب بقمع واعتقال وقتل من قبل الأمن التركي.
أخطأ حزب العمال حين نادى بكردستان كبرى، وأخطأ بعدم قراءته للواقع الجيوسياسي للمنطقة ومكمن توازن القوى والتحالفات، رغم ذلك كان للرئيس التركي توركت أوزال محاولة للتفاوض معهم، إلا أنه مات أو قتل من قبل الدولة العميقة وفق ما يتداول؛ لقبوله التفاوض مع PKK.
فشلت الحركة الكردية في تركيا، لكنها نجحت في العراق، إلا أن ما ميز الحالة العراقية، هي واقعية الرؤية والقراءة المنطقية للحالة السياسية، في حين أن صدام كان طموحاً ولم يكن ذو رؤية انتفاخية وغير سلمية للواقع الجيوسياسي في المنطقة.
في سوريا، الأسد الأب يدعم الكردستاني ويناهض أكراده
نادت الحركة الكردية طيلة عقود بالحقوق الكردية وكلفها ذلك اعتقال مناضليها وحتى تصفيتهم، إلا أن عهد الرئيس السابق الأسد الأب، كان ملفتاً فيما يتعلق بالحركات الكردستانية، حيث دعم الأحزاب الكردستانية في العراق وتركيا، وبقي القادة الكرد (الطالباني، البرزاني، أوجلان) لسنوات في دمشق، وتلقوا الدعم المالي والعسكري، وكان ذلك وفق قراءة واقعية للمشهد السياسي وحجم الدول والتوازنات في المنطقة.
وتميزت الحركة الكردية في سوريا وبمختلف أحزابها وتياراتها، بتوافقها على مبدأ سلمية النضال وعدم التفكير بالسلاح، إلا أن الحركة الكردية وبعد ولادتها بسنوات قليلة أصابها داء التفكك والتشظي والشرذمة ولازال هذا المرض هو السبب لعدم قدرة الأحزاب والتيارات الكردية من اعتماد مرجعية كردية وطنية جامعه تدلل على وجودها وتحدد للآخر مطالبها وحقوقها، كما في الحالة العراقية إذ لديهم مرجعية ذاتية تقودهم وكذا الحال في تركيا.
يحمل السوري القلم ويخط على الورقة بعضاً من الجمل ويقول هذه هي حقوقكم وأقصى أمانيكم، غير ذلك يفسر على أنكم رافضون للهوية السورية، لا تمايز لمكون عن آخر، توجه الجملة للأكراد تكراراً ومراراً بلغة غير حكيمة؛ وهنا وفي ذات الجملة يتناسى هؤلاء أو جزء ليس بقليل منهم يبحث لنفسه عن تميز، ويستند في ذلك على هويته السابقة للمواطنة، وهم أكثر من لون ونمط واتجاه.
فئات الكرد وتقسيماتهم بحسب المعارضة
آخر ما نشره أحد الشخصيات الاقتصادية والسياسية المعارضة على إحدى الصفحات، قسَّم الكرد إلى ثلاث فئات، كرد عاربة وتقول إنها عربية ولا تجيد الحديث حتى باللغة الأم الكردية وتنفى أصلها الكردي، والفئة الثانية وهم كرد سوريون ويقولون إنهم حصلوا على حقوقهم باستثناء موضوع الغمر (بعد بناء سد الفرات غمرت المياه الأراضي الزراعية ونشأت بحيرة الأسد عليها، تم تعويض أهالي الأراضي الزراعية بأراضي في القرى الكردية، أي تم توطين عرب سوريين فقدو أراضيهم بإعطائهم أراضي زراعية لمواطنين سوريين أكراد)، والفئة الثالثة وهم كرد كردستان وتعرضوا لمظلومية تاريخية ولهم الحق بدولة كردستان، والنسب كما يذكر متساوية.
