#الأكراد في حقبة الخلافة العباسية#.
يعتبر تاريخ الأكراد في القرنين 10-11م بحق قسما متمما لتاريخ البلدان والشعوب الخاضعة للخلافة العباسية . وكون هذه الحقبة من أكثر مراحل تاريخ الأكراد تشويقا ، فقد اشتهرت بالأحداث العسكرية - السياسية الشديدة والتغيرات الاجتماعية - الاقتصادية العميقة . تتميز هذه الفترة بشكل خاص ، بمحاولة القبائل الكردية التوحد النسبي للمرة الأولى بعد اعتناق الإسلام جماعية ، بقيادة الإقطاعيين الأشراف ، وظهور عائلات حكام كردية مستقلة وشبه مستقلة الواحدة تلو الأخرى على مسرح التاريخ . ولكونها أشكالا إقطاعية وقتية ونتيجة لبعض الأحوال العسكرية - السياسية ، فقد انحلت تدریجا ۔ من مزايا حقبة البحث الرئيسية أن الشريحة الكردية العليا ، التي كانت تملك تطلعات جدية نحو توسيع مجال نفوذها في مختلف مناطق الخلافة لتعزيز مواقعها السياسية والاقتصادية ، تحولت كليا لخدمة الاسلام تقريبا وبذلك لم تساهم في إحداث تبدلات في حياة بني قومها فحسب ، بل حثت على استيعابهم في ما يسمى مجالات الحياة العربية - الاسلامية الاجتماعية - السياسية والثقافية . كان نشاط القبائل الكردية القوي وغير المسبوق بين القرنين 10-11م مرتبطة قبل كل شيء بالأزمة العسكرية - السياسية والاجتماعية - الاقتصادية العميقة في منطقتي الشرقين الأدنى والأوسط ، التي شرع البلاط العباسي في بغداد يعيش فيها بدءا من أواسط القرن 9 م . لقد أدت الحركات الشعبية الكبيرة ، التي ظهرت في هذه الفترة في مختلف مقاطعات الخلافة ، والكفاح المناهض للعباسيين والاقطاع وكذلك تطلعات الحكام المحليين الانفصالية ، والتشظي الكبير جدا للمجتمع نتيجة ذلك ، إلى تزعزع مواقع الإمبراطورية العربية بدء من منتصف القرن 9 م . أفلحت الشعوب الخاضعة بين القرنين 9-10م ، في تسجيل نجاحات ملموسة في كفاحها المستمر المناهض للعباسيين تحت راية العنصر الشيعي على الخصوص . وبعد احتلال بغداد من قبل البويهيين الايرانيين ( من أصل ديلمي ) في العام 945 م ، فحرم البلاط العباسي من السلطة السياسية مدة قرنين ، واعترف بسلطة الخليفة الدينية فقط في مناطق الخلافة الشرقية الواسعة الأرجاء . منح نشاط العنصر الايراني دفعة جديدة أيضا لعمليات القبائل الكردية العسكرية - السياسية في مقاطعات شتى . ومنذ هذه الفترة وحتى ظهور السلاجقة - الاتراك في الشرقين الأدنى والأوسط في القرن 11 م ، وبسبب بعض الظروف التاريخية ، عقد الأكراد علاقات عملية مع الحكام المسلمين طوعة أو إكراها ، وتوصلوا إلى حكم سیاسي ذاتي معين في بعض المناطق . بدأت حركة قبائل الغزو التركية الرحل الشرسة الهائلة من آسيا الوسطى البعيدة نحو منطقة الخلافة الشرقية ، في عشرينيات وثلاثينيات القرن 11 م ، وجهزت أرضية لاجتياحات سلجوقية - تركية مدمرة في أربعينيات هذا القرن . لقد أضحى ظهور السلاجقة - الأتراك في الشرقين الأدنى والأوسط ، وهيمنتهم المديدة مرحلة مصيرية في حياة بلدان المنطقة وشعوبها .
