الأسماك التي تعطش في عالم #حليم يوسف# – فتح الله حسيني
استند الروائي والقاص الكردي السوري حليم يوسف بكل خياله وعوالم قصصه وأحداث رواياته على عالم غير مفترض، عالم واقعي جداً، عالم نعيشه بكل جوارحنا وأسانا، وتألمنا وتأملنا، وكأننا نود الانضمام الى ذلك العالم، الجميل، اوسع، الشفاف، والمغبر معاً مع شخوص وأبطال وموتى يرسمهم حليم يوسف في رواياته وعموم قصصه.
في بداية التسعينيات، عندما أصدر حليم يوسف اولى نتاجاته الأدبية، “#الرجل الحامل#” مجموعة قصص قصيرة، كنا ما زلنا طلبة في كلية الحقوق بجامعة حلب، نطمح لان نكون محامين أو قضاة أو قانونيين في أي سلك أو دائرة أو وظيفة نستطيع أن نكوت فيه رتيبين، أو نعيش في روتين خانق، ممل، كما يعيش كل زملائنا وأصدقائنا الخريجين من الجامعات بكلياتها المختلفة، ولكن سرعان ما تبددت الأحلام على صخرة التقييد القاتل، لجيل كامل، جيل حلم ولم يحقق شيئاً الا بضع كتب ومجموعة أصدقاء ما زالوا حالمين بالحرية الأكيدة، كل همنا انصب على الاشتغال على خلق عالم آخر، عالم افتراضي تستطيع فيه فرض ارادتك وخيايك وكل احلامك بين أوراق كتب، حيث كتبنا كثيرا ونشرنا كثيرا وبالنهاية بقيت احلامنا حبرا على ورق ضمن اغلفة كتب مبعثرة بين مدن مبعثرة.
مذ أصدر حليم يوسف كتابه “الرجل الحامل”، استطاع ان يخلق لنفسه جواً قصصيا خاصاً، عالما متمردا، قصصا واقعية بألبسة خيالية، ليتمرد عليه شخوص وأبطال قصصه في مدينته “#عامودا#”، ويقطعون الطريق عليه، ومن ثم يهاجمونه ويشتمونه، لتنتهي القضية في مخفر عامودا بين يدي الشرطة، بين أوراق كثيرة سميت محضراً موقعا بين حليم يوسف وشخوص قصصه، العتالين والعاطلين عن العمل، والمجانين، والقوادين والمخبرين في أحسن احوالهم.
تتالت ابداعات حليم بعد “الرجل الحامل” ليصدر لاحقاً مجوعة “نساء الطوابق العليا” ليكمل مسيرته الجميلة والابداعية في عالم خاص ساخر من الموتى والاحياء طوبت على اسمه، عالم حليم يوسف القصصي، بعد هاتين التجربتين القصصيتين تحول حليم الى الرواية فأدصر اولى أعماله الروائية تحت مسمى “سوبارتو” فكان تتويجاً جميلاً لتجربته الابداعية التي خلقت هاجسا وسجالا كثيراً في الشارع وخاصة شوارع مدينته “عامودا”، وفي اروقة كلية الحقوق، التي جمعتنا سوية، وفي صفحات المجلات والصحف والدوريات المختلفة، في سوريا ولبنان والخليج، لما للرواية من أوجه لفضح واقع مقلوب على ومغلوب على أمره.
دخل حليم أجواء القصة والرواية من باب الاحتراف، وبقي مخلصا لهذا الفن الابداعي، ولم يثنه عمله الاعلامي عن مواصلة مسيرته الابداعية، لذلك بقي الأكثر وفاء لنصه دون غيره.
الاحتفاء بحليم يوسف روائيا وقصصياً احتفاء بالابداع في روجآفا أولاً وأخيراً، رغم عدم اقامته فيها الآن، فقط بقيت تلك الجغرافيا الهاجس الأصل والأصيل في مكنونات ابداعه، والشاهد رواية “سوبارتو” تلك الجغرافيا المنسية من خارطة العالم، حيث النساء يقمن في الطوابق العليا، العليا جداً، وعندما أنت، أيها الحالم، تسكن في الطابق الأخير، تذهب تلك النسوة للاقامة في السماء.
احلام كثيرة، وواقع مشوه، يريسم ملامحها حليم يوسف، من تفاصيل الواقع اليومي، هو الواقع الكردي في غرب كردستان بامتياز، أو ربما هناك اناس آخرون يشبهوننا تماما على الضفة الاخرى من الحدود، حدود آمد ونصيبين أو شمال كردستان برمتها، حيث كل يوم كنا نرى من مدننا الصغيرة اهلنا على الضفة الأخرى من “سكة الحديد” / الحدود نسلم عليهم وبيبتسمون في وجوهنا ولكننا لا نستطيع ان تصافحهم، هكذا كانت ارادة الواقع، ولكن في الرواية والقصة تصبح سكة الحديد خرافة، ونحن نليق بالتصافح اليومي.
حليم يوسف أكثر مبدع أخلص لروجآفا وشمال كردستان، في احداث قصصه ورواياته، لذلك استحق هذا الاحتفاء من ” كردستاني نوي”[1]