هذا التصنيف أو الفرز أو الغربلة، كمن يفرز الصالح من الطالح والفاسد من الجيد، هذا التصنيف ورغم أنه رؤية فردية وتكاد تكون من أوضح الصورة المتناولة للحالة الكردية وتتسم بمحاولة الحيادية في الرأي، إلا أنها وبرأيي أنا الكردي السوري أو السوري الكردي، غير دقيقة رغم ملامستها لماهية الأمر، وأعلل ذلك: نعم هناك شريحة من الكرد فقدت لغتها الأم وانصهرت في البوتقة العربية وتناست أو لم تعد تفكر بجذورها الكردية، وهذه الحالة موجودة في تركيا أيضا إلا أن الحق يقال إذ أن الواقع التركي حدث وفق عقلية أمنية أكثر عنفية، وعملت لعقود لتجريد الكرد من هويتهم ونجحت، والادعاء الذي لازال سائداً إلى يومنا هذا هو أن اللغة التركية هي لغة الحضارة واللغة الكردية هي لغة التخلف، بينما في الحالة السورية فهما نتيجة العامل الديني وحضارة مدينة دمشق التاريخية في جمع الناس في بيئة اجتماعية متعايشة.
وأما الصنف الثاني وهم كرد سوريون وهم كذلك سلموا بالأمر الواقع ومتعايشون مع الحالة السائدة، وهم يدركون انتقاص حقوقهم ولكنهم ولعامل ديني وعامل الصهر كذلك وإن كانتا بدرجات أقل بكثير من الأولى متعايشون مع الوضع، أما الحالة الثالثة وهي مكمن المشكلة لدى شركاء الوطن، فهم كرد كردستان.
وبنظر الكاتب هؤلاء ولائهم لكردستان أكثر من سوريا، وأحلامهم تسيطر على جل حياتهم، هذا أيضاً وبدرجة ما صحيح، ونقدي لهكذا تصنيفات يرتكز كما أسلفت من قبل إلى تجاهل التعديات التي طالت الكرد في سوريا وتركيا والعراق، وتناسي المآسي والويلات، وأقول لهم لا ينسى الظلم، من تعرض له، وهو يميز بين من سانده في محنته، ومن لم يسمع بمحنته وجاء في وقت متأخر يصنفه وطني أو غير وطني، ولا ننسى النظرة الشمولية لدى القوى السياسية في تلك الدول، على أن الكرد جزء مصطنع وغير طبيعي. لا
ماذا نريد من شركاء الوطن
سأقبل بكل كلام القائلين بهكذا رؤى؛ لا بل سوف أضع ثقتي فيهم لإنصافي في سوريا وضمان العدالة الاجتماعية، إن استطاعوا أن يصححوا التالي أو أن يقولوها أو يحاولوا إنصافنا: (إدانة جرائم الدولة التركية بحق القومية الكردية طيلة القرن المنصرم، إدانة جرائم حكومات العراق بحق الأقلية الكردية هناك؛ في الفترة التالية للاستقلال وحتى منتصف التسعينات من القرن المنصرم، إدانة التصرفات والمراسيم والقرارات والاعتداءات والخطابات الاقصائية التي طالت كرد سوريا؛ بعد نشأة سوريا الحالية).
لن أطلب منكم إعادة من قُتِلَ إلى الحياة ولن أطلب منكم إقامة محاكم للقتلة سواءهم الذين رحلوا أو الباقون، بل سأطلب منكم الاعتراف بهذه الاعتداءات والجرائم.
ماذا قال الكتاب والشعراء عن الكرد
ليس للكردي إلا الريح قالها محمود درويش، عنون كلا من هارفي موريس وجون بلوج كتابهما عن الكرد بعنوان لا أصدقاء للكرد إلا الجبال، وصف الكاتب الكردي الشهير سليم بركات قومه بأنهم أيتام الله.
أسألّ شريكي في الوطن لما قيل ما قيل، فكّر في عمق المقولات والكتب، ربما تصل إلى رؤية منصفة للحالة الكردية بعمومها وبخصوصها السوري.
