الكتابة الساخرة في مجموعة “#الرجل الحامل#” ل#حليم يوسف#
#ريبر هبون#
السخرية هي المادة الأبرز التي تحكم فضاء مجموعة الرجل الحامل لحليم يوسف وهي باكورة أعماله القصصية التي صدرت في عام 1991، والعنوان يعد ملفتاً وجاذباً ويدعو للتساؤل، وقد استمدّه الكاتب من البيئة التي عاش فيها وكذلك من الشخصيات التي أحاطت به كأدوات يسترسل ويحلق من خلالها، حيث تطفح في القصص السخرية اللاذعة والنقد الصارم لطبائع الناس وطريقة عيشها وسلوك بعض أفرادها وجهلهم نتيجة طبيعة الجغرافية والنظام السياسي الذي فرض حياة معقدة يعاني ناسها من شظف العيش ومشقة الحياة والعزلة، ولعل السخرية والكوميديا في نقد الناس آليتان يتَّسم بهما حليم الشاب المتوقِّد والذي اتَّسم داخله بغليان متوثّب ورفض لما هو سائد عبر قصص واكبت روح المجتمع وتجولت في أروقته متفحصة سحنات الشخوص ممَّن أثَّروا فيه إن سلباً أو إيجاباً، ففي نظرة لعناوين القصص نجد الآتي:
– رفسات الحمار الأبيض : الحمار رامز للبلادة البشرية والحنق على القيد المتربص بالناس ممن يعيشون في رقعة هامشية على الحدود.
– صفقة مع عزرائيل : كوميديا تعج بالرموز الغامضة، راحت القصة تحلق في فضاء فني ساخر وساحر تهكمي مع غياب الفكرة وحضور اللغة الفنية.
-الرجل الحامل: نقد لحالة الخنوع ص31 : „باختصار شديد من يرفع ساق أمنا فهو أبونا“ وازدراء راح الكاتب يعبر عنه عبر الوصف الجسدي للشخصية المزدرى منها.
-دواليب الصوفي دولاب:نقد لازوداجية رجل الدين ومزاجيته التي يطوّع ما يعتقده حسب هواه.
-اللحية الطائرة: يستمر الكاتب في تعرية الازدواجية المقيتة لدى رجل الدين انعكاساً لرداءة الحياة
الاجتماعية والانغلاق السائد لدى الناس وحاجتها لقوة غيبية تجعلها تشعر أنها على ما يرام إزاء واقع عصي على التغيير.
-العنزة الغامضة: يتحدث عن ذلك الصوفي أسير الزواية، والذي يعاني من شذوذه واضطرابه المتفاقم واهتمام الآخرين به ومحاولتهم في كسب وده، ونجد في هذه القصة غلبة الوصف النفسي والجسدي على شخصية الصوفي وحشو ذلك الوصف بالسخرية والتهكم مع حس واضح للكوميديا وكأننا أمام مشهد حكائي ساخر هدفه إذكاء الحواس في فهمها لما يجول في مخيلة الكاتب وروح الاسترسال السردي لديه.
-رجل متعدد الأيدي: ينشغل الكاتب في ملاحقة العهر المهني لرجال التقية والوعّاظ ويكشف عن صور قاتمة من الجهل والتجهيل واستغباء الناس.
-ممو يستيقظ من الموت : هنا الكاتب ينتقل إلى جو مغاير نسبياً لتتم المواجهة بين العاشق والمتآمر
فيستحدث حكاية مم وزين على نحو أكثر عصرية حيث تنقلب الآية في هذه القصة على نحو انتصار التآمر على البراءة.
-الهيكل العظمي العاشق:أطلق الكاتب العنان للمخيلة لتتداخل مع الواقعي ولتنصب شباكاً متعددة المعاني والوجوه، لرصد النزق الذي يكتظ به المكنون الداخلي للشخصية الفاحصة للمجتمع معبراً عن جثة لا تزال تصارع الأحياء على نحو مرمّز بالرسائل الاحتجاجية على رداءة السلوك الفردي أو الجمعي.
– مثلث بأربعة أضلاع : غاصت تعابير الكاتب في التخييل مجدداً وباتت الفكرة تائهة بين تلابيب الوصف الجسدي والنفسي للشخصية.
-ما جرى في العام 2014 : محاولة الشرطي تغيير اسم 1514 ب 1967 وهما تاريخان يشيان بالهزيمة
الأول يشير إلى تقسيم كوردستان ما بين الصفوية والعثمانية بعد معركة جالديران بينهما والآخر متعلق بهزيمة العرب من قبل إسرائيل، حيث يضيع المنفلش ما بين تاريخ مجهول لشعب بلا دولة وآخر قائم بحكم وجود دول عربية.
-عطلة الأوكسجين: نقد لطريقة فهم الناس التقليدية للدين، مرتبط ببدع غير معروفة تتحلق حول يوم الجمعة ص178 : „جاءه الصوت يشق السماء نصفين،- اليوم جمعة ..يوم عطلة ..عطلة الأوكسجين عطلة…عطلة!
-السيرة الذاتية لحذاء: إحاطة لرمزية الحذاء وهو يشير إلى الغنى، المكانة الاجتماعية، السلطة والذل.
-حب بلا أرجل: رمزية الأرجل تتحلق حول الإمكانات المادية وبدونه يستحيل بقاء الحب في مجتمع الفقر وضحالة الفكر.
*استنتاج : من خلال موضوعات هذه المجموعة حول النقد الساخر لجملة المفاهيم الاجتماعية وسلوكيات الأفراد، يمكن فهم طبيعة الحياة في التسعينيات في زمن الصمت المطبق والخوف من الرقابة وتفشي انعدام الثقة وتفكك الروابط وكذلك البيئة بشخوصها المتباينين إلهاماً للكاتب فجاءت عباراته مرمّزة ملغومة تسبر الأغوار عن حياة تعاش بشق الأنفس وتعكس طريقة تفكير الكاتب أنذاك وغليانه الداخلي والتي راحت النعوت تفصح عنها في معرض تطرقه للشخصيات ومسارات حياتها.
*مآخذ:
غابت الحبكة الحكائية في نسيج تلك القصص واختفت الفكرة المحددة في متاهة الوصف والسرد على طريقة النصوص الأدبية الهجينة ما بين القصة والخاطرة كذلك الإفراط في التخييل حقق المتعة الفنية المتعلقة بتقنية الإدهاش عبر التشابيه وطغيان ذلك على نحو متكرر أخذ حيزاً كبيراً على حساب المغزى الذي ظل مبهماً.
*خلاصة:
الرجل الحامل هو بداية ولوج الكاتب لفن القصة وسبر الواقع وإعادة صهره بقالب فني أضفى على اللغة تمايزاً واضحاً عن القصة القصيرة التقليدية والبيئة تمثل لدى الكاتب إلهاماً واضحاً عبّر عنها بصدق وكانت له متكأ في التعريف بهويته الأدبية للعالم والآخر.[1]