أ. منصور ابو كريم
برزت القضية الكردية في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، بعد أن غيبت اتفاقية سايكس بيكو الأكراد من المشهد السياسي في المنطقة، وتأكد هذا في معاهدة سيفر 1920، وانحياز القوى الكبرى إلى جانب تركيا الكمالية، جرى إبرام معاهدة لوزان 1923 التي تناست الكرد وحقوقهم، وكان ذلك بداية هذه القضية التي أصبحت مصدر قلقٍ وتوتر للعديد من دول المنطقة وازدادت تعقيداً مع مرور الأيام تاركة آثاراً سياسية وإنسانية كبيرة وخطيرة، لقد حظيت القضية الكردية بأهمية كبيرة لتوزعها على أربع دول في المنطقة، بالإضافة للأهمية الجيوسياسية الاستراتيجية والاقتصادية.
وخلال النضال الكردي المستمر من نهاية الحرب العالمية الأولى وحتي اليوم برز اتجاهان للتعامل مع حق تقرير المصر الكردي، الاتجاه الأول يرجح الحل العسكري، وتعود جذور هذا التيار الذي ينتمي إلى المدرسة القومية التقليدية إلى بعض النزعات الاستعلائية والتنكر لحقوق الشعب الكردي، والاتجاه الثاني هو الذي انتشر على المستوى الشعبي (في العراق بشكل خاص) ويدعو إلى اعتماد الحل السلمي للقضية الكردية والاعتراف بحقوق الشعب الكردي وشراكته في الوطن سواء عن طريق الحكم الذاتي أو من خلال شكل من أشكال الفيدرالية أو أية صيغة تضمن هذه الحقوق.
لكن خلال الفترة الأخيرة حاول الأكراد استغلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة منذ بداية الربيع العربي، ، ليتقدموا خطوة باتجاه تحقيق حلم الدولة القومية. وأيًّا تكن ردأت الفعل والمواقف حيال استفتاء الاستقلال، فإن أحدًا من الأطراف الدولية والإقليمية، والأصوات المعترضة على ذلك، لم يقترب من مسألة الحق في ذلك الإجراء، أي حق تقرير المصير، الذي تكفله المواثيق والأعراف الدولية، وهو حق أصيل للأكراد كما للفلسطينيين، وشعوب العالم كله من دون تمييز، لكن اعتراضها جاء على التوقيت وعلى عدم التنسيق مع الحكومة الاتحادية العراقية التي رأت فيه خروجًا على مبادئ دستور 2005، لكن قيادة إقليم كردستان العراق لم تجد بيئةً سياسية ملائمة، كالمرحلة التي تمر بها المنطقة، من أجل القيام بعمل أحادي الجانب، كما سمّاه وزير الخارجية الأميركي تيلرسون.
استفتاء أكراد العراق، وضع القضية الكردية في بؤرة الاهتمام الدولي الإقليمي، بصورة لم تحدث من قبل، على الرغم من كل السياسات البراغماتية التي اتبعتها إدارة الإقليم، في نسج علاقات مع أطراف دولية وإقليمية، بما في ذلك (إسرائيل)، ولكنه -أيضًا- فتح المجال واسعًا أمام تحديات جديدة، في منحيين، يتمثل الأول في أنه وضع المنطقة على فوهة بركان، تضاعفت فيه الإشكالات السياسية والدستورية المختلف بشأنها في الأصل، منذ إقرار الدستور العراقي قبل نحو اثني عشر عامًا، لم يجر خلالها أي مسعًى جاد لحلّ الخلافات، بين الإقليم ذي الحكم الذاتي في شمال العراق، وحكومة بغداد الاتحادية، ولم تبذل أي قوة دولية، مثل الولايات المتحدة بحكم دورها ومكانتها ومصالحها في العراق، أي جهد في هذا السياق.
الأمر الثاني يتجلى في إعادة بناء تحالفات إقليمية، كانت قائمة فيما سبق بشأن المسألة الكردية، ثم ما لبثت أن تراجعت بسبب الخلاف حول المسألة السورية. فعلى سنوات طويلة، ولا سيّما بعد اتفاق أضنة السوري – التركي 1998، شكّلت كلّ من تركيا وإيران وسورية والعراق، لجنة مشتركة، تتصل بالملف الكردي في المنطقة، والجامع المتفق عليه فيما بينها، هو بناء سياسات متوافقة على الاستمرار في تحجيم الحراك الكردي، فيما يتصل بالانفصال وإقامة دولة قومية.
لذلك ثمة معارضة واسعة للاستفتاء محلياً وإقليمياً ودولياً، ولا يكاد يقف إلى جانب البارزاني علناً غير دولة الاحتلال الإسرائيلي، بينما تتحفظ واشنطن على التوقيت وإن وافقت على المبدأ. وبالنسبة لأنقرة، فإن مبدأ تقسيم العراق أمر مرفوض لما يمكن أن يسببه من فوضى قد تنعكس عليها، فضلاً عن الانعكاسات السلبية المباشرة على الملف الكردي الداخلي، وهو ما يجعلها تعتبر الاستفتاء مسألة أمن قومي. تتصاعد التصريحات والمواقف التركية مع مرور الوقت، حيث بدأت بتحذير وزير الخارجية من حرب أهلية عراقية، مروراً بتلويح رئيس الوزراء التركي بالخيار العسكري.
لربما يكون خطأ أكراد العراق أنهم ما زالوا يفكرون في عام 2017 بمنطق حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى وانتشار المد القومي، فيصرون على مسار الاستقلال وإنشاء الدولة القومية، فيما تسعى معظم شعوب الأرض اليوم إلى فكرة المواطنة والحقوق المتساوية بين جميع الأعراق والأديان. كأن الدولة القومية أو الوطنية أثبتت نجاحها في العالم العربي مثلاً، ليعاد تكرارها في جنوب السودان وشمال العراق، في ظل هذه المعضلات تقف الدولة الكردية أمام مجموعة من التحديات أهمها، الجغرافيا السياسية الخانقة، والتوتر الذي يسود المنطقة، وتخلي العالم عن فكرة الدولة القومية لصالح الدولة المدنية والمواطنة والحقوق المدنية والسياسية المتساوية، بالإضافة لعلاقات الأكراد بإسرائيل، فكل تلك التحديات مازالت تقف حجر عثرة أمام الحلم الكردي في الحرية والاستقلال، فهل يغيروا الأكراد طريقة تفكيرهم ؟[1]