الكردي، يا شريكي يعتز بقوميته ولا يقبل أن يكون عربياً أو تركياً أو فارسياً، ليست انتقاصاً من تلك القوميات أو إساءة لها وإنما لأنه الأخير الوحيد الباقي المدافع عن هويته ولغته وثقافته؛ وسط وجوده في حالة استبدادية تنكره وتحاول بالتوازي مع عملية صهره في بوتقة قومية أخرى؛ من إعلاء القومية الأخرى وإبراز أنها إما سامية أو تاريخية أو حضارية.
يذكّر العرب على الدوام وباعتزاز الأمة الإسلامية وتسمى لديهم بالحضارة العربية الإسلامية، وكذلك لدى التركي الحضارة العثمانية والامبراطورية القاهرة للصليبين، والحال لا يختلف لدى الفرس، المعتزين إلى اليوم بكسراهم وإمبراطورتيهم الصفوية.
وهذه الفئات الثلاث في ذاتها تتناحر على زعامة العالم الإسلامي وتنتقد الآخرين، إلا إذا تعلق الأمر بالكرد، فيذكر استطراداً صلاح دينهم (صلاح الدين) وحرصه على إقامة دولة إسلامية صاهرة للقوميات، فهل هذه الرؤية عادلة؟ قطعاً لا، إذ أنهم يفتخرون بأصولهم القومية وعندما يتعلق الأمر بالكردي يجب أن يكون إسلاميا ناكراً لأصله القومي!.
وبمناسبة الحديث عن القوميات الثلاثة وللإنصاف مرة أخرى، يجب أن لا ننسى الآشوريين والكلدان والسريان والأرمن وباقي القوميات التي نالها ما نالها من إجرام.
وما يميز رؤية هذه القوميات الثلاثة هي أنها تعتبر نفسها الأكبر، والقوميات الصغيرة هي تابعه أو ملحقة لها، وأكثر ما يثير الغضب؛ ادعاء كبار شخصيات تلك القوميات بحقوق الإنسان ودولة المواطنة والقانون والعدالة الاجتماعية والمساواة في الإسلام.
يبدو أن الكردي والآشوري يجب أن يفهم تلك المبادئ العالمية وفق رؤية تلك الشخوص ذات الفكر الإقصائي والنافي للآخر، ومرة أخرى أود أن يتم إنصاف الكرد والآشور والأرمن فيما يتعلق بتوصيفات مجحفة بحقهم من قبل بعض الإسلامويين وأن لا يطلقوا هذه التوصيفات اللاأخلاقية بحق باقي القوميات، فهل كل الأتراك مسلمون؟ أليس هناك تركي ملحد، كافر، خنزير، أليس هناك فارسي علماني ملحد؟ أليس هناك عربي فاسق ومهرطق وخنزير؟ (أعتذر عن هذه التوصيفات ولكنها تملئ الدنيا اليوم).
دور الكرد في سوريا
لا يذكر للكردي السوري أو السوري الكردي أي دور ريادي له في سوريا المعاصرة وفي أحسن الحالات يخيم الصمت، بينما تنال أثنيات بعينها البطولة والوطنية!.
المناطق الكردية السورية، كردستان سوريا، روجآفا، كرد سوريا، بغالبيتهم العظمى يدركون استحالة نيل حقوقهم من تلك الحكومات والمعارضات عن قناعة، وكذلك الاعتراف بالظلم الذي طالهم لأنهم كرد، هم متيقنون أن تلك الإدارات على استعداد على إيصال الدنيا للجحيم وعدم قول كلمة منصفة تطمئن خاطرهم، لذلك تناصر تلك الغالبية، كل تيار سياسي أو قوة عسكرية كردية تقول علناً نحن كرد وسوف نسعى لنيل حقوقنا ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا طالبنا وسعينا وتحدينا في سبيل ذلك.
