كردستان الحمراء.
عبد الله شكاكي
مركز الفرات للدراسات، 09/09/2018
$تمهيد$
لدى دراسة تاريخ وجغرافية كردستان عامة ومأساة شعبها, تبرز أمامنا حقائق تتعلّق بالسيطرة التركية على القسم الأكبر من أرض كردستان أولاً، وتليه السيطرة الفارسية ومن ثم العربية، وأخيراً يأتي دور الروس.
المخطّط التركي كان أكثر همجية وأشد قسوة من الفارسي، وربما يشبه المخطّط العربي في التكتيك والممارسة والأهداف من أجل بناء “الوطن الطوراني” ، لكنّه أعظم هولاً منها، لكونهم غرباء عن هذه الجغرافية وأحدث عهداً من شعوب الشرق الأوسط كافة، ولم يتركوا أيّ أمل للعيش بوئام وسلام لشعوب المنطقة برمتها، فلم يمض شهر واحد من تاريخ قدومهم (سنة 1071) إلى الشرق الأوسط دون حروب، ويتبين هذا بشكل جليّ من خلال شعارهم: “وطن واحد – شعب واحد – علم واحد – لغة واحدة”.
أما المخطّط الفارسي فكان يهدف إلى قيام إمبراطورية شاهانية عظمى وإعادة أمجادها الغابرة بعد زوال السيطرة العربية، لكنّهم انتهجوا أسلوباً أقلّ قسوة من العرب في التكتيك، وعندما يئسوا من “تفريس” شعوبهم ومع الكرد خاصة تركوا لهم مساحة صغيرة جداً لممارسة القليل من ثقافتهم دون الاقتراب من العمل السياسيّ، ودعوا إمبراطوريتهم ب”الإيرانية” كمصطلح مقبول من قبل معظم الشعوب الإيرانية.
وحسب مخططات خلفاء العرب المسلمين الذين استولوا على السلطة بعد النبيّ محمد، وكذلك مفكريهم، كان يتوجب على الكرد والفرس أن يضمحلّوا وينصهروا في بوتقتهم، مثلهم كمثل الشعوب الأصيلة الأخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: سوريا، لبنان، الأردن، فلسطين، مصر، ليبيا، تونس، الجزائر والمغرب الذين انصهروا وأصبحوا عرباً أقحاح.
أما المخطط الروسي فقد كان يهدف إلى تحقيق حلم القياصرة الروس منذ زمن بعيد في إقامة إمبراطورية عظمى في العالم، وبسط سيادتهم على: إيران، آسيا الوسطى، الصين، الدولة العثمانية (بما فيها كردستان وبلاد العرب)، مضيقي البوسفور والدردنيل وبلاد البلقان، وتكون عاصمتها “القسطنطينية” ومن أجل تحقيق الحلم المنشود وضعوا الخطط اللازمة له، فقد كانت المرحلة الأولى من الخطة تقضي بالسيطرة على كردستان، وتنفيذها يستوجب بداية السيطرة على جنوب القوقاز (ما وراء القوقاز حسب المصطلح الروسي).
إنّ سبب اهتمامنا بهذه المنطقة كونها تعدّ تاريخياً جزءاً من جغرافية كردستان، وكانت كذلك منذ القدم وحتى بدء الحملات الروسية في سنوات (1827-1800) بغية فرض سيطرتها عليها، وبالتالي فإنّ تاريخ كردستان القوقازية أو ما دُعِيَ فيما بعد باسم “كردستان الحمراء” ، مرتبط بشكل وثيق مع تاريخ الشعب الكردي عامة.
يكمن سبب جذب كردستان لشهيّة القوى المختلفة عبر التاريخ من المشارب والأصول ولأكثر من خمسة آلاف عام للسيطرة عليها، في أهمية موقعها الاستراتيجي، وجوِّها المعتدل وغنى أراضيها بالثروات السطحية والباطنية، لكن الأهمّ من هذا كلّه مناطقها الجبلية العالية التي تشرف على كلّ من: تركيا، إيران، وسهول العراق وسوريا المؤدية إلى الخليج الفارسي (العربي) وخليج الإسكندرونة، وكذلك الطرق المؤدية إلى روسيا عبر منطقة القوقاز، حيث تعتبر كردستان بوابة العبور نحو أوربا عبر الأناضول، وآسيا الوسطى عبر الصحاري الإيرانية، وبلاد العرب وأفريقية عبر الصحراء الشامية.
$نبذة جغرافية$
القوقاز منطقة جغرافية جبلية تقع على حدود آسيا وأوربا، وهي المنطقة المحصورة بين روسيا وإيران وتركيا (حسب التعريف الرسمي)، يحدّها من الشرق والشمال الشرقي بحر قزوين (كاسبي، الخزر ..)، ومن الغرب البحر الأسود (بونتوس)، ومن الجنوب شمال وشرق كردستان المحتلتين من قبل الدولتين الإيرانية والتركية، وقد دعيت هذه المنطقة بالقوقاز والقفقاس وبلاد “القبق” من قبل بلدان العرب والمسلمين.
تتميّز جغرافية القوقاز بأنّها منطقة جبلية وأعلى جبل فيها “جبل البورز” طقسها لطيف صيفاً وبارد شتاءً، وهي منطقة غنية بالثروات السطحية والباطنية، وفيها الكثير من الينابيع العذبة والأنهار أكبرها نهرا “كورا” و”آراس” (آراكس) ، كما أنّ فيها الكثير من أشجار الفواكه والكرمة، وهي غنيّة بمراعيها التي تحوي أنواع كثيرة من النباتات، وتصلح لتربية الماشية الصغيرة (الغنم والماعز) والقرنية (الأبقار)، ولذلك فإن اقتصادها زراعي- رعوي، إضافة إلى ثروة باطنية من البترول والمعادن، وكانت القوقاز منطقة مأهولة بالبشر منذ عصور سحيقة، وقد تم العثور في كهف بالقرب من قرية “أريني” على حذاء جلدي يعتبر الأقدم في العالم، حيث يعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد ومصنوع من جلد الثور وسمّوه “چاروخ”.1
عاش منذ القديم على أرض القوقاز عدد كبير من الأعراق والإثنيات والثقافات واللغات والأديان المختلفة، ويضمّ شعوب: الشركس، اللان (آلان)، ليزان، ڤيلان، شكا، موقان، سوار، ساسبير، أبخاز، الأَبَر (أفار)، صنار، كوبان، إضافة إلى الأرمن، الجيورجيين (سماهم العرب الجرزان)، الكرد، الأوسيت، والتركمان الآذريين حديثاً، حيث ذكر ابن الفقيه: “وجبل القبق فيه اثنان وسبعون لساناً”، ويقول المسعودي: “وفي هذا الجبل اثنتان وسبعون أمة، وكلّ أمة لها ملك ولسان بخلاف لغة غيرها” 2، وإنّ أهم دول القوقاز هي: أذربيجان، أرمينيا، أبخازيا، أوسيتيا الشمالية والجنوبية، جيورجيا، كراسنودار، نخشيڤان، أجاريا وأديگيا، أما دينياً فقد كانت الزرادشتية دين شعوب القوقاز عامة، وبعد اعتناق الأرمن والجيورجيين المسيحية بدأت الأخيرة بإزاحة الزرادشتية عن القوقاز، ثم دخل الإسلام مع بدء السيطرة العربية في عهد عمر بن الخطاب.
$نبذة تاريخية$
كانت كردستان القوقازية جزءاً من مملكة ال”مانّا” الكردية منذ بداية الألف الأول قبل الميلاد، وبعد زوالها أصبحت جزءاً من مملكة “خلديا” (أورارتو) التي قامت في القرن الثامن قبل الميلاد، وبدورها انضمت إلى الإمبراطورية الميدية الكردية في القرن السادس قبل الميلاد، ثم خضعت للفرس بعد قيام الدولة الإخمينية على يد كورش، وعلى أرضها قامت حكومة ميديا الصغرى في ظلّ دولة الفرس، ومع قدوم الإسكندر المقدوني سنة 331 ق.م بقيت على وضعها السابق تحكم ذاتها بذاتها بقيادة “أتروپات” بموافقة الإسكندر مكافأة له، لأنّ أتروپات وقف على الحياد في الحرب التي دارت بين الإسكندر وداريوس ودعيت “ميديا الأتروپاتية”، وامتدّ حكمها حسب ما كتبه “بوليبوس” من بحر قزوين إلى جورجيا، وفيها استقرّت قبيلتا “ساگارتي” و “سانگي بوتو الميديتان العريقتان على ضفاف نهر آراس وجبال “أرفين” و”قره داغ” حيث مركز استقرار الآريين الأوائل، وقد استقرّ قسم منهم وهاجر آخرون إلى أفغانستان واستقروا في “قندهار”.
