مصعب عيسى
تصاعدت في الآونة الاخيرة وتيرة الأصوات اليسارية العربية المؤيدة لانفصال وإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق الذي هو حق للأكراد من حيث المبدأ. ولكن إذا ألقينا نظرة سريعة على واقع الأحزاب والتنظيمات الكردية من حيث برامجها والإيدلوجيات التي تتبناها لوجدنا قائمة عريضة من التضادات والحواجز التي تحول بينها وبين اليسار وبالتالي في عدم وجود قواسم مشتركة، الأمر الذي يؤدي بنا إلى الاستغراب من تأييد اليسار العربي لهذه الدولة وفق هذه التنظيمات.
فأغلب التنظيمات الكردية هي تنظيمات ليبرالية قومية بالمجمل وهنا أذكر أهم وأكبر تنظيمين للأكراد في العراق وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني وهو تنظيم قومي ليبرالي عشائري له علاقات متينة مع تركيا وأمريكا ودول الغرب والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال الطالباني أيضا ذو التوجه الليبرالي وكان قد انشق عن الديمقراطي الكردستاني عام 1975 ويرتبط الاتحاد بعلاقات طيبة مع جارته إيران الدولة العمائمية.
هذا على ساحة العراق أما على ساحة سوريا فيعتبر حزب العمال الكردستاني أو كما يسمى ( pkk ) بفرعه السوري الاتحاد الديمقراطي أو اختصارا (PYD ) الأكثر انتشارا بين الأكراد خاصة في ظل الأحداث الأخيرة وتداعيات الثورة السورية حيث أسس الحزب ما يسمى بوحدات الحماية الشعبية وهنا يبرز الدور الانتهازي لهذا التنظيم اليساري من حيث تحركاته وعلاقاته ففي السنوات الأخيرة برزت المتناقضات في سياسة هذا الحزب اليساري من خلال ما تقوم به مليشياته من عمليات تهجير وإبادة بحق السكان العرب المقيمين منذ آلاف السنين جنبا إلى جنب مع الكرد والأشوريين وغيرهم ومن خلال إعادة تسمية المدن وتغيير أسمائها وديموغرافيتها تحت مبرر أن هذه دولة الكرد فلا يحق لأي أجنبي الإقامة فيها بالتالي أصبح وجها عنصريا جديدا يتنافى مع مبدأه الماركسي كما يقول نظامه الداخلي.
أعتقد أن اغلب التنظيمات الكردية لا ترتقي إلى مستوى اليسار من خلال علاقاتها بإسرائيل والغرب ومشاركة أمريكا وغيرها في معارك الكرد هو خير دليل على انتهازيتها وقذارته
أعتقد أن اغلب التنظيمات الكردية لا ترتقي إلى مستوى اليسار من خلال علاقاتها بإسرائيل والغرب ومشاركة أمريكا وغيرها في معارك الكرد هو خير دليل على انتهازيتها وقذارته
الأمر الأخر والأهم أن التنظيم من خلال ميليشياته في شمال سورية بدأ بتلقي الدعم من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العدو اللدود لليسار التي دعمت وحدات الشعب الكردية بمدرعات وأسلحة ورفد الوحدات بمقاتلين وضباط أمريكيين كداعمين لهم على الأرض يترافق مع دعم جوي من قوات التحالف من أجل قتال تنظيم الدولة طبعا هذا المبرر هو عذر أقبح من ذنب لأن لينين أوضح ذلك حين قال: إذا خيرت بين اليمين واليمين فسوف أختار معركتي هذا درس لينيني واضح ومختصر عن انتهازية العمال الكردستاني وعدم مصداقية ماركسيته.
إلى أبعد من هذا استغرب تأييد اليساريين العرب للانفصال والدولة الكردية التي يترأسها أحزاب ليبرالية وانتهازية تعلن عدائيتها للعرب وترتمي بحضن الاحتلال الإسرائيلي وهذا يعرفه القاصي والداني فلقد أثار تصريح بنيامين نتنياهو قبل أسبوعين الذي قال فيه علانية عن تأييده لإقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق في ظل تصفيق وتهليل كردي شعبي وفصائلي ورسمي الأمر الذي يؤكد من جديد انتهازية وعمالة التنظيمات الكردية.
من وجهة نظري أعتقد أن اغلب التنظيمات الكردية لا ترتقي إلى مستوى اليسار من خلال علاقاتها بإسرائيل والغرب ومشاركة أمريكا وغيرها في معارك الكرد هو خير دليل على انتهازيتها وقذارتها لذلك فإن هذه الدولة المقامة من قبل هذه التنظيمات الانتهازية ليست إلا تتويجا للنيوليبرالية.
وهنا لست بصدد الوقوف بوجه حق الكرد في تقرير مصيرهم وحريتهم انطلاقا من فلسطينيتي ويساريتي التي فرضت علي أن أكون مناصرا لحقوق الشعوب المظلومة وحقها، وأيضا أن أكون سيفا يذود عن الحق فلا يمكن من حيث المنطق أن انتقد السلطة الفلسطينية والأنظمة العربية على تطبيعها مع المحتل ورضوخها لسلطة الاحتلال ضد شعوبها وأنا اؤيد في الوقت نفسه انتهازية الفكرة وعمالة الدولة الكردية التي لم تأت بفعل المقاومة الكردية الحرة والنزيهة ولكن أتت بفعل الدعم الغربي والإسرائيلي من أجل تعزيز الانقسام في المنطقة العربية وإقامة قواعد جديدة في المنطقة تحت مسميات عدة. فعلى اليسار العربي أن يتقي يساريته في هذه الدولة وأن يعي جيدا الفرق بين اليسار والاستعمار.[1]