المحامي ادوار حشوة
أثار مقالنا في كلنا شركاء (الإيزيديون أمويون سياسياً ومن تعدديات المنطقة) موجة ردود من قبل مفكرين إيزيديين ومفكرين من الجزيرة السورية، رفضوا بعض ما ورد في المقال عن أصل #الإيزيديين# وتاريخهم وقدموا معلومات جديرة بالاهتمام.
أنا احترم الرأي الآخر ولا أقمعه ولا أحقد عليه، خاصة إذا كان حواريًا، كما هو الأمر مع بعض الإخوة المنتقدين من الشعب الإيزيدي، فبعضهم تواصل معي من أوروبا وأميركا وجورجيا طالباً التصحيح، فطلبت بالمقابل معلومات عن مصادرهم الدينية مباشرة، لأن المصادر الموجودة قد لا تكون صحيحة ولا عادلة وتبقى معتمدة ما لم تنتقل الإيزيدية من السرية والتقية إلى العلن.
وكانت هناك تلبية محدودة بنيت عليه هذا البحث (راجياً أن يستفز من لديه معلومات على الإضافة)، كما أنها مناسبة لدعوة كل الطوائف التي أفرزها تاريخ الخوف (كالعلوية والدرزية والإسماعيلية) إلى الكشف عن معتقداتها، لأن السرية سمحت للآخرين أن يبتكروا القصص ويبرروا التكفير والتعصب، وفي عصر العلم يجب أن تتقبل الإنسانية كل الأفكار والأديان وأن تحترم وجودها التاريخي وأن لا تجادلها إلا بالتي هي أحسن.
بعض مصادر البحث لم تكن عادلة وعكست المفهوم الشعبي والديني والقومي المعارض، لذلك قلت إن السرية والتقية التي اتسم بها الوجود الإيزيدي لم تعد ضرورية في عالم اليوم، وخاصة بعد المجازر التي ارتكبت ضدهم من قبل داعش بما في ذلك السبي والقتل، فالتعاطف العالمي معهم يجب الاستفادة منه في الاعتراف بحق شعبهم وديانتهم في الوجود والاحترام.
تلقيت من داخل الطائفة معلومات تاريخية ودينية لم تكن معروفة ولا وردت في أي من المصادر والكتب عنهم، وكان ذلك فتحًا جديدًا، لأن من حق كل الأقليات الدينية أن تعلن أسرار دينها، وعلى الآخرين أن يحترموا إيمانهم تمامًا كاحترام وتقبل وجودهم كشركاء في الوطن.
لكي نعرف الإيزيدية كديانة قديمة يجب العودة إلى ما هو موجود من الديانات في الفترات القريبة من تاريخ ظهورها، فالإله في الديانات القديمة كان محسوساً يمكن رؤيته مثل الشمس والقمر والنجوم والشفق الأحمر، ثم تطور مفهوم الإله مع اليهودية فصار مجردًا غيبياً، موجوداً في السماء، غير محسوسًا، يراك ولا تراه، ويحاسبك في الآخرة، وكان هذا هو ما يسمى بالتجريد الإلهي.
لم تستطع اليهودية أن تتغلب على الوثنية المقيمة التي لم تتقبل فكرة الإله الذي لا تراه، وظلت تفضل الآلهة المحسوسة، وحين جاءت المسيحية كانت تمثل الانتقال من الإله المجرد إلى إله مجرد غيبي موجود في السماء، ولكنه أرسل ابنه يسوع وهو محسوس، فصارت المسيحية نصفها غيبي ونصفها محسوس، فاكتسحت الوثنية وانتصرت عليها.
الوحدانية في اليهودية لم تكن الأولى في تاريخ الأديان، فأخناتون أحدث تطورًا حين ألغى تعدد الآلهة، واعتبر أن في الكون إلهًا واحدًا هو اتون، وأن الألوهية أكبر ما تكون في الشمس كمصدر للنور وكل ما في الأرض من حياة مدين لها، وأن لهذه الشمس إلهًا خالقًا هو اتون.
هذه المقدمة ضرورية لأن (الإيزيدية قريبة جداً من مفهوم الوحدانية لدى اخناتون)، وقد انتشرت في وادي الرافدين وامتدت إلى الجبال المحيطة بالعراق وخاصة خلال الحكم العثماني، فماهي معتقداتهم بكثير من الإيجاز؟
1- الإيزيدية ديانة قديمة تطورية، ويعتقد بعضهم أن الانتقال من تعدد الآلهة إلى الإله الواحد في وادي الرافدين كان في عهد دولة ميديا عام 622 ق.م، وأن الإيزيديين هم أول من انتقل إلى الوحدانية في ذلك الزمن.
2- الإيزيديون شعب قومي، والإيزيدية ديانة خاصة بهم، ويدوران معًا في الوجود والعدم تمامًا كما هو الأمر مع اليهود.
3- يسكن الإيزيديون في محافظتي نينوى ودهوك وجبال شنكال/سنجار في العراق وسورية، ولغتهم قريبة من السريانية القديمة أي الآرامية، ويتم تداولها في الصلوات، واللغة العربية صارت لغة السكان بعد الفتح الإسلامي، وبسببه وحالياً تعتبر هذه الديانة ثاني أكبر الديانات الموجودة في العراق.
4- تنتمي جذور الإيزيدية إلى بابل وسومر وآشور، ولكن لا تتوفر أدلة لأن معظم المخطوطات أُحرقت بفعل الاضطهادات المتتالية ضدهم ، وانتشار الفقر والجهل والعزلة في صفوفهم.
