#صلاح بدرالدين#
يجمع العلماء ، والمفكرون ، والمؤرخون على أن ” القومية الأوروبية ” كفكر سياسي جاءت من الثورة الفرنسية ( 1789 ) ، والتي حملت المبادئ الثلاثة : العدالة – الاخوة – المساواة ، وبعدها بماءتي عام تبنت هيئة الأمم المتحدة مبادئ حقوق الانسان ، أما نشوء مفهوم الحركة القومية فيعود إلى الفترة الزمنية الواقعة في أوائل القرن التاسع عشر.
أما نشأت هذا المصطلح كانت قائمة على ما عرفت ب(نظريات العقد الاجتماعي)، فمن أوجد هذا المفهوم هم جماعة من المفكرين الأوروبيين؛ ليكون هذا المصطلح بديلا عن مصطلح كان سائدا من قبل وهو الانتماء العقائدي الديني، الذي تسبب في حكم الكنيسة في أوروبا وأدى إلى حدوث كوارث أودت بالقارة، وقد عُرف هذا العصر بعصر الظلام ، فكان لزاماً على المفكرين الأوروبيين التخلص من حكم الكنيسة من خلال إيجاد صيغ وروابط جديدة تقوم على جمع الشعوب بناءً على الأسس والعوامل المشتركة فيما بينها، من هنا كانت الولادة الأولى للقومية، ولكي يحافظوا عليها وعلى تمكنها قاموا بتشكيل أغاني وطنية، ورايات وطنية، ودعم كل ما أطلق عليه وطني .
ويعرف عصر النهضة الأوروبية بأنّه الفترة من القرن الرابع عشر وحتى القرن السابع عشر الميلادي، وهي الفترة التي تلت ما عرف بعصور الظلام أو العصور الوسطى التي بدأت بسقوط الإمبراطورية الرومانية في عام – 476 – ميلادي .
فلاسفة العقد الاجتماعي باوروبا الانكليزييان ( توماس هوبز ( 1588 – 1679 ) ، وجون لوك ( 1632 – 1704 ) ، والفرنسي جان جاك روسو ( 1712 – 1778 ) ، عاشوا في القرنين السابع عشر ، والثامن عشر ، ودعوا الى تنظيم المجتمع السياسي ، وإقامة الدولة من خلال ابرام الناس العقد الاجتماعي فيما بينهم ، والانتقال بذلك من الحالة الاجتماعية الطبيعية ، الى مرحلة اجتماعية ارقى .
وفي نظر هؤلاء الفلاسفة فان العقد الاجتماعي الهادف الى تنظيم الدولة القومية ، او الوطنية سيبرم على أساس ان يسلم الناس مصيرهم الى الملك الذي سيضمن وجودهم ، وامنهم ، وسلامتهم ، ويصون حريتهم .
وقد قدم الفيلسوف – هوبز – فكره بخصوص الدولة ، والعقد الاجتماعي ، والانتقال من حالة الطبيعة الى حالة ( المجتمع – الدولة ) بشكل رمزي في كتابه ( اللوفيثان ) وهو وحش اسطوري ضخم ورد ذكره في العهد القديم ، وهو شبيه باسطورة نوروز ، وكاوا الحداد الذي قضى على الملك الظالم ( ازدهاك ) .
في أوجه المقارنة بين ” خاني ” وفلاسفة عصر النهضة
بشكل عام تزامن ظهور ” خاني ” ( 1651 – 1707 ) مع نهاية عصر الظلام الأوروبي ، وسبق قيام الثورة الفرنسية بنحو مائة عام ، وعاصر بعض فلاسفة النهضة ، وسبق الجميع في طرح المفهوم القومي ، والدعوة الى تنظيم المجتمع الكردي المتماسك الخالي من الشقاق ، وإقامة الدولة ، وابرام العقد الاجتماعي بان يسلم الناس امرهم الى حاكم عادل ، مستقيم ، محب ، دون اكراه ، ( امير او باديشاه ) يسهر على امن وسلامة عامة الشعب ، وان يتم استكمال شروط – الايمان – أي التوازن بين مبادئ ( الدين والدولة ) ، ومنح الاولوية لاقامة الدولة القومية أولا ، وهذا مهم جدا يدل على عظمة هذا الفيلسوف ، وعبقريته اللامحدودة ، فتمسك خاني بالدين جاء بدرجة تالية وهو كان من انصار ان الدين قوة يمكن أن توحد المجتمع وهذه القوة ينبغي استغلالها في خدمة الأمة..
والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو كيف استوعب ” خاني ” مسألة القومية ، والدولة ؟ وكيف اهتم بعامل اللغة كاحد اهم الروابط القومية والذي دفعه الى كتابة مؤلفاته باللغة الكردية ، بالرغم من انه لم يطلع على نتاجات ، ودعوات ، وشعارات الثورة الفرنسية ، وفلاسفة عصر النهضة ، وهنا لايمكن استبعاد نظرية اطلاعه على المدرسة الفلسفية القومية الألمانية التي تعتمد اللغة والعرق ، حيث كانت العلاقات مزدهرة طوال التاريخ بين السلطنة العثمانية ، وألمانيا القيصرية .
