#بيار روباري#
تمثال إم الجدائل – مدينة گوزانا
ثانيآ، من هم الخوريين:
الكثير من الشعوب عبر التاريخ إكتسبت أسماء عديدة، ومنهم الشعب الكردي. لا بل يمكنني القول هو أكثر شعب في التاريخ لقب بأسماء عديدة منها: زاگروسيين، كوردوخ، گوتي، خوري، سوبارتي، سومري، كاشي، إيلامي، هكسوس، ميتاني، هيتي، كرمانج، لوري، خالدي، ميدي، كلهوري، ظاظا، صفوي، ساساني، أيوبي، الكرد وغيرها من التسميات.
وكل هذه التسميات جميعها هي لشعب واحد وهو الشعب الكردي، قد يكون بفعل الغزوات والإحتلالات التي تعرضت لها كردستان عبر ألاف السنين إختلط معه بعض الأقوام الأخرى بنسب صغيرة، لكن النواة الصلبة للشعب الكردي بقيت على حالها وظلت متماسكة، ولولا ذلك لأنصهر هذا الشعب منذ زمن بعيد. لكن إصراره وتشبثه بهويته القومية والدينية وطبيعة كردستان مكنته من الحفاظ على هويته الكردية وبدليل نضاله المستمر من أجل نيل الحرية والإستقلال منذ ألاف السنين.
ويمكننا في هذا المقام سرد عدة شعوب أخرى مرة بنفس التجربة، مثل الشعب المصري، العربي، النمساوي والألماني، لكن علينا أن نميز بأن المصريين ليسوا عربآ، وإنما يتحدثون العربية كحديث الهنود بالإنكليزية لا أكثر.
المثال الأول:
الشعب المصري الحالي لم يكن يحمل هذه التسمية تاريخيآ، وهذه التسمية الحالية حديثة العهد جدآ. وأول
تسمية إكتسبتها هذه الجغرافية كانت “كمت” والتي تعني الأرض السوداء أو الأرض الخصبة إشارة إلى نهر النيل. وثاني تسمية أطلقت عليها كانت “الأرض الصحراء” كون ثلثي مساحة مصر صحراء. أما
التسمية الثالثة التي لقب بها هي “تاوى” وتعني باللغة المصرية القديمة الأرضين، إشارة إلى شمال مصر (الدلتا)، وجنوب مصر أي (الصعيد).
التسمية الرابعة التي أطلقت على هذه الجغرافيا كانت (حت – كا – بتاح)، وبمعنى “مقر قرين الإله بتاح” وهو بالأصل إسم أشهر معابد الإله “بتاح” والموجود في مدينة “منف”. والشاعر الإغريقي “هوميروس”
ذكر إسم (إيگوبتس) وهي مأخوذة عن التسمية (حت كا – بتاح)، وبسبب عدم وجود حرف (الحاء) في اللغة اليونانية إستبدلوه بحرف (گ)، والأوروبيين أخذوا هذه التسمية عن اليونانين مع حذف حرف (س) وهكذا أصبحت إسمها باللغات الأوروبية (إيگبت).
أما التسمية الخامسة والحالية أي “مصر”، والتي أول مرة ورد ذكرها في التوراة، ويؤكد العلماء أن أصل التسمية مصرية قديمة وكانت تلفظ “مشر”، وتعني المحصن أو المحروس، كون مصر محاطة بحواجز طبيعية تحميها، وأنا شخصيآ أميل لهذا الرأي. أما تبديل حرف (الشين) بحرف (ص) هو لتيسير نطق الكلمة. والمصريين حالهم حال الكرد كان لهم عدة دويلات وممالك وعواصهم، وكانت تتقاتل فيما بينها، وتتنازع على الملك والنفوذ وتوحيد مصر جاء متأخرآ جدآ.
المثال الثاني:
العرب تاريخيآ كشعب سميوا بعدة تسميات مختلفة منها: بنوا كنعان، بنوا قحطان، بنوا عدنان، أموريين، نجديين، حجازيين، قريشيين، يمنيين، عمانيين، مناذرة، غساسنة، وغيرها من التسميات. وتسمية العرب حديثة العهد، وهي تسمية أرامية وأصلها (أرابيا) وتعني سكان الصحراء ولم يقصد بها قومية أو عرق ما وأخذت هذه الصفة لاحقآ بشكل متأخر. وحتى أهل اليمن كانوا يسمون العرب (أعراب) أي البدو الرحل وهم أناس غير مستقرين في أرض معينة، ويعيشون بخلاف الحضرين في الخيم بدلآ من القرى والمدن، ولا يعرفون العمل في الأرض. والتوراة أوردتها بمعنى البداوة، أي العيش في البادية التي تمتاز بالجفاف والفقر، وهذا يتوافق مع معنى التسمية باللغة الأرامية. بالمناسبة السوريين (الحلبيين، الشوام، الحماصنة) حتى قبل الثورة، عندما كان يحضر بدوي للمدينة كانوا يسمونه “عُربي” بمعنى البدوي ويستهزؤن منه، ولذلك عندما نقول هذا الشخص عربي، نعني بذلك البدوي، وليس عرقآ. هذه الكذبة إبتدعها ألأشرار من أتباع محمد ذاك الفاجر والشرير.
أما القرآن عرف كلمة (عرب) بنفس تعريف التوراة ولكنه إستخدم تسمية الأعراب بدلآ من تسمية العرب أي سكان البادية، وإنتقد بشدة صفاتهم السيئة والقاسية بحكم عيشهم في البادية وطبيعتها الجافة والصعبة، وإعتبر القرأن كل من يتحدث لغة هؤلاء البدو هم عرب بما فيهم سكان المناطق الأخرى، وهذه كانت سياسة محمد لجمع كل سكان الجزيرة حوله.