حول الوحدانية في الدين الإيزيدي
1-يؤمن الإيزيديون بإله واحد لا شريك له، وكما يقول المسيحيون (الله محبة) يقول الإيزيديون (الله هو الخير)، ولا يوجد عندهم إله للشر لأن الخير من صنع الله أما الشر فهو من صنع الإنسان.
2- العقل البشري هو المسؤول عن أعمال الإنسان وخياراته، والله الخالق سيحاسب الإنسان على ما ارتكبه من شر في الآخرة، مما يدل على إيمانهم باليوم الآخر.
3- يعتقد الإيزيديون أنهم أول من توصل إلى الوحدانية والله يسمونه (خودي) وطاووس ملك، واستدلوا على وجوده من الرموز في الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم، ويعتبرون الشمس مصدرًا للنور والحياة والنماء على الأرض وأنها أهم مخلوقات الله خودي، ولكن لا يعبدونها بل يستدلون بها وبباقي النجوم والأقمار والظواهر الطبيعية على وجود الإله الخالق الأوحد، وتعتبر الشمس محورًا للأدعية والصلوات لأنها مصدر النور والنماء وليس لأنها الإله، بل خيرة مخلوقاته.
4- لا يوجد في الديانة الإيزيدية نبي، ويؤمنون بالعلاقة المباشرة بين الفرد والإله دون وسيط، ويسيطر العرف والتقاليد والأعياد على مفهوم الدين، والكتب الموجودة نادرة وتتضمن الأدعية والإرشادات.
دور الدين في التنظيم الاجتماعي
يحض الدين ويشدد على البنيان الاجتماعي للشعب الإيزيدي القائم على وجود ثلاث طبقات متحدة في الإيمان ومستقلة في التزاوج وهي:
1- طبقة الشيوخ، وهي طبقة مغلقة لا تنفتح على باقي الطبقات ولا تتزاوج منها أو معها، وتتوزع على ثلاث دوائر لا تتزاوج فيما بينها أيضاً، وهي الشمسانية والقاتانية والآدلنية (ربما هي تضم النخبة من الأصول أو الملوك أو المتعلمين أو من حفظة أسرار الدين).
2- طبقة البير أو الابيار، وتتوزع إلى عدة فروع ولا تتزاوج مع الشيوخ ولا فيما بين فروعها.
3- طبقة العامة، وتتزاوج فيما بينها ولا تتزاوج مع الشيوخ والبير.
الفروض في الدين
من الفروض التي يحضُّ عليها الدين الإيزيدي، الحياء والخجل وتجنب الخطأ وعدم مخالفة الشرع، وعلى كل إيزيدي أن يختار له أخًا أو أختًا من أي طبقة لآخرته، وكل إيزيدي يجب أن يكون له شيخ أو بير يزوره مرة في السنة لتقديم النصح والإرشاد وبالمقابل يقدم له مالًا كمساعدة دينية، ومن الفروض الاعتقاد بالله وملائكته واحترام الديانات الأخرى، لذلك ينتفي التعصب الديني لدى الإيزيديين.
لا يجوز التزاوج من خارج الجماعة الإيزيدية، وإذا حصل ذلك يعتبر خارجًا عن الدين، ويحرم التعامل معه ولا تجوز عودته، والختان فرض ديني كما في اليهودية والإسلام، ويطبق الإيزيديون فريضة التعميد للطفل كما في المسيحية.
للمرأة العروس حق الاختيار، ويجب أن يكون للعروسين أخ وأخت للأخرة، يسمى في يوم الزفاف أو قبله، ويسمح للإيزيديون بتعدد الزوجات والطلاق إذا توفرت القناعة لدى القاضي.
الأعياد الدينية
أعيادهم هي عيد رأس السنة (سرصالي)، ويصادف في أول يوم أربعاء في شهر نيسان حسب التقويم الشرقي، وعيد أربعينية الصيف في 20 تموز شرقي، وعيد أربعينية الشتاء في 12 كانون أول شرقي، ويسبقه صوم لمدة أربعين يومًا، والأعياد مرتبطة بالطبيعة والفصول والزراعة، وعيد الجماعية في 23 أيلول إلى 1 تشرين الأول وفيه تقام صلوات وطقوس تراثية تعبر عن الجماعة، وعيد الصوم في أول يوم جمعة شرقي من كانون الثاني، وعيد الأضحى المبارك في نفس موعد عيد الأضحى في الإسلام، وعيد بلندة في 26 كانون أول شرقي ويقفزون فيه فوق النار ثلاث مرات، وعيد خضر الياس في أول خميس من شهر شباط شرقي لمدة يومين.
كما نلاحظ أن بعض الأعياد كخضر الياس والأضحى كانت بتأثير من الديانة المسيحية والإسلامية، وكل الأعياد موزعة على فصول السنة والدورة الزراعية وعلى الطبيعة ولا توجد أعياد تتعلق بالتاريخ.
في الختام اعتقد أن محاولتي لدراسة الدين الإيزيدي الذي حيكت حوله القصص المفبركة المعادية، كانت مناسبة استفزت المفكرين الإيزيديين على تزويدنا بمعلومات قيمة أخرجت الدين من التقية والسرية إلى العلنية، ويجب احترامها لكونها ديانة شركاء في الوطن لا عبيد ولا أرقاء ويستحقون الحرية ويجب حمايتهم من المتعصبين والغوغائيين، وهي مناسبة قد تشجع الطوائف الأخرى الباطنية على إظهار معتقداتها دون خوف، وحماية وجودها بالقانون الوطني.[1]