على مدى القرن المنصرم لم يشهد الكرد حكومة سورية ولو واحدة ذكرتهم وأنصفتهم وعاملتهم كمواطنين، والآن يطلب جمهور المعارضة والحكم بأن نثق بهم ووعودهم المستقبلية؛ بمنحنا فتات الحقوق وفق أهوائهم التي قد تختلف من حيث الأسلوب والتعامل عن هذه الطوراني الصارخ ليل نهار بمعادة الكرد حتى ولو كانوا في إفريقيا.
لماذا يتمسك الكرد بالإدارة الذاتية
الكرد يتمسكون بالإدارة الذاتية؛ عزيزي السوري، انطلاقاً من إيمانهم بأن الدول لها أشكال مختلفة من الحكم (مركزي ولا مركزي وفيدرالي واتحادي)، وهذه الأنظمة هي أنظمة دستورية وقانونية وليست من صنع الكرد، فلن تكفر إذا ناقشته بصيغة أخرى غير المركزية ، التي تعني أن الدولة يجب أن تكون بكل تجلياتها وفق رؤية الحزب الحاكم.
ليست خيانة أخي السوري، إذا فكر الكردي أن يرى رجال الشرطة والأمن والجيش والإدارة والتعليم في منطقته يتكلم الكردية وأن ينتمي لثقافة المنطقة وبيئتها.
ليست جريمة إذا حاول أن يبعد استبداد بني جلدتك عنه، ليس تخلفاً إذا فكر أن يدرس بلغته الأم التي وهبه إياه الله، ليس أنت أو غيرك!، ليس الأمر مؤامرة إذا كان أحد رجالات الدولة أو دبلوماسيها يتحدث الكردية أو يرتدي زياً كردياً، ليس عاراً أن يلف الفلكلور الكردي السوري الدنيا، ويذكر الدنيا بأن سوريا هي عراقة تاريخ وشعب ولغات تمتد لألوف السنين.
هذا الطوراني يهاجم الآن أراضي الكرد، وجود الكرد؛ ويحال أن يشتتهم وأن لا تكون لهم قائمة بعدها، فإذا كنت تؤمن بأنني سوري مثلك، فيفترض عليك من مبدأ المواطنة (هناك فئات سورية عديدة لها مواقف منصفة من هذه الحرب التركية) أن تناصر تراب بلدك وحرمة مدنييك ضد غازٍ همجي.
إذا كنت تؤمن وتسعى لأن يكون الكردي(الضال) سورياً، فقم بإدانة اليد الأجنبية التي تحاول اليوم قتله!، لسنا PKK، ولسنا أحزاب أو قوة عسكرية؛ وإنما أحزاب وتيارات كثيرة وعديدة تتصارع فيما بينها، وربما الحالة الراهنة تشهد أكبر عدد من المستقلين، ولكننا نتوحد قومياً ضد من يهاجم وجودنا بذريعة وخدعة كاذبة لا تنطلي حتى على الغافل كما وصفها أحد الساسة الغربيين، ونتوحد أكثر عندما؛ يكون كيل التخوين والتكفير والإرهاب ينالنا من أعلام حمراء وخضراء وحمراء هلالية.
محاولة بعض السوريين إقناع الكردي بأن يتخلى عن مكتسباته (الإدارة الذاتية)، لن تجدي نفعاً ولن تلقى آذاناً كردية؛ لعدم وجود بديل آمن أو مستقبل واضح المعالم، وما نراه هي محاولة أخرى بالعسكرة والاستقواء بالمحتل لإسقاطها، وذلك يزيد الشرخ الوطني عمقاً؛ ويعدم الثقة.
ليس هناك أحد يعرف على وجه الدقة عدد الكرد في سوريا لعدم وجود احصائيات، إلا أنهم ثاني أكبر قومية في البلاد، ولا يعرف السوريون؛ الكثير عن شركائهم في الوطن، الكرد، مثلاً: لم يسمع أحد بمن قتل أخ الجنرال غورو هو ابن مدينة كوباني وأحد كبار شخصياتها وقادتها القبليين.