المثال الثالث:
الشعب النمساوي الذي يتحدث باللغة الألمانية، هو الأخر إكتسب العديد من التسميات في تاريخه منها: الجرمان، هابسبورغ، سيسليثانيا، أوستريان، لاتريشن، وكما هو معروف العرب يسمونها النمساويين، وعبر التاريخ أنشأ النمساويين عدة ممالك ودول وحتى إمبراطورية مشتركة مع المجريين وتقاتلوا مع الألمان وخاصة مملكة بروسيا وأخضعوهم لسيطرتهم لسنوات طويلة جدآ.
المثال الرابع:
الشعب الألماني، هوالأخر إكتسب عدة تسميات خلال رحلته التاريخية حتى يوم توحيده في دولة واحدة فيدرالية. جرمان، بروس، دوج، ألمان. والألمان لم يكونوا شعبآ واحدآ وإنما كانوا قبائل متعددة مثل الكرد وتم توحيدهم بالقوة في إطار دولة فيدرالية. والفرنسيين الحاليين لم يكونوا شعبآ واحدآ تم توحيدهم بالحديد والنار وصهرهم في بوتقة قبيلة واحدة وهي قبيلة الفرنكيين ولغتهم.
كما رأينا مما سبق بأن شعوبآ عديدة إكتسبت عدة تسميات مختلفة عبر تاريخها وذلك لأسباب عديدة لا مجال هنا للتفصيل فيها. وإنطلاقآ من ذلك وقبل الحديث عن أصل الخوريين ومن هم ومن أين أتوا، أود أن أسجل إعتراضآ لا بد منه وأقول لكل الذين تناولوا أصل الخوريين وتاريخ وجودهم في المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط وخليج إيلام، والتي تشمل كل من: سوريا، العراق، لبنان، إسرائيل، فلسطين والكويت والأناضول والهضبة الإيرانية: بأن تعدد تسميات شعب من الشعوب لا يعني حداثته ولا يمكن إلغاء تاريخه أو جزءً منه. ولهذا تقريبآ كل الذين تناولوا هوية وتاريخ الشعب الخوري، أعادوا تاريخه
إلى (4000) أربعة ألاف سنة قبل الميلاد كأقصى حد، والبعض الأخر منهم رجع تاريخ الخوريين إلى (2000) ألفي عام قبل الميلاد، وكل هذه التواريخ غير صحيحة ومدعاة للسخرية ولا تمت للحقيقة بشيئ.
الخوريين:
بإختصار هم أقدم شعب عاش في منطقة الشرق الأوسط، وذلك منذ مئات ألاف السنين قبل الميلاد، وهذه المنطقة تضم جبال طوروس غربآ وجبال زاگروس شرقآ، وسهل ألالاخ جنوب سلسلة جبال طوروس وسهل الفرات الغربي والشرقي، أي جنوب غرب سلسلة جبال زاگروس وتضم كل من ميدنة حلب، وان وأورميا وكركوك الحالية. وخير دليل على ذلك إكتشاف البعثية اليابانية قبل حوال 15 سنة عظام طفل صغير بلغ (2) الثانية من عمره وقدرت البعثة تاريخ عيشه إلى (100.000) مئة ألف عام قبل الميلاد
في كهف “دو- دريا” بمنطقة أفرين بغرب كردستان. جاء إنتشار الخوريين في المناطق السهلية بالتدريج ولكن بالإتجاهات الأربعة وخاصة بعد إكتشاف الزراعة من قبلهم في مدينة “نوزي” أي كركوك الحالية، قبل الميلاد بحوالي (10.000) عشرة ألاف سنة. لاشك في بداياتهم كانوا يسمون “الزاگروسين” وتسمية الخوريين إكتسبوها، بعد ظهور فكرة التدين لدى الزاگروسين وإتخاذهم من الإله “خور” أي إله الشمس إلهآ لهم ومنذ ذلك الحين إكتسبوا هذه التسمية أي “الخوريين” وتعني أتباع الإله “خور”.
قرص الأساس أهداه الملك الحوري أتالشن، ملك أوركيش ونوار للإله “نيرغال”
حوالي عام 2000 قبل الميلاد – متحف اللوفر
وبعد ذلك إنتشر الخوريين في كل المنطقة والتي تضم كل الكيانات المصطنعة التالية: (تركيا، ايران، لبنان، سوريا، العراق، الكويت، فلسطين، أرمينيا وأذربيجان)، وبنوا فيها العديد من المدن والحضارات مثل حضارة گوزانا، سومر، إيلام، الكاشيين، ميتان، الهيتيين الميديين، السوباريين، وحضارة أوگاريت، هموكاران، هلچ (حلب)، شمأل، ألالاخ، أگرو، مبوگ، أرپاد، أوركيش، واشوكاني، نوزي، أوروك، ميرا، هسكه، رقه، باخاز، درزور، وغيرها من الحضارات المهمة جدآ. وعندما نتحدث عن تاريخ الخوريين، نحن نتحدث عن الحياة الحضرية أي المدينة وظهور الكتابة، ونحن نعلم جيدآ أن الخوريين هم بناة أول المدن في تاريخ البشرية وفي مقدمتها مدينة: گوزانا، هموكاران، ميرا، أرپاد، دو-مشك (دمشق)، هلچ (حلب)، گرگاميش، واشوكاني، نوزي، أوروك.
