#دلاور زنكي#
$مدخل$:
استيقظ الشعور القومي الكردي في تاريخ الحركة التحررية القومية الكردية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مع بداية ظهور الصحف الكردية التي تطورت تطوراً ملحوظاً في مجال الفكر السياسي والاجتماعي الكردي، وانبعاث طبقة من المثقفين الأكراد، والالتفاف حول القوى السياسية التي نشأت في تلك المرحلة. وقد رأى هؤلاء أن الصحف منبع- للثقافة والأدب وهذا ما أدى الى ازدياد عدد المثقفين والكتاب والأدباء في نهاية القرن التاسع عشر، حتى أصبحت جريدة (كردستان) منبراً للإيديولوجية السياسية الكردية المناهضة للحكم العثماني، وحافظت على دورها الريادي في مجال الفكر السياسي والإيديولوجية الكردية، ويعود لها الفضل في تسهيل طريق الحرية والتحرر والتقدم الحضاري.
خطا تاريخ الأدب الكردي في نهاية القرن التاسع عشر خطوات متقدمة على أيدي الشعراء الأكراد أمثال “حاجي قادر كوئي” وآخرين، وقد لعبت هذه الخطوة السباقة دورا كبيراً في انتعاش الشعور القومي الكردي أيضاً مما جعل الشعراء والكتاب يحذون حذو الأقدمين، حتى أصبحوا رسلاً للثقافة والديمقراطية، ولم يكن الاهتمام منصباً على الفروقات الطبقية، والاجتماعية والاقتصادية، بل كان جل اهتمام هؤلاء ينصب على القضايا القومية، واستنهاض الشعور القومي الكردي لدى الشعب.
في نهاية عام 1908م، مع ظهور حزب (تركيا الفتاة)، برز عهد جديد في تنوير الشعور القومي، وارتباط النضال السياسي داخل حزب (تركيا الفتاة) بوجود بعض السياسيين والمثقفين الأكراد، وعندما أهمل حزب تركيا الفتاة القضايا الكردية بل ناهض الأفكار القومية الكردية، تأسست على أثر ذلك جمعيات كردية تهدف الى نشر العلوم والمعارف وتنوير الشعب من خلالها، ومنها: (هفكاري) و (بيشكتنا كرد) و (هيفي)…الخ، لقد لعب المثقفون والسياسيون الأكراد دورا كبيرا في حزب (تركيا الفتاة) في الوقت الذي كان أعضاء الحزب يقفون ضد مطالب الأكراد وأفكارهم القومية، لذا توحد نضال المثقفين وتراصت صفوفهم في توجيه الشعب وتوحيد الأكراد وتقدمهم.
عندما سيطر حزب (الاتحاد والترقي) على الساحة التركية، وقفوا ضد المطالب الكردية في الحرية والاستقلال، واستمروا متمسكين بأفكار وحسابات متخلفة، بل أنهم أهملوا مطالب الكرد وهم الذين سعوا في البداية لكسبهم فترة من الزمن، إلا أنهم ما لبثوا بعد ذلك أن سعوا الى خنق وانكار مطالبهم.
كانت الحركة التحررية الكردية تتطور وتتعاظم. ورافقها في تلك المرحلة صدور صحف كردية ( شروق كردستان 1908م) (كردستان 1908-1909م) و (يكبون1913م) و (روزا كرد 1913م) و (هتاوي كرد1913م)،…. وقد أخذت هذه الصحف على عاتقها مهمة التعريف بالإيديولوجية القومية الكردية، ونشرها والمطالبة بالمزيد من الكتب التي تتناول القضايا السياسية الكردية، الى أن تبلورت رؤية قومية كردية في تلك المرحلة. وأدرك زعماء الأكراد السياسيون أهمية دور الإعلام في حياة الشعوب وفي الحركة النضالية والسياسية والثقافية، وأصبح الإعلام سلاحاً ذا تأثير قوي بيد المناضلين الأكراد لمواجهة ظلم الأتراك وتهجير الأكراد من مناطقهم، وضرب الحركة القومية على أرض كردستان، بل وتفتيت وحدة كردستان، لكن الإعلام ظل شوكة تعترض طريق ظلم الأتراك، وساعد في تطوير نضال الأكراد، وإيقاد روح القومية الكردية وانتشارها على النطاق العالمي عن طريق الرسل الذين حملوا أهداف القضية الكردية في الساحات العالمية.
