#دلاور زنكي#
$خلال الحرب العالمية الأولى وهجرة الأكراد:$
في عام 1914م-1917م عندما اندلعت نار الحرب العالمية الأولى كانت وطأة الحرب قد اشتدت في جنوب كوردستان ولاسيما في المناطق الواقعة على الحدود الروسية في جبهة القتال في “قارس- جورجيا”. وفي الأيام دخلت الجيوش الروسية بريادة قوات أرمنية “طاشناقية” أي في اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني عام 1914م، أراضي كردستان. ولم تستطع القوات العثمانية الصمود أمام الزحف الروسي والأرمني فانسحبت. وكانت القوات العثمانية تتقهقر وتتراجع كلما حمي وطيس المعارك. وشرع الأرمن يقتلون الكورد بشراسة ورغبة جياشة. وينهبون أموالهم وأملاكهم ويحرقون بيوتهم لم يبقوا على امرأة أو طفل أو طاعن في السن، وبسبب الصمت الروسي كان الطاشناقيون القتلة يحرقون الأخضر واليابس.
يقول عبد الرزاق بدرخان في كتابه “سيرة عبد الرزاق بدرخان في الصفحة “58” مايلي:
“كان الزمن زمن حرب وكانت الفوضى سائدة في البلاد.. وبعد هزيمة القوات العثمانية بدأ الأرمن يعبثون فساداً في كل شيء يقدرون عليه فهاجر الكورد مكرهين من ديارهم ومرابعهم وقراهم في الولايات الست: “أرزروم” و”وان” و”موش” و”بدليس” و”سيرت” و”قارس” ولم يبق في هذه المناطق مكان واحد لم يهاجر أهله، لقد بدّلت هذه الحرب الضروس حياة الكورد حيث كانوا يتركون أرضهم ومساكنهم في المدن والقرى. وأولئك الذين كانوا أصحاب أموال وماشية وثروات غدوا بين ليلة وضحاها فقراء معوزين حفاة عراة جائعين بعد أن أقسروا على الرحيل وفرضت عليهم الهجرة. وأضحوا متسولين بؤساء.[1]
وفي هذا الصدد يتحدث المؤرخ: حسن هشيار سردي قائلاً:
“كانت أعداد المهاجرين كثيرة، لا يجدون مكاناً يأوون إليه وكانوا يطرقون على ا؟لأبواب ولكن لم يكونوا يجدون من يفتح لهم أبوابهم. كان الزمن شتاء والثلج يكسو وجه الأرض فكانوا يسندون أطفالهم إلى الجدران ويظلون كذلك حتى يقضوا نحبهم برداً وجوعاً بين بكاء الكبار ونحيبهم. ولكثرة عددهم لم يكن إيواؤهم مستطاعاً. فكانوا يُقسرون على السرقة، سرقة ما يسد رمقهم من الطعام.. يستجدون شيئاً يأكلونه فإذا لم يجدوا طعاماً أخذوه أحياناً عنوة أو خطفوه. في تلك الأيام كان القمح يباع بثمن باهظ كل مكيال بليرتين ذهبيتين. ومع ذلك كان القمح نادراً يصعب الحصول عليه. وتلك الأسر والعائلات ذات الغنى الواسع والثراء العريض نفد ما لديها من فضة وذهب فلم تجد شيئاً تبتاع به زاداً أو قوت يومها بدأت تتسول وفي الحقيقة كان الحصول على الخبز عبئاً ثقيلاً في كافة أنحاء البلاد.
كان الجوع متفشياً والبرد قارساً والأوبئة كالتيفوس والطاعون منتشرة بين الجنود في جبهات القتال ثم خيمت على الناس جميعاً”.
يقول عبد الرزاق بدرخان في كتابه المذكور “ص69”.
“إبتداءاً من “شامينيس” حتى “جزيرة” كان الكورد الرحل “الكوجر” من “بوتان” والمهاجرون من ولاية “وان” قد نصبوا “12000” اثنتي عشرة خيمة.
بعد أن هاجر الكورد مدنهم وقراهم نالهم من البؤس والشقاء شيء كثير يطول سرده، حيث تركوا أموالهم وأنعامهم ومزارعهم وحقولهم واتجهوا نحو المجهول. توجه بعضهم إلى كوردستان الجنوبية وبعضهم عبروا الخط الحديدي إلى سوريا وبعض آخر قصدوا الأناضول بين الأتراك.
يقول المؤرخ حسن هشيار سردي[2]:
“بعد عام من لحرب تقهقرت القوات العثمانية ويوماً بعد يوم كانت جبهة القتال تتراجع حتى وصلت الجبهة إلى “أرزروم” و”وان” و”موش” فاضطر الكورد في هذه المناطق إلى الهجرة باتجاه كوردستان الجنوبية. لأنّ تلك المناطق التي تهزم فيها الجيوش التركية تدخلها الجيوش الروسية فلا يجد الناس هناك سبيلاً سوى الهجرة. والدافع الرئيسي للهجرة هو أن القوات الروسية عندما كانت تحتل منطقة ومعهم قوات أرمنية يبدأ الأرمن يقتل الكورد دون رحمة أو شفقة لأن الأتراك كانوا يقتلونهم فهاهم ينتقمون من الكورد لأنهم عاجزون عن الانتقام من الأتراك، هل نسي أولئك الأرمن الطاشناق أن الكورد لم يكونوا أعداءً للأرمن، وأنهم كانوا يخفون أطفالهم ونساءهم عن عيون السلطات التركية ويحمون الرجال ويحافظون على حياتهم، وإزاء هذا الحنان الكردي كانوا يشقون بطون النساء الحوامل ويخرجون الأجنة، ويمثلون بأجساد الرجال وهم ما يزالون أحياء ويفتحون فيها الجيوب ويدسون فيها أيديهم ويقولون: إن”جيبك جيد أيها الكردي”. ومازال الطاشناقيون حتى اليوم يحملون تلك الكراهية وتلك الأحقاد للشعب الكردي.
