أ.د. فرست مرعي
لمحة تأريخية عن القومية الفارسية من دارا الأخميني الى الشاه رضا بهلوي
إن التاريخ المسّجل للقومية الإيرانية، وبالاحرى الفارسية، يعود الى حكم الملك الأخميني – الهخامنشي: داريوس الكبير(حكم من 29 سبتمبر 522 إلى أكتوبر 486 ق.م)، حيث ذكر في النقش المنسوب إليه (نقش رستم)، شدد درايوس على العصبية الفارسية وأعلن أن الخط الآري للإيرانيين مرتبط بالعالم القديم. جاء في النقوش: “أنا درايوس، الملك العظيم، ملك الملوك، ملك البلدان التي تتضمن كل أنواع البشر، ملك هذه الأرض الكبيرة والواسعة، إبن هيستاسبيس، الفارسي، إبن الفارسي، الآري، الذي يتحدر من جذور آرية”.
التاريخ المسّجل الثاني، هو لأعظم شاعر ملحمي إيراني الفردوسي، الذي كرَس حياته للحفاظ على الهوية القومية الإيرانية، عبر كتابة (شاهنامه)، الذي الفه عام 1010م في (60) الف بيت، وهي ملحمة فنية رائعة، وقد ورد في الشاهنامة العديد من الأبطال القوميين الفرس، الذين قاتلوا لإبقاء بلادهم منتصبة على قدميها.
ويرجح البروفيسور تشارلزميلفيل (= استاذ التاريخ الفارسي في جامعة كمبريدج) العثور على الجزء الأكبر من الكتاب في الهند في القرن التاسع عشر ونقله لإيران.ويضيف قائلا إن قارئ الكتاب يشعر وكأن الفردوسي كان يرثي الإمبراطورية الفارسية الساسانية، ومضى يقول:” لم يكن الفردوسي من شعراء البلاط، ومن المحتمل أنه كان متعاطفا مع الزرادشتيين، أتباع الدين الذي سبق الإسلام في فارس(= إيران)، لذلك لم يكن مقبولا من السلطات الدينية أيضا.” ومن جانب آخريعتبر الكثيرون أن مكانة الفردوسي في الثقافة الإيرانية تماثل مكانة شكسبير في الأدب الإنجليزي، وهوميروس في الأدب الإغريقي القديم.
والفردوسي هو أول من شتم العرب بشرب بول البعير في كتابه (شاهنامه)، وهو من أعظم كتب الفرس ويعتبر قرآن القومية الفارسية. والشاهنامة تعني لغوياً (كتاب الملوك)، أو (كتاب التيجان).
والحكيم أبو القاسم الفردوسي، اكبر شاعر ملحمي فارسي، وأحد المع وجوه الادب في العالم. ولد بطوس الايرانية في أسرة اقطاعية ذات املاك و ضياع، اسمه المنصور بن الحسن، اختلف المؤرخون في عام ولادته ووفاته ايضاً، ويستشف من القرائن التي وردت في شعره انه ولد بين 324 329ﮪ ، و توفي في 411 و 416ه،.ومن تلك الشواهد نجد ان كتاب (الشاهنامة) الذي هو احد أهم أدبيات ايران كيف يمتدح فيه الفردوسي قتل الصحابي الجليل عبدالله بن حذافة السهمي سفير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خسرو أبرويز(= كسرى الثاني) ملك الدولة الساسانية، حيث يقول :كه آمد فرستاده يي پیرو سست، نه اسب و سليح ونه چشمي درست، يكي تيغ باريك برگردنش، پديد آمده چاك پیراهنش.
وترجمتها بما معناه: لما جاء ذلك المرسال(= رسول) الخوار الذي كان أعور العين ولم يكن يمتلك فرسا أصيلة، بانت شفرة السيف الحادة بين رقبته وقميصه.
وهذين البيتين هما من ضمن قصيدة طويلة تضمنها ديوان الفردوسي في سب العرب المسلمين، هذا الديوان الذي قدمه الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي هدية إلى البابا يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الفاتيكان في مايو/ أيارعام 1999م، وذلك تعبيراً عن حسن نواياه و ترويجا ً لمشروعه حوار الحضارات!.
وهناك نماذج أخرى من الانتقاص والتحقير للعرب المسلمين الذي كتبها الفردوسي في الشاهنامة، ومنها تلك الأبيات التي يقول: زشير شتر خور دن وسو سمار، عرب را بجايي ر سيد أست كار، كه تاج كيانرا كند آرزو، تفو باد برچرخ كردون تفو.
وقد ترجمها الدكتور)محمد علي آذرشب( الملحق الثقافي الإيراني السابق في دمشق، وأستاذ الأدب العربي بجامعة طهران هكذا:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغاً
أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقاً
وهناك أبيات أخرى مماثلة للفردوسي في الشاهنامة ومنها قوله:
سك در أصفهان آب يخ مي خورد عرب در بيابان ملخ مي خورد
وترجمتها: الكلب في أصفهان يشرب ماء الثلج، والعربي يأكل الجراد في الصحراء.
وفي السياق نفسه ذكرت وكالة مهر الايرانية للأنباء في ابريل عام 2005م أن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي (محمد حسين صفارهرندي) قال في احتفال أقيم لدراسة أعمال الفردوسي: إن الإساءة للفردوسي هي مقدمة للإساءة والعدوان على إيران، وقال الوزير: إن على الشعب الإيراني التزود بحماسة الفردوسي لمواجهة الأعداء.
دراسة المستشرقين والباحثين الأوربيين للعقائد الزرادشتية وإحيائها من جديد
لعبت البحوث الاوربية حول العقائد الزرادشتية دوراً خارجياً في تعميق الخلافات البارسية. فقد أثارت معلومات الرحالة حفيظة العلماء في أوروبا ودفعتهم نحو دراسة الديانة الزرادشتية،
وكان الزرادشتيون الايرانيون قد فروا من إيران عن طريق الخليج العربي الى أن وصلوا الى الساحل الهندي المطل على البحر العربي – المحيط الهندي في منطقة كودجارات بحلول عام936 ميلادية، غير أنهم دونوا بالكتابة المحلية في القرن العاشر والحادي عشر الميلادي الرقم (9) بعلامة تشبه الرقم المعاصر (7)، ولهذا قرأوا التاريخ كعصر فيكراما (= احصاء السنوات الذي كان متداولاً بشكل واسع قي شمال الهند من56ق.م) 722 ( 716(الميلادي، وهذا ما أدى الى التشويش في الترتيب الزمني البارسي ( وعلى ما يبدو أن تاريخ 716 الميلادي ما زال منتشراً بشكل واسع).
قضى البارسيون قبل وصولهم كوجارات عقدين من الزمن على جزيرة (ديف)، قبل أن يسمح لهم الراج (= الحاكم) المحلي بالاقامة في أراضيه وممارسة المهن المختلفة، وسمح الراج للبارسيين بالسكن قرب شاطىء البحر (= المحيط الهندي) حيث نزلوا عليه لاول مرة، وسمى البارسيون مكان اقامنهم ب ( ساندجان) على شرف مدينتهم الاصلية في ( خوارزم) شرق إيران.
