$الكورد ونضالهم.. في وثائق الارشيف العثماني$
هرمان علي
(الكورد ونضالهم (1817-1867) في وثائق الارشيف العثماني) كتاب ألفه الكاتب الكوردي سينان هاكان باللغة التركية، وقام بترجمته إلى الكوردية الكاتب والصحفي المترجم بكر شواني كتب مقدمته وراجعه (د.جبار قادر). انه جهد علمي مليء بالمعلومات التأريخية، مصدره الرئيس وثائق الارشيف العثماني، وقد كانت الوثائق ذات الصلة بالشأن الكوردي والكوردستاني في هذا الارشيف ممنوع تداولها من قبل الباحثين، فيما فسحت الحكومة التركية في الآونة الأخيرة المجال امام بحث وتقصي وثائق هذا الارشيف ذات الصلة بالكورد وموطنهم. وقد استطاع الباحث سينان هاكان الاطلاع على كم من هذه الوثائق التي تحولت إلى نواة كتابة واعداد هذا الكتاب.
ومثلما تشير الوثائق، فان العثمانيين اتبعوا خلال ثلاثة قرون متتالية (بداية القرن السادس عشر حتى بداية القرن التاسع عشر) سياسة عدم التدخل في التركيبة الاجتماعية للكورد والتشكيلات الادارية لكوردستان. حيث تم توكيل الامراء والزعماء الكورد بإدارة مناطق وولايات كوردستان العثمانية الموزعة حاليا بين تركيا والعراق وسوريا. وقد تركت هذه السياسة آثارا مهمة على الاحداث السياسية في كوردستان.
ويتطرق الباحث إستنادا لوثائق الارشيف إلى مرحلة التنظيمات التي جاءت ضمن مسعى العثمانيين لتجديد وتحديث وعصرنة دولتهم الهرمة. وقد فرضت القوى الغربية الصاعدة عليهم منح الحقوق الادارية والاقتصادية للشعوب غير المسلمة في الامبراطورية. وتسرد لنا هذه الوثائق تداعيات هذه المرحلة الحساسة المليئة بالآلام والفواجع على أوضاع كوردستان، ومن خلال سعي العثمانيين لفرض المركزية كنظام للدولة وعصرنتها. وهكذا سعى العثمانيون لإنهاء الادارات شبه المستقلة للامارات الكوردية. وقد تحولت كوردستان خلال العقد الثالث من القرن التاسع عشر إلى ساحة صراع وحرب بين السلطنة العثمانية والامراء الكورد الذين تداعت عروشهم جراء الضغط المتزايد للقوات العثمانية.
تتحدث الوثائق المنشورة في الكتاب، والتي هي تقارير لكبار المسؤولين العسكريين والاداريين في المناطق الكوردية رفعوها حول تفاصيل انتفاضات الامراء ورؤساء القبائل والاقطاعيين الكورد، للباب العالي في الاستانة. وتضمنت الوثائق أيضا رسائل الامراء ورؤساء العشائر وكبار الملاكين والاقطاعيين إلى الحكومات المجاورة وفيما بينهم، حيث تم ضبطها اثناء قمع ثوراتهم.
تستعرض هذه الوثائق كذلك تنقل القبائل الكوردية الرحالة على جانبي الحدود بين ايران الصفوية والدولة العثمانية، حيث تأتي هجرتها وترحالها بحثا عن الكلأ والمراعي بين مشاتي كوردستان ومصايفها، ومع ان هذه القبائل تنتقل داخل جغرافية محلية (كوردستان) الا ان هجرتهم واجتيازهم الحدود كانت السبب وراء إندلاع الصراع بين ايران والعثمانيين، وحاول كل طرف منهم استغلال هذه القبائل ضد الطرف الآخر. وكانت في كوردستان القلاع والحصون المنيعة التي بناها الامراء الكورد، حيث تحولت هذه القلاع إلى مادة للصراع السياسي والعسكري بين العثمانيين وايران، وكذلك وجود بعض الخيرات المهمة والموارد التي أدت إلى تأجيج الصراعات، فعلى سبيل المثال فقد أدى وجود معدن الزرنيخ في أراضي الامارة إلى سقوط امارة هكاري.