انخفضت نسبة الكتب والمنشورات التي كانت تنشر، وتضاءل دورها، بعد أن قدمت أعمالاً عظيمة وخدمات جليلة لجمع شمل الأكراد وتوحيد أفكارهم وتطورهم، نتيجة ممارسات الاتراك-الكماليين، ونواياهم العدوانية.
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ثارت الشعوب المضطهدة في العالم وهي تطالب بحقوقها المشروعة من خلال الثورات والانتفاضات، توصل كل من اليونانيين والبلغار والصرب والرومان وغيرهم الى تأسيس كياناتهم السياسية المستقلة. وخلال الفترة نفسها، شكل العرب دولاً تحت الانتدابين الفرنسي والانكليزي, وخلال الفترة نفسها بدأ الكرد أيضاً نضالهم من أجل الحرية، غير أن مطالب الأمة الكردية في الحرية، وجهودها المبذولة لتشكيل دولتها الخاصة، قد جرى اغراقها في الدماء, وجرى تطبيق سياسة التجزئة تجاه الأمة الكردية، وانقسمت كردستان الى خمسة أجزاء، يلحق كل جزء بدولة مستقلة، وأصبح لكل جزء من أجزاء كردستان مشكلاته وقضاياه المستقلة لذاته وبذاته. وقد جرى عزل الكرد بعضهم عن البعض الآخر بالاسلاك الشائكة وحقول الألغام والعوارض وأبراج المراقبة. وكأن هذا هو قدرها أن تنقسم، فأدخلت أجزاء كردستان الجنوبية تحت الحماية الانكليزية، أما الأجزاء الغربية فقد كانت تحت الحماية الفرنسية، أما الأجزاء الشمالية فقد كانت من نصيب الكماليين، وفيما يخص الأجزاء الشرقية فأنها وابتداء من منتصف القرن التاسع عشر كانت تحت سيطرة الشاه الإيراني. وكنتيجة لتقسيم كردستان وبعثرة قواها، فأن مسألة أذابتها ومحوها من الوجود غالباً ما كانت تظهر على جدول الأعمال، وكارتباط بذلك فأنه كمشاركة محددة في هذا الاتجاه لعبت مسألة الأراضي الكردية المتبقية في إطار ايران الى قسمين، حيث أن احد هذه الأجزاء منذ تلك الأزمنة دخل في إطار روسيا القيصرية، وهي تقع الآن في جمهورية أرمينيا. وأدى هذا الى شرخ في الحياة الكردية العامة، (اجتماعيا، اقتصاديا، وسياسيا) وبات الكردي يعيش على أرضه غريبا، ويعيش حياة غير مستقرة قوامها القلق، وتبعثرت الآمال وترسخت سياسة الأمر الواقع، وتغيرت في ما بعد أشكال ومطالب النضال في كل جزء حسب الواقع الذي هو فيه.
$الموضوع$:
أريد أن أتناول في هذا المقال بداية نشوء الجمعيات والحركات الثقافية الكردية في سوريا باختصار، هذا المقال ليس بحثاً أدبياً ولا هو مقال تحليلي حول الحركة الأدبية أو تاريخ الجمعيات، إنما هو مقال لا يتعدى تسليط الضوء على فترة مجهولة بالنسبة لنا، وقد كانت فترة مزدهرة، نشطة للجمعيات التي كانت في طريقها الى الاندثار أو الذوبان، أو ربما فترة منسية من تاريخ الحركة الأدبية والسياسية. أود الاشارة الى أن هذا هو المقال الأول الذي يتناول تاريخ الجمعيات الكردية في سورية بصورة مختصرة. وتكمن صعوبة المقال في قلة عدد المصادر والمراجع التي تتحدث عن تلك الفترة، لذا ترتب علي أن أقوم بجولات ميدانية، وأدون معلومات من أفواه الشخصيات الذين عايشوا تلك المرحلة، وحصلت على بعض المسودات المحفوظة لدى المؤرخ حسن هشيار، (رحمه الله) وغيره.. واعتمدت عليها حسب مقتضيات العمل وخاصة اعداد مجلة آكاهي الكردية.