فإذا كان بعض المدن الخورية يزيد عمرها على (10.000) عشرة ألاف عام قبل الميلاد، فكيف حدد البعض ممن كتبوا عن تاريخ الشعب العريق وإصوله بأربعة ألاف عام (4000) قبل الميلاد فقط!!!. هذا لا يستقيم مع المنطق والحقائق المادية التاريخية على الأرض، وهي الأثار الخورية الهائلة التي إكتشفها العلماء في العشرات من المدن الأثرية الخورية. إذا كان الكنعانيين العرب البدو الهمج وفدوا إلى المنطقة قبل الميلاد بنحو (3000) عام قبل الميلاد ولحقهم الأموريين بعد سنوات، وكانت هناك مدن وحضارات كاملة قائمة في المنطقة أقامها الخوريين، فكيف يمكن القول بعدها بأن الخوريين وفدوا إلى هذه المنطقة حوالي العام (1500- 2000) قبل الميلاد، كما كتب البعض من الكتاب المدلسين ومزوري التاريخ؟؟
أمر أخر وهو أن الميتانيين ظهروا في المنطقة حوالي العام (1750) قبل الميلاد، وكما هو معلوم بأن الخوريين سبقوا الميتانيين بألاف السنين. ودليل أخر عندما غزا الأكديين المنطقة كانت هناك حضارة سومر، والسومريين خوريين قدموا من شمال غرب كردستان إلى جنوب الرافدين، وتحديدآ من منطقة الجزيره الفراتية – الخورية – الكردية. وتسمية المنطقة “جي – زيرا” نفسها تفضحهم، ولهذا فإن تاريخ
وجود الخوريين في هذه المنطقة يعود إلى أكثر من (100.000) مئة ألف عام دون أي شك. أما تاريخ
الحضارة الخورية فيعود تاريخها إلى حوالي (10.000-8.000) عام قبل الميلاد. وفي هذه الفترة الزمنية من التاريخ، لم يكن يعيش في منطقة شرق المتوسط سوى الخوريين أسلاف الشعب الكردي.
ولقد جاء على ذكرهم “التوراة” وأنهم كانوا بين الشعوب التي أقامت في فلسطين/ إسرائيل. وأول ما أثار انتباه الباحثين رسالة مدونة باللغة الخورية أرسلها ملكهم “توشراتا” إلى الملك المصري أمنحتب الثالث (1413- 1377)، ووجدت هذه الرسالة بين رسائل “تل العمارنة” بمصر عام (1877). وفي أوائل القرن العشرين بدأت المصادر المتصلة بالتاريخ الخوري تتزايد يومآ بعد يوم وكماً ونوعاً، فاكتشف المنقب الألماني “وينكلر” في عام (1906) طبقة من الآثار الخورية في مدينة “بوغازكوي“، التي كانت عاصمة الدولة الهيتية في شمال غرب كردستان (الأناضول)، كما عثر على عدد من النصوص التي ورد فيها إسم “خاري” الذي ورد في التوراة، واسم “خارو” الذي ظهر في المصادر المصرية. وتلاشى دور الخوريين بعد بروز الدولة الميتانية حوالي (600) القرن السادس قبل الميلاد، والدولة الهيتية في شمال غرب كردستان.
ثالثآ، جغرافية مدينة گوزانا:
تقع مدينة “گوزانا” إلى الجنوب من سفوح جبال طوروس في منطقة غنية بينابيعها التي تغذي روافد نهر الخابور، وتطل المدينة على الضفة الغربية لهذا لنهر، بالقرب من سكة قطار الشرق السريع، وتبعد عن مدينة “سريه كانيه” حوالي (2) الكيلومترين، ونحو (70) كم شمال غربي مدينة الهسكه، وتبلغ مساحة المدينة قرابة (53) هكتاراً، فيه مرتفع أبعاده نحو (200×150) متر ويمثل المدينة العليا، وتضم الأبنية الإدارية المهمة العائدة إلى فترة حكم المحتلين الآمورييين والآشوريين ويحيط بها سور، وحولها المدينة المنخفضة بأبعادها (600×360) متر وتعود إلى الفترة الخورية- الميتانية، ويحيط بها سور آخر من كل الجهات ما عدا الجهة الشمالية والشمالية الغربية المطلة على نهر الخابور، إذ يقوم منحدر وعر يشكل حماية طبيعية للمدينة.
وتعد من أعرق المدن الخورية في منطقة الجزيره الفراتية الكردية، وقد كشفت التنقيبات في موقعها عن عدة حضارات متعاقبة تعود أقدمها إلى الألف الثامن قبل الميلاد. وتمر سكة الحديد المتجه إلى بغداد مباشرةً من الجهة الشمالية للتلة، وبالمناسة إعتمدت سكة الحديد هذه كحدود فاصلة بين شمال كردستان (تركيا) وغرب كردستان (سوريا)، ويقسم الموقع إلى مدينتين:
المدينة العليا: حيث تشمل القلعة وهي تمتاز بشكل مربع، ويبلغ مساحتها حوالي (6) هكتارات، وترتفع على الأرض حوالي (20) متراً.
المدينة السفلى: هي الأخرى مربعة الشكل، وتبلغ مساحتها حوالي (60) هكتاراً.