وتتحدث إحدى الوثائق عن معركة غازران، حيث يقول المارشال الالماني (هيلموت فون مولتكه) الذي كان في صفوف الجيش العثماني في حملة له على كوردستان، في رسالة حررها عام 1838متحدثا عن هجوم للجيش العثماني على شمال كوردستان قائلا (لايجوز ان تحسدوننا على هذه الحرب، لقد كانت منذ البداية حتى النهاية قذرة وخطرة.. هنالك نساء جرحى، لكن وجود هؤلاء الاطفال الذين اصيبوا برؤوس الرماح، يرسل اشعة مرة ومليئة بالآلام على هذه الحركة العسكرية).
مع ان الدولة العثمانية، قد حكمت على مدى اربعة قرون الجزء الاعظم من كوردستان (عرف بكوردستان العثمانية) الا ان السلطة الحقيقية في كوردستان كانت بيد الامراء والزعماء الكورد. لكن سلسلة الهجمات التي نفذها الجيش العثماني خلال اعوام (1834-1839) قد فتحت الطريق امام الجيش العثماني ليصل إلى مناطق لم يصلها على مدى قرون خلت أي جيش. وتتناول الوثائق الخلافات مابين الامراء الكورد ومشاركة الكورد انفسهم في اضطهاد شعبهم. أحد الامور الجديرة بالانتباه هو أرشيف الرسائل التي تبادلها الامراء الكورد فيما بينهم أو مع كبار مسؤولي الدول المجاورة، حيث كتبت جميعها باللغات العربية والفارسية والتركية.
وتشير الوثائق إلى انه اضافة للنفوذ العثماني والايراني وتأثيرهما على اوضاع كوردستان، فان الدول الكبرى كبريطانيا وفرنسا وروسيا وحتى الولايات المتحدة بات لها حضور في كوردستان وعموم الشرق الاوسط. والجدير بالذكر ان حرب الأمير بدرخان ضد النساطرة قد الحقت أفدح الخسائر بالشعب الكوردي واثبتت غفلة القادة الكورد آنذاك عما يدور حولهم من تغييرات، وبالتالي شوهت هذه الحرب صورة الشعب الكوردي لدى الرأي العام الغربي. وبالتالي جرد الكورد من كل دعم محتمل من جانب القوى الغربية لحركة النضال التحرري الكوردي.
وتتطرق العديد من وثائق الارشيف العثماني الى مآل الامراء الكورد اثر سقوط اماراتهم وكيف تعرضوا للسجن والنفي والابعاد مع اسرهم وحاشياتهم. وقد جاء سقوط الامارات الكوردية بسبب التفاوت في نوعية التسليح مابين الجيش العثماني الذي كان يمتلك الاسلحة الحديثة، وجيوش الامارات الكوردية التي كانت بحوزتها اسلحة قديمة، وبذلك فقد دكت المدفعية العثمانية حصون وقلاع عواصم الامارات وثغورها.
والاهمية الاستثنائية لهذا الكتاب تكمن في ان هذه الوثائق قد رتبت حسب الترتيب الزمني لحدوثها، حيث تم اتباع سلم كورنولوجي بحسب الوثائق ذات الصلة بالاحداث والوقائع التي شهدت نهاية عهد الامارات الكوردية الذي أمتد منذ عهد السلطان سليم حتى عهد التنظيمات. وقد كان لكوردستان دور مهم في الصراع العثماني الايراني، حيث ان ثلاثين امارة كوردية اعترفت بها السلطات العثمانية رسميا، وقد ساعدت هذه الامارات العثمانيين في صراعهم مع ايران. ويشير الرحالة التركي اوليا جلبي إلى ان كوردستان تمتلك (500) الف مسلح وتضم كوردستان (776) قلعة عامرة.
وقد عرض سينان هاكان في مؤلفه الوثائق في عشرة فصول وفق الترتيب الزمني للاحداث. ومن المهم الاشادة بجهد المترجم بكر شواني الذي برع خلال السنين الاخيرة بترجمة مصادر مهمة من التركية إلى الكوردية. وقد صدر الكتاب ضمن منشورات الاكاديمية الكوردية في اربيل، وضم في نهايته تصويرا لعدد من وثائق الكتاب. وهو أضافة جديدة للمكتبة الكوردية.[1]