وأخيراً فليعذرني القارىء الكريم سلفاً، إن لم استوف جوانب المقال، وأغنيه بشكل كامل.
التجأ كثير من الوطنيين والمناضلين الأكراد الذين شاركوا في ثورة الشيخ سعيد البيراني وانتفاضة آكري التي قادها الجنرال إحسان نوري باشا الى الجزيرة (شمال سوريا) هرباً من ظلم وتعسف الاتراك-الكماليين، بعد الفشل الذي أصاب الحركتين. ومن هؤلاء الأمير جلادت عالي بدرخان، الدكتور أحمد نافذ، أوصمان صبري، حمزة مكسي، أكرم جميل باشا، قدري جميل باشا، ممدوح سليم، قدري جان ديركي، نوري ديرسمي، حسن هشيار، عبد الرحمن علي يونس آغا، أمين أحمد بريخاني، نورالدين ظاظا، وغيرهم كثيرون ممن لم تسعفني الذاكرة باسمائهم.
كانت السلطات الفرنسية تحتل سوريا، وتنظر الى الأكراد ضمن حدود مصالحها الخاصة فقط. حيث منعت نشاط الأكراد، ومنعت تسللهم الى أراضي تركيا عبر المناطق الحدودية. لكن أحياناً كانت تسمح لهم بما تتطلب وتمليه المصلحة الفرنسية، بعد ذلك لم توافق الحكومة الفرنسية على نشاط الأكراد عبر الحدود التركية-السورية، لذا أرتأت حكومة الانتداب أن تنقل هؤلاء الى الداخل، لتبعدهم عن المناطق الحدودية، فسمحت لهم بالاستقرار في الداخل في مدينة دمشق.
أدرك هؤلاء المثقفون بحسهم القومي وشعورهم بالمسؤولية تجاه القضية الكردية، أن هناك وسيلة أخرى للنضال بعد أن خانهم السلاح في الحركتين (الانتفاضة والثورة)، وباشروا نشاطهم الأدبي والسياسي من خلال المجلات والكتب وكرسوه لإيقاظ الشعور القومي الكردي، لذلك اجتمع عدد من المثقفين الكرد حول الأمير جلادت عالي بدرخان وحثهم الأمير على أهمية دور المعرفة والثقافة، وأنها لا تقل أهمية عن دور السلاح فقال:
(أيها الأخوة الأكراد، أيها المثقفون الشجعان… لم تستطع الثورات والانتفاضات أن توحد شعبنا، ولم نحقق الهدف الذي ناضلنا من أجله… علينا الآن أن نتسلح بالعلم والثقافة، ونطور ثقافتنا وفولكلورنا الغني ونتعرف على تاريخنا… فليكن العلم هو السلاح المرشد دائماً لنا…. والى الأمام).
ظهرت الحركة القومية الكردية في سوريا، ونشأت، منذ بداية الثلاثينات على شكل جمعيات ونواد ثقافية واجتماعية ورياضية، كما برزت أيضاً حركة (خويبون1927م) القومية، التي ركزت نضالها بشكل أساسي على كردستان تركيا. ونشطت حينذاك حركة ثقافية واسعة في مجالات النشر، والتأليف، والشعر، والأدب.
أصدر الأمير جلادت عالي بدرخان مع عدد من المثقفين الأكراد مجلة هاوار (1932-1943)م، واستطاع المرحوم بفضل اسهامه الكريم ورعايته النبيلة جعلها مدرسة أدبية تدرج على صفحاتها أقلام نخبة من الشعراء والأدباء الكرد ولا نبالغ اذا قلنا انها كانت مدرسة قائمة بذاتها. وكان له الفضل في احياء الشعور القومي لدى الشباب الأكراد الموجودين في دمشق. منعت الحكومة الفرنسية اصدار المجلة عدة مرات، ويعود السبب الى دعم ومساعدة بل ومشاركة الأكراد مع الحركة الوطنية العربية في سوريا ضد الاستعمار الفرنسي…. وعلى الرغم من ذلك لم يقف المثقفون الأكراد مكتوفي الأيدي، بل أصدرت مجلة (هاوار1932-1943)م سلسلة من الكتب الكردية التي تهتم بالثقافة والتاريخ واللغة والأدب الكردي.
