$نبذة عن تأريخ الجاف ودورهم وأصلهم وتسميتهم$
يشكل أبناء الجاف إحدا أكبر وأعرق قبائل كوردستا ن قاطبة وقد نالوا لذلك إهتماما ملحوظا من قبل المؤرخين والباحثين والرحالة والمستشرقين الذين أفردوا لهم في العصر الحديث حيزا واسعا من نتاجاتهم المخصصة عن الكورد والتي تعد بمجملها مراجع قيمة عن تاريخ أمتنا الذي تعرض الى الكثير من الغبن والاهمال والتحريف والتشويه على مر العصور الماضية . ورغم ذلك الإهتمام البين والمتأخر بالجاف شأنهم شأن العديد القبائل الكوردية الأصيلة الأخرى فإن المخفي عن تاريخهم القديم وأصولهم الأولى سيظل أعظم بكثير من جميع المعلومات والااخبار المدونة عنهم والتي لاننكر ، رغم قلتها ، أهميتها وفائدتها لجيلنا الحالي التواق الى معرفة ماضي وامجاد امتهِ . والواقع إن المعلومات المدونه عن تاريخ الجاف القديم شحيحة للغاية فبإستثناء بعض الاشارات التي أوردها قلة من المؤرخين الذين يرجعون تاريخ الجاف الى عشرات القرون الماضية والى العهد الساساني ، دون أن يخوضوا في التفاصيل ، فإننا نكاد لانعرف شيئا مهما يستحق الذكر عن ذلك التاريخ الوغل في القدم . كذلك لم يرد ذكر الجاف وفروعهم كثيرا في العهود اللاحقة إلا متأخرا في بعض المراجع والمخطوطات الاسلامية التي أشارت الى وجود الجاف كقبيلة مستقلة بذاتها وبنفس إسمها الحالي ، كما أشارت علانية الى أسماء بعض فروع الجاف الرئيسية كالكلالي والهاروني خلال القرنين السابع والثامن الهجريين . كما ورد ذكر الجاف أيضا في الكتب الدينية القديمة لطائفة يارسان أهل الحق حيث يذكر نور علي إلهي في كتابه برهان الحق ص /38 (( على سبيل المثال )) : إن والدة سلطان إسحاق ، سوهاك ( سهاك ) مجدد مذهب يارسان تدعى دايراك ابنة حسين بك (( جلة جاف )) وبحسب ماجاء في الكتب الدينية لأهل الحق فإن عددا من علماء ومرشدي هذا المذهب ينتسبون الى قبيلة الجاف ، ويذكر لنا صديق زادة بوره كاي في كتابه (( سرودهاي ديني يارسان ص/6 )) أسماء هؤلاء ومنهم عيل بك جاف ، عابدين جاف وإبراهيم جاف . وفي حين لم يتطرق الامير شرفخان البدليسي في كتابه الشهير شرف نامة (( 1005 ﮪ )) الى ذكر الجاف كقبيلة كوردية معروفة أسوة بمثيلاتها فإن عدة مصادر أخرى أشارت الى تعاظم دورهم السياسي والعسكري في العهد الصفوي وبعده ، فقد ورد ذكرهم في المعاهدة المعقودة بين السلطان مراد الرابع والشاه صفي الصفوي (( 1409ﮪ )) هكذا : ومن عشائر الجاف تبقى عشيرتا ضياء الدين وهاروني الى جانبنا (( أي الدولة العثمانية )) وعشيرتا بيرة وزردوئي الى جانب الدولة الصفوية . وفي كتابه مجمل التواريخ الأفشارية والزندية (( ص/ 300)) يشير أبو الحسن بن محمد أمين كلستانه الى دور الجاف في الاحداث والوقائع التي جرت في عهد الزنديين الذي دام خلال (( 1753- 1794م )) . ويشكل نزوح ظاهر بگ الجاف مع أربعمائة أسرة من قبيلته الرحالة من مهدم الاصلي في جوانرود نحو كوردستان الجنوبية ، حدثا تاريخيا هاما في حياة هذه القبيلة العريقة ، فقد اجتاز ظاهر بك نهر سيروان ( ديالى ) واستوطنوا ضفته الغربية قرب موقع دربنديخان الحالي حيث استمر نفوذهم وأملاكهم بالتوسع المظطرد في عهد البابانيين .