المنطقة المحيطة بمدينة “گوزانا”، معروفة بينابيعها المتدفقة، وأرضها الخصبة والصالحة للزراعة لهذا إختير كموقع لبناء المدينة فيها، وثانيآ لتكون بمثابة عقدة طرق القوافل التي تتجه من الشرق إلى الغرب ومن الجنوب إلى الشمال. وهي بدون شك مهد الحضارة الخورية وتبلور هوية الإمة الخورية بلا منازع، أي أنها جمعت بين الحضارة والثقافة والتاريخ الذي يمتد لي (8000) ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد، ومن مميزاتها طبيعتها الخلابة التي تمتلئ بالعيون المائية الصافية، إضافة لعيون المياه الكبريتية، ولأهميتها غزها الغزات الساميين الهمج والمتوحشين من أموريين، أكديين، بابلين، أشوريين، والعرب المسلمين حيث شن المجرم والغازي “خالد بن الوليد” حملة عسكرية عليها وإحتلها نحو العام (644) ميلادية.
واليوم مدينة “گوزانا”، الحديثة والتي يطلق عليها المحتلين العرب تسمية (تل حلف) تتبع لمدينة “سريه كانية” القريبة منها جدآ، والتي بدورها تتبع إداريآ لمدينة الهسكه الكردية، واليوم يبلغ عدد سكان مدينة “گوزانا” الجديدة حوالي (10.000) ألاف نسمة وغالبيتهم يعملون في الزراعة. وتعداد سكان المنطقة والتي تضم أيضآ مدينة “سريه كانية” والعشرات من البلدات والقرى والمدن الصغيرة حوالي 190,000 الف نسمة حسب التعداد السكاني لعام 2011. ومن أشهر عيونها المائية: كانيه هشين، كانيه بانوس، كانيه سالوبا، كانيه الآس.
وهناك نبع يعد الأشهر من بين ينابيع المنطقة ويسمى نبع “الكبريت” لإحتوائه معدن الكبريت ومياهه طبيعية معدنية، وتتميز باللون الأزرق وتبلغ درجة حرارة النبع حوالي (27) درجة مئوية. أما غزارته فقد بلغت حوالي (20) متر مكعب في الثانية الواحدة، ويمكن شم رائحة مياهه من مسافة بعيدة. وأثبتت التحاليل التي أجرتها وزارة الصحة أن المياه الكبريتية الموجودة في “سريه كانية” تصلح لمعالجة الكثير من الأمراض الجلدية والرئوية والمفاصل. لقد حاولات جهات عديدة إقامة مشاريع لإستثمار مياه هذا النبع، لكن بسسب عدم إستقرار مستوى مياهه أدى إلى توقف تلك المشاريع، حيث إنخفض مستوى المياه فيه بشدة، وذلك بسبب قلة هطول الأمطار خلال السنوات الأخيرة، وهذا له علاقة مباشرة بالتغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض، بفعل جشع البشر والشركات وخاصة في الدول الصناعية الكبرى.
وكتب الجغرافي الشريف الإدريسي (1100-1165) في كتابه: (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) عن منطقة “سريه كانية – گوزانا” قائلآ:
“بأنها تحتوي على نحو (300) ثلاثمائة عين ماء، ومن هذه العيون يتشكل معظم مياه نهر الخابور الذي يصب في قرية البصيرة. ويتبع لمنطقة “گوزانا” العديد من البلدات والقرى والتجمعات السكانية الصغيرة منها: ألوك، بيروزا (مبروكة)، شيرا (الأسدية)، (روو) السفح، لق (مختلة)، المناجير والدرباسية”.
وتعتبر مدينة “گوزانا” هي بوابة مدينة سريه كانيه من جهة الغرب، وبوابتها التاريخية، وقد أثبتت الأثار المكتشفة في الموقع منذ عام 1899 على يد عالم الآثار الألماني “ماكس فون أوبنهايم”، بأن “گوزانا” هي مدينة “سريه كانيه” التاريخية ذاتها. وكانت قد وصلت المدينة إلى مستوى إجتماعي راقي للغاية خلال (4000) الألف الرابع قبل الميلاد. وتأكيداً لتفوق حضارة “گوزانا” يقول عالم الآثار الألماني د. مورتكارت:” لقد إتخذت ثلاث مناطق حضارية في بلاد الشرق الأدنى أسماء ثلاثة مواقع أثرية هي: گوزانا في الجزيره الفراتية، وسامراء في بلاد الرافدين، وشبه سيالك في إيران.
صورة للنبع الكبريتي – سريه كانية عام 2008 ميلادي بلونه الأخضر الواضح
رابعآ، أثار مدينة گوزانا:
تم اكتشاف موقع مدينة “گوزانا” الأثرية من قبل الدبلوماسي الألماني “ماكس فون اوبنهايم” الذي عاش بين الأعوام (18601946)، والذي لم يكن بالأساس عالماً أثرياً، حيث أجرى في الموقع بعض الأسبار إثر عثور الأهالي على بعض التماثيل المنحوتة من الحجارة البازلتية أثناء فتح أحد القبور فيه. وبعد أن حصل على ترخيص نظامي من الدولة العثمانية، بدأ التنقيب في الموقع عام (1911) ميلادي، وإستمر في التنقيب حتى عام (1913) ميلادي. ثم إستأنف عمله في الموقع من جديد بين أعوام (1927-1929) بعد توقفه بسبب الحرب العالمية الأولى. وقسم السيد “ماكس” التلة إلى عدد من القطاعات وإستطاع من خلالها أن يحدد فترتي إستيطان رئيستين هما:
1- العصر الحجري النحاسي (عصر گوزانا). 2- العصر الحديدي، مع إستيطان ضعيف خلال العصر
الأخميني الهلنستي، ثم الروماني فالإسلامي. كشف خلالها عن معالم المدينة من مبانٍ إدارية ومنحوتات
كبيرة. قضى “فون أوبنهايم” أربع سنوات تالية في حفر القصر الآموري الذي يعود إلى عهد الملك “كابارا بن قاديانو”، وعثر في أجزاء منه على تماثيل ضخمة لرموز وحيوانات فريدة من نوعها، تم نقلها إلى “برلين” عن طريق سكة الحديد التي كانت تصل برلين ببغداد.