كما أصدرالعلامة جلادت بدرخان مجلة (روناهي1942-1945)م، حيث اهتمت المجلة في صفحاتها الأولى بأخبار الحرب العالمية الثانية، وهي أول مجلة كردية مصورة تهتم بأخبار الحرب بشكل دائم ومتواصل وبالأحرف اللاتينية، إضافة الى اهتمامها بالجانب الثقافي والأدبي، والفولكلور الكردي. وأعتبرت مجلتا (هاوار و روناهي) حاضنة اللغة الكردية، وحافظت على اللغة الأدبية الراقية، الخالية من الشوائب، ولعبت المجلتان دوراً كبيراً في نشر اللغة الكردية بالاحرف اللاتينية بين الأكراد وخاصة استنباط المفردات الجديدة واشتقاقها، وانتشرت هاتان المجلتان في جميع المناطق الكردية في سوريا وخارجها، وقد تناولت المجلتان موضوعات شتى تاريخية (كالعادات والتقاليد، والفولكلور، والأغاني والأمثال والقصص واللغة والشعر….الخ).
إن هذه المرحلة معنونة بمرحلة البدرخانيين، الذين ضحوا، بالغالي والنفيس، من أجل الكورد وكردستان، ورفعوا راية التحرير والنضال، ونشروا العلم والمعرفة، وايقظوا ورسخوا الوعي القومي الكردي بين أبناء جلدتهم.
ففي تلك المرحلة كانت مدينة دمشق مركزاً لاصدار المجلتين (هاوار و روناهي)، اللتين لعبتا، مع وجود المناضلين الأكراد الذين نقلهم الفرنسيون الى دمشق، دوراً وتأثيراً مباشرين لاستنهاض الشعور القومي عند الشباب الأكراد في دمشق، مما دفعهم الى تأسيس ناد ثقافي باسم (نادي هنانو)، وكان سكرتير النادي الشاب بهاء الدين وانلي، ضم الكثيرين من الشباب الأكراد في الحي، الذين التفوا حول النادي. ومن اعمال ونشاطات النادي المشاركة في الذكرى الثانية لوفاة الأمير جلادت بدرخان، والقى سكرتير النادي كلمة بهذه المناسبة. اما شباب النادي فتطوعوا لخدمة الحفل. وقد حلوا صدورهم بشارات سوداء بمناسبة الذكرى الاليمة.
وفي عام 1939م تأسست في دمشق، في حي الأكراد، جمعية باسم (يكيتيا خورتان) أي وحدة الشباب، ضمت عدداً كبيراً من الشباب وخاصة بعد انضمام نادي صلاح الدين الثقافي إليها، ونادي هنانو وتغير الأسم الى (نادي كردستان) وبمساعدة المناضل أوصمان صبري والشاب نورالدين ظاظا، اجتمع حوله مجموعة من الشباب الأكراد، و (نادي كردستان) وهو نادٍ رياضي، يهدف الى جمع شمل الشباب الأكراد، واستنهاض الشعور القومي الكردي لدى الناشئة، وفتح دورات لتعليم اللغة الكردية. وقد استقطب النادي من خلال نشاطه الرياضي الشباب الأكراد، وما يزال يوجد بعضهم حتى الآن في حي الأكراد (ركن الدين) وهم أحياء يرزقون، وقد كان المعلق الرياضي السوري الشهير المرحوم (عدنان بوظو) لاعب كرة قدم وعضوا في النادي، وشارك النادي في احياء المناسبات القومية، واحتضن أيضاً الطلاب القادمين من المناطق الكردية الى دمشق من أجل الدراسة أو العمل.
تأسست في مدينة الحسكة، جمعية (التعاون ومساعدة الفقراء الأكراد) في عام 1932.