ومرت حقبة تقدر ب 300 سنة تقريباً، حتى تعلم البارسيون اللغة الكوجاراتية، وتكلموا بها مثلما يتكلمون بلغتهم الأم، وارتدوا الملابس الهندية. وبمرور الزمن ازدهرت أحوالهم، وبدأ البارسيون يتركون مدينة ساندجان تدريجيا ويستقرون في مدن المرافىء البحرية على طول الساحل وهي مدن: فانكانير، برواج، فارياف، أنكليسار، كامبي، نافسار. ينظر: ماري بويس، تأريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين، 190 – 191.
ومن جهة أخرى يؤكد كتاب الكاهن السندجاني ( نيريوسانك دهافال) على تواجد علماء الدين الزرادشتي بين البارسيين في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، وبما أن لغة الطائفة البارسية أصبحت كودجاراتية فإن اللغة السنسكريتية صارت سهلة المنال للعلماء البارسيين، وكانت علاقة الهنود معه طيبة لذا لم يشمئزوا من السنسكريتية مثلما إشمأز الزرادشتيون الايرانيون من اللغة العربية. وبدأ الكاهن ( نيريوسانك) بترجمة النصوص الدينية للزرادشتية الى اللغة السنسكريتية معتمداً على صيغتها البهلوية.
تابع البارسيون برغم كل العقبات الاهتمام بكتبهم المقدس، فزار الهند الكاهن الايراني (رستم ميهرابان) قبل سيطرة المسلمين على مقاطعة كوجارات، وقد نسخ العديد من الكتب الزرادشتية مثل (أردا فيراز ناماك) في سنة 1269م، ونسخ مخطوط ( ويسبرد) في مدينة أكليسار سنة 1278م، كما نسخ ملحمة (شاهنامة البهلوية).
في تلك الحقبة وصل الى مدينة كوجارات الراهب الدومنيكي جوردان Jordanus (1280- 1330م) في طريقه الى شاطىء مالابار، وكان أول أسقف لأبرشية الروم الكاثوليك في مدينة كويلون ، وهي أول أبرشية كاثوليكية في الهند، وقد أثارت حياة البارسيين الزرادشت اهتمامه فكتب عنهم:” يوجد شعب وثني آخر في الهند، يعبد النار، ولا يدفن موتاه ولا يحرقهم، بل يتركهم وسط أبراج خاصة دون سقوف، حيث يبقيهم مكشوفين تماماً لأجل طيور السماء، وهو يؤمن بأساسين أوليين: بالشر والخير، والظلام والنور…”. ماري بويس، المرجع السابق، 194 -195.
وفي سنة 1397م غزا تيمورلنك غزا تيمورلنك (1336 –1405م) الهند عندما سمع بموت فيروز شاه ملك الهند من غير ولد وحصول اضطرابات بعده، استغل فترة الضعف هذه، وعزم على غزو الهند متذرِّعًا بأن التغلقيون يتساهلون مع الهندوس في أمر الإسلام! وانقضَّ بجيشه الجرار على قوات محمود تغلق في 17 ديسمبر 13971397م، وأنزل به هزيمة ساحقة، واحتل “دلهي” عاصمة دولة “آل تغلق“، وقام بتدميرها وتخريبها. وتعرض الزرادشتيون للنهب أيضاً واضطروا الى الهروب الى ما وراء البحر الى مدينة كوجرات التي لم تتأذى من الحملة بسبب وقوعها الى الجنوب. وبحلول عام1401م سيطر مظفر شاه على الهند واعلن استقلاله، وتعرض خلالها البارسيون الزرادشت الى حملات من العنف بسبب عدم دفعهم الجزية المفروضة عليهم، وفي هذه السنوات استطاع اثنان من الناسخين البارسيين نسخ كتاب ( الافيستا) عام1397م وكتاب (أردا فيراز ناماك) مع الترجمة السنسكريتية والكوجراتية القديمة.
وكان الهنود قد قاوموا سلطة المظفريين الاسلامية، لذا أرسل السلطان محمود بيكادا(1458-1511م) حملة عسكرية لاخماد حركة المقاومة الهندية، ويعتقد أن قرية ( ساندجان) التي تعد معقل الزرادشتية البارسية قد سلبت ودمرت، نظراً لان البارسيون قاوموا الجيش المظفري جنباً الى جنب مع الهندوس. ويقال بأن الكهنة الزرادشتيين نجحوا في إنقاذ النار المقدسة ( آتاش بهرام) ونقلوها من ساندجان الى كهف يقع في جبل (باهروت) وهو جبل منعزل وعالٍ يبتعد عن ساندجان بأربعة عشر ميلاً، وهنا وتحت حماية الاحراش والغابات والبحر حافظ الكهنة على نارهم المقدسة على مدار عشرين سنة.
وهكذا صارت مدينة (نافساري) مركزاً لحياة البارسيين الزرادشت في الهند، واشتعلت فيها النار المقدسة، وعاش لاول مرة ممثلوا بانتين (= مجلسين) قديمين من الكهنة المعروفين في مدينة واحدة (= أي كهنة مدينتي سادنجان ونافساري)، فازدهرات أحوال الطائفة البارسية نوعاً ما تحت قيادة ( جانكا آسا)، وهو الذي أقنع اخوانه الزرادشتيين الهنود بارسال رسول الى إيران لمشاورة رجال الدين الزرادشتيين هناك باعتبارهم الأصل حول مسائل الطقوس والعبادات التي ظهرت الشكوك حول بعض جوانبها، فسافر بحراً سنة1477م أحد مبعوثيهم ويدعى (ناريمان هوشنك) من برواج الى الخليج العربي، ومنها دخل الى عمق الاراضي الايرانية نحو مدينة يزد، ومنها أخذوه الى ( داستوران داستور) الكاهن الاعلى للزرادشتيين في قرية ( ترك آباد)، حيث استقبلوه بكل حفاوة، لكن بسبب عدم اجادة الرسول اللغة الفارسية، فاضطر للبقاء سنة كاملة بين أقرانه ممتهناً التجارة حتى استطاع اجادة اللغة الفارسية، ومن ثَم غادر أيران الى الهند جالباً معه مؤلفين مهمين حول تفسير زند الافيستا(= البازند) لأجل كهنة وزعماء البارسيين الهنود، من قبل كاهنين من ( شريف آباد)، التي تشكل مع ( ترك آباد) القريبتان من مدينة يزد المركز الرئيسي للزرادشتية، حيث يقبع رئيس الكهنة ( داستوارن دستور).
بعدها جرى ارسال العديد من الرسل من البارسيين الى اخوانهم في ايران لتلقي التعليمات، ولكن طبيعة المجتمعين المنفصلين أدى بمرور الزمن ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر الى حدوث بعض الاختلافات في الطقوس وما شابهها، فالبارسيون الهنود لم يستطيعوا الحصول على نبات ( الهوما) الذي كان ينمو بكثافة في جبال إيران، فاستخدموا ( إفدرا) كبديل عنه، رغم أن الزرادشتيون الايرانيون كانوا يرسلون للبارسيين كميات احتياطية، ولكنها لم تكن تفي بالغرض. كما أن الزرادشتيون الايرانيون حافظوا على تقاليد القربان المقدسة ( لم يعارض المسلمون قربان الابقار)، إلا أن البارسيين واصلوا تقديم الخراف الصغيرة كقربان احتراماً لعقيدة الهنود التي تحرم ذبح الابقار والثيران.ينظر: ايلينا دراشنكو، الزرادشتيون في إيران، ترجمة: خليل عبدالرحمن، مكتبة جار جرا للثقافة الكردية، 2007م، ص84.