ونشير إلى أنّه أثناء حكم الإسكندر تم حرق القسم الأكبر من كتاب زرادشت “آڤيستا”، أما القسم المتبقي فقد تم نقله إلى ميديا الصغرى وكُتِب من جديد على جلود الثيران، وقد وصلت إلى السلالة الساسانية الحاكمة في إيران (635-226)م ما مقداره 345700 كلمة، أما اليوم فإن الأڤيستا يتكون من 83000 كلمة فقط أي أنه تم القضاء على ثلاثة أرباع الكتاب.
وبين عامي (644-643) تعرّضت كردستان القوقازية للسيطرة من قبل العرب المسلمين بقيادة حذيفة بن اليمان، حيث لقي الجيش العربي مقاومة عنيفة في “أتروبات” (أصبحت بعدها أذربيجان)، وبسبب عدم توازن القوى اضطر حاكمها للتوقيع على اتفاقية مع “حذيفة” تعهّد فيها الأخير بعدم قتل أو أسر أحد من السكان، وعدم التعرض على كرد: بلاشجان، سابيلان وساتروزان مقابل دفع مبلغ ثمانمائة ألف درهم، وهكذا ضمِن سلامة كرد “ميديا الصغرى” وكردستان ولو جزئياً، وإلى جانب الحروب الدموية انتهج رجال الدين العرب نوعاً من الحرب النفسية تجاه الكرد، من خلال مواعظهم وفتاويهم بغية تعريب الكرد الذين لم يرضخوا للسيف، فقالوا: “إنّ البيت الذي يحتفظ بالمخطوطات والكتب الزرادشتية سيلاقي أصحابها المآسي والخراب” بمعنى أنّ على الكرد أن يقرؤوا كتاب القرآن فقط، لأنّه “يجلب السعادة والخير لأهل البيت”، وبعد مرحلة طويلة من الكفاح ضدّ السيطرة العربية امتدت لثلاثة قرون بدأت الدولة الإسلامية بالتفكّك في العصر العباسي وبرزت الدويلات السلالية، حيث تمكّنت قبيلة شدادان (آل شداد) الكردية من تأسيس دولة كردية في القوقاز سنة 951 م واستمرت إلى سنة 1174، حيث كتبت الباحثة “شيرين إيكينر” في كتابها (المسلمون في الاتحاد السوفييتي) بهذا الصدد: “حكمت أسرة شداد إيزيدڤان الكردية الإيزيدية المنطقة الواقعة بين نهري كورا (في أذربيجان وجيورجيا) وآراس (في أرمينيا) بين القرنين العاشر والثاني عشر”3 ، واتخذت مدينة “گنجه” (حاليا في أذربيجان) عاصمة لها ثم مدينة “آني” (حاليا في أرمينيا)، وهم الذين وجّهوا ضربات قاصمة للخزر ووضعوا نهاية لغزواتهم، كما خضعت منطقة القوقاز لحكم العشيرة التركمانية “قره قويون” التي بنت دولتها انطلاقاً من القوقاز مروراً ب”أرديش” و “سنجار” (شنگال) وحتى بغداد ودامت بين سنوات (1469-1380) 4، ونشير في هذا السياق أنّ أسطورة البطل الكردي “رَوْشَنْ” الذي سماه الأتراك “كور أوغلو”، وهي ملحمة كردية شهيرة تعبّر عن انتفاضة عشيرة الجلاليين الكردية في القوقاز ضدّ سلطة أتراك “قره قويونلو”.
ومع بدء الحملات الروسية في مستهلّ القرن التاسع عشر التي استمرت بين سنوات (1827-1800) والتي تمخّضت في نهايتها باقتطاع كردستان القوقازية وضمّها إلى الإمبراطورية الروسية، كانت بمثابة تقسيم جديد لكردستان أو “التقسيم الثاني” (حسب تعبير مصطفاييف) وذلك بعد التقسيم الأول الذي حدث بعد معركة چالديران 1514 حيث قسّمت بين إيران والدولة العثمانية.
كتب المؤرخ “أوربيلي” مقيّماً دور الكرد عبر التاريخ: “أعطى الشعب الكردي خيرة أبنائه من المحاربين والعلماء والأدباء للعرب والفرس والأتراك”، لكن هؤلاء كافئوهم بصهرهم وتجريدهم من ثقافتهم وسلب ممتلكاتهم وتجويعهم، أما الذين أبدوا أدنى نوع من المقاومة، فكان جزاؤهم القتل أو التهجير القسري.
كما نشير أنّ بعض القبائل الكردية عبر بحر قزوين من “كردستان خراسان” وهم قسم من الكرد الذين تم تهجيرهم بين القرنين السادس عشر السابع عشر وأغلبهم في عهد الشاه عباس الصفوي، وفي القرن التاسع عشر أصبح كرد القوقاز تحت السيادة الروسية، ثم ازدادت الهجرة إلى روسيا بين سنوات 1877-1853 بسبب الحروب الروسية – التركية وكذلك أثناء الحرب الكونية الأولى وبعدها إلى سنة 1920، كما هاجر بعض الكرد إلى أفغانستان بين سنوات 1930-1920، ولأنّ معظم الكرد كانوا يعيشون حياة شبه بدوية فقد قامت حكومة الاتحاد السوفييتي بتشغيلهم وتوطينهم في مزارع جماعية، ويعملون في الزراعة وتربية الماشية باستثناء كرد جيورجيا حيث يعملون في الصناعة ويتركزون في العاصمة “تفليس”.
$تابعية أرض القوقاز$
يؤكد الباحث والسياسي “مصطفاييف”5 تبعية أرض القوقاز وخاصة القسم الجنوبي منه لكردستان، استناداً إلى كتابات العلماء اليونان: بوليبيوس، اكزنيفون وهيرودوت، والروس: ليرخ، بيكوف، مكارنكو، دياكونوف والباش كورد – علياموف، والأرمن: بولاديان، أبوفيان ويوسف أوربيلي، والأذربيجانيين: بهارلي، ولييف وباكيخانوف، والجيورجي مينتشيفيلي، والإنكليزي بيل، والكرد: ابن مسكويه، الاصطخري، مسعود بن نامدار وميرزا أديغيزال بك گوراني، وكذلك وثائق الإمبراطورية الروسية وإيران وأذربيجان، وقد عاش الكرد في القوقاز حياة شبه مستقرّة معتمدة على الاقتصاد الرعويّ والزراعي معاً، حيث كان جزءٌ من العائلة الكردية تعمل في الزراعة والجزء الآخر في الرعي وتربية الماشية في المراعي الجبلية، وقد استمرّ هذا النمط الاقتصادي حتى قيام الاتحاد السوفييتي حيث بدؤوا بالاستقرار النهائي والعمل في البرامج المجمعة (كولخوزات- سوفخوزات).
كتب الباحث الأثنوگرافي الأذربيجاني أ.الكبيروف: “إنّ وفرة أسماء الأماكن والمناطق في أذربيجان بالكردية يشير إلى أنّ الكرد لعبوا دوراً كبيراً هنا في كاراباخ” ، ويثبت ذلك ما كتبه “مصطفايف” في كتابه (كردستان القوقازية) وهو أنّ معظم أسماء القرى والمدن والأنهار والجبال القوقازية كردية6، وتذكر المصادر العربية والأرمنية واليونانية القديمة أخبار عن “بالاسكان” و “بايلاكان” في القوقاز، حيث قضى الساسانيون على المملكة الألفانية (داغستان الحالية) وسلموها إلى الملك الكردي “مرزبان” حاكم مملكة بالاسكان7 ، أما “بايلاكان” فكانت منطقة خاضعة لسلطة “اللشكري الفضل بن محمد حاكم الدولة الشدادية سنة 1030 ، وأنّ البايلاكانيين ينتمون إلى التحالف القبلي: بالاجان و بالاشجان، ولا زالت هذه القبيلة تسكن في الجبال الواقعة بين إيران وباكستان ومركزها مدينة “كويتا” في إقليم بلوجستان.