ودلت الحفريات الأثرية والأثار التي قام بها علماء الأثار بقيادة “ماكس فون” والقطع المكتشفة في موقع المدينة، أن تاريخ الإستيطان البشري في المدينة يعود إلى (8000) الألف الثامن قبل الميلاد، ومع الزمن تحولت إلى مدينة مزدهرة في (7000) الألف السابع قبل الميلاد، قبل أن يغدو في مطلع (1000) الألف
الأول قبل الميلاد، عاصمة لمملكة “بيت بخياني”.
وتركزت الحفريات في البداية في منطقة القلعة، من قبل العالم “ماكس فون أوبنهايم” الذي إكتشف تماثيل ضخمة خلال الأسبار الأثرية البسيطة التي أجراها في عام (1899)، وبعدها أُجريت حفريات نظامية تحت إشرافه في الأعوام (1911-1913-1929)، ونظراً للاكتشافات المهمة في الموقع، والتي لم تكتمل وتأخذ نصيبها من البحث والدراسة، وبعد فترة إنقطاعٍ دامت (77) عاماً، شكلت بعثةٌ أثرية مشتركة من الآثاريين السوريين وعلماء من متحف الشرق الأوسط القديم ببرلين، بالتعاون مع جامعة “هال، تيوبنغن، بيرن”، وبإدارة عبد المسيح بغدو ولوتس مارتن وبدأت بالحفريات في عام (2006) حيث أجريت خمسة مواسم تنقيبية بين أعوام (2006-2011).
وبفضل هذا التنقيب الجديد والبحث المعمق، تمكن العلماء من التوصل إلى تاريخ أدق بخصوث مراحل الإستيطان البشري في المدينة، خلال العصر الحجري النحاسي، الذي تبين أنه يعود إلى عصر گوزانا المتوسط والمتأخر أي من بداية (5700) بداية الألف السادس قبل الميلاد وحتى (5300) الثلث الأخير من الألف السادس قبل الميلاد. أما عصر عبيد فقد مثله فخار عثر عليه في بعض الأسبار، ولكن من دون عمارة واضحة، ويعود تاريخه إلى (5000) الألف الخامس قبل الميلاد. وأعيد استيطان الموقع من جديد في الألف (4000) الرابع قبل الميلاد. وهذا ما دل عليه الطاسات الفخارية ذات الشفة البارزة، إلى جانب الأواني المخروطية. بعدها تم هجر الموقع لأسباب غير معروفة حتى العصر الحديدي حين سكنه الآموريين والآشوريين، وظل مسكوناً خلال العصور اللاحقة، كالعصر الأخميني والهلنستي والروماني والبارثي والإسلامي على نحو متقطع.
كما أظهرت عمليات التنقيب في موقع المدينة طبقات حضارية متعاقبة ومنحوتات بازلتية جميلة كانت تزين جدران مباني المعبد والقصر. وإشتهر فخاره باسم فخار “گوزانا” وعثر في المدينة على الكثير من المكتشفات الهامة مثل: الاختام، قطع البرونز، العقود، الأساور، الخواتم، الحلى المنوعة التي تعود للعصر الأموري (الأرامي) ومقبرة تعود لعصر “كامارا” ومعبد آشوري ومصنوعات من العاج والعظام ومنحوتات بازلتية مثل العربات التي تجرها الاحصنة وتعود للعصر الهيتي والتماثيل وغيرها.
إضافة لذلك كشفت التنقبات عن مدينة تعود إلى العصر الحديدي، شكلها مستطيل مساحتها (600×300) متر، محاطة بأسوار دفاعية تتضمن أبراجاً عدة ذات مسافات منتظمة. وتحيط المدينة الخارجية بالمدينة الداخلية ذات المساحة (150×200) متر، والموجودة في الجهة الشمالية المركزية من المدينة، التي تقوم فيها الأبنية الهامة كالقصر والقلعة. وتمكن العلماء من حصر فترتين رئيسيتين من إستيطان الإنسان في موقع المدينة هما:
الفترة الأولى:
تمتد من أواخر (6000) الألف السادس قبل الميلاد، وحتى منتصف (5000) الألف الخامس قبل الميلاد وقد عثر فيها على مساكن مستديرة، وآنية فخارية جميلة دقيقة ومتعددة الألوان، بينها مجموعة كبيرة من النوع المزخرف وبطلاء جميل لامع أقرب إلى التزجيج، مصقولة أو مزينة بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية. وعثر أيضاً على مجموعة مميزة من الأواني الحجرية والنحاسية والصوانية، وتماثيل مصنوعة باليد. ولتميز المجموعة الفخارية، فقد أطلق اسم الموقع على الفخار المشابه أينما وجد، وأصبح يعرف منذ ذاك الوقت باسم فخار “گوزانا”، والذي وجد مثيل له في مواقع عديدة منتشرة في جنوب وغرب كردستان وحتى بحيرة “وان” في شمال كردستان. وقد عثر على هذه الطبقة على عمق 22 متر شمالي سفح التلة.