ومن جانب آخر كان الزرادشتيون الايرانيون يستعملون المصطلحات والكلمات الفارسية والفالاسية – العربية في حياتهم اليومية، بعكس اخوانهم البارسيين الذين بدأوا باستعمال المصطلحات والكلمات باللغة الكوجراتية، فعلى سبيل المثال سمى الايرانيون المراسم المكرسة للكاهن ب ( نوزود) أو (ناوجوت)، بينما البارسيون سموها ( نافار).
كما بان الاختلاف حول امكانية اعتناق الآخرين للزرادشتية، فكان المجتمع الهندي ينظر الى البارسيين ك ( كاست) طبقة خاصة، وهذا ما أدى بهم الى الاعتقاد بوراثة ديانتهم، لأنهم افتخروا بجذورهم الايرانية، فلكي تكون زرادشتياً يجب أن تكون إيرانياً.
ولما كانت الزرادشتية ديانة غير تبشيرية؛ لذلك سأل البارسيون نظرائهم الزرادشتيين الإيرانيين عن إمكان قبول خدمهم الهنود في الزرادشتية إذا رغبوا في ذلك، وتلقوا من الزرادشتيين الإيرانيين الجواب التالي:” إذا آمن الخدم من الشباب والنبان بالدين الحق فيجب عليهم عندئذٍ ربط حزام (كوست) على خصورهم ، وعندما يتعلمون جيداً ويهتمون بتطبيق التقاليد الدينية، ويتقوى الايمان في قلوبهم، عندئذٍ يجب تعريضهم لطقوس الطهارة (= الباراشنوم)”. ماري بويس، المرجع السابق، ص198 –199.
كما أن عادة الزواج بين الاقارب – المحارم (= هفيدودا)عند الزرادشتيين الايرانيين لاقت معارضة من جانب البارسيين الهنود، لأن الهنود لم يوافقوا على الزواج من الاقارب في الدم، وهكذا أبلغ المبعوث البارسي ( ناريمان هوشنك) الايرانيين ” بأن البارسيين لا يتزوجون من أنسابهم في الدم، ولكنهم يسألون كثيرا حول هذا الامر”. فاجابه الزرادشتيون الابرانيون ” بأن الزواج بين الاقرباء في الدم هو تصرف حميد، وليكن في المعلوم أن هذا ما صادق عليه (أورمازد – آهورامزدا). يحكى في النص البهلوي من القرن الحادي عشر الميلادي عن خرق عقد الزواج بين الاخ وأخته ( ريفايات – مراسلات آدور فارنباك)، ولكن في القرن الر ابع عشر الميلادي طالب الكهنة” بأن يتزوج الشاب فقط من لبنت عمه”. وهذا ما سهل عملية التأقلم مع المجتمع الاسلامي الذي خضعوا لسيطرته في ذلك الوقت، لأن مثل هذا الزواج كان محبذاً لدى العرب المسلمين. وبالفعل منذ ذلك الوقت (= بدءاً من القرن الثامن عشرالميلادي) توجد شواهد كثيرة على الزواج بين الأقرباء في الدم بين البارسيين، وصار منتشراً بينهم. ماري بويس، تأريخ الزرادشتية، المرجع السابق، ص199؛ ايلينا دراشنكو، الزرادشتيون في إيران، المرجع السابق، ص84.
وفي سنة 1547م هجم البرتغاليون على مدينة برواج الهندية ونهبوها وجعلوها عرضةً للنيران والسيوف، بعد أن حصلوا من السلطان المغولي (همايون) على تنازلات جديدة بما فيها السيطرة على مدينة (ساندجان) وأرغموا السكان على اعتناق الكاثوليكية، ولاحظ الطبيب البرتغالي كارسيا دي أورتا(1499- 11568م) البارسيين في مناطق كامبي وباسين ووصفهم كتجار وأصحاب دكاكين من أصول فارسية.
وفي سنة 1572م هجم السلطان المغولي جلال الدين أكبر بن همايون( 1542-1605م)على منطقة كوجرات واحتلها، والتقى في مدينة سورات الساحلية بالبارسيين وتعامل معهم برفق ورحمة. وهكذا بدأ حكم المغول بشكل لا ئق وجيد بالنسبة للطائفة البارسية، وهو في الواقع كان بداية لازدهار البارسيين، في الوقت الذي كان الصفويون يضطهدون بشكل أكثر من السابق اخوانهم الزرادشتيين في إيران.
في سنة 1573م طلب السلطان المغولي أكبر بن همايون من الكاهن البارسي (سورات) أن يشرح له أسس ومبادىء الزرادشتية، ولهذا الهدف زار ديوان أكبر رجل الدين البارسي (ماهير دجي) قادماً من مدينة نافساري. وفي سنة1575م بنى جلال الدين أكبر بيتاً للصلاة، حيث جرت فيه سنة 1578م مجادلات ونقاشات حادة بين ممثلي الديانات المختلفة، بما فيها الزرادشتية، وشارك ( ماهيردجي) في تلك المناقشات، والذي خرج من سلالته داستوران عظام. وبعد فترة من الزمن طلب أكبر من الشاه الصفوي عباس الاول( 1571- 1629م) أن يرسل له عالم ورجل دين زرادشتي لكي يساعده في تأليق قاموس فارسي. وفي سنة 1597م أُرسل له من كرمان داستور (آردشير نوشيربان). ايلينا دراشنكو، الزرادشتيون في إيران، المرجع السابق، ص88.
ومن جانب آخر فقد لاحظ الرحالة الفرنسي جان باتيست تافرنيه (1605- 1689م) قوانين الطهارة عند المرأة الزرادشتية بقوله:” عندما تشعر المرأة أو الفتاة بقرب الدورة الشهرية الطبيعية تترك منزلها وتبقى وحيدة في الحقل، في بيوت صغيرة بأبواب ضيقة من الاغصان المتعاقدة. وما دامت هي على هذا الوضع يجلبون لها الطعام والماء كل يوم، وعندما تنتهي دورتها الشهرية ترسلُ بحسب إمكانياتها، عنزة أو دجاجة أو حمامة بمثابة قربان، وبعد هذا تغتسل وتدعو بعض الاقارب على ضيافة خفيفة”. رحلة تافرنيه، ص166.
وكان الزرادشتيون مخلصين في عملهم سواءً في إيران أو الهند، ورغم ذلك لم يتخلصوا من المضايقات، فعلى سبيل المثال يروي المبشر الدومنيكي الكاثوليكي (جوردان) بأن الشاه الصفوي عباس الاول سمع اشاعة عن المضامين العجيبة في كتب( الكاوريين) وخص بالذكر أحدها وكأن ابراهيم الخليل قد كتبه، وهو يتضمن تكهنات حول كل الاحداث التي ستجرى حتى نهاية الزمن، فبحث بإصرار عن هذا الكتاب وأجبر الزرادشتيين على جلب المخطوط له. وسمع (جاردلان) بستة وعشرين جزءاً محفوظاً في مستودع المعبد للكتب في أصفهان، ولكنهم لم يحصلوا على كتاب إبراهيم الخليل، فأمر الشاه الغضبان بقتل ( داستوران داستور) وبعض تلامذته. لذلك كتب كهنة إيران بأسف حول هذه الاحداث في رسالتهم الموجهة الى البارسيين في الهند سنة1635م، واشتد حزنهم عندما أصابتهم خيبة أمل أخرى، حيث اعتقدوا بأن عشرة آلاف من” السنة العالمية قد بدأت مه تتويج يزدجرد الثالث”، ولهذا انتظروا في نهايتها قدوم المنقذ ( ساوشيانت) بعد ألف سنة، أي في سنة 1630م، فكتبوا الى البارسيين قبل هذا باربع سنوات:” انتهت آلاف سنوات ( أهريمان)، وبدأت آلاف سنوات (أورمازد)، وننتظر طلعة ملك النصر البهية، و( هوشيدار) و ( بيشوتان) مقبلان دون أدنى شك”. ماري بويس، المرجع السابق، ص205 .