ونشير أنّ مجموعة من الخانات (إمارات- إقطاعيات) الكردية كانت تحكم كردستان القوقازية وهي:
خان إريڤان بقيادة “حسين خان” كان يضمّ العشائر الكردية التالية: جلالي، زيلوني، بلخكي، ميزركي، خاليقاني، ساكنتي وكولاني.
خان موغان: بقيادة مصطفى خان، كان يشمل قبائل جبراني، شاريان، مراد خان وآخرين.
خان گوران: كان تحت سلطة “شيروان” في حوض نهر كورا في كورانزور (تغيرت التسمية إلى كوريندزور) ومركزها “گوران” (حالياً گوران باي).
خان كاراباخ: كان يحكمه إبراهيم خان جوانشير، من قبيلة جوانشير.
خان شاكين: كان يحكمه صادق خان من قبيلة شاكي (شكاكي).
خان چوبان: كان يحكمه خان عسكر بك ومركزه شاماخي.
خان كوبان: كان يضم كونفدرالية الكرد اللور (قبائل زنگنه، شادي وآخرين).
خان كولان: كان تحت سلطته شيروان، سيڤان، أعالي مجرى نهرگارني، منطقة باكين، دفاچين، أبشيرون، سابير أباد، ساتلين، ساليانسك، وقبائل شادلي الكردية.
وأنوّه أنّ المعلومات المدونة أعلاه موثقة في أرشيف روسيا وإيران وإنكلترا، حيث تُشير خريطة كاراباخ كما أورده “مصطفايف” في نهاية القرن التاسع عشر بوجود 69 قرية كردية – 3510 عائلة كردية – 18306 شخص كردي، ووجود 47 قرية أرمنية عاشوا فيها 3408 أشخاص أرمن فقط، مما يدلّ أنّ غالبية سكان كاراباخ كانوا من الكرد.
أما إحصائيات ولاية نخشيفان الموجودة في أرشيف الإمبراطورية الروسية فيظهر وجود 44 تجمع سكني يعيش فيها 910 عائلات منها 663 عائلة كردية و 247 عائلة أرمنية، وكان يحكمهم ثلاثة خانات كرد، كما تشير الإحصائيات إلى وجود خمس وعشرين قبيلة كردية في نخشيفان ومنها عشيرة قره چول .. وغيرها، حيث قام الشاه عباس بتهجير تسع قبائل منهم من “دارالز”، ولم يكن فيها تتري (أذربيجاني) واحد، وقد أصبحت نخشيڤان جمهورية حكم ذاتي سنة 1921 حسب الاتفاقية المبرمة بين الاتحاد السوڤييتي وتركيا التي دعيت “اتفاقية موسكو”، وضمّت إلى دولة أذربيجان المحدثة، مع أنّها لا تمت بصلة معها لا من الناحية الجغرافية ولا التركيبة السكانية.
أما مدينة “إيچميازين” (مركز البطريركية الأرمنية) فينحدر اسمها من قبيلة چوبان- چوبينا- چوبان كار- شبان كار، وكان “فضلو” زعيم القبيلة الكردية شبانكاره يحكم قسماً من إيران.
وبين عامي 1302-1301 كانت قبائل: كاراباخي، زنگنه، شاه سيڤاني، شادلو ضمن الكونفدرالية الكردية اللورية دخلت القوقاز هرباً من هولاكو المغولي ، وطردت الشداديين الكرد واحتلت عاصمتهم “گنجه”، كما احتلت “آري ساخ لاچين” (كاراباخ الحالية) ، كما حكمت قبيلة كاراباخي بلدة “شوشه”.
أما الكرد الگورانيين (كونفدرالية قبلية كردية) أحد أقدم سكان القوقاز، ومن هذه القبيلة خرج الملك الساساني “بهرام گور- بهرام جور” الذي تغنّى به الشاعرين الكبيرين “الفردوسي” و “نظامي گنجوي” الكردي، فهذه القبيلة هي التي دجّنت الثور البري (گا) واستحقت تسمية “گوران- گاران” وإحدى اللهجات الكردية باسمهم، وانتشرت هذه القبيلة الكردية في القوقاز عامة ومنهم: گوران شيروان، گوران قاشلاغ، گوران بودي، وفي منطقة شارو قلعة گوران، وفي عاصمة كردستان القوقازية “بردا” اثنان وثلاثون قبيلة كردية ومنها قبيلة گوران.
كتب الرحالة والكردولوجي الروسي الشهير “ليرخ” تحت عنوان “دراسة عن الكرد الإيرانيين وأسلافهم الخلديين” أنّه: “في مناطق “لاچين، كَلْبَجار، قوبادلي، زَنْگلان، جبرائيل والمناطق الأخرى المجاورة، يعيش كرد من قبائل: قره چول، حسنان، كوليكان، شاديمان، حجس ساملي، تهماسب، خانزكلي، جوادي، فريخكاني، سلطاني، بوزلي، بياندر وقبائل أخرى”، كما ورد في كتاب صدر عن المجلس الشعبي الاقتصادي الأذربيجاني في باكو سنة 1921 بعنوان “الوضع الجغرافي الإثني والاقتصادي لأذربيجان” أنّ: “أكثر شعب تم إذابته في بوتقة أخرى من شعوب أذربيجان هو الشعب الكردي، وإنّ قبائل مثل: بوسيان، گورس، قره چول، كورد، بختياري وبرگوشاد أصبحت تركية.
$الأطماع الروسية في القوقاز$
بهدف تحقيق الحلم الروسي في إقامة امبراطورية عظمى وضعت روسيا الخطط اللازمة لتنفيذها، وكانت المرحلة من الخطة تقضي باحتلال ما وراء القوقاز (جنوب القوقاز)، وكانت الخطوة الأولى هي القضاء على الأديگيين (الشراكسة) وقد تم ذلك في القرن الثامن عشر، فمن أصل سبعة ملايين أديگي (شركسي) لم يبق منهم سوى مائة ألف من الشعب الأصلي، والذين نجوا من الموت فرّوا نحو كردستان (أرزروم، ترابزون، منبج، تل أبيض) وسوريا (خناصر والجولان) والأردن، وفي سنة 1796 احتل الروس مدينة “دَرْبَنْدْ” (يسميها العرب باب الأبواب) على ساحل بحر قزوين، وفي سنة 1801 احتلوا مدينة “تفليس” عاصمة جيورجيا، وفي 1804 سيطروا على “إريڤان”، وفي العام نفسه احتلوا مدينة “كومر- كيومَرْدْ” ، وفي سنة 1807 سيطروا على كرد “نخشيڤان” كما احتلوا المنطقة الشمالية من كردستان العثمانية.
في بداية الأمر انضمت خانات (إمارات) كردستان القوقازية برغبتها إلى الإمبراطورية الروسية لجهلهم بالخطة الروسية، وحسب اتفاقية تركمان چاي- گوليستان سنة 1828 بين روسيا من جهة وإيران والدولة العثمانية من جهة ثانية، انتُزِعَت القوقاز وضُمَّت إلى الإمبراطورية الروسية، بعد أن زرعوا بذور الفرقة بين الشعوب المسلمة والمسيحية حيث قطعوا جزءاً بعد جزء، كتب “مصطفاييف” بهذا الصدد: “كانت القيادة الروسية قد وعدت الأرمن بإقامة (دولة) أرمينيا الكبرى والآشوريين بمملكة في سوريا والعراق، والأذربيجانيين التركمان بكردستان الإيرانية وفارس حتى الخليج الفارسي، ومن أجل حماية حدودها الجنوبية جلبت الأرمن والآشوريين واليونان من أراضيهم الأصلية ضمن كردستان وأسكنتهم في القوقاز”، فقد عمدت الفرق الأرمنية بحماية الجيوش الروسية أملاً في “أرمينيا الكبرى” وقامت بقتل الكرد واعتماد أسلوب الأرض المحروقة سعياً لإفراغ القوقاز من الكرد، ففي تلك الحروب الأربعة الروسية – العثمانية والروسية – الإيرانية تم القضاء على أكثر من مليون كردي، ولما شعر الكرد أنّهم يتعرّضون لحملة صليبية من الروس عقدوا العزم على إشهار سلاحهم وقتال الروس، ففي سنة 1855 تمكّن الفرسان الكرد من القضاء على الجيش الروسي المتغلغل في شمال كردستان.