الفترة الثانية:
تمتد من بداية (1000) الألف الأول قبل الميلاد، عندما أصبحت “گوزانا” تحت سيطرة الأموريين في غرب كردستان، وعرفت في السجلات الآشورية باسم “گوزانا”، وباتت مركز مملكة “بيت بحياني”
الآمورية، وفي القرن الثامن قبل الميلاد أصبحت “گوزانا” مقاطعة آشورية.
صورة لآنية من گوزانا
ومن أهم المكتشفات العائدة لهذا العصر بالإضافة إلى المساكن والبيوت، القصر الذي إكتشف فيه نقوش ومنحوتات تعود إلى فترة الملك (كابارا بن قاديانو)، وقد شيد هذا القصر وفق التخطط الهيتي للقصور والمعروف بي “بيت هيلاني” والذي تم تصميمه أول مرة في مدينة (گرگاميش) عاصمة الدولة الهيتية، وعنه أخذت بقية الشعوب ويعني “البيت العالي”. ويتألف هذا القصر من قاعة مستطيلة أولى تليها قاعة مستطيلة ثانية هي قاعة العرش، أمامها باحة مكشوفة مسورة، لها مدخل ضخم يليه درج كبير من الحجر المنحوت، وتم تزيين مدخل القصر بمنحوتات حجرية ضخمة ونقوش بارزة، وتتضمن هذه المنحوتات والنقوش جنوداً واقفين بأسلحتهم أو في وضع مبارزة أو صيد حيوانات مختلفة، بالإضافة إلى مخلوقات متمازجة تتضمن شكل الإنسان العقرب، الإنسان السمكة، الرجال الثيران، الأسود المجنحة، وشكل آدمي برأس أسد وغيرها. وتضم النقوش مشاهد الحرب والصيد والطيور، وصراع الوحوش وبعض الكائنات الخرافية، كما تضم مشاهد دينية ومشاهد قرابين، وقد وجد في القصر أيضاً مدفن ملكي يحتوي العديد من الأواني والتحف.
لقد نقلت معظم هذه المنحوتات إلى متحف “برغامون” برلين، وعرضت في جناح خاص سمي بجناح “گوزانا” ورغم تدمير المتحف في الحرب العالمية الثانية عام 1943، فقد بوشر في السنوات الأخيرة بإعادة ترميم ما تبقى من هذا الجناح ويصل عدد القطع إلى حوالي (27) ألف قطعة تحتاج إلى الترميم.
أما المنحوتات الأخرى فهي موجودة في متحف حلب. تظهر هذه الأثار تميز صناعة المنحوتات في مدينة “گوزانا” وغرب كردستان برمتها عن فنون باقي المنطقة، وتمتعها بخصوصية معينة. وهذا ما دفع العلماء إلى الإعتقاد بوجود إختلاف الموروث الحضاري لهؤلاء الفنانين، في فترة إزدهار مملكة “بيت بحياني” وعاصمتها “گوزانا”، التي كانت أكبر وأقوى الممالك في وقتها ضمن منطقة الجزيره الفراتية.
وبعد مرور قرابة (70) عاما، أعاد الألمان تجميع تلك القطع المحطمة بفعل العالمية الثانية، ولصقها مع بعضها البعض، وإحتاج ذلك إلى جهد كبير وعمل شاق، إستغرقت العملية حوالي (8) ثماني سنوات كاملة، إلى عادت التماثيل إلى الحياة من جديد، وهي تعرض الآن في متحف “برغمان” في برلين وتتنقل بين الحين والأخر، بين متاحف العالم، شاركة في معارض مؤقتة في العديد من المدن حول العالم مثل مدينة: باريس، لندن، فينا، نيويورك، شيكاغو، روما وغيرها من المدن.
ماكس فون اوبنهايم:
مستكشف آثار ومؤرخ ألماني يهودي من مواليد عام 1860 وولد في مدينة كولونيا، وتوفي في العام 1946. وهو نجل العالم “ألبرت اوبنهايم”. ترك عمله في السلك الدبلوماسي ومول بعثته للحفريات في گوزانا، بغرب كردستان بين أعوام
(1911-1913) وفي 1929. وأثناء الحرب العالمية الأولى، ترأس السيد اوبنهايم مكتب مخابرات الشرق وكان ضالعاً في الخطط الألمانية لإشعال ودعم التمرد في الهند ومصر.
من خلال عمله في التنقيب عن الآثار، إمتلك الكثير من اللقى الأثرية، وممتلكاته كانت تضم منحوتات بارزة هامة من العصر الهيتي الجديد، وإفتتح متحفه الخاص في مبنى مصنع مهجور عام 1930. وأثناء الحرب العالمية الثانية، دمرت في الغارات الجوية بالقنابل في تشرين الثاني من العام 1943، بقيت فقط بعض الشظايا في أقبية بعض متاحف ألمانيا الشرقية، ثم أعيد تجميعها وترميمها بعد إعادة توحيد ألمانيا.
من أهم الأثار المكتشفة بمدينة گوزانا:
أهم مكتشفات مدينة “گوزانا” الأثرية وجدت في مواقع الألف الأول قبل الميلاد، وتعطي صورة واضحة عن التداخل الخوري – الميتاني – الأموري – الهيتي – الآشوري، والذي يتجلى في مجال النحت والعمارة والفنون والطقوس الدينية وغير ذلك، ومن أهم ما تم الكشف عنه في الموقع:
أولآ، تمثال المرأة الجالسة:
إكتشفها الدبلوماسي الألماني “ماكس فون اوبنهايم” في عام (1911) ميلادي في مدينة “گوزانا” في غرب كردستان وتحديدآ في منطقة الجزيره الفراتية العليا، وأعجب بهذه القطعة الأثرية كثيرآ من بين مئات القطع المكتشفة، وأعتبرها بمثابة “موناليزا” الشرق.