آراء الكتاب السوريين عن الكرد
أقرأ للكثير من الكتاب السوريين، واطلع على آرائهم وتصوراتهم للحالة الكردية، وهم على اختلافهم من المحب لهم إلى الكاره لكل شيء يتعلق بالكرد؛ لا بل حتى بعضهم يتجنب لفظ اسمهم، وملاحظاتي على هذه الكتابات وباختصار:
هي تمثل آراء شريحة كبيرة من السوريين، ومع الوقت لعبت دوراً، وملأت الفراغ القديم الذي تحدثت عنه من عدم إلمامهم بالوجود والهوية الكردية في سوريا، وبالتالي لها أثر لا ينكر في بلورة الوعي الجمعي لدى شرائح واسعة من المجتمع السوري، وهذه التصورات والرؤى والأفكار تسخر الحالة التاريخية والاجتماعية والوجودية في خدمة أجندتها السياسية ووفق ما يطابق تصورها لكل سوريا في منظورها هي فحسب، دون أخذ الرؤية الكردية على الاطلاق في الاعتبار.
بعد كل هذه الجمل، أطلب منك شريكي في المواطنة؛ أن تكون منصفاً وحيادياً ولو لمرة واحدة في فهم الوجع الكردي وشعوره، الذي يجب أن يحصر دائماً في الزاوية وأن يهمش أو يضرب وأن يسلب وجوده منه، وأطلب منك أن تمتلك الحكمة في قراءة المخاوف الكردية!. أطلب منك أن تكون الضامن لحقوق الأقليات.
أما فيما يتعلق بقسد وتشبيهاها ب داعش أو الفصائل الراديكالية، وأن قسد ارتكبت الجرائم ومارست التطهير العرقي وقتلت خارج القانون وكل هذه الادعاءات وهي تصح بنسبة قليلة منها، وهي مدانة ويجب أن يحاكم القائمون عليها، ولكنكم تتناسون كل الإجرام الحاصل في سوريا وتهرولون لنصب مقصلة لقسد، إذا كنتم صادقين بادعائكم هذا، حاسبوا القتلة والمجرمين بينكم أولاً، عندها ربما نثق بأقوالكم.
نسمع من بعضهم مقولات تدل على انعدام أخلاق قائلها؛ إذا كان هناك احتلالات أجنبية كثيرة في سوريا فهل تخرب الدنيا إذا دخلت تركيا، كلامهم هذا يفسر كردياً: إذا كان هناك قوات أجنبية كثيرة في سوريا وتقتل السوريين فما المشكلة إذا اشتركت تركيا هي الأخرى وقتلت السوريين.
ازدواجية المعايير
مشاكل هؤلاء كثيرة ومنها ازدواجية المعايير وعدم القدرة على مواجهة المرآة والنظر إلى أنفسهم وأفعالهم، ليدركوا بكم معيار يكيلون؟!
الكرد انفصاليون، ومن السخف أنهم لازالوا يرددونها، وكل الدنيا تعلم كيف طالب الإخوان بضم مناطق سوريا لتركيا وروجوا لاستعمال العملة التركية بدل الليرة السورية.