وهناك تضارب بشأن تحديد تاريخ مجئ ظاهر بگ وقومه الى كوردستان العراق ، ففي حين أشار بعض المؤرخين بان ذلك حصل في عهد السلطان مراد الرابع الذي أطلق على هؤلاء لقب المرادي تكريما لهم بسبب مساعدتهم له في فتح بغداد وإنتزاعها من الفرس (( 1048ﮪ )) ، فإن قسم آخر من المؤرخين أشاروا بأن ذلك النذوح الجماعي للجاف الى كوردستان العراق حصل في عهد نادرشاه وتحديدا في عام (( 1155ﮪ )) وهو ما يؤيده الواقع التاريخي أكثر من التاريخ السابق . وإذا سلمنا بهذه المعلومة الاخيرة التي تبدو أكثر صوابا بالقياس الى التسلسل التاريخي في الاحداث الماضية ، فانه يتحتم علينا القبول أيضا بان لقب المرادي قد أطلق على طوائف وفروع من الجاف سبقت ظاهر بك وأصحابه في القدوم الى كوردستان العراق وان هؤلاء هم الذين ساندوا السلطان مراد الرابع في فتح بغداد . ويتفق هذا تماما مع ماذكره باسيل نيكيتين بشأن معاونة الهاروني والگلالي (( من أفخاذ الجاف )) للسلطان المذكور في فتح بغداد ونيلهم لنيلهم للقب المرادي . وبغض النظر عمن نال لقب المرادي أولا من الجاف فإن الثابت هو ان اللقب المذكر أصبح لقبا عاما لكل الجاف القاطنين في كوردستان العراق والذين مارسوا على دأب اسلافهم ، طابع التنقل الموسمي بين مشاتيهم ومضاربهم الصيفية . ومن يتأمل في كتابات وآثار الباحثين والمستشرقين والرحالة الاجانب الذين جابوا كوردستان لاغراض ومقاصد شتى سيلفت انتباهه حتما هذا الاهتمام المشوب بالإعجاب الذي أبدوه (بمعظمهم ) باخبار الجاف وطابع حياتهم القبلي الرحال أصلا وخلقهم الكوردي الرفيع ، ومرد ذلك الاهتمام يعود اساسا الى سعة إنتشار هذه القبيلة وبأسها وتأثيرها قديما وحديثا ،
حيث أن الجاف لم يكونوا مجرد قبيلة كوردية كبيرة ومهيبة فحسب بل الاصح انهم كانوا امارة قبلية مؤلفة من عشائر وطوائف عدة حافظت طويلا على وحدتها وتماسكها ضمن اتحادها الأكبر الذي تزعمه أمراؤهم (( بگزادتهم )) في مختلف المراحل والظروف ، وبهذا فان تاريخ الجاف القبلي يتألف من جميع الاحداث والوقائع التي رافقت مسيرتهم ابتداء من اسرتهم الحاكمة ومرورا بعشائرهم الكبيرة وانتهاء بفروعهم وأفخاذهم الصغيرة . فقد أعرب المستر ريج الذي زار كورستان عام 1820 ونزل ضيفا على مضرب الجاف الصيفي بمريوان (( في 20 آب )) ، عن إعجابه البالغ بطابع حياتهم الرحال وهيبتهم وحسن مظهرهم وحكمة وجاذبية أميرهم كيخسرو بگ ، كما أثنا على علو شأن نسائهم وحريتهن الظاهرة موضحا بان فرسانهم يشكلون أفضل مقاتلي الكورد ومقدرا قوتهم القتالية بألفي فارس وأربعة آلاف مقاتل مشاة (( تفنگچي )) ، فيما قدر فريزر (( 1834 )) نفوس قبيلة الجاف ب 10 _ 12 ألف أسرة رحالة منوها بمقدرتهم على تقديم الف فارس للأمير الباباني سليمان پاشا وقت الطلب . أما ادموندز فقد وصفهم بالكورد الخلص الاقحاح وبأنهم بدون شك أعظم قبيلة في جنوب كوردستان ، فكثيرا ما يشار اليهم بكلمة كورد فحسب لتدل على معنى قاصر عليهم خاص بهم يميزهم عن غيرهم من القبائل والريفيين . كما نوه باسيل نيكيتين بصيتهم وإقدامهم في كوردستان الجنوبية فيما قال عنهم الميجر سون بأنهم قبيلة كبيرة على حد عظيم من الشهرة وهم إحتفظوا دوما بتماسكهم وطابعهم شبه المستقل داخل ديرتهم الممتدة من قزلرباط جنوبا الى پنجوين شمالا .