وأطلق عليها بعض العمال العاملين في الموقع مع الباحثين والمنقبين الذين أخرجوها من تحت الأتربة اسم “أم الجدايل” وهي فعلآ تبدو كذلك، والبعض الآخر أطلق عليها تسمية “عروس اوبنهايم”. بعد إخراجها من الحفرة نقلت مع بقية المكتشفات إلى “برغمان” ببرلين في العامين (1928-1929)، والذي قُصف أثناء الحرب العالمية الثانية فتحولت التماثيل المكتشفة من قصر الملك الاموري “كابارا” وعمرها يعود إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد إلى حطام.
تمثال تلك المرأة وذات الشعر الأنيق، وهي جالسة بخشوع على الكرسي والأرجح على عرشها، وتحمل في يدها كأسآ، لا يدل على أنها إلهة والأرجح إنها ملكة من ملكات مدينة “گوزانا” وحكامها. ويعزز هذه الفرضية أن طريقة جلوسها على كرسي مرتفع، ومع الأرجل الحافية من ملامسة الأرض قد خصصت للملوك، إلى جانب أن حمل الكاس في اليد، يشير إلى أن التمثال هو لأنثى ولربما كانة كاهنة أو سيدة مهمة في المجتمع الگوزاني وتقدم قربان إلى الآلهة.
ويذكر الأكاديمي التشيكي “ميركو نوفاك”، في تقرير مفصل عن التنقيبات في مدينة “گوزانا” التي بدأت في عام (2006) بجهود مشتركة بين السوريين والألمان في الأماكن التي نقب فيها مسبقا ماكس اوبنهايم أن الملك “كابارا” إختار أن يبني قصره في تلك البقعة، وإختار أن يضع في محيطه مقبرة جديدة، حيث تخلى عن المقبرة القديمة في الجهة الأخرى من التلة.
وتقول الباحثة “ابتسام بدر نصرة”: بأن تمثال المرأة هي ملكة من سلالة بيت بحياني، وقد تكون والدة الملك “كابارا” أو جدته، أو ملكة أخرى من ذات السلالة كانت تحتل مقامآ عاليآ وإحترام كبيرآ يصل إلى مكانة التقديس أو العبادة.
إكتشف “ماكس فون اوبنهايم” في محيط القصر مدفنيين، ووجد في أحدهما تمثال هذه الملكة وإلى جانبها في زاوية المدفن، وجد جره فخارية تحوي رماداً، وبحسب الأكاديمي “ميركو نوفاك” تعود إلى زمان الأموريين، ويعتقد في تلك الفترة كانوا يمارسون عبادة أناس سبقوهم من سكان المدينة، ولكن في هذه الوقت تحولت طقوس الموت عندهم من دفن للجثه، إلى حرقها وحفظ الرماد والبقايا في وأوعية فخارية. لم يجد السيد “نوفاك” تفسير لهذا التغيير في طقوس الدفن عند الأموريين في هذه الفترة أي حوالي العام (900) قبل الميلاد، وأضاف قائلآ: “ربما المكتشفات القادمة تعطينا معلومات وتوضيحآ افضل”.
أنا رأي الشخصي هذا التحول يقف خلفة سبب واحد وهو: أن الأموريين وغيرهم من المحتلين لبلاد الخوريين، أخذوا الكثير من الأشياء عن الخوريين – اليزدانيين أسلاف الكرد ومن ضمنها حرق الموتى، وهذا مرتبط بقدسية الأرض لدى الشعب الخوري – الكردي، ومن هنا كانوا يرفضون دفن موتاهم، كي لا تندس الأرض التي يعيشون منها، وعنهم أخذ الهنود هذا الطقس ومازال يمارس هذا الطقس في الهند إلى يومنا هذا، وهي مسألة إيمان وعقيدة.
مجموعة من علماء الآثار والمتخصصين، إستطاعوا وبعد جهود مضنية، إستمرت حوالي العشر سنوات من إعادة ترميم وتجميع أجزاء القطع الأثرية المحطمة، لقد كانت النتائج مذهلة، فقد عادت الحياة إلى نحو (500) قطعة أثرية من مدينة “گوزانا”، من بينها نحو (60) تمثالاً ضخماً، ولوحات صخرية بارزة وأدوات وأشكال متنوعة غاية في الروعة، يعود تاريخها إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد، وتشّكل فصلاً حضارياً رائعاً من تاريخ المنطقة، وكان هذا الكنز الخوري الذي ظل منسياً نحو (70) سنة محور إهتمام ورعاية كبيرة من قبل السلطات الأثرية العالمية، حيث جرى افتتاحه في 28 كانون الثاني 2011 في متحف برلين وإستمر حتى (14) آب 2011، على أن تصبح قطعه جزءاً من معروضات متحف “بيرغامون” في جزيرة المتاحف الشهيرة في العاصمة الألمانية، التي تضم أيضاً بوابة أشتار السومرية الشهيرة، وأهم مراكز الجذب السياحي.