وعلى أية حال فقد ظهر أول بحث أوروبي في سنة1700م باللغة اللاتينية (تأريخ أديان الفرس والبارثيين والميديين القدماء) للمستشرق ( توماس هايد) من جامعة أكسفورد الذي لم يدرس فقط كتابات الاغريق في بحثه عن شواهد الديانة الإيرانية، بل استخدم المؤلفات العربية وتلك النصوص الفارسية الزرادشتية المتوفرة لديه في تلك الفترة.
ومن جانب آخر فقد بدأ المستشرقون في دراسة اللغة البهلوية منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي وكانت أول محاولة ، بل وأساس تلك الدراسات هي ما بدأها المستشرق الفرنسي “أنكيتا دي بيرون ” Anquuetil Du Perron ( (1731 – 1805 خلال إقامته في الهند فيما بين السنوات 1755- 1726م. وقد ذكر ملخصاً لرحلته وما صاحبها من مصاعب جمة ملخصها أنه استقل المركب في 7 فبراير 1755م، ووصل ميناء بوندشيرى بالهند في 10أغسطس من نفس العام، وانه لاقى مصاعب أثناء إقامته إلى أن وصل إلى مدينة سورات في سنة 1758م، وأقام فيها حتى سنة 1761م. حيث قام بمصاحبة عالم الدين الزرادشتي الهندي (الدَستورالزردشتي داراب) الذي درس على يديه اللغة الأفستائية والكتاب المقدس الزردشتي واللغة البهلوية. ووفّق دي بيرون في النهاية إلى ترجمة الأفستا إلى اللغة الفرنسية سنة1771م، ولكن هذه النسخة الفريدة كانت محل انتقاد وشكوك لدى العلماء الإنكليز وخاصةً من ناحية العمر الاصلي للمخطوطة وصحتها، ينظر: محمد محمد، نظرة عامة على مخطوطة أفستا: Avesta/1، الحوار المتمدن، 5/9/2013م.
كما ترجم كتباً أخرى نذكر منها ( بَندَهًشن – وهي مجمل تعليقات وشروح وتاريخ لتطور الزرادشتية كتب في القرن التاسع الميلادي كجزء مكمل للآفستا)، وعندما عاد دي بيرون إلى باريس اصطحب معه مجموعة من النسخ المخطوطة مدوّنة بمختلف اللغات الشرقية، ومنها الآفستا باللغة البهلوية، وكان من بينها أيضاً: كتاب ( فرهنكَ أو بيم ) وأخرى (فرهنَك بهلويك – معجم البهلوية) مكّنتاه من دراسة النصوص البهلوية، بل ودراستها بطريقة سليمة. غير أن العالم اللغوي الدانمركي راسموس كريستيان راسك Rasmus Christian Rask ( (1787- 1832م ، أكد عمر وأصالة مخطوطة دي بيرون الفرنسي عام 1826م، وتمت إزالة هذه الشكوك التي انتابت بعض العلماء، وذلك عن طريق الفحص الدقيق للغة النسخة الأصلية نفسها.
كان (راسموس كريستيان راسك) باحثًا دنماركيًا، كرس الفترة الأول من حياته المهنية للأدب واللغات الإسكندنافية والأنجلو ساكسونية القديمة، وفي عام 1818م شرع في رحلته العظيمة الى الهند بحثًا عن مهد الهند – اللغات الأوروبية، حيث زار في طريقه روسيا ( سانت بطرسبرغ وموسكو وأستراخان وتبليسي)، كما زار إيران ( تبريز )، والهند وسريلانكا عام1821م، وفي عام 1823م أحضر مجموعة من مخطوطات البارسيين الزرادشت من مدينة بومباي ومن سريلانكا، كان سعيدًا بإعادة اكتشاف نصوص Avesta الزرادشتية المحفوظة من قبل البارسيينParsis والتي أبلغ عنها المستشرق الفرنسي أنكيتل دي ديبرون Anquetil du Perron لأول مرة قبل ستين عامًا تقريباً( = عام1771م)، ومواد أخرى منAvesta، بالإضافة إلى مجتمع الزرادشتية النابض بالحياة في مدينة بومباي. عند عودته نشر، أولاً باللغة الدنماركية كتاب: لغة أڤستا، “عصر ومصداقية لغة “زند” و”زند – أڤستا”، وصناعة أبجدية الزند: بالاضافة إلى استعراض للعائلة اللغوية عام1821م، ثم تمت ترجمتها الى الالمانيةعام 1826م، وفيه أظهر تحليلًا صوتيًا وصرفياً شاملاً، أظهر أنه على عكس رأي معارضي العالم الفرنسي أنكيتيل ديبرون، لم تكن لغة أفستا ونصوصها الدينية لغةً قاتمةً. ذكرى أو عملة متعمدة تستند إلى اللغة السنسكريتية؛ لكنها لغة قديمة جدًا، نشأت في بلاد فارس، وعضو مهم في عائلة اللغات الهندية الأوروبية. وقبل وفاته بفترة وجيزة في عام 1831م تم منحه كرسي اللغات الشرقية في جامعة كوبنهاكن.
ومنذ ذلك الحين، تقدمت دراسات وبحوث الأفستا بخصوص اللغة والمضمون سريعا، وقام العديد من العلماء المختصين الأوروبيين بنشر نصوص وأبحاث مهمة حول زراداشت والزرادشتية، مثل: هكذا تكلم زرادشت للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه(1844- 1900م) في الربع الأخير من القرن التاسع عشر; بل ونتيجة تلك الأبحاث ودراسات الآفستا، قد إستفاد العديد من الباحثين الأوروبيين من بعض الأفكار المادية والمثالية الإجتماعية، الدياليكتيك وبعض أمور حركة الكون الواردة عبر نصوص هذه المخطوطة المهمة أيضا.
وفي سنة1834م أخذت الحكومة البريطانية على عاتقها زمام إدارة ممتلكات شركة الهند الغربية، وبدأت تديرها على أغلب أراضي الهند الواسعة، ومع أن منطقة (نافساري) الهندية من بين كل المراكز الزرادشتية لم تدخل ضمن التاج البريطاني إلا أن التلاميذ الهنود بمختلف أديانهم تعرفوا على التعليم المسيحي حتماً من خلال دراستهم للادب الانكليزي، وناهض العلم الغربي في ذلك الوقت الكثيرمن العقائد التقليدية الهندوسية والزرادشتية. وكان المبشر الاسكتلندي جون ويلسون(1804-1875م)قد وصل الى بومباي في عام1829م، ووجد أن البارسيون الزرادشتيون يشكلون جزءاً كبيراً من سكانها، لذا وضع لنفسه هدفاً واضحاً تجلى رغبته بنقلهم من حضن الزرادشتية الى حضن المسيحية. وبعد دراسته للآفستا التي ترجمها الفرنسي أنكيتا دي بيرون وكتاب (البندهشن) ومؤلفات أوروبية أخرى، هاجم المبشر ويلسون الزرادشتية على صفحات الجرائد بالمواعظ والاحاجي مستخدماً اسلوباً دعائياً جديداً. انتقد ويلسون من خلالها الثنوية الزرادشتية واستهزأ بشدة من معلومات ( كتاب ( البندهشن) عن علم نشأة الكون والاساطير القديمة، واستهزأ أيضاً من كتاب ( الفنديداد) وقوانين طهارته، وقارنها مع العهد الجديد المسيحي.