في حلب يصدر “واهان بابازيان” جريدة باسم “الشرق” باللغة الأرمنية، وعلى الرغم من أن أكثر مواضيع الصحفية مليئة بقدْح الإتحاد السوفياتي وذمه والاستهانة به فإنه يحتفل كل عام بعيد “جبل ألاغوز” يوم قتل فيه الكورد في أيام حكمهم الطاشناقي. وبدل أن يطأطئ رأسه ويخجل من تلك الجرائم ويعتذر عنها يزرع الحقد والبغضاء في قلوب مواطنيه. وحتى اليوم مازال بعض الكورد على صلة به. وهذا هو سبب هجرة الأكراد”.
يقول حسن هشيار مرة أخرى:
“على الرغم من البؤس والفاقة والشقاء كان المهاجرون يساقون كقطيع من الأغنام إلى وسط “أناضول” وإنحاء “أضنه”.
ولا أعتقد أنّ 20% عشرين بالمائة وصلوا أحياء إلى هناك فقد مات أكثرهم في الطريق. كان بعض الأتراك يأخذون أطفالاً فقدوا أهاليهم لخدمتهم. من هؤلاء الأطفال نبغ المطرب: “بريخان التون جاغ” و شقيقته: “ناريمان” من “قلقه خنوس” مدينة الشيخ سعيد. لقد مكث هذان الطفلان في “أناضول” وصارا مطربين شهيرين”.
في عام 1917م كانت القوات الروسية تقترب من “سيرت” و”بدليس” وتصل إلى “كفري قُل” ولكنها لا تمكث هناك فترة طويلة ثم لا تلبث أن تنسحب وتخرج من “كردستان”. وكان سبب انسحاب الجيش الروسي من كوردستان هو احتدام الحروب داخل روسيا، وانتصار الثورة البلشفية عام 1917م بقيادة فلاديمير لينين.
اذا نظرنا إلى الأحداث والوقائع التاريخية والسياسية نجد بان الأتراك والروس والأرمن هم الذين قتلوا وهجرّوا وشردوا الآلاف من عوائل الكورد وهم مذنبون في كل ما تعرضوا له من الآلام. وحرق قرى الكورد ونهب أموالهم وتشريدهم، كل ذلك يقع على عاتق الترك والروس والأرمن. احتل الأرمن والروس بلاد الكورد وأضروا بالأكراد وكردستان ضرراً كبيراً. في عام 1917م انسحب الروس وتركوا المنطقة تحت سيطرة الأرمن ولكن الأرمن عجزوا عن ملء ذلك الفراغ الذي تركه الروس، وفي هذه الفترة ضرب الأرمن الكورد بيد من حديد. ومرة أخرى أفسدت العصابات الأرمنية في البلاد وأطلقوا اليد في ارتكاب الجرائم بكل وحشية من قتل ونهب واستلاب. واتجهت القوات التركية إلى “أرزنجان” و “وان” و “أرزروم” فضربت بكل بأس وقوة تلك العصابات الأرمنية وبددت شملها وقضت عليها قضاءً مبرماً. ولو أننا استوفينا الحديث عن جميع المناطق الكوردية لطال بنا البحث ولكن نقول بإيجاز ان عدد المفقودين من أهالي منطقة “وان بلغ أكثر من 62% اثنين وستين بالمائة ومنطقة “بدليس” 42% وبلغ هذا العدد في منطقة “أرزروم” 31% وفي “قارس” ومنطقتها 60% وفي “موش” 55% و”سيرت” 30%.
يقول حسن هشيار:
“علاوة على الخسارة في الحرب وجبهات المعارك جرت الهجرة النقمة على عدد الكورد وفتحت جروحاً مثخنة وعميقة جعلتني أبحث وأسعى بعد /45/خمسة وأربعين عاماً أي في عام 1960م عند كتابة هذه السطور في عدد المفقودين في خمس ولايات فتبين لي أن النسبة تتجاوز 20% عشرين بالمائة. إن الحرب العالمية الأولى فتحت الجراحات في صدر أمنا “كردستان” ومازالت حتى الآن تعاني عقابيلها إذ بلغ عدد المفقودين أكثر من 2000000 مليوني نسمة من عدد السكان الكورد في مناطق الحروب”.
[1] – راجع رواية “المهاجرون”. ل “الشيخ توفيق الحسيني”.
[2] – ولد السيد حسن عام 1906م في قضاء ليجه، ولاية دياربكر الكردية، وهو من عشيرة زركان. وفي 1925م ساهم مساهمة فعلية في ثورة الشيخ سعيد الوطنية مستهدفاً روحه في سبيل بلاده الكوردية وكان قائد درك قضاء “فارقين” حكمت عليه محكمة “الاستقلال” التركية بالسجن 15 عاماً، وبعد سجنه 42 شهراً صدر العفو العام، فعاد إلى وطنه بعد فترة من الزمن، فاشغل وظيفة مأمور الطابو في قضاء “قلب” أبان ثورة “ارارات” الكوردية المشهورة خلال 1930-1932م فأبت وطنيته وحميته الكوردية إلا ان يستأنف القتال في هذه الثورة أيضاً، وهام في الجبال مع رفاقه المحاربين، ثم دخل الأراضي السورية سنة 1935م وله مؤلف يقع ب 580 صفحة عنوانه “حياتي ومشاهداتي”. فالمؤلف الكردي لا يكتفي بقلمه، بل يحمل السيف أيضاً ضد من يأخذ وطنه بالسيف.[1]