لم يكن في نيّة الكرد معاداة الروس، حيث حاول معظم زعمائهم جاهدين من أجل إقامة علاقات صداقة وتعاون معهم، يثبت ذلك ما ورد في التقرير رقم (26) المحفوظ في الأرشيف العسكري الروسي والذي قدّمه الجنرال باسكيفيتش بتاريخ الثاني عشر من حزيران 1927 “إنّ عشائر الملّان والقره چول والشداديين وسكان أراضٍ أخرى توجهوا إليّ عبر الشدادي أصلان سلطان، وعبّروا عن رغبتهم بوضع أنفسهم تحت الحماية الروسية”، لكن محاولاتهم لم تلق آذاناً صاغية، ولكن عندما اجتاح الجيش الروسي شمال كردستان مرة أخرى في سنة 1877، قام مسلحو عشائر: جلالي، حيدري، والكرد الهكاريين بإبداء مقاومة بطولية استمرت لسنتين، وفشل الهجوم الروسي وانهزم جيشه إلى خلف نهر آراس، وأثناء الحرب الكونية الأولى كانت الهجمات الروسية على الدولة العثمانية يتمّ صدّها من قبل فرق الخيّالة الكرد، وقد فهم الروس أنّه يصعب الانتصار على العثمانيين في ظلّ وجود الفرسان الكرد الذين يتمتّعون بمهارات قتالية عالية، ورأوا ضرورة كسبهم إلى جانبهم بغية تحقيق هدفهم وتمزيق المخططات التركية في القوقاز، وهذا يعني أنّ الحروب الروسية في القوقاز باءت بالفشل، ولذلك قام كلّ من الدبلوماسي والمؤرخ الشهير “مينورسكي” والجنرال “باراتوف” وآخرون من الضبّاط والمثقفين الروس بتقديم طلب إلى قادة روسيا مع الرجاء لإقامة علاقات صداقة وسلام مع الكرد تحقيقاً لمصالح روسيا، لكن طلبهم جاء متأخراً.
كانت روسيا في مراحلها المتعدّدة (القيصرية والشيوعية) تستمرّ في ضرب الوجود الكردي وتعمل جاهدة للحيلولة دون اكتسابهم لحقوقهم السياسية، فقد كانت تنتقم من الكرد باستمرار، ولكن لماذا؟ هل هاجم الكرد الأراضي الروسية وقتلوا أهلها؟ صحيح أنّ الفرسان الكرد من الأردلانيين والمكريين والشكاكيين وآخرين شكّلوا خطراً على مؤخرة الجيش الروسي في شرق كردستان (الإيرانية)، وكذلك “الفرسان الحميدية” من الكرد في شمال كردستان، لكنّهم كانوا يدافعون عن أرضهم ومكتسباتهم السياسية، كما حدث في انتفاضة عبيد الله النهري عندما هاجمت قواته الجيش الروسي حتى “أورميه” ونتج عنه فرار موظفي القنصلية وأخذ أرشيفهم معهم إلى روسيا، وكان في عداد الجيش الروسي الكثير من المقاتلين التركمان والجيورجيين والأرمن، وفي الحرب الكونية الأولى اعتمد الجيش الروسي على قازاق “كوبان” (منطقة في القوقاز)، وقد زودت ألمانيا وقتئذٍ القبائل الكردية في شرق كردستان بالسلاح، حيث أصبحت القوقاز برمتها في محرقة الحرب.
تمكّن الروس من إقناع الأرمن والجيورجيين والآشوريين والتركمان الذين يعيشون بين الكرد، أنّه بوجود الكرد يستحيل بناء دولهم وعليهم تشكيل فرق قازاقية خاصة بهم لدعم الجيش الروسي وقتل السكان الكرد، حيث اقتنع الروس أنّه دون إبادة الكرد يستحيل احتلال كردستان وتحقيق “الحلم الروسي” وبناء إمبراطورية واسعة، لذا بقي الكرد وحيدين في لظى الحرب الكونية الأولى، ولم يبق أمامهم سبيل سوى التحالف مكرهين مع الدولة العثمانية.
ولذلك فإنّ كافة حملات الإبادة وخنق الانتفاضات الكردية تمت على يد قوات “القازاق” الروس، وهم فلاحون جُلِبوا من مقاطعات: ساراتوف، تامبوف، فارونج، بولتاف، موسكو وخاركوف، حيث تشكل منهم أفواج مشابهة ل “الكتائب الحميدية” واستقروا في القوقاز، ففي مدينة “إريڤان” وحدها كان يوجد عشرون ألف قازاقي، وفي الوقت ذاته تشكل فوج القازاق الأرمن والجيورجيين تمهيداً لمخطط الاحتلال الروسي للقوقاز، وقد تم توطين هؤلاء القازاق وآخرين من الآشوريين واليونان والتركمان الشيعة في أفضل مدن وقرى كردستان القوقازية بعد طرد الكرد من بيوتهم، وهكذا تم القضاء على خانات الكرد وقبائلهم.
كتب قائد القازاق ف.ي.يليسيف في مذكراته: “القازاق على الجبهة القوقازية 1917-1914” ما يلي، بعد أن يصف ميزات الكرد الشكلية والاجتماعية وعاداتهم وأنّهم شعب طيب: “لقد شغلنا أرضهم وهدمنا بيتوهم، وأخذنا قمحهم لإطعام خيولنا وذبحنا أغنامهم وأبقارهم لإطعام جيشنا ..”، ويستطرد “.. كان بإمكان عسكري عادي أن يسلب آخر قطعة خبز لديه، ويطرد ربّ العائلة من بيته ويعتدي على زوجته وأخواته وبناته …، وفي هذه الحالة حتى الأوربي كان سيدافع عن عائلته وشرفه ولو بسكين، فكيف بالكردي المتوحش والمحارب، ولذلك كان الكرد يطلقون النار على الجنود الروس …”.
مع استمرار الهجمات البربرية الروسية بالتعاون مع حلفائها من الأرمن والآشوريين واليونان والقبائل التركمانية وعلى مدى أكثر من مائة عام، لم يتمكنوا من كسر إرادة الشعب الكردي ومقاومته البطولية، وفشل الجيش الروسي في تحقيق حلم القياصرة الروس المتمثل في السيطرة على القوقاز ونقل عاصمتهم من “سان بطرس بورگ” إلى “قسطنطينوپولس- استانبول” والوصول إلى المياه الدافئة وبالتالي فرض السيطرة على العالم.
$مشروع الحزام الروسي في القوقاز$
بغية التخلّص من ضغط قوات القبائل الكردية على مؤخرة الجيش الروسي في القوقاز أثناء غزواته على شمال وشرق كردستان لقطع أواصر علاقات القربى بين كرد القوقاز مع الوطن الأم، حاولت روسيا إقامة حزام أمني مسيحي في القوقاز يفصل روسيا عن كردستان، من خلال توطين الروس والأرمن والاشوريين واليونان إلى جانب الجيورجيين، ويبدو أنّ روسيا قد مهدت لهذا المشروع في مرحلة الحروب الروسية مع إيران والدولة العثمانية، حيث كتب الباحث الروسي “شافروف” بصدد الهجرة أنّه “بين سنوات (1830-1800) هاجر (40 000) أرمني من إيران و(84600) أرمني من تركيا إلى الولايات الروسية (اليزابيت8 وإريڤان) وأضاف، هاجر فيما بعد (1 300 000) أرمني إلى إقليم القوقاز” وقد أيّد ذلك الباحثان الفرنسيان “لويس” و”رامبو” في مؤلفهم “تاريخ القرن التاسع عشر.
لكن غالبية هؤلاء لم يستطيعوا العيش في المناطق الجبلية الوعرة ذات الاقتصاد الرعوي المعتمد على تربية الماشية، إضافة إلى خوفهم في الاستقرار في جغرافية جبلية لا توجد فيها حاميات روسية، وبفشلهم في إقامة الحزام المسيحي وقع الاختيار على التركمان الشيعة الإيرانيين، حيث تم توطينهم في أفضل الأراضي الخصبة في سهول: باكو، موقان وشيروان بالقوقاز، وقد كتب المؤرخ المعروف “ف. مينورسكي” بهذا الصدد: “هاجرت من بلاد فارس أعداد هائلة من العمال إلى القوقاز”9 ، حيث تم استخدام قسمٍ من الشباب التركمان الوافدين في مشاريع الصناعات النفطية التي أقيمت حديثاً، واستخدموا الآخرين في تشكيلات “القازاق” حسب النموذج الروسي بهدف الحماية الذاتية، وبغية تحقيق الاستقرار الدائم عمد الروس إلى استعمال القوة للقضاء على قسم من الكرد بالقتل أو التهجير وإبعاد آخرين إلى المناطق الجبلية الصعبة واضطرار الباقون إلى قبول الصهر والانضمام إلى الجنسية التركمانية (الأذربيجانية)، وقد عمدت الأقوام القوقازية الأخرى مثل: تاليش، لاكيش، تات، لاز والآفار إلى الإعلان عن أنفسهم بأنّهم أتراك مسلمون تجنباً لمصيرٍ مشابهٍ للكرد.