أثارت انتقادات ويلسون للزرادشتية وكتبها المقدسة اندهاش البارسيين الزرادشتيين وهلعهم، كاندهاش مسيحي من القرن العشرين عندما يتعرف لاول مرة الى بعض مقاطع ( العهد القديم)، التي تروي عن بداية خلق الكون بشكل أسطوري؟، كما وصل الامر بأحد البارسيين الى اعتبار(البندهشن) كتاب مزور لا أساس له تماماً. ينظر: ماري بويس، تأريخ الزرادشتية، المرجع السابق، ص221 – 222.
وفيما بعد قام المستشرق الالماني مارتين هاوك (1827- 1876م) باكتشاف غيرَّ أشياء كثيرة منها أن كتاب (الكاتها – الكاثات – الكات – الاناشيد) تعد أقدم أجزاء الآفستا بدائيتين أساستين، كما أن الكاتا تعد كلمات زرادشت الحقيقية، وعلى ضوء هذا الاكتشاف تَرجم من جديد نصوصاً صعبةً جداً ومحاولاً وجدان البرهاني الحقيقي على عقيدة التوحيد الواضحة عند زرادشت، فوجد دليلاً على ذلك في أحكام (الكات) المتكررة عن الشياطين (= الديفات)، وفسرها كرفض لكل الموجودات الالهية ما عدا آهورامزدا، وهذا كان خطأً بالنسبة الى عالم عرف (الفيدات) التي تعني فيها كلمة ( ديفا – الإله). كما أن الثنوية واضحة للعيان في ( الكات) ففسرها ( هاوك) قائلاً بأنه أظهر الاختلاف الدقيق بين علم لاهوت زرادشت، الذي اعترف فيه فقط بإله واحد (= آهورامزدا)، وبين مذهبه الفلسفي الخالص) عن وجود عِلتين بدائيتين أساسيتين (أي سبينتاماينيو وأنكراماينيو)، وأعلن هاوك أن ( أميشاسبينتا عبارة عن أسماء وأفكار مجردة)
وخلال سنة 1859-1866م زارهاوك Haug الهند، حيث شغل منصب المشرف وأستاذ اللغة السنسكريتية في الكلية الحكومية في بونا، كانت هناك ثلاثة أسباب رئيسية لقبول التعيين: التعرف على تعلم الكهنة الزرادشتيين والهندوس، ورفع مستوى التعليم والمنح الدراسية الهندية التقليدية وتغييرها من خلال إدخال الأساليب الغربية ، وجمع المخطوطات. إن طريقته الحميمة والودية والودودة في التواصل مع البراهمة الهندوس والكهنة البارسيين(dasturs) مكنته من الحصول على المعلومات الأكثر شمولاً ودقة فيما يتعلق بمعتقداتهم وطقوسهم وعاداتهم الممنوحة لأي أوروبي ، فضلاً عن ذلك، ومن خلال محاضراته ألهم الجيل الأصغر من البراهمة والبارسيس الزرادشتيين بالاهتمام بكتابهم المقدس. كان (راماكريشنا جوبال بهانداركار) من أشهر تلاميذه من بين النقاد الذي أصبح فيما بعد مؤسس الدراسات الشرقية في الهند.
في 1863-1864 سافر هاوك الى ولاية كوجارات الهندية لمدة ثلاثة أشهر، بحثًا عن المخطوطات القديمة. قفام بشراء العديد من المخطوطات القيمة نيابة عن الحكومة البريطانية، كما اشترى مخطوطات Avesta و Pahlavi و Vedic لمجموعته الخاصة، والتي حصلت عليها مكتبة الدولة الملكية(Königliche Staatsbibliothek) في ميونيخ بعد وفاته. وأثناء وجوده في الهند، تعاون هاوك مع رجل الدين الزرادشتي (الدَستور هوشنك جماسبي) ومع الباحث البريطاني إدوارد ويليام ويست (1824 – 1905م) الذي عمل كمهندس رئيسي في أحد خطوط السكك الحديدية الهندية. وقام بإعداد خمسة مجلدات من النصوص البهلوية لسلسلة كتب البروفيسور ماكس مولر المقدسة الضخمة للشرق، ونُشرت هذه الترجمة بين عامي 1880 و 1897 كجزء من سلسلة كتب الشرق المقدسة لماكس مولر، وكانت هذه الترجمة المكونة من خمسة مجلدات لنصوص بهلوي من عمل إدوارد ويليام ويست، الذي قام بالتعليم الذاتي إلى حد كبير ، حيث طور معرفته باللغات الشرقية القديمة في الهند ، حيث عمل كمهندس مدني. وبعد عودته إلى أوروبا ، ركز ويست على دراسة النصوص الزرادشتية المقدسة وأعد هذه الترجمات للمخطوطات البهلوية. كتاباته وطبعاته لا تزال مذكورة حتى اليوم في الدراسات الهنديةالإيرانية. إن Nasks (= النَسك)هي محور المجلد 4 حيث يجمع West ويترجم ويحلل أجزاء مثل الأسماء والملخصات والاقتباسات الضالة من الكتب الأخرى من أجل تقديم كل ما هو معروف من الأطروحات الأصلية الواحد والعشرين التي تحتوي على الأدب الساساني الزرادشتي. كانت الرسائل نفسها عبارة عن سجلات لما تم فقده بشكل أسطوري بعد غزو الإسكندر الأكبر لبلاد إيرانفي القرن الرابع قبل الميلاد. وقدر المستشرق ويست مجموع كلمات الافستا بخمسة وأربعين وثلاثمائة الف وسبعمائة ( 345700) كلمة. ينظر: آرثر كريستنسن، إيران في عهد الساسانيين، ص497.
لم تكن الهند جيدة لصحة المستشرق هاوك، والتي تدهورت لدرجة أنه في عام 1866م عاد إلى ألمانيا للتعافي. وفي البداية عاش في ريوتلنجن وشتوتغارت كعالم خاص وأكمل مسرد مصطلحات Zend-Pahlavi ، وهو عمل تم تنفيذه في الهند بالتعاون مع رجل الدين البارسي الزرادشتي(الدَستورهوشنك جماسبي)، وفي عام 1868م تم تعيينه في منصب رئيس قسم اللغة السنسكريتية وعلم فقه اللغة المقارن الذي تم إنشاؤه حديثًا في جامعة ميونيخ، وشغل هذا المنصب حتى وفاته المبكرة في يونيو 1876م في سويسرا، حيث ذهب للحصول على مزيد من الرعاية الطبية من مرض أصابه مما أثر على الأعصاب والرئتين.
وتجدر الاشارة الى أنه حضر محاضراته حول فقه اللغة الهندية الإيرانية واللغويات والدراسات الشرقية، ليس فقط طلاب جامعة ميونيخ وأجزاء مختلفة من ألمانيا، ولكن أيضًا من قبل علماء شباب من الهند وإنكلترا وأمريكا الشمالية وروسيا وإسبانيا والبرتغال واليونان .