ثانيآ، القصر الملكي:
في البداية لا بد من الإشارة إلى أنه كلا القصرين اللذان بناهما الأموريين تم بنائهما على أنقاض معبد خوري قديم بعد هدمه أثناء غزو المدينة وإحتلالها من قبل المحتلين الأموريين. القصر الغربي، ويطلق عليه تسمية “المعبد القصر”، وجد في الحي الملكي، بناه “كبارا بن خاديانو” أحد ملوك گوزانا مستخدماً أحجار معبد يزداني قديم سبق الوجود المحتلين الأموريين والأشوريين بكثير، ومبني على طراز العمارة الهيتية المميزة التي عرفت بإسم (الهيلاني). شيد المعبد – القصرعلى مصطبة مبنية باللبن، ترتفع نحو
(1- 1.5) متر عن الأرض المجاورة للقصر، ويمتد أمام مدخله مصطبة يحيط بها سور، ويتخللها درج حجري كبير على محور المدخل. ومن الجهة الشرقية للمصطبة هناك بوابة كبيرة تؤدي إلى ساحة عامة، ومنها تتفرع الشوارع إلى باقي أقسام الحي الملكي، وفي المعبد – القصر مذبح وعمود مرتفع يحط عليه طائر كبير يشبه النسر منحوت من الحجر البازلتي.
يتألف المعبد – القصر من قاعة مستطيلة الشكل (75×36×5) متر، يليها قاعة ثانية مشابهة لكنها أكبر حجماً (75×36×8) متر، لكن مدخلها أصغر من القاعة الأولى وهذه هي قاعة العرش، وعثر فيها على موقد معدني ضخم يتحرك على أربع عجلات، وتتوزع حولهما مجموعة من الغرف الطولانية الصغيرة.
للبناء مدخل عرضه (4) متر، يتقدمه رواق يرتفع على ثلاثة أعمدة بازلتية ضخمة، نفذت على شكل تماثيل حجرية ضخمة لها أشكال بشر يقفون على حيوانات يبلغ ارتفاعها ثلاثة أمتار، تمثل ثلاثة آلهة هيتية، الأوسط منها يرمز إلى إله الطقس والعواصف “تيشوب”، وإلى يساره قرينته “خِبات”، وإلى يمينها إبنهما “شاروما”. أما وجود هذه التماثيل على مداخل الأبنية، فهو لحماية المكان وفرض حالة من الشعور بالمهابة والخوف على الداخل إلى المبنى.
تزين الجزء السفلي من جدران مدخل القصر منحوتات حجرية عليها نقوش بارزة تمثل أبا الهول وإنساناً له رأس طير وذيل عقرب. كما تم الكشف عن عدد من اللوحات الأخرى على الواجهة الخارجية الشرقية والغربية، بلغ عددها (178) لوحة، ويمكن تقسيم مشاهدها إلى ثلاثة مواضيع:
1- الموضوع الأول: جنود واقفين مع أسلحتهم في ميدان المعركة أو يقومون بالصيد.
2- الموضوع الثاني: حيوانات كالخيول والثيران والأسود والفهود والرنة والغزال والنعامة والطيور والأسماك.
3- الموضوع الثالث: أشكال خرافية وإسطورية مثل الرجل العقرب، والرجل السمكة، والرجل الثور، وأبي الهول والعنقاء (جسم أسد، ورأس نسر وجناحاه)، ورجل برأس أسد، ومشاهد طقسية أخرى تتضمن تقديم قرابين.
إن جميع تلك الأوصاف التي وصفت به هذا المبنى، ووجود مذبح فيه يؤكد بشكل قاطع أنه كان معبدآ في الماضي ويؤدي وظيفة دينية، والإعتقاد السائد بين العلماء والباحثين أنه معبد خوري – يزداني، وهذا ما دفع بالباحثين إلى تسميته بي “المعبد – القصر”، وهو إسم على مسمى.
للقصر “المعبد القصر” بوابة شرقية يطلق عليها “بوابة العقرب” تؤدي للقصر والأبنية المحيطة به،
تتميز بوجود برجين لها في الجهة الغربية مع غرفتين من اللبن سماكة جدرانهما نحو (1) متر، رصفت
أرضيتهما باللبن المشوي، وجد فيهما أواني فخارية وأدوات برونزية، وخرز تعود جمعيها إلى (700) القرن السابع قبل الميلاد. أما أرضية ممر البوابة المؤدي إلى مصطبة القصر الغربي، فقد رصفت بألواحٍ حجرية، وكسيت جدرانه من الجانبين بمنحوتات حجرية تحمل مشاهد رجال على هيئة عقرب وطيور.
وهناك قصر في القسم الشمالي الشرقي من مدينة (گوزانا) ويتألف هذا القصر من جناحين:
1- الجناح الشمالي: تمكن العلماء من كشف مساحة واسعة منه والتنقيب فيه.
2- الجناح الجنوبي: إستكشف جزئياً من خلال أسبار محددة.
يأخذ القصر شكلاً طولانياً من الشمال إلى الجنوب، تتوسط جناحه الشمالي باحة كبيرة، وتجانبها من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، ثلاث باحات أصغر منها. ويتوزع حول الباحة الكبيرة عدد من الغرف الصغيرة. والقصر محصن بشكل جيد من جهة الشمال بسبب قربه من المنحدر المطل على نهر الخابور.
إضافة لذلك تم العثور على قصر في الجانب الغربي من المدينة، وإلى الشمال منه وجد العلماء مبنى مؤلف من: عدة عدة قاعات عرضانية، وغرف للسكن وجناح للنساء وآخر إداري. ومن المرجح أن المبنى كان مخصصاً للأعمال الإدارية، وليس لاستقبال الضيوف الذي خُصص له على الأغلب القصر الغربي.[1]