مع انحسار الجيش الروسي من القوقاز سنة 1917 بسبب انهيار الجيش العثماني في الحرب الكونية الأولى وحدوث أزمة سياسية وحرب أهلية في روسيا تمهيداً للثورة البلشفية، بدأت قوات القبائل الكردية بطرد التركمان المستوطنين على أراضيها، إلا أنّ قوات الأرمن الطاشناق (حزب أرمني قومي تأسّس سنة 1890) تحرّكت صوب باكو وهي تقتل كلّ من يصادفها من المسلمين، فاضطر الكرد إلى التحالف مع التركمان، وقد استغل الجيش التركي سنة 1918 فرصة غياب الروس ودخلت القوقاز بحجة الدفاع عن المسلمين، لكنه بدلاً من محاربة الطاشناق الأرمن قام بإبادة الشعب الكردي، وأسّس للتركمان دولة تركية (أذربيجان)، وهكذا أصبحت كردستان القوقازية بين عدوّين لدودين روسيا وتركيا قبيل قيام السلطة السوفييتية.
ونشير في سياق تأسيس الكيان “الأذربيجاني” أنّه لم يرد في أي وثيقة حتى قيام ثورة أكتوبر 1917 ما يشير إلى “القومية الأذربيجانية”، فقد كان يُشير “لينين” إليهم في كتاباته ب”تتار القوقاز”، ولكن حسب رغبة “ستالين” تم اصطناع مصطلح “أذربيجان – القومية الأذربيجانية” بحجة وحدة الشعب، وقد بحث علماء “باكو” عن الذات القومية على مدار قرن كامل دون نتيجة، ولما يئسوا حاولوا الاستيلاء على الموروث الثقافي والتاريخي للكرد، اللاز، التاليش، التات، الأفَر والألبان لتكوين ذاتهم القومي10 ، اقتداءً بالأتراك الذين أبادوا الكرد ونسبوا تاريخهم وثقافتهم لأنفسهم.
استغل الأرمن الطاشناق في سنة 1918 الفوضى العارمة في روسيا إثر قيام “ثورة أكتوبر الاشتراكية”، وأعلنوا عن قيام دولتهم القومية على أرض كردستان القوقازية ، وفي سنة 1920 قضى الجيش الأحمر على حكومة أرمينيا الطاشناقية، وعلى قاعدة هذه الدولة قام البلاشفة الروس بإقامة جمهورية أرمينيا السوفييتية.
ومع ورود أخبار انتصار ثورة أكتوبر في روسيا وتحرّك الجيش الأحمر نحو القوقاز، استبشر الكرد خيراً على أمل قيام دولة كردية، ولكن هيهات بوجود العامل الأذربيجاني والأرمني بدعم مباشر من الروس.
$تأسيس كردستان الحمراء$
تأسّست السلطة السوفييتية في كردستان القوقازية مع وصول الجيش الأحمر الحادي عشر، ولذلك دعيت “كردستان الحمراء”11، وقد ساهمت فرق الدفاع الذاتي الكردية وجميع الكرد في إقامة السلطة السوفييتية، التي تأسّست فعلياً بعد مماطلة طويلة رافقها أعمال القتل والتجويع والإبعاد والتغيير الديموغرافي من قبل السلطة الأذربيجانية وبدعم مباشر من تركيا، وأخيراً صدر قرار من اللجنتين المركزيتين الحزبية والتنفيذية في أذربيجان بتاريخ السابع من تموز سنة 1923 يقضي ب”إقامة كردستان ذات الحكم الذاتي”، ولكن دون تحديد عاصمتها وحدودها، وقد أرسل الكرد البرقية التالية وقتئذٍ إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني جاء فيها: “نحن الكرد أحرار وقريبون بطبيعتنا من السلطة السوفييتية، ونحتضن اليوم وللمرة الأولى أمّنا – سلطة العمال والفلاحين، نحن اليوم نزعنا الأغلال والقيود ونمدُّ أيادينا إلى الشقيقة أذربيجان ونتوجّه إلى الجيش الأحمر بالقول: لقد دمجنا الفرسان الكرد الحمر مع الجيش الأحمر والذين سيكونون مثالاً للإخلاص والوفاء”.
بعد تجاذبات ونقاشات استغرقت شهراً وبضغط من سيرگي كيروف سكرتير الحزب الشيوعي الأذربيجاني، صدر قرار تعيين حدود وعاصمة كردستان، حيث ضمّت أربع وحدات إدارية هي: كَلْبَجار، بيريجان (لاچين)، قوبادلي وقسماً من منطقة جبرائيل، وست دوائر هي: كَلْبَجار، لاچين، قوبادلي، زَنْگلان، وجزء من جبرائيل، وأقسام فرعية من: قشلاق، قوتورلي، مرادخانلي، كرد- گنجي وحاجي، بمساحة قدرها (6210) كم2، وتعيين مدينة “لاچين” عاصمة لها، وانتخاب “حسين حاجييف” رئيساً للجنة التنفيذية لكردستان الحمراء، وقد ضمت كردستان الحمراء نسبة 90.1% من مجموع كرد أذربيجان.
مع قيام كردستان الحمراء بشكل قانوني توجّه الكثيرون من كرد أرمينيا ونخشيفان إليها، وعاد الذين غادروها في وقت سابق، وتوطدت علاقات الكرد مع بعضهم ومع الجوار الآذري والأرمني، حيث بلغ تعداد الكرد حسب هيئة الإحصاء السوفييتية لعام 1926 إلى 232 ألف كردي، ونشطت الحركة التعليمية بغية القضاء على الأمية، حيث افتتحت أكثر من مائة مدرسة كردية ومعهد تربوي لتخريج المعلمين، إضافة إلى افتتاح: ثانوية زراعية، ومعهد مسرحي، وطبع الكتب باللغة الكردية، وإصدار جريدة “كردستان السوفييتية”.
انتشر صدى قيام كردستان السوفييتية وافتتاح المؤسسات التعليمية في جميع أجزاء كردستان، وتزامنت مع نشاطات الحركات الثورية والانتفاضات الكردية (شيخ سعيد وساسون) في شمال كردستان، وقد عقدوا الأمل على الاتحاد السوفييتي كمحرّر للشعوب المضطَهدة، بعد أن خذلتهم تركيا الأتاتوركية في نكرانها لوعدها بتأسيس دولة مشتركة (تركية – كردية)، وكذلك الدول الغربية جرّاء توقيعهم على اتفاقية لوزان سنة 1923، وتجاهلهم لاتفاقية “سيفر” سنة 1921، وإنكارهم لحقوق الكرد في إقامة دولة كردية، وبدلاً عنها قامت بتقسيم وطنهم إلى أربعة أجزاء.
بعد مضي أقل من عام واحد على وفاة لينين (سنة 1924)، انفرد “ستالين”12 بالسلطة وتصرّف كديكتاتور، وقد تجاوز ظلمه بطش القياصرة، حيث بدأ بحملة مسعورة ضدّ الأقليات العرقية في القوقاز والشعب الكردي خاصة، الذين تعرضوا لحملات الإبادة والتهجير القسري الأكثر عنفاً، تحقيقاً لرغبات المتطرفين الأتراك الأذربيجانيين (تتار القوقاز حسب تعريف لينين)، وكان “لينين” قد نبّه القيادة السوفييتية والحزبية قبيل وفاته إلى سلوك ستالين المتطرّف، حيث كتب في الرابع والعشرين من كانون الأول سنة 1924 “إن ستالين مفرط في الفظاظة”، ودعا إلى إبعاده مستقبلاً عن منصب الأمين العام، حيث تجاوز عدد المضطَهَدين على يديه عن خمسة وعشرين مليون إنسان، وإنّ أكثر من ستة ملايين منهم قضوا نحبهم جوعاً، ويثبت ذلك الاحصائيات المتتالية في أذربيجان.