أصبح وزر هيمنة القبائل الرحل الجديد شرسا وفظيعا لجميع شعوب الخلافة ومنهم الأكراد . وبعد احتلال المناطق الكردية تدريجا ، ونتيجة ضربات السلاجقة - الاتراك القوية ، اضمحلت أيضا العائلات الكردية الحاكمة الواحدة تلو الأخرى . لم يصبح تاريخ الأكراد في هذه الفترة ، بأحداثه العسكرية - السياسية اللافتة للنظر والمعقدة والغنية ، موضوع بحث جدي من قبل المستشرقین حتى يومنا . وتجلي المطبوعات باللغات الشرقية والأوروبية بشكل رئيسي المسائل الأساسية لتاريخ الأكراد الحديث والمعاصر . ويعود ذلك قبل كل شيء إلى أنه لم توضع مصادر أولية كافية ومختلفة في طبيعتها في التداول حتى الآن كي تساهم في دراسة تاريخ الأكراد القرن اوسطي . حقيقة ، وعلى الرغم من ظهور بعض التحركات باتجاه سد هذه الثغرة عندنا وفي بلدان أخرى في المدة الأخيرة إلى حد ما ، إلا أن العمل المنجز مع ذلك لا يمكن اعتباره كافيا .
دراسة تاريخ الأكراد بين القرنين 9-10م في ذاتها ، لافتة للنظر ، وشيقة ايضا من زاوية تبيان الأسس التاريخية للأحداث الشديدة والأحوال الاجتماعية - السياسية والاجتماعية - الاقتصادية المعاصرة لنا بشكل علمي أدق . موضوع البحث عصري جداً ليس من حيث تأطير مراحل تطور التاريخ الكردي فحسب ، بل عند تثمين المسألة الكردية الأولية الحالية في بعض بلدان الشرق الأدنى موضوعية ، كذلك تسليط الضوء على جذورها التاريخية . وفي الوقت ذاته ، فإن لهذه المسألة أهمية استثنائية في الدراسات الأرمنية الشاملة لأن الأرمن والأكراد شعبان متجاوران منذ القديم ويتمازج تاریخاهما أو يتصالبان في مسائل شتی . بدأ هجوم الأقوام الكردية شمالا نحو مناطق أرمينيا التاريخية الشمالية - الغربية نتيجة ظهور ظروف عسكرية - سياسية مناسبة في فترة موضوع بحثنا . لقد هيأت الصراعات التركية - الإيرانية ، على الخصوص ، أرضية مناسبة التغلغل كتل كبيرة من القبائل الكردية في مناطق أرمينيا الوسطى الجبلية أيضا بين القرنين 15-16م تحت الراية السنية والموالاة لتركيا العثمانية وفي وقت متأخر ، وبعد المجازر التي نفذت ضد الأرمن في خلال القرنين 19 20 م ، أعاد الأكراد استيطانهم تدريجا على كامل مساحة أرمينيا الغربية تقريبا .
بتشويههم للحقائق التاريخية ، يقوم بعض المفكرين الأكراد المعاصرين اليوم بدعاية نشيطة ، محاولة منهم النظر إلى أن أرمينيا الغربية ، هي مهد تشكل الإثنية الكردية ، وبالتالي وطن الأكراد التاريخي . لذلك ، فإن إظهار إفلاس هذه الادعاءات ، وتبيان ظروف الحقيقة التاريخية ، يجعل اختيار هذا الموضوع بدوره أكثر عصرية . تضم مراحل الدراسة كرونولوجية تاريخ أكثر من 100 سنة بدءا النصف الأول للقرن 10 م ، أي حقبة هيمنة السلاجقة الكبار ، وتتطابق تماما مع تقسیمات تاريخ بلدان وشعوب الشرقين الأدنى والأوسط . وهذه الدراسة ، التي تعتبر استمرارا لأعمال الباحث السابقة ، هي عملية التجربة الأولى في علم الاستشراق بسبب تساؤلاتها والمسائل الأساسية التي تطرحها لدراسة تاريخ الأكراد في حقبة الخلافة العباسية . والمصادر التي وصلتنا في هذا الشأن ، وغالبيتها العظمی تخص الأحداث العسكرية - السياسية ، انعكست بشكل رئيسي في المصادر التاريخية والجغرافية القرن اوسطية وغيرها باللغة العربية