كان المؤسسون اعضاء في جمعية خويبون ومن الرعيل الأول الذين التجأوا الى الجزيرة (شمال سوريا)، بعد فشل ثورة الشيخ سعيد وآكري، ومنهم: (حسن حاجو آغا، عارف عباس، جكرخوين، الدكتور أحمد نافذ، المناضل عبد الرحمن علي يونس، حمزة بك، أمين أحمد بريخاني، وأوصمان صبري ….الخ). الجمعية تهدف الى تحسين أوضاع الفقراء الأكراد المعيشية والصحية والتعليمية، والاهتمام بالقضايا الاجتماعية (بناء المشافي، فتح المدارس، صندق التعاون للمحتاجين). وقد نشرت الجمعية تعريفاً بأهدافها على الصفحة الأولى من مجلة (هاوار) العدد الثاني الصادر في 1/حزيران /1932، وطلبت المساعدة من أغنياء الأكراد، والمشاركة في الجمعية لجمع التبرعات النقدية والعينية وارسالها الى مركز الجمعية في الحسكة من قبل فروعها، وقد انتشرت فروع الجمعية في غالبية المناطق في الجزيرة، والمناطق الكردية الأخرى، ونذكر أن ممثل الجمعية في دمشق كان الدكتور أحمد نافذ. وكان لهذه الجمعية الفضل في تشجيع الشباب الأكراد على فتح دورات لتعليم اللغة ونشر الوعي بين ابناء الكرد وفتح نواد ثقافية ورياضية واستنهاض الشعور القومي بين الشباب والناشئة وطلاب المدارس.
تأسس أول ناد كردي (نادي شباب الكرد في عاموده) في مدينة عاموده في منتصف الثلاثينات، وكانت اعمال النادي تتم تحت اشراف محمد علي شويش ويقوم الشاعر جكرخوين بإدارة النادي ويدرس الشعر الكردي للطلاب، وهناك مجموعة من الأساتذة الذين كانوا يدرسون الطلاب اللغة الكردية بالأحرف اللاتينية والتاريخ والجغرافيا. ويصطف الطلاب كل صباح ينشدون النشيد الكردي، ويرفع العلم الكردي في سماء المدرسة، وكانوا يرتدون زياً موحداً، واطلق عليهم اسم (الكشافة) حيث يتجولون في الشوارع في المناسبات القومية، ويرددون قصائد الشاعر جكرخوين الحماسية، ومن بين هؤلاء الطلاب، المرحوم سيداي تيريز، والمرحوم ابراهيم قجو وآخرون…
كان للنادي قسائم ووصولات خاصة لجمع التبرعات.
تحولت كثير من بيوت المناضلين في عامودا الى نواد ومنتديات للمثقفين ومدارس لتعليم اللغة الكردية واستنهاض الشعور القومي واحياء المناسبات القومية مثل (عيد النوروز) واقامة ندوات سياسية وارشادات تنويرية.
كما كانت (بيوت الملالي) مدارس دينية، تخرج (رجال الدين)، ولكن الشعور القومي عند الاساتذة، الذين كانوا من رجال الدين والوطنيين والمثقفين بآن واحد، أثر على الطلاب تأثيراً كبيراً، وشارك غالبية الطلاب الذين تخرجوا من هذه المدارس في الحركة الثقافية والأدبية والسياسية الكردية، ومن الشعراء والكتاب والمؤرخين والمهتمين باللغة والقواعد الكردية: جكرخوين، ملا نوري، ملا أحمد نامي، ملا طاهر بوطي (بنكي)، ملا أمين وملا أحمد بوطي…الخ. وشكلوا مع كوكبة من المثقفين والمناضلين الآخرين في عاموده، أمثال المؤرخ حسن هشيار، واللغوي الكردي رشيد كورد…الخ، حركة قومية نشيطة في عاموده البطلة (مدينة الشهداء)، وخاصة بين الجيل الجديد، وشب هذا الجيل الجديد على أشعار جكرخوين الحماسية، وأحمد نامي وقدري جان وغيرهم، ولهذا تعتبر عامودا مدينة المناضلين والسياسيين والمثقفين الأكراد، ولها مكانة خاصة في قلوب الوطنيين الشرفاء، كما ان لها صفحات ناصعة من النضال ضد الانتداب الفرنسي على سوريا، بسبب وجود النشاط المكثف لرجال المقاومة الكردية بجانب المقاومة الوطنية السورية، والمطالبة بجلاء القوات الفرنسية من سوريا، لهذا أنزعج الفرنسيون كثيراً، وفي عام 1937 أحرقوها. وبعد الاستقلال أي في يوم الأثنين 13تشرين الثاني1960، احترقت سينما عامودا وراح ضحيتها مجموعة كبيرة من أطفال أهالي عامودا، الذين لم تتجاوز أعمارهم العشر سنوات.