يصرخون ليل نهار، أن الكرد هو من جلب المحتل، ويتناسون كيف وصلت باقي الاحتلالات وكيف هرولوا إلى الأمريكي، وما أن وثق بهم حتى غدروا به وسلموا الأسلحة للجهاديين ونهبو أموال الإغاثة، وعلى ذكر أموال الاغاثة، لم يصل للمناطق الكردية أي دعم، وكان مقتصراً على المناطق الحمراء أو الخضراء، وأزيدكم من الشعر بيتاً آخراً، حيث ذكر مؤخراً صحفي ألماني اندرياس تسوماخ على القناة الأولى الألمانية كيف حارب مجرم الحرب أردوغان أي وجود للكرد في المفاوضات السورية برعاية الأمم المتحدة، وهدد ميركل، التي استشارت أوباما الجبان، ووافقا على مطلب أردوغان، الأمر الذي ناسب أصحاب الرايات الحمراء والخضراء، ولازال الأمر إلى اليوم؛ أي مستبعدون من أي عملية سياسية، وما اللجنة الدستورية إلا أحد الشواهد عن أفعال شركاء الوطن، والتذرع بوجود ممثلين كرد، اسألوا الشارع الكردي أو راقبوا أقواله عن هذه الشخصيات الهزيلة التي حصلت على وعود شخصية على حساب الكرد.
لا تنسى كذلك أيها الائتلافي أو المعارض؛ المعارض للحقوق الكردية، بأنك وعلى مدى سنوات المذبحة، تاجرت وبعت الوطن ألف مرة، وكذبت على الشعب بوعود جوفاء ألف مرة، ولا تنسى كذلك الانتهازية والاستبدادية والشعبوية في شخصك، ولا تنسى أنك لم تقدم لهم وعلى مدى سنوات المذبحة لا تعاطفاً إعلامياً ولا دعماً سياسياً أو إغاثياً، ولا حتى لم تبعهم صمتك، واستمريت في هدفك المدمر للبلد، فالناس المدنيون يذبحون في هذا الإجرام وأنت تحرض أنصارك على المظاهرات ليرقصوا على أشلاء ضحايانا.
تعاطف خارجي مع الكرد
يجد الكردي تعاطفاً من السليمانية وأربيل ومدن كردية أخرى، ومن واشنطن حتى طوكيو، ولا يجد مظاهرات مناصرة لدمه من أبناء جلدته؛ إنما يجد من يدعم احتلال أرض الكردي، وبعد كل هذا يطالبونه بالارتماء بأحضان المغتصب والتخلي عن أحزابه وإدارته الذاتية.
مواقعكم الإعلامية الضخمة التي بنيتموها على حساب الدم السوري، لا تكف ليلاً نهاراً عن ضخ الفتن والتحريض والكذب بهدف تشويه صورة الآخر، حاسب نفسك ولا تلقي باللوم على الآخر.
لا تشمت بدم الكردي، وإنما فكر في اليوم الذي تلتقيه بعد أن تنتهي الحرب، ماذا ستقول له وكيف سوف تلتقي بعينيك المفتوحتين بعينيه؟ لا تتوقع أن يكون كمصطفى خليفة الذي ابتسم في وجه جلاده وإنما توقع أشياء أخرى!.
المدنيون نحروا بسكاكين داعش وأخواتها، وأنت تخوّن الكردي وتصفه بالعمالة وخيانة ثورتك، وعلى ذكر ثورتك، تذكر أيضاً، أنك خسرت وسوف تخسر أكثر عندما تعادي الأقليات في وطنك؛ إذا بقي لديك شيء منها.
قوات سوريا الديمقراطية
قوات سوريا الديمقراطية قسد بنظركم مجموعة إجرامية وإرهابية، وتتناسون عن عمد بأنها لم تقل يوماً ما نسمعه اليوم من عناصر هذه الفصائل من مقولات داعش (بالذبح جيناكم)، ولم تروع أهالي منطقة تسيطر عليها المعارضة، ولم تفرض حواجزها الأتاوات كما تفعلون.
إبان أزمة رهائن السويداء، تقدمت قسد بمبادرة لإخلاء سبيل بعض عناصر داعش مقابل إطلاق سراح الأسرى من أبناء الجبل الأشم، وقد لقيت مبادرتهم بتقدير وجهاء السويداء، قسد هي من قضت على داعش التي أكلت ثورتكم بعد أن تخاذلت بعض فصائلكم وهي معروفة.
كونوا منصفين وأنظروا للواقع بعينين اثنين.[1]