ومعظمها لم يوضع بعد في التداول العلمي . بفضل دراسة هذه المصادر العربية أولا ، ومصادر شعوب مجاورة أخرى ، تم للمرة الأولى تجميع معطيات حول مختلف وجوه تاریخ الأكراد المبعثرين على مساحة جغرافية واسعة في القرنين 10-11م ، وتنطلق هيكلية بحثنا والمسائل قيد الدرس فيه من هذه المستندات . لذلك ، تطرقنا إلى تلك المسائل التي نجد حولها مواد فعلية بهذا القدر أو ذاك ، تقدمها لنا المصادر الأولية الأساسية وتحديدا أبحاث المؤلفين باللغة العربية . عدا المسائل التاريخية المختلفة ، جرى البحث للمرة الأولى حول تاریخ ثلاث عائلات كردية حاكمة : الحسنوييين والعتازيين والمروانيين على خلفية تطور الأحداث العسكرية - السياسية . ولم يكن هذا الاختيار محض مصادفة ، بل تم الأخذ في الاعتبار أن العنصر الإثني الرئيسي في هذه العائلات المذكورة ، كان مؤلفة بشكل رئيسي من الأقوام الكردية التي كانت عماد نشوئها واستمرارها . وعدا ذلك ، تم الأخذ في الاعتبار تلك المساحات الجغرافية التي يستمر الأكراد في استيطانها حتى أيامنا . تمت محاولة سد الفجوة الكائنة في مجال بحث تاريخ الأكراد القرن اوسطي للمرة الأولى في هذه الدراسة . وانطلاقا من ذلك ، نهدف إلى دراسة مفصلة قدر الإمكان الأبحاث المؤرخين باللغة العربية ، ومؤلفي الحوليات ، والجغرافيين ، والسير القرن اوسطية العديدة بلغاتها الأصلية ، كذلك المصادر الأرمنية والبيزنطية والسريانية والفارسية ، ومنها الكردية التي تحتوي في بعض الأحيان على مادة مفيدة لمختلف مسائل دراستنا بعد تصنيف المعطيات المبعثرة في أبحاث المؤلفين باللغة العربية علميا ، التي تعود إلى الحقبة بين القرنين 9-15م والمصادر الأخرى المساعدة التي تلقي ضوء على مختلف أوجه تاريخ الأكراد بين القرنين 10-11م وتحليلها ، وضعنا أمامنا المسائل التالية :
1 - جلاء دور الأكراد في الخلافة العباسية على شاشة الأحداث العسكرية - السياسية العريضة .
2 - إظهار تركيبة الأقوام الكردية الاجتماعية - الاقتصادية والسياسية وتوزعها ودوافع تحركاتها .
3 - دراسة نقدية حول الأسباب السياسية لنشوء وتطور نظرية أصل الأكراد العربي في فترة موضوع البحث .
4 - تحليل الظروف التاريخية الأولية لتشكل السلالات الكردية الحاكمة - الثلاث : الحسنويهيين والعتازيين والمروانيين ونشاطاتها وعلاقاتها المتبادلة مع الإمارات المجاورة .
5- جلاء العلاقات الكردية - التركية في الشرق الأدنى بعد ظهور السلاجقة الكبار .
6 - البحث مفصل عن دور الاسلام في توجه شريحة الأكراد القبلية العليا العسكري – السياسي وعملياتهم . جعلت مبادىء التحليل التاريخي وعلم المصادر ، التي أنشئت من قبل الاستشراق وعلم التأريخ الأرمني والروسي والأوروبي الغربي ، أساسا لسرد هذه الدراسة . وقد قمنا أيضا باستخدام أعمال المؤرخين - المستشرقين الأرمن والروس والأوروبيين والشرقيين ، لتحليل المصادر الأولية الأساسية والمساعدة حول الأكراد لتفسيرها على الشاشة العامة لتاريخ الشرقين الأدنى والأوسط . [1]
=KTML_Link_External_Begin=https://www.kurdipedia.org/docviewer.aspx?id=459994&document=0001.PDF=KTML_Link_External_Between=انقر لقرائة الأكراد في حقبة الخلافة العباسية=KTML_Link_External_End=