بعد سقوط جمهورية كردستان-مهاباد في ايران، وسفر الأب الروحي للقومية الكردية ملا مصطفى البارزاني الى الاتحاد السوفيتي، وتشتت جمعية خويبون، حدث ركود في الواقع الكردي بعد هذه النكسات المتلاحقة، ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الثقافي أيضاً، وسيطرت الضبابية والغموض واليأس على الفكر السياسي الكردي. ولكن طموح الشباب، واندفاع الجيل الصاعد، في المناطق الكردية، كان وراء تمردهم على الواقع المؤلم وتأسست بعض الجمعيات (ونسميها كذلك مجازاً) حسب المرحلة الزمنية، وكان لهم دور في انعاش الشعور القومي الكردي وتحريك الواقع الكردي كما نرى.
تأسست في عام 1951 في محافظة حلب، جمعية ثقافية سرية، تعمل على نشر الثقافة الكردية والروح القومية، وكان من أعضائها رشيد حمو وشوكت حنان ومحمد علي خوجه وقادر ابراهيم.
ولكن جمعيتهم ما لبثت أن انكشف امرها في العام نفسه، فاعتقلوا، وسيقوا الى سجن المزة بدمشق.
وتأسست في مدينة القامشلي عام 1953 جمعية (وحدة الشباب الديمقراطيين الأكراد) وكان من مؤسسي هذه الجمعية السيد محمد ملا أحمد، وعبد العزيز علي ملا عفدي، ودرويش ملا سليمان، وسامي ملا أحمد نامي.
أهداف هذه الجمعية هي النضال من أجل:
1-تحرير وتوحيد كردستان.
2-التخلص من سيطرة الاستعمار والرجعية.
3-الديمقراطية طريقاً الى الحقوق القومية.
4-السماح بفتح مدارس باللغة الكردية، وفتح النوادي، والجمعيات الخيرية والثقافية والاجتماعية.
5-دعم ومساندة حقوق المرأة في المجتمع الكردي.
أهم أعمال ونشاطات الجمعية:
1-الاحتفال بعيد النوروز في عامي1954-1955 بشكل سري.
2-إحياء ذكرى تأسيس جمهورية مهاباد عام 1954.
3-نشر منشورات بخط اليد، تتضمن المواضيع الثقافية والتاريخية والسياسية والقومية.
كان غالبية المؤسسين ينحدرون من عائلات عريقة في الوطنية والنضال السياسي والثقافي، وكان لهذه العائلات دور كبير في تكوينهم الفكري والثقافي والسياسي.
وقد حلت هذه الجمعية نفسها بناء على طلب مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.
احترق أرشيف الجمعية في عام 1960.
وتأسست جمعية (احياء الثقافة الكردية) (Encumen) في عام 1955من قبل المناضل الكبير عثمان صبري وحميد درويش ومجيد حاج درويش ومحمد صالح حاج درويش وخضر فرحان عيسى وعادل من جبل الأكراد وسعدالله (سعدو) ايبو، ولم تدم هذه الجمعية اكثر من سنة واحدة، ولم تقدم شيئاً من أعمالها، لذا لن نتوقف عندها.
وفي مدينة حلب تأسست جمعية باسم (المعرفة والتعاون الكردي) 18-6-1955م في منزل المناضل نوري ديرسمي، وكان من مؤسسي هذه الجمعية، (الدكتور نوري ديرسمي، والأميرة روشن بدرخان، وحسن هشيار، وأوصمان أفندي، وحيدر محمد كنجو…)، وسعوا لتقديم المساعدة لفقراء الأكراد.