خاني لم يكن دبلوماسيا او موظفا حكوميا ولم يتنقل بين الدول الأوروبية مثل الاخرين ، بالرغم من البعض يعتقد انه زار الآستانة ، ومصر ، وسوريا ، طلبا للعلم ، وكانت الفترة التي عاش فيها ” خاني ” حافلة بالصراع بين الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية العثمانية للسيطرة على ثروات كردستان، كما شهدت تلك الفترة صراعات داخلية بين الأمراء والحكام واقتتال داخلي. أثرت تلك الأحداث عليه ودفعته إلى الدعوة لتوحيد الصف الكردي والوحدة واليقظة لما يُحاك لهم من الخارج، فلم يترك فرصة إلا وكان يدعو فيها الأكراد إلى القوة والعمل.
خاني كان مطلعا على تاريخ الكرد ، وتوزعه بين الامبراطوريتين الصفوية والعثمانية ، وفي الولايات العربية قبل اتفاقية سايكس – بيكو ولذلك قارن شعبه بالفرس والترك والعرب .
بالرغم من ان الامبراطوريتين العثمانية ، والصفوية ، كانتا ذات طابع إسلامي مذهبي ( السنة والشيعة ) ولم تتبلور فيهما الصفة القومية التركية ، والفارسية ، ولم تحكما باسم العرق ، وهكذا الحال في ولايتي سوريا والعراق ، الا ان خاني وبنظرته الثاقبة ، وفهمه العميق لمراحل التطور التاريخي للشعوب كان يعتبر ان العناصر الثلاث سائدة ، وحاكمة ، وقد تبني دولها القومية عاجلا ام آجلا ، ويبقى شعبه متاخرا عن ركب التطور ، والتقدم .
في التجربة الأوروبية كان هناك تناقض بين الدين والقومية او بين تعاليم وسلطة الكنيسة وبين الفكر التنويري الفلسفي المناصر للتطور القومي ، وتشكيل الدولة – القومية ، خاني كان رجل دين ، وانحاز الى الفكر القومي بل دعا الى اليقظة القومية ، وهذا يعيدنا الى تجربة الشعب البلغاري في مقاومته للعثمانيين ، والدعوة لبلغاريا حرة حيث انطلقت من الكنائس وتزعمها رجال دين معروفين الفوا كتبا ونظموا اشعارا لتحريض الشعب على المطالبة بالحرية .
أوجه المقارنة بين ” خاني ” ورواد النهضة القومية لشعوب المنطقة
معظم دعاة رواد الفكر القومي لدى الاتراك ، والعرب ، والفرس ، ظهروا بالقرنين التاسع عشر والعشرين ، أي بعد ” خاني ” بمائة ومائتي عام ، والمفارقة ان تلك الشعوب نالت استقلالها ، وظل شعب ” خاني ” محروما حتى الان .
الشاعر إبراهيم اليازجي ( 1847 – 1871 ) صاحب قصيدة حماسية مشهورة يدعو العرب الى اليقظة ، والاتحاد ، شبيهة تماما بابيات من قصيدة خاني الشهيرة ( لو اتفقنا لكان لنا دولة …) ، والكاتب والمفكر اللبناني – نجيب عازوري – الف كتاب – يقظة الامة العربية – عام 1905 ، داعيا الى الاستقلال ، ثم يأتي المفكر ساطع الحصري ( 1879 – 1968 ) من رواد الفكر القومي العربي ليكتب حول عوامل توحيد العرب مثل اللغة ، والعرق ، اما خريستو بوتيف فكان أعظم شعراء البلغار قاطبة وهو دعا الى وحدة الامة البلغارية وبناء الدولة القومية وجاء بعد ” خاني ” أيضا ، أما – ضياء غوك الب – المفكر وعالم الاجتماع التركي في مطلع القرن العشرين ، فقد كان احد منظري القومية التركية بعد نحو مائتي عام من ” خاني ” ،
وفي ايران طور العالم السياسي الإيراني في القرن العشرين – د محمود افشر – أيديولوجية القومية الإيرانية التي تشمل جميع قوميات ايران ، كما ان الشاعر – أبو القاسم الفردوسي – سبقه وكان قد دعا الى الفكر القومي الفارسي في كتابه ( الشاه نامة ) كل ذلك بعد ” خاني ” .
” أحمدي خاني ” كما قيل عنه سبق عصره بقرون ، وقد كتب عنه الكثير ولكن يستحق اكثر ، فهو مدرسة متعددة الجوانب من قومية ، وإنسانية ، وفلسفية ، وجمالية ، وتصوفية ، ولغوية ، وتربوية ورائعته الملحمية ( مم و زين أو ممي آلان ) تتخذ مكانة مرموقة في مصاف روائع الفكر الحضاري العالمي ، ويجب القول بالم ، واسف اننا في الحركة السياسية الكردية السورية ، لم نولي آثار ” خاني ” العظيمة الغنية الاهتمام اللازم ، ولم نرد له ولو جزء بسيطا من حقه .[1]