وقف القوميون الآذريون بشدة ومنذ البداية ضدّ تأسيس جمهورية كردستان الحمراء، وعلى رأسهم “جعفر باگيروف” رئيس جمهورية أذربيجان السوفييتية وسكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأذربيجاني، بتحريض وضغط من مصطفى كمال (أتاتورك) على السلطات السوفييتية والأذربيجانية، حيث كان أتاتورك يرى أنّ “كردستان الحمراء” تشكل خطراً على تركيا، ويحرّض الكرد في شمال كردستان للمطالبة بحقوق مماثلة، إضافة إلى أنّه كان يوهم السوفييت باستمرار بأنّه معادٍ للاستعمار والإمبريالية، ويحارب الإنكليز والفرنسيين، ويأمل منهم المساعدات المادية والمعنوية، ومما يؤسف له أنّ السلطات السوفييتية لبّت مطالبه، كما أنّها أصدرت قرارها المجحف من مؤتمر سوفييتات أذربيجان، بحل جمهورية كردستان ذات الحكم الذاتي في الثامن من نيسان 1929، تجاوباً مع أماني المتطرفين الآذريين وأتاتورك والديكتاتور ستالين إضافة إلى تقديم منحة نقدية كبيرة لأتاتورك، وقد كرّر الثنائي المتطرف ستالين – باگيروف الجريمة نفسها في تجربة “جمهورية مهاباد” فيما بعد.
أما الدول الغربية فقد التزمت جانب الصمت حيال التطورات الجارية في تركيا والاتحاد السوفييتي والمعادية للتطلعات الكردية، حيث كان الغرب يعتقد في تركيا أنّها الحليف المستقبلي الأساسي في صراعه ضدّ الاتحاد السوفييتي والشيوعية.
بدأت العناصر الحزبية الآذرية بالاستفزازات وتلفيق التهم والأكاذيب ضدّ الكرد ومضايقتهم، وقد نشط الكرد في تلك الفترة وعقدوا عدداً من الاجتماعات العامة في أرمينيا، كما تمكّنوا من افتتاح القسم الكردي في إذاعة “إريڤان” لإيصال صوتهم إلى شعبهم والعالم، مما اضطرت معها اللجنة التنفيذية المركزية الأذربيجانية إلى إعادة النظر في قرار حلّ كردستان الحمراء، وإصدار قرار جديد يقضي بإعادة تشكيل مقاطعة كردستان في الخامس والعشرين من أيار 1930، مع اقتطاع جزء من مقاطعة كراباخ وإقامة مقاطعة كردستان المستقلّة وتبقى عاصمتها مدينة لاچين، بمعنى استعاد الكرد بعضاَ من حقوقهم وأنّ حدودهم أصبحت محاذية لشرق كردستان (إيران)، وأصبحت المناطق التالية: كلبجار، كوتور، لاچين، قوبادلي، زنگلان وقسم من منطقة جبرائيل تشكل مقاطعة كردستان.
بعد الإجراء الأخير عادت الاستفزازات الأذربيجانية من جديد بقيادة “مير جعفر باگيروف” مرفقة بسياسة الصهر القومي، وبضغط مباشر من أتاتورك، بسبب تصاعد وتيرة المواجهات في انتفاضة “آگري” بشمال كردستان في محاولة جديدة للقضاء على كردستان القوقازية، وفي تلك الفترة كانت الحكومة الأذربيجانية تصدر قرارات لصالح الكرد نظرياً وتشدّد من سياسة الصهر القومي والتهجير والتنكيل بالكرد عملياً ، ولذلك انخفض عدد السكان الكرد إلى النصف، حيث “بدأ حكام أذربيجان النازيون بالبحث عن طرق ووسائل للقضاء على كردستان القوقازية والأمة الكردية، ليس في أذربيجان وحدها بل وفي شمال كردستان”13 لتعاونهم اللامحدود مع أتاتورك، وبالتالي كان عام 1931 في تاريخ الشعب الكردي عام القضاء على كردستان القوقازية، ففي بداية الاحتلال الروسي (1804) للقوقاز كانت نسبة الكرد 80% من مجموع السكان، ومن مرحلة ثورة أكتوبر وحتى انهيار كردستان الحمراء تقلصت نسبتهم إلى 40-30% ، وعشية انهيار الاتحاد السوفييتي كانت قرية واحدة فقط في أذربيجان عامة هي “داراكند” تتكلم الكردية.
ونشير أنّ عداء الآذريين الأتراك الشديد للكرد يعود إلى مرحلة الحروب الروسية – الإيرانية عندما تمكن الكرد من طرد الجيش الروسي من شرق كردستان، وقد نزح الآذريون (أتراك – أوغوز) والأرمن وقتئذٍ إلى القوقاز خوفاً من انتقام الكرد حيث كان الآذريون يحاولون إقامة دولة تركمانية على أراضي شرق كردستان، كما كان الأرمن والاشوريون يعملون من أجل إقامة ممالكهم على أرض شمال كردستان، وقد سكن اللاجئون الأرمن والقبائل التركمانية الشيعة في المدن والقرى الكردية في القوقاز بمساعي الروس.
لقيت ممارسات وقسوة الآذريين على الكرد استحساناً لدى ستالين، حيث كانت تصله معلومات مضلّلة عن الكرد عبر القنوات الاستخباراتية، وقد كانت معظم قيادات الأجهزة الأمنية للجمهوريات السوفييتية المحاذية لتركيا من الأذربيجانيين أو الأرمن المعادين للكرد، إضافة إلى المعلومات التي كان يقدّمها “قره خانيان” السفير السوفييتي في استانبول الذي كان عميلاً لتركيا، وأعدم بسببه فيما بعد.
$حلّ كردستان الحمراء$
أصدر ستالين أوامره بإلغاء “كردستان الحمراء” رغبة منه للأسباب التالية:
بسبب التضامن والمشاعر القومية المشتركة بين كرد القوقاز وانتفاضة “آگري” وقد أراد معاقبة كرد الاتحاد السوفييتي بشدة.
نزولاً عند رغبة حكام أذربيجان و”باگيرف” خاصة.
وبشكل أخصّ لتحقيق رغبة أتاتورك.
وآخرها “بطلب من ميگويان والزعماء الأرمن الآخرين”.14
وهكذا بجرّة قلم من ستالين أصبحت كردستان القوقازية أرض المانّيين والخلديين والميديين تاريخياً ملكاً لأذربيجان المحدثة وشطب اسم كردستان، واستمرت سياسة محاربة الكرد من قبل جميع الحكومات الروسية المتعاقبة حتى اليوم.
كتب “نادر نادروف” الأمين العام لأكاديمية العلوم في جمهورية كازاخستان السوفييتية (الذي انضم سنة 1995 إلى برلمان كردستان في المنفى) بهذا الصدد: “لم تعمر فرحة الكرد بكردستان السوفييتية في أذربيجان حيث تم إغلاق المدارس الكردية سنة 1929 فعلياً” ، وكتب شكري خدو: “كلّ ما كان يفوح منه رائحة الكرد تم منعه ومصادرته من قبل ستالين”، وأضاف “لقد قطع ستالين أوصال الأمة الكردية وعمل الشيء نفسه مع شعوب أخرى في القوقاز”، ويضيف “منع ستالين على الكرد أداء الخدمة العسكرية”، وعلل (ستالين) السبب: “… لكي لا يفنوا وينقرضوا … ومن الظلم أن تفنى أمة كهذه” !!!، إنه لأمر عجيب.
وقد قيّم البروفيسور جليلي جليل أسباب تفكك كردستان الحمراء وعزاه لسببين:
السياسة الشوفينية واللاإنسانية لباگيروف المقرّب من ستالين.
سياسة ستالين تجاه ألمانيا المتحالفة مع تركيا، حيث كان ستالين يعتبر وجود الكرد على حدودها خطراً على الاتحاد السوفييتي.
وهناك أسباب أخرى ربما دفع ستالين إلى حلّ كردستان الحمراء، حيث تزامن قيامها مع قيام انتفاضات عديدة في أنحاء كردستان (الشيخ محمود، سمكو شكاكي، شيخ سعيد، ساسون و آگري)، ومن المؤكد أنّ المشاعر القومية لكرد القوقاز قد تحرّكت تضامناً مع انتفاضات كردستان، وهذا ما أثر على التوازنات الدولية والإقليمية.
كما يمكن أن نعزو معاداة ستالين الشديدة للكرد لدوافع سيكولوجية، حيث قيل (حسب ما نقله شكري خدو عن الشاعر الكردي “هژار” الذي أقام فترة في الاتحاد السوفييتي أيام جمهورية مهاباد): “إن عشيق والدة ستالين كان كردياً يدعى “شيرگو” وأنّ ضريحه بجوار ضريح والدة ستالين”.