العلاقات والروابط السياسية لهذه الجمعية:
توسعت علاقات الجمعية حتى طالت حزب (أيوكا) اليوناني في قبرص، الذي كان يناضل ضد الاتراك بزعامة (جورج كريفس)، وكما يقول المثل (عدو عدوك صديقك) لذلك توطدت صداقة متينة بين الجمعية وحزب (أيوكا) لمكافحة العنصرية التركية، ونشأت هذه العلاقة بواسطة الصحافي (يوسف ملك) الذي كان صديقاً لعائلة بدرخان، وقد تعدت علاقاتهم الى الاعلام أيضاً. كان (يوسف ملك) يشرف على مجلة “الوجدان” ويحرر مجلة “الحرية” الصادرتين في لبنان، اللتين كانتا توزعان في المناطق الكردية، وخاصة في مدينة عامودا، وكان المثقفون الأكراد ينشرون مقالاتهم في الصحيفتين المذكورتين ويقرءونها ويتابعونها بشكل دوري.
وصلت أخبار ومنشورات الجمعية الى الاتحاد السوفيتي، فأرسل البروفسور الكردي المعروف قناتي كوردو رسالة في عام 1956 الى أعضاء الجمعية، وهذا هو مضمون الرسالة التي يقول فيها:
(أيها الأخوة، اشكر لكم نضالكم… مهما كانت الصعوبات تعيق طريقكم، يجب عليكم أن ترفعوا عالياً اسم كردستان في كل نشرة ومجلة وصحيفة، صغيرة كانت أم كبيرة، نحن في القرن العشرين، قرن التقدم العلمي والذرة، فالشعوب التي لا تطالب بحريتها اليوم تذوب، وتضمحل بسرعة، إن لم يبك الطفل، لا ترضعه والدته رغم حنانها).
أخوكم المخلص
قناتي كوردو
اصدارات الجمعية في المجال الثقافي:
أصدرت الجمعية مجموعة كتب ثقافية هي:
1- كتاباً تحت عنوان (قبرص وبربرية الاتراك) ليوسف ملك باللغة العربية.
2- جينوسايد (الابادة الجماعية)، بقلم الدكتور كاميران بدرخان.
3- ارسال مذكرة مؤلفة من 18 صفحة الى مؤتمر باندونغ المنعقد في القاهرة، عنوانها ب(نداء الشعب الكردي الى الشعوب الأفروآسيوية).
4- الرد على الكوسموبوليتية- حسنين شنيوي- ترجمة روشن بدرخان.
5- كفاح الأكراد-صامد كردستاني.(جمال نبز).
6- تاريخ ديرسم في كردستان- نوري ديرسمي باللغة التركية.
7- (ريؤل) نظام داخلي للجمعية.
وفي المجال الاجتماعي، جمعت الجمعية تبرعات موسمية من أغنياء الأكراد، وتم توزيعها على فقراء الجزيرة بقسائم مرقمة ومنظمة. وكان للجمعية ختم، كُتِب عليه اسم الجمعية، وفي الوسط تاريخ تأسيسها، وكانت جميع القسائم مختومة بهذا الختم.
لماذا أطلقوا على تجمعهم هذا تسمية جمعية وليس حزباً؟
ويعود ذلك الى سببين:
1-كانت علاقة الحزب الشيوعي السوري وطيدة مع الدولة، ولذلك وقف الشيوعيون ضد كل مشروع قومي كردي.
2-لم يكن هناك قرار بصدور قانون الاحزاب في سوريا. لذلك لجأوا لهذه التسمية من أجل الاستمرار في عملهم واطالة فترة عطائهم. لكن للأسف لم تدم هذه الجمعية كسابقاتها طويلاً فقد استمرت من1956-1958، على الرغم من نشاطها المكثف، وحلت نفسها أيضاً بناء على طلب مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا.
تأسس في عام 1957م حزب كردي يدعى (آزادي) في القامشلي، وقد شارك في تأسيسه محمد فخري والشاعر جكرخوين وملا شيخ موسى شيخي، وملا شيخ موسى القرقاتي…الخ، وأغلب هؤلاء هم من المنسحبين من الحزب الشيوعي، ونظموا أنفسهم ووضعوا له برنامجا سياسياً ونظاماً داخلياً. ولكنهم أيضاً لم يستمروا بعد اعلان تأسيس” البارتي”.