أصل إسم الجاف
أما عن أصل إسم الجاف فإن التأويلات والتفسيرات متباينة بشأنه كثيرا ، فيفيد احد الاراء بان التسمية أشتقت من لفضة (( جه فا كيش )) المحلية المركبة الدالة على معنى الشقاء والعذاب على إعتبار إنهم كانوا غالبا طلائع جيوش الحكام والامراء فقاسوا الويلات والمصائب وانطبقت التسمية عليهم تماما ثم اختصرت التسمية الى (( جه فا )) فحورت بدورها لاحقا الى الجاف . ورغم ان الاستاذ علاء الدين السجادي استحسن هذا التفسير الا انه رجح عليه تفسيره الشخصي إن الاسم ماخوذ من أسم جافر (( جعفربالعربي )) الذي ربما كان أحد اجداد الجاف القدماء ، على إعتبار إن الكورد إعتادوا على مناداة جافر ب (( جافه )) . اما الشاعر المعروف قانع فإنه رأى ان الجاف هم من بقايا فرسان ال((جه فايي )) الذين كانوا النخبة المختارة من طلائع جيش الشاه سلطان حسين الصفوي (( 1694-1722)) والذين كلفوا بحماية العاصمة أصفهان وضواحيها من قطاع الطرق واللصوص والمجرمين ، فصار اسمهم (( جه فايي )) خير معبر عن قساوتهم وشدتهم بين الناس ، ومن أسماء منتسبي هذه الجماعة : هارون ، شاتر ، ميكائيل ، كمال ، روغزاد ، اسماعيل …الخ الذين تنتسب اليهم أفخاذعدة من الجاف اليوم من قبيل : هاروني ، شاتري ، ميكائيلي ، كماليي ، روغزادي ، إسماعيلي … (( جريدة هتاو عدد 186 سنة 1960 )) .
بينما يرى العلامة الملا عبد الكريم المدرس إن إسم الجاف مأخوذ من لفظة (( زاف )) التي تعني الطري والطازج على أعتبار ان الجاف الرحل دأبوا على البحث عن الاعشاب والحشائش الطرية لقطعانهم . ومن جانبهم يرى الباحث مينورسكي والمؤرخ الملا جميل الروژ بياني والمؤرخ د. حسن الجاف بان كلمة الجاف مشتقة من اسم قبيلة جاوان الكوردية التي هاجرت جماعات منها قديما جبال دماوند شمال طهران العاصمة نحو المناطق الغربية من ايران وفرضت اسمها الاصلي على الموضع الذي قدمت اليه (( جاوان رود )) أي نهر الجاوانيين . وتعتبر هذه المنطقة (( جوانرو الحالية )) الموطن الاصلي لقبيلة الجاف بقسميه المرادي والجوانرودي
الجاف جوانرو
ومن جانبهم يرى الباحث مينورسكي والمؤرخ الملا جميل الروژ بياني والمؤرخ د. حسن الجاف بان كلمة الجاف مشتقة من اسم قبيلة جاوان الكوردية التي هاجرت جماعات منها قديما جبال دماوند شمال طهران العاصمة نحو المناطق الغربية من ايران وفرضت اسمها الاصلي على الموضع الذي قدمت اليه (( جاوان رود )) أي نهر الجاوانيين . وتعتبر هذه المنطقة (( جوانرو الحالية )) الموطن الاصلي لقبيلة الجاف بقسميه المرادي والجوانرودي .
ويذكر المؤرخ الشهير مصطفى جواد في كتابه (( جاوان ، العشيرة الكوردية المنسية )) بأن عشيرة جاوان كانت من كبرى العشائر الكوردية التي جاء ذكرها من قبل المؤرخين الاسلاميين أمثال المسعودي في كتابيه (( مروج الذهب، والتنبيه والاشراف )) والقلقشندي في كتابه (( صبح الأعشى )) . وقد نزحت بعض جماعات الجاوان فيما بعد ولاسباب شتى من غربي إيران بإتجاه المناطق الوسطى من العراق منتصف القرن الرابع الهجري فلعبوا دورا هاما هناك ، ثم انحدروا في أواخر القرن الخامس الهجري نحو الجنوب فساهموا مع قبيلة بني اسد العربية في بناء مدينة الحلة ، كما أسسوا الامارة الجاوانية في المنطقة وما تزال قبور بعض امرائهم ماثلة للعيان في مدينة الحلة الى يومنا هذا (( مثل وارام الجاواني )) . والمرجح أنم هؤلاء الجاوانيين عادوا فيما بعد (( بعد 120عاما )) لبنضموا الى قومهم في ( جاوان رود _ جوانرو ) يوم كانت قبيلتهم تعرف بالجاف . اما كيف تحولت تسمية جاوان الى جاف فيعطينا المؤرخ الروژ بياني تحليلا منطقيا لذلك مفاده إن كلمة جاوان كانت تلفظ بحسب اللهجة الكرمانجية السائدة ب (جافان ) لان حرف ( و ) يلفظ في هذه اللهجة بV ، وكما هو معروف إن اللغة العربية خالية من هذا الصوت ( v) فيلفظ ب ( ف ) وهكذا قرأت التسمية ب (( جافان )) ثم قصرت بمرور الزمن الى الجاف .[1]
المصدر:
http://www.jafftribe.com/AR/single-jaff-tribe.php