ونشير أنّ تعداد الكرد في الاتحاد السوفييتي (قبل التهجير القسري) بلغ حسب إحصائية سنة 1926 السوفييتية: 69184 نسمة منهم 54 661 مسلم و 14 523 إيزيدي، حيث كانت أرمينيا تعتبر الكردي المسلم “كردي” غير مرغوب به، أما الكردي “الإيزيدي” فتعتبره “إيزيدي” مقبول به وكأنّه من إثنية مختلفة، وننشر فيما يلي جدولاً يتضمن توزع الكرد (المسلمين والإيزيديين) في جمهوريات الاتحاد السوفييتي، حسب دراسة قامت بها الباحثة الروسية شيرين إيكينر:
الجمهورية مسلم إيزيدي
أذربيجان 41 193 ——-
أرمينيا 3 025 12 237
جيورجيا 7 955 2 262
تركمانستان 2 308 ——
أوزبكستان 180 24
ونشير أنّ حوالي 80% من كرد الاتحاد السوفييتي مسلمون، بعضهم سنة وآخرون شيعة، ويتوزّعون في أذربيجان وقليلون في جيورجيا، وشيعة – جعفرية ينتشرون في أذربيجان وتركمانستان، ويشكل الإيزيدية 20% منهم ويتركزون في أرمينيا وجيورجيا.
$التهجير القسري لكرد القوقاز$
لم يمضِ سوى وقت قصير على محنة “كردستان الحمراء” عندما صدر المرسوم 267 – 1127/103 في السابع من تموز 1937من قبل “مجلس المفوضية الشعبية للاتحاد السوفييتي” بترحيل الكرد- المسلمين (دون الإيزيديين) من وطنهم، ضمن حدود جمهوريتي أرمينيا وأذربيجان وجمهورية نخشيفان ذات الحكم الذاتي، بحجة إقامة مناطق محظورة في المناطق الحدودية لأرمينيا وأذربيجان، كما أنّهم لم يبعدوا الكرد الذين سجلوا أنفسهم آذريين في سجلات النفوس، مع أنّ السلطات تعلم أنهم كرد، حيث تم تهجير 1325 مواطن كردي من منطقة “ميگرين” (أرمينيا) ومناطق زنگلان، جبرائيل، كارياگين، كردوبلين، بيليا سوفار، استراخان، زوفون، أستارين، ماسالين ولينكوران، منهم 812 شخص إلى قرغيزيا السوفييتية و513 شخص إلى كازاخستان، وكانت شعوب آسيا الوسطى ينظرون بازدراء إلى الكرد كونهم عملاء للنازية حسب الدعاية الستالينية.
كانت الدفعة الثانية في بداية كانون أول 1937 من منطقة “أبوفيان” الأرمنية التي تبعد 25 كم عن إريڤان؛ أي أنهم ليسوا من سكان الحدود، حيث تعرض المبعدون لكوارث ومآس يصعب وصفها 15، وقد اعتقد القرغيزيون أنّهم مناصرون لهتلر، حيث لم يتمكن المبعدون الإجابة على سؤال: “بأي ذنب عاقبوكم”، وبعد مدة تبدّدت شكوكهم بعد أن لمس القرقيزيون إخلاصهم وحبهم للعمل، أما الأكاديمي الكردي “نادر نادروف” فقد أوجز قصة اسرته بالشكل التالي: “كنا نعيش في نخشيفان، كان عمري خمس سنوات عندما حاصرت الجنود قريتنا وأمهلونا أربع وعشرون ساعة للرحيل، وفي اليوم التالي تركنا وراءنا أملاكنا وماشيتنا ونقلونا عنوة بالشاحنات إلى محطة القطار، وأمرونا بالصعود إلى قاطرة نقل البضائع والماشية، وقد طالت الرحلة شهرا ونصف الشهر وانتهت في برية خالية بكازخستان”، لقد تم توزيع الكرد المرحّلين على 12 مقاطعة و 114 ناحية وتحت حراسة مشدّدة.
ونُشير أنّ التهجير القسري طال مجموعات إثنية أخرى غير الكرد أيضاً مثل: الشيشان والأنگوش والبلگار، حيث بلغت أعداد المرحّلين قسرياً وبشكل منظّم من القوقاز بأوامر من السلطة السوفييتية في العقد الرابع من القرن العشرين:
480 000 شخص من الشيشان والأنگوش.
200 000 شخص من كرد القوقاز.
120 000 شخص من البلگار القره چاي والأتراك الجيورجيين.
وننوّه أنّ أسباب الصراع الأذربيجاني – الأرمني تاريخياً كانت من أجل الاستحواذ على الأراضي الكردية، واستمر منذ ذلك الحين وقد أصبح أكثر ضراوة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم تخمد جذوته حتى اليوم.
أما حالة الكرد في جيورجيا السوفييتية فقد أصدر ستالين مرسوماً في سنة 1944 يقضي بترحيل الكرد وقوميات أخرى مثل: الأتراك، شيشان، أنگوش، قراچي، بلگار، تتار القرم، يونان، كلميك، همشيين، لتوانيين، پولونيين، ألمان وشعوب أخرى إلى كازاخستان، أوزبكستان وقرغيزيا، بهدف تحسين ظروف حماية حدود جيورجيا، وذلك في شهر تشرين الثاني من العام نفسه وهو شهر البرد القارس، حيث لقي كثيراً منهم حتفهم.
ونشير أنّ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي أدان أعمال ستالين، ورفع الستار عن ظلمه وأعادت للشعوب التي كانت لها دويلاتها قبل التنكيل الستاليني مثل: الأنگوش والشيشان وغيرهم باستثناء الكرد! مع أنّ الكرد جمعوا عشرات الآلاف من التواقيع، وتوجّهوا بها إلى القيادة السوفييتية والأذربيجانية لردّ الاعتبار وإزالة الغبن وإقامة كردستان الحمراء، ومع أنّ مجلس السوفييت الأعلى قرّر بطلان المراسيم والقرارات المتعلقة بالترحيل، وشكلت لجنة من ستة أشخاص أعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي، لكنّهم لم يعيدوا الأمور إلى نصابها ورفضوا إعادة حقوق الكرد بسبب علاقاتهم الوثيقة مع أذربيجان وجيورجيا، باستثناء أرمينيا التي لم تمانع عودة الكرد إلى ديارهم، وإقامة دولتهم “كردستان الحمراء”، لأنّها ستشكل حاجزاً منيعاً يحول دون احتكاكهم المباشر مع أذربيجان ، ويؤمّن حقوق الأرمن في كاراباخ بالتواصل عبر “ممر لاچين” مع جمهورية أرمينيا.
$المصادر$
1.مصطفايف وكيل ، كردستان القوقازية (كتاب الكتروني) ترجمه من الروسية أحمد علي حيدر. واستمر الرعاة والفلاحين الكرد في انتعال هذا النوع من الحذاء والمصنوع من قطعة واحدة حتى بداية القرن العشرين- المؤلف.
2.ميكيل اندريه ، جغرافية دار الإسلام البشرية ، ج 2- ق 2 ترجمة إبراهيم خوري مطبعة وزارة الثقافة دمشق 1985 ، ص 19.
3.مصطفايف وكيل ، كردستان القوقازية (كتاب الكتروني) ترجمه من الروسية أحمد علي حيدر. واستمر الرعاة والفلاحين الكرد في انتعال هذا النوع من الحذاء والمصنوع من قطعة واحدة حتى بداية القرن العشرين- المؤلف.
4.لين بول ستانلي، الدول الإسلامية، ترجمه عن التركية محمد صبحي فرزات، مطبعة الملاح – دمشق 1974.