وأثناء وجوده في الهند نشر هاوك الى جانب أطروحته(معالم بارزة في دراسة البهلوية)، نشر مقالات عن اللغة المقدسة (=الآفستية) وكتابات حول دين الفرس في مدينة بومباي عام 1862م، والتي قدمت أول وصف نحوي للغة الأفستا مقارنة باللغة السنسكريتية، تمثل ترجمته للكاتات (= الاناشيد) أحد أقسام الآفستا المهمة والتي نُشرت في مجلدين 1858-1860م وهي أول ترجمة علمية غربية لهذه الترانيم الصعبة.
كانت مساهمات هاوك في المنح الدراسية، والتي ظلت مؤثرة في القرن العشرين، في الغالب في مجال الدراسات الإيرانية القديمة والوسطى. كانت الموضوعات الرئيسية لبحثه هي فقه اللغة الإيرانية والأدب الزرادشتي، على حد سواء أفستا واللغة البهلوية. تشمل أهم أعماله مسردZend-Pahlavi القديم و An Old Pahlavi-PazandGlossary ، وكلاهما نُشر عام 1870م في لندن وبومباي بالتعاون مع رجل الدين البارسي الزرادشتي الدَستور هوشنك جماسبي Dastur Hoshang Jamaspji Asa و E.W West ، كما نشر كتاب (أردا فيراف) في بومباي ولندن بين عامي1871-1874م.
تلي تلك المرحلة التمهيدية أو الأولى من دراسة هذه اللغة، مرحلة جديدة تطورت فيها معرفة اللغة البهلوية حيث جُمعت فيها الكتب الدينية وغير الدينية المدونة بهذه اللغة مما كان يخفيه علماء الدين الزردشتي (البارسيون) طوال قرون عديدة، حتى أظهر هناك علم جديد يعرف بتاريخ الأدب البهلوي، ومن أهم من قاموا بتلك الدراسات المستشرق الالماني مولر M.j Muller الذي استطاع أن يوفق إلى قراءة وتصحيح نسخة من الأفستا، تلك التي جلبها معه المستشرق الفرنسي، أنكيتل دي ديبرون من الهند، في حين تمكن بعض المستشرقين منهم: مولر، ووست، وهاوك، وآندرياس FR.muller,West,M.houng,Andereas، في نفس الفترة تمكنوا من دراسة النقوش الساسانية وإخراج بحوث قيمة عن اللغة البهلوية .ينظر: رزق الله بن يوسف بن عبد المسيح بن يعقوب شيخو، تاريخ الآداب العربية في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، بيروت، دار المشرق، الطبعة الثالثة، ج1، ص14.
وكان المستشرق الالماني وليم جيجر(1856- 1943م) المتخصص في الايرانيات والهنديات قد حصل على الدكتوراه الاولى في عام1877م برسالة عنوانها ( الترجمة البهلوية للفصل الاول من كتاب الونديداد)، والونديداد إحدى الاقسم المهمة للآفستا مختص بطرد الشياطين، والفصل الاول يحتوي على ذكر لستة عشر إقليماً في شمال شرق إيران. في وقت لاحق من عام 1880م نشر ترجمة مع شرح للفصل الثالث. وفي سنة1882م أصدر أهم كتبه وأكبرها حجماً، وعنوانه: ( حضارة شرقي إيران في العصر القديم)، نشره في مدينة إيرلنجن الالمانية، وترجمه إلى الإنجليزية داراب داستور بيشوتان سانجانا، وظهر في مجلدين في جامعة أكسفورد بين عامي 1885 –1887م وفي هذا الكتاب الممتاز استند جيجر الى كتابات الآفستا في عرض الاحوال الحضارية في شرقي أيران، وهو كان يؤمن بأن كتب الآفستا صدرت عن منطقة شرقي أيران (= باكتريا – خوارزم – أفغانستان الحالية) في الزمان السابق على قيام الامبراطورية الميدية والامبراطورية الأخمينية الفارسية. وكان هناك رأي مخالف، كان من أنصاره Fr. Siegel وCh. Deharly و F.Justi (وكان أستاذاً لجيجر) -– يقول إن الكتابات الخاصة بالافستا نشأت في شمال غربي إيران (= أتروباتين – أذربيجان الحالية) وفي وقت متأخر. وقد أيد البحث الحديث فيما بعد ما ذهب إليه جيجر، ولم يعد يأخذ برأي هؤلاء الثلاثة أحد، وإنما بقي السؤال مفتوحاً عن : أين ومتى حررت المجموعة التي وصلت إلينا من الكتابات الآفستائية الحديثة؟ ينظر: عبدالرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ص224 – 225.
كما لا يمكن نسيان مساهمات المستشرق الفرنسي اليهودي جيمس دارمشتاتر الرئيسية في ترجمة الآفيستا الى اللغة الإنكليزية التي أعدت بالتعاون مع إل إتش ميلز، وبتحرير المستشرق واللغوي الأنكلو- ألماني ماكس مولر(1823-1900م)، وتم نشرها في سلسلة الكتب المقدسة للشرق (المجلد 4 ، 23 ، 31 ، 1883-1887م). وفي التعليق التاريخي لهذه الترجمة ل Avesta الىالإنكليزية أقتنع دارمشتاترأن هذه الكتب المقدسة – كونها في الواقع كتاب صلاة، ومجموعة من الطقوس – لا يمكن فهمها إلا من خلال دراسة الدين الذي لا يزال يمارس من خلاله طقوسهم؛ لذلك وفي فبراير/ شباط عام1886م، فورانتخابه لرئاسة قسم اللغات الإيرانية في الكولج دي فرانس، غادر باريس متوجهاً إلى مدينة بومباي في الهند، مقر جماعة البارسيين الهنود، وشكلت الأشهر الثلاثة عشر التي قضاها في الهند، في كثير من النواحي، أهم فترة في حياته، ففي بومباي تعرَّف على حكماء طائفة الزرادشتية، وقرأ مخطوطات لا تقدر بثمن مع رجل الدين البارسي الزرادشتي (تحموراز الموقر)؛ وناقش إشكاليةالطقوس الزرادشتية وعرضها بصورة تتلائم مع اليقظة والعقلية الحديثة مع رجل الدين البارسي الزرادشتي(يفانجى مودي)؛ ووضع هناك الأساس لترجمة (الآفيستا) التي تعد حقبة تاريخية، وهناك أيضًا توصل إلى استنتاج مفاده أن آثار الأفيستا قد بولغ فيها إلى حد كبير من قبل العلماء الإيرانيين؛ وأن الكتاب المقدس الزرادشتي يحمل آثارًا ليس فقط للبوذية، ولكن أيضًا للكتاب المقدس اليهودي(= العهد القديم)، ولا سيما الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، أعتقد دار مشتاتر أن القسم الأول من المخطوطات الباقية من الأفيستا يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، في حين أن الأقسام التالية ستكون قد ظهرت بعد قرنين من الزمان.ينظر: كتاب الفنديداد أهم الكتب التي تتألف منها الابستاه، نقله من الفرنسية: الدكتور داود الجلبي(1885 – 1961م)، قدم له: جرجيس فتح الله، أربيل، دار ئاراس،2001م، ص16 – 17، نقلاً عن عن معجم السيرالفرنسية.