وفي عام 1957م تأسست رابطة للطلبة الكرد في جامعة دمشق، وكان أول لقاء لتلك الرابطة في دار المرحوم مقداد بك جميل باشا ضمت الرابطة أعضاء من أكراد سوريا والعراق وهم: (علي فتاح دزه ئي-رئيساً، عزالدين مصطفى رسول سكرتيراً، حميد الحاج درويش، قاسم مقداد جميل باشا، عمر محي الدين شريف، مؤيد عبد الغفار نقشبندي، صبحي رشو، إسماعيل عبد الحنان، خليل محمد عبد العزيز، طلعت نادر- طالب ثانوية) وعقد اجتماع في دار بحي سوق ساروجة ضم 18 طالباً بينهم: جمشيد جلادت بدرخان وداوود حرسان. احتفلوا بعيد النوروز في دمشق على شكل مأدبة في أحد كازينوهات الربوة.
وفي عام 1957م تم تأسيس بارتي ديمقراطي كردستان سوريا. وهو حزب تحرري تقدمي، هدفه تحرير وتوحيد كردستان.
المؤسسون وهم: عثمان صبري المؤسس والراعي الأول لهذه الفكرة. الشيخ محمد عيسى. حميد درويش. حمزة نويران. رشيد حمو. محمد علي خوجه. خليل محمد. شوكت حنان. وهؤلاء هم المؤسسون – وان جاء بعضهم متأخراً بعض الشيء- وهم في الوقت نفسه اعضاء مركزيون، عقدوا أول اجتماع لهم في 14/6/1957م. وفي صيف عام 1958م انضم كل من الدكتور نورالدين ظاظا والشاعر جكرخوين الى صفوف البارتي أي بعد تأسيس الحزب بعام كامل. وفي ما بعد تم تغيير اسم الحزب الى ( الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)، وتم تغيير هدفه من تحرير وتوحيد كردستان الى حقوق ثقافية واجتماعية وسياسية، تلبية للرغبة التي أحس بها الجميع بعد اعتقالات 1960م، من أنهم يجب أن يراعوا وضع شعبنا الكردي المقسم بين أربعة دول، وكذلك ظروف المنطقية، والدولية والأهداف المرحلية للبارتي.
كانت هناك عوامل موضوعية وذاتية، هيأت الشعب الكردي في سوريا ليشارك في عمل قومي جماعي، يقوده الى أهدافه القومية والوطنية. والتفاف الطبقات الشعبية والفئات الوطنية الكردية حوله، والتأثير النوعي في حياة الجماهير الكردية. وكان لهذا النشوء تحول بارز في مسيرتها السياسية ومصيرها الوطني، حيث بدأت تلك الجماهير تشعر بهويتها القومية، وشرعية حقوقها، وديمقراطية طموحها. ان انبثاق (البارتي) كان مكسباً هاماً وانجازاً تاريخياً رائعاً لمناضليه ووطنه. بدأ التنظيم يتسلل الى الحياة الكردية، وساد الشعب شعور قومي، واجتمعت حول الحزب جميع شرائح المجتمع، ولكنه للأسف لم يقدم شيئاً في المجال الثقافي والأدبي وحتى الاعلامي (صحف، مجلات، جرائد، كتب…)، إذا استثنينا بعض المثقفين الذين نشروا كتباً وكراريس بدافع ذاتي، مثال (ألفباء باللغة الكردية، وبعض الدواوين، والقصائد عن طريق المطربين والمغنين…)، للشعراء امثال: جكرخوين، وأوصمان صبري، سيداي تيريز، وأحمد نامي ,ويوسف برازي (بي بهار)….الخ.
ختاماً آمل ان تكون هذه أول لبنة اساسية في دراسة تاريخ الجمعيات، والأحزاب والحركات الثقافية الكردية في سوريا وأن تتبعها دراسات أعم وأشمل. واختم محاضرتي بمقولة الأميرة روشن بدرخان “يا بني… امنحني وحدة الأكراد وسوف امنحك كردستاناً حرة مستقلة”.[1]