5.وكيل مصطفايف: ولد سنة 1938 في أوزبكستان من عائلة كردية تعرضت سنة 1937 للتهجير القسري في عهد ستالين، ينتسب والده إلى عشيرة جلالي وقتل من قبل الأرمن واضطرت والدته إلى الالتجاء إلى عشيرة أهلها “قره جول” في أرارات، وتوفي ثلاثة من إخوته أثناء التهجير بسبب الجوع، انضم إلى الجيش السوفييتي سنة 1955 وأصبح قائداً عسكرياً وسياسياً، عرض عليه منصباً سياسياً هاماً سنة 1960 شريطة تغيير قوميته إلى الأوزبكية أو الطاجيكية لكنه رفض العرض ولم يتخلّ عن قوميته، ثم عرضت عليه أجهزة أمن الدولة (كونه أفضل ضابط) للعمل خارج الاتحاد السوفييتي واقترحت العمل كجاسوس في الصين لكنه طلب العمل في إحدى الدول المستعمرة لكردستان، ثم تم فرزه في أجهزة أمن الدولة، أنهى مصطفايف دراسته في كلية الحقوق بالمراسلة سنة 1967 من جامعة قرغيزستان وعين نائباً لرئيس أمن الدولة في مدينة “أوشك” ونائباً في مجلس المدينة، حيث فضح فيها ملفات الفساد للقيادات الحزبية في قرغيزيا وشكل هذا خطراً عليه، فترك وظيفته سنة 1980 وانتقل إلى أوزبكستان وعمل رئيساً لقسم البحث الجنائي، ثم انتقل في السنة نفسها إلى أذربيجان وعمل بالوظيفة نفسها في إقليم نخشيفان أرض أجداده، وقد اعتبرته السلطات الأذربيجانية سياسياً متطرفاً وحاولت اعتقاله لكن احتجاجات مواطنيه الكرد حالت دون اعتقاله، لكنها سلمته إلى السلطات الأوزبكية لتصفيته، وقد تمكن من إنقاذ نفسه، ناضل مصطفايف من أجل إعادة تأسيس كردستان الحمراء وكان يشغل منصب نائب رئيس اتحاد الجمعيات الكردية “يكبون”، حصل على ستة مراتب شرف من السلطات السوفيتية، ويعيش حالياً مع عائلته لاجئاً في إيطاليا. (يعتبر كتابه كردستان القوقازية المرجع الأساسي في بحثي هذا وقد التقيت به في حلب نهاية سنة 1991 – المؤلف).
6.ففي أذربيجان نجد أسماء مدن مثل: گنجه- قنجه بمعنى (الغنية- الطيبة)، شيروان (المحارب)، بيست (عشرون)، زنگلان (الأجراس وهي اسم قبيلة كردية)، كرد مير (الأمراء الكرد)، دارالز (بالكردية داراگوز- شجر الجوز) ، وفي أرمينيا: يريڤان (بالكردية روان- الروح)، دلجان (القلب والروح- القلب اليافع)، سپيتاك (اسم ابن امبراطور ميديا ىستياگ).
7.بالاسكان: بالا يعني عال، سكان: هي “شكا” بصيغة الجمع، حيث الجمع بالكردية تتم بإضافة اللاحقة: “ا” ألف ممدودة أو “ان” ألف ونون أو “كان” أو “كا” ، وإن شكا- شكى اسم منطقة في القوقاز وهي أصل عشيرة “شكاكا” التي لا زالت موجودة في القوقاز وخراسان وشرق كردستان (سلماس وقوتور) وشمال كردستان (المحاذية لسلماس وفي جبل هَرَكول) وغرب كردستان (عامودا- قره مانية وعفرين) ، ووردت بالاسكان في المصادر اليونانية باسم “ساكاسينا- شاكاشينا- شاكي”.
8.مقاطعة إليزابيت هي نفسها ولاية گنجه عاصمة الشداديين الكردالتي استبدلت روسيا اسمها بعد احتلالها سنة 1868 وكانت كردستان الحمراء تقع ضمن حدودها الإدارية وفي سنة 1921 تم تقسيمها إلى ثمانية أقضية بقيت ستة منها ضمن مساحة أذربيجان والقسم الغربي من “زَنگه زور” تم ضمه إلى أرمينيا.
9.مصطفاييف ص 606.
10.قام الباحث الأكاديمي ضيا بونياتوف بجهود مضنية بحثاً عن الذات القومية لأذربيجان حيث توصل أثناء بحثه إلى حقيق جذور أسرته التي تنتمي إلى قومية التات، حينئذ سمّى جميع العناصر التركية دخيلة وأنهم مهاجرون غرباء عن هذه الأرض، مما دفع المتطرفين الأذربيجان إلى إشباعه ضرباً وإطلاق النار عليه حتى الموت.
11.دعيت بالكردية Kurdistana Sor وبالآذرية Qizil Kurdistan وبالروسية Krasnaya Kurdistan
12.ولد جوزف ستالين في 21 كانون الأول 1879 في مدينة جوري بجيورجيا كان والده اسكافياً يدعى بيسو وأمه فلاحة تدعى إيكاترينا، وقد تلقى القسوة والضرب من والده، ترك والده أسرته ورحل وأصبحت أمه بلا معيل، كانت أمه تريده أن يصبح كاهناً ولذلك أدخلته في مدرسة مسيحية لكنه طُرٍد من المدرسة بسبب إهماله لواجباته، وكانت علاقته مع أمه شبه مقطوعة ولم يحضر جنازتها وقد كان ينعتها بالعجوزة الرخيصة، اعتنق الإلحاد متأثراً بأفكار لينين وأصبح عضواً في اللجنة المركزية سنة 1912 وفي سنة 1913 دعي ستالين بالفولاذ لقسوته، وأصبح الأمين العام للحزب في سنة 1922 عندما اشتد المرض بلينين وقد طالب الأخير بإقصاء “الوقح” (ستالين). ترك الثورة الاشتراكية العالمية لصالح الاشتراكية المحلية وقام بتصفية اللجنة المركزية سنة 1930 حيث قتل كافة معارضيه حتى رفيق دربه “تروتسكي”، كما قام بالتطهير العرقي وترحيل (1.5) مليون شخص إلى سيبيريا وآسيا الوسطى لعدد من الإثنيات من بينهم الكرد بتهمة التعاون مع النازية، وأعدم حوالي مليون إنسان بين سنوات 1938-1935 و 1950-1945 ووقّع بنفسه على إعدام 25700 شخص من المثقفين البولونيين، حيث قدرت ضحاياه بين الإبعاد والمجاعات والقتل حوالي 50 مليون، وتسبب بإفلاس الخزينة فأمر بمصادرة كامل محصول القمح في أوكرانيا وبيعها مما سبب بمجاعة كبيرة للشعب السوفييتي، وإثر مأدبة عشاء حضره وزير داخليته “بيريا” و”خروشوف” تدهورت صحته ومات بعد أربعة أيام في 5 آذار 1953، حيث يعتقد أنه مات مسموماً على يد بيريا.
13.مصطفايف مرجع سابق ص 647.
14.مرجع سابق ص 653.
15.سجل “مصطفاييف” رواية ترحيلهم نقلاً عن “مصطفى نبييف” باختصار: “كنا نعيش في منطقة أبوفيان وقد تم دعوة الكرد إلى النادي للاجتماع وبدخولنا المبنى تم تفتيشنا واعتقالنا ونقلنا إلى محطة القطار ، ثم جلبوا عائلاتنا ليلاً وأركبونا على قاطرات نقل البضائع عنوة وضربونا بأعقاب البنادق والركلات ، كما جلبوا السجناء الكرد وأصعدوهم إلى القاطرات وبعد ذلك بدأ التحرك تحت الحراسة ، وبقيت بيوتنا وماشيتنا وأرضنا للأرمن ، واستمرت رحلتنا حوالي شهرين ولم يكن في القاطرات دورات مياه حيث كانوا يخرجوننا لقضاء الحاجة أمام الناس وخفر الحراسة وكانت الشابات يخجلن ويرفضن قضاء حاجتهن ، وكان الناس يأكلون ما جلبوا معهم على عجل ولم يمضِ طويل وقت حتى انتفخت بطونهم ، وبسبب الجوع ووباء التيفوئيد فقد نصف الركاب أرواحهم حيث كان يتم دفن الموتى على عجل قرب سكة الحديد بلا كفن ، وبعد مسافات معينة كان يتم فك بعض المقطورات في أماكن مجهولة وانقطعت أوصال الأسر وضاعت ببعض أفرادها لفترة طويلة ، وأخير استقر الأحياء الباقون في منطقة أوشك القرغيزية ، وحذرونا من مغادرة مكان إقامتنا بالسجن لعشر سنوات ، وقد قمت بمساعدة زوجتي وابنتي بحفر جحر في الصخر لنتخذه مسكناً ، ثم أخذوني للعمل في مؤخرة الجيش أثناء الحرب الكونية الثانية ، وأثناء غيابي توفي ثلاثة من أولادي جوعاً” (للاستزادة راجع كردستان القوقازية ص 695-692). [1]