معركة كوباني في عيون رواية #الطيران بأجنحة متكسرة# للروائي #حليم يوسف#
#ريبر هبون#
تعاد رسم الخرائط في المنطقة، وحينها لابد من أن تتغير التركيبة الديمغرافية، وتصبح الحياة مضطربة، والمجتمع محتم عليه أن يجابه وينظم نفسه احتراساً من أمواج التغيير الديمغرافي ووجود عداء إقليمي بائن لشعب كُردستان يفرض عليه التوحد، لكن ليس بوجود زعامات روحية تضع برامجها الإيديولوجية الحزبية على حساب الأمن الكوردستاني الاستراتيجي، إلا أن المعركة ضد التنظيم المتطرف، رجحت خيار المواجهة الميدانية بدلاً من الإنشغال بترتيب البيت الداخلي، حيث يصور حليم يوسف التناقضات والحيرة المتشعبة في صفوف الناس، إزاء توغل الجماعات الجهادية المندفعة داخل المدينة، والتي راحت تسن سيوفها لقطع الرؤوس دون رحمة، في كل زاوية وشارع وحي وقرية، راحت تدمر كل ما تصادفه، وفي تلك الظروف يقوم الناس بمختلف شرائحهم وأعمارهم بتجنيد أنفسهم لأجل مجابهة هذه الحرب الشرسة، حيث استعد الآلاف لمواجهة هذه الهجمة الغادرة، والبعض التزم بالتشبث بتراب الأرض على أن يخرج منها، حمل السلاح والانضمام للقوات بات واجباً مقدساً، والتمسك بغريزة البقاء والملكية تحتم على الناس أن تتشارك في معركة الدفاع، ففي هذه الحالة لا شيء يلوح في الأفق سوى ما يتعلق بصون الحياة وضمان البقاء والملكية، يلتقي الطرفان ليحملان في داخلهما أيديولوجية، أحدها توسعية تاريخية ترى في الدين وإعادة إحياءه سياسياً واجباً حتمياً يستدعي تدمير كل مخالف لها، والأخرى تحارب لأجل الأرض والوجودية المهددة تاريخياً بالانقراض والاندثار، ويتعلق ذلك بوجود الكورد كمكون قديم في الشرق الأوسط، فإحياء العسكرة الإسلامية يعني بروزاً للإسلام الجهادي كونه وسيلة أفضل لخلط الأوراق والتحكم بالموارد المائية والنفطية، فالعثمانية الأردوغانية تم تثبيتها بعد أن برز تنظيم الدولة الإسلامية وتوسع وانتشر بسرعة وكذلك أصبحت المعارضة السورية طعماً سهلاً للأسلمة الأردوغانية المفروضة عليها إلى جانب استفادة إيران منها ودعمها لشيطنة المكون السني واستهدافه طائفياً وبصورة مباشرة من خلال داعش الذي لم يستهدف الشيعة أو عناصر النظام السوري وإنما استهدف العرب السنة وحدهم، وكذلك تم توجيهه بدهاء نحو المناطق الكوردية في كل من جنوب كوردستان العراق ، وغربي كوردستان سوريا، وكذلك استهداف الكورد الإيزيديين في شنكال، وهكذا ظهر داعش كعامل أساسي لرسم معالم جديدة للشرق الأوسط الجديد، بصعود كوردستاني غير مسبوق كرادع أساسي وحليق قوي للتحالف الدولي في عملياته ضد داعش، بعد معركة تحرير كوباني على وجه التحديد، لهذا سلط الكاتب حليم يوسف النظر على البسالة الجماهيرية ، عمد إلى تصوير البطولات الفردية باعتبارها المعادل الأساسي للتفوق الروحي لشعب غربي كوردستان.
ترسم هذه الخرائط بالدماء دون أن يكون في حساب اللاعبين الكبار خراب المدن وخسارة الشريحة الشابة، فيكون إنهاء حرب داعش مقابل 11 ألف شهيد ، ويكون ثمن عفرين مقابل الغوطة، ويكون سري كانيه وكري سبي مقابل إدلب، وهكذا تقسم مناطق النفوذ ويكون على اللاعبين الصغار تنفيذ السيناريو دون نقاش، وتلعب الدول الكبيرة لعبتها بواسطة القوى المحلية لتخوض حروباً بالوكالة، عرضها الحصول على المكاسب والامتيازات في دولة مصطنعة كسوريا التي باتت ميداناً راهناً لتصفية الحسابات، ذلك التنافس الدولي لا يتم إلا في دول منهكة مفتتة، وهذا المد التركي الإيراني ، يكشف عن تنافس متصاعد فيما بينهما، توجهها إليه كل من روسيا وأمريكا، وهكذا تغدو هذه الحروب رائجة في سوريا ، العراق ، اليمن، ليبيا، والصومال، ولبنان، ويتم تقاسم النفوذ وعبرها تنمو ظاهرة النزوح والهرب من الجحيم الدائر، فالأزمات السلطوية باتت جلية، والانهيار الاقتصادي يطل كشبح مخيف بات النتيجة المعلنة والتي تعد وسيلة استكمال تنفيذ المآرب الدولية الذي هو نهاية المطاف بعد تفتيت المجتمع وإحداث الشروخ العميقة فبعد نموذج الدولة المخابراتية، حدث التفتيت والانهيار وإذكاء الفوضى لضمان الهيمنة والقدرة الدائمة على التحكم، ويكون على المجتمع المسحوق فيما إن أراد البقاء أن يقف بمواجهة الفساد والاستبداد المافيوي الذي ستمارسه السلطات الوليدة عن تفسخ الدولة وانهيارها غير المعلن، نجد القرابين البشرية تتوالى والنزوح يستمر، والعجز الاقصتادي يطل كشبح مخيف، ويصبح اللهث خلف الصراع شيئاً ليس بالإمكان إيقافه، فالدول الاقتصادية لا يمكنها إخماد جشعها ورغبتها في توسيع نفوذها، لهذا فالذي يشعل النار لن يكون بمقدوره إطفاءها في أي وقت يريد، لهذا أصبح لزاماً على الدول الراعية للفوضى والأزمات في أن تمضي في طريقها ولعب أدوراها دون تراجع، وهكذا يتشظى دور الأدب ليكون حليفاً للإنسان ووجدانه خارج شراسة هذا الصراع ومرتبطاً برغبة الإنسان في الحياة المثلى المتحققة في الإرتباط بالجمال والفن والقيم الأخلاقية إذ بدونها تصبح الحياة عبثية ضارية تصارع لأجل لا شيء وإنما لتنشر الخراب والويلات دون حل يلوح في الأفق، فتغدو الحروب المتلخصة بقصة البقاء على الأرض مسرحاً للأدب ليوثق أخبار وحقب الأمم في النهوض والصراع لأجل بقاءها متسلحة بإيمانها بأصالتها وثقافتها وقدرتها على الاستيطان في مواقعها، هذا ما يدفعها للذود عن نفسها ودفع فواتير الحرب ، ووعي الكوردستاني بقضيته أصبح أمتن من أي وقت مضى ، ولا تنهض الأمم مالم تتجاوز تلك التحديات المفروضة على وجودها، ولكي تبقى ويكتب لها الانبعاث فإنه ينبغي لها أن تستشرس في الدفاع عن مقدساتها وتحتل الجانب الأبلغ في رحلة الصراع نحو الأفضل عسكرياً وفكرياً وقومياً.[1]