والمستشرق الآخر الذي كان له اسهام كبير في الدراسات الايرانية الخاصة بالافيستا وزرادشت، هو أبراهام ويليامز جاكسون A.v.WILLIAM JACSON ، وُلد في مدينة نيويورك في 9 فبراير/شباط 1862م، وتوفي في 8 آب/ اغسطس عام 1937م، تخرج من جامعة كولومبيا عام 1883م. وكان زميلًا في الآداب هناك من عام 1883 إلى عام 1886م، ومدرساً للغة الانكليزية واللغات الإيرانية من عام 1887 إلى عام 1890م. بعد الدراسة في جامعة هاله من عام 1887 إلى عام 1889م، أصبح أستاذاً مساعداً للغة الإنكليزية وآدابها. في عام 1895م تم تعيينه محاضرًا عامًا، وعُين أيضًا في منصب أستاذ اللغات الهندو- إيرانية الذي تأسس حديثًا في جامعة كولومبيا، حيث ظل فيها حتى عام 1935م، وفي عام 1901م زار الهند وسيلان، وتلقى اهتمامًا خاصًا من إحدى عائلات بارسيي الهند المشهورة، الذين أهدوا الى جامعة كولومبيا مجموعة قيمة من المخطوطات الزرادشتية تقديراً للجهود والمساهمات التي قدمها جاكسون لهم في التعريف بنصوصهم القديمة. وفي عام 1903م قام برحلة ثانية إلى الشرق، وهذه المرة زار إيران أيضاً، كما زار آسيا الوسطى في وقت ما قبل عام 1918م.
ولا تزال نظرية جاكسون حول تاريخ زرادشت، وتاريخ الآفستا اللغة المستخدمة في الأسفار الزرادشتية المقدسة، تعد العمل الأساسي في هذا الموضوع ولها الريادة، وكان جاكسون أحد مديري الجمعية الشرقية الأمريكية، نشرعدة كتب مهمة، منها: ترنيمة زرادشت عام1888م وهو كتابنحوي مقارن بين لغة الافستا واللغة السنسكريتية، وكتاب الآفستا Avesta عام1893م، وكتاب نبي إيران القديمة عام1898م، بلاد فارس الماضي والحاضر عام1900م، والكتالوك الوصفي للمخطوطات الفارسية عام1906م، في متحف متروبوليتان للفنون في عام1913م، من القسطنطينية إلى منزل عمر الخيام عام1911م، مسرد (= فهرس) وصفي للمخطوطات الفارسية قدمه إلى متحف المتروبوليتان للفنون أ.س.كوكران في نيويورك عام1914م، وبالاشتراك مع أ. يوهانان، نشرالأدب الفارسي المبكرعام1920م، كما قدم العديد من المساهمات في مجلة الجمعية الشرقية الأمريكية، و قام بتحرير سلسلة جامعة كولومبيا الهندية الإيرانية في (13 ) مجلدًا، صدرت في نيويورك ما بين الاعوام 1901-1932م.
وكان البارسيون الهنود في تلك الحقبة قد ساهموا مساهمة كبيرة في دراسة ديانتهم الزرادشتية، وبالاخص في مجال إصدار ونشر النصوص البهلوية، ولكن كان هناك نواقص في تطور البحوث اللاهوتية، عندئذٍ قررت مجموعة من الإصلاحيين الزرادشتيين بقيادة (خورشيدى كاما) أن يرسلو كاهناً شاباً من منطقة ( بانت بهاكاري) الهنديةوهو: (مانكجي دهالا) الى نيويورك للدراسة على يد المستشرق الامريكي (وليامز جاكسون) المختص في علم اللغات الايرانية والسنسكريتية. بعدها أعلن (دهالا) في مذكراته بأنه” ترك الهند مؤمناً زرادشتياً مخلصاً، ولكن بعد أن قضى ثلاث سنوات ونصف في الخارج بات يقارن بين عقائده التقليدية وبين المفاهيم العلمية الغربية، فكانت النتيجة بأنه أهمل طقوسه الدينية…”ماري بويس، تاريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين، ترجمة خليل عبدالرحمن، السليمانية، منشورات مركز الدراسات الكوردية (كوردولوجي)، 2010م، ص238. أي بعبارة أخرى فإنه ترك الزرادشتية التقليدية (= الارثوذكسية)، وأصبح زرادشتياً إصلاحياً وفق النمط الغربي.
وقد توصل المستشرق الأمريكي وليامز جاكسون إلى نتائجعن اللغة الأفيستائية بعد إجراء أبحاث عن زرادشتوديانته نجملها فيما يلي :
1- أن زرادشت شخصية تاريخية، وأنه من طائفة المغ إحدى طوائف الماديين الستة، الذين يسمون بالمجوس .
2- أنه عاش تقريباً في أواسط القرن السابع قبل الميلاد، أي قبل ظهورالماديين، وتوفي سنة 583 ق.م، وله منالعمر 77 عاماً .
3- أن زرادشت من غرب إيران، إما من ” أتروباتن ” ATROPATEN ماد الصغرى وحالياً آذربيجان) أوماد، وأول انتصاراته كانت في مدينة بلخ عندما اعتنقمذهبه الملك ويشتاسب (= كشتاسب).
4- تعتبر الجاثات، وهي أقدم أجزاء الأفستا، جوهرمواعظه التي قالها في بلخ، حيث تنعكس فيها الأمانةوالصدق .
5- إن عقيدة زرادشت انتشرت أولاً في بلخ (= افغانستان الحالية)، وأن اللغة الأفستائية كانت مستخدمة في بلخالقديمة (باكتريا )، وأن اللغة الباكتيرية كانت لغةتعاليمه، ولم يكتب بها سوى كتاب الأفستا . أماالأهازيج القديمة المسماه بالجاثات فإنها نظمت بلهجةأخرى، وأن اللغة الأفستائية لها حروف خاصة بهامستخرجة من الخط البهلوي، واللغة الأفستائية لهامزايا عدة.
ويلاحظ أيضاً أنه ذكر مدينة (هكمتانا – همدان) التي كانتعاصمة إيران في القرن السابع قيل الميلاد، وكانت تعتبرمن المدن الشهيرة في العالم القديم حتى قبل الميلاد، حتىقبل أن تكون عاصمة الماديين، كذلك أشارت الأفستا إلىمدينة بابل بصورة مؤولة على شكل ( بواراى Bawray )أي بابليون، أما الشعب الذي تحدث عنه كتاب الأفيستافمذكورأنه شعب بسيط للغاية، وله نفس صفات الحياةالبدائية للآريين القدماء .
وفي الصعيد نفسه ففي علم 1898م تأسست لأول مرة في تاريخ إيران المعاصر الجمعية الزرادشتية في طهران في منطقة (خان مشير) ضمت أربعة عشر شخصية زرادشتية، وهم كل من:
1- كیخسرو شاهرخ
2- اردشیر مهربان
3- شهریار خداداد بهمن رستم
4- فریدون خسرو اهرستانی
5- جمشید مهربان كرمانی
6- جمشید خداداد
7- نامدار كیخسرو
8- اسفندیار رستم
9- بهمن بهرام
10- گیو شاهپور پارسی
11- اردشیر خسرو زارع قاسمآبادی
12- آقا بهمن رستم دینیار
13- شهریار بهرام
14- خسرو شاهجهان
ينظر: خاطرات مهرانگیز دولتشاهی، ، مجموعه تاریخ به روایتتاریخ سازان، شاهرخ مسكوب، غلامرضا كردگاری، تهران، صفحهسفید؛ چگونگی تأسیس انجمن زرتشتیان تهران. بایگانیشده ازاصلی در 3 ژوئیه 2016.
وفي عام1908م أسس زرادشتيو طهران النار المقدسة (آداران) التي خضعت لرعاية كهنة مدينة يزد، وفي عام 1914م تم بناء معبد النار الزرادشتية في طهران (= آتشكده آدريان) في شارع سيتير بمساعدة جمعية البارسيين الهنود والجالية الزرادشتية في طهران، بأمر من أرباب كيخسروشاهروخ، وتحت رعاية موبيدي مدينة يزد(= المقر الرئيس لزرادشتيي إيران)، وبنوا لاجلها معبداً وفق الطراز البارسي(= على غرار معابد النار في بومباي في الهند)، ووضعوا النار في وعاء معدني ليراها كل متعبد يدخل المعبد.
وكان التاجر والصيرفي الزرادشتي (جمشيد باهملن جمشيديان) قد حافظ على النار المقدسة (= دادكاه) في بيته قبل أن يشعلها (أعضاء المجلس الزرادشتي) في معبد طهران، وفيما بعد صار( جمشيد) من أغنى الناس وأكثرهم نفوذاً وتأثيراً في أواخر العهد القاجاري في إيران. وهو الذي ساند ودعم الحركة الدستورية في إيران، وبعد صعوبات كثيرة دعي مجلس البرلمان للانعقاد في عام1906م، وأصبح التاجر الزرادشتي (جمشيد) أحد أول النواب في المجلس الجديد، وهكذا تعلق البروفيسورة البريطانية (ماري بويس) المختصة بالزرادشتية على هذا الحدث بالقول:” هكذا دوى الصوت الزرادشتي من جديد في برلمان إيران الحاكم بعد أكثر من ألف عام(= في إشارة الى حكم الدولة الفارسية الساسانية). وفي سنة 1909م قُرِرَ بأن تنتخب كلُ أقلية قومية في إيران ممثلاً لها في البرلمان”. ينظر: ماري بويس، تأريخ الزرادشتية من بداياتها حتى القرن العشرين.
ومن جانب آخر أصبح (أرباب كيخسرو شاهروخ) أول نائب زرادشتي في البرلمان الايراني، وهو من عائلة كرمانية قديمة ومتعلمة، أرسل عندما كان صغيراً للدراسة عند البارسيين الزرادشتيين في مدينة بومباي بالهند، حيث بهرته نجاحات البارسيين هناك، فضلاً عما عرفه عن المجد الغابر لتاريخ إيران القديم.
وفي القرن التاسع عشر انتشر اسم (كورش) مؤسس السلالة الاخمينية الفارسية بين البارسيين الزرادشتيين في الهند، واعترف بالقرص الدائري أحد رموز الامبراطورية الاخمينية (= الهخامنشية) والذي كان معلقاً في نقوشالعاصمة الأخمينية الفارسية القديمة ( = برسيبوليس– تخت جمشيد) رمزاً للزرادشتية، وعلق بفخر على البوابات الخارجية أمام أعين الجميع لمعابد الناروالمدارس والمؤسسات الزرادشتية في ايران والهند.
وفي سنة 1925م وافق البرلمان الايراني تحت ضغط كيخسرو على استخدام الأسماء الزرادشتية لشهور التقويم الشمسي. وفي السنة نفسها عزل البرلمان آخر ممثل من سلالة القاجاريين الذي ن حكموا إيران من 1796م لغاية عام1925م، ورشح بدلاً عنه رئيس الوزراء السابق (رضا خان بهلوي). ولذا سعى (رضا خان) كثيراً من أجل تقوية الشعور بالفخر القومي من خلال الاهتمام الكبير الذي أولاه لعظمة الامبراطوريات الايرانية السابقة : الاخمينية، والبرثية، والساسانية؛ وبهذا الشكل تطابقت أهداف الشاه مع الاهداف الزرادشتية.
وعندما تم تتويج ( رضا خان بهلوي) شاهاً على إيران في سنة 1925م، ألقى رئيس وزرائه محمد فروغي (1877 – 1942م) خطاباً مجّد فيه التاريخ الإيراني قبل ظهورالإسلام، مصرّحاً أنّ الأمة الإيرانيَّة اليوم استولى عليها شاه ينحدرمن العرق الإيراني الخالص. ثمّ أخذت تعود ملامح إيران القديمة حتى في تسمية الكثيرمن الأماكن والمدن، وطبعت صوره ببهاء مع صور: زرادشت، وكورش، وداريوس الاول، وغابت تماماً الرموز الإسلامية عن تلك الصور، وازداد نشاط الكهنة الزرادشتيين أثناء هذه الاحتفالات، فاعطوا أحاديث للراديو، عرفت المستمعين من خلالها بتاريخ إيران القديم.
وأدخل الشاه في سنة 1934م تدريس الكتاب المقدس الزرادشتي ( = الآفستا) وفلسفتها، ونصوص باللغة البهلوية والفارسية الدرية الى كلية الآداب في جامعة طهران بعيد تأسيسها في نفس السنة، وزينت الأبنية الحكومية بشعارات وصورالآلهة المجنحة من العصرالأخميني، كما أصدر البرلمان الايراني قانوناً ينص على المساواة بين المسلمين والزرادشتيين، ويعاقب كل من يتطاول على الزرادشتيين، ودعمت الحكومة العلاقة بين زرادشتيي الهند (= البارسيون) وزرادشتيي إيران(= الكَبَرّ)، وأهدى مجلس البارسيين نصباً تذكارياً للشاعر الايراني الفردوسي سنة1934م بمناسبة مرور 1000عام على مولده، وما زال هذا النصب قائماً في وسط طهران، كما صدرت في عهده مجلات ودوريات زرادشتية وبرامج اذاعية حول تأريخها.
وشملت موضة الاهتمام بالزرادشتية الفئة الارستقراطية وكذلك الطبقة الإيرانية المثقفة، وبعض الارستقراطيين من طهران، وكذلك رجال المجتمع والسياسة من المسلمين المعروفين حيث أدخلوا أبنائهم المدارس الزرادشتية ( فيروز باهرام) للاولاد، و(أنوشيروان دادجر) للبنات. وفي إحدى المقابلات الصحفية ثمنت عالياً إحدى بنات الشاه رضا بهلوي الدراسة في المدارس الزرادشتية؛ وهذا كان كافياً لأجل ترسيخ وجهة النظرالرسمية، وكأن الاولاد في المدارس الزرادشتية يتلقون الاسس الاخلاقية الثابتة. ينظر: إيلينا دراشنكو، ترجمة: خليل عبدالرحمن، مكتبة جار جرا، 2007م، ص156 -157.
وقد اجتهد المجمع اللغويّ الإيرانيّ (مجمع اللغة والأدب الفارسي– فرهنگستان زبان و ادب فارسی) الذي تم تأسيسه في 20 أيار/ مايو عام 1935م زمن الشاه رضاالبهلويّ، تحت شعار المحافظة علی الآثار القوميّة، إلیاستبعاد الكلمات العربيّة باعتبارها لغة أجنبيّة دخيلة،سعياً مباشراً منه إلی القضاء علی روح الإسلام.
ويعلق الفيلسوف الايراني مرتضى مطهري ( 1919-1979م) على هذه الاجراءات بالقول:”وها هو إلیوم أيضاًيتابع نفس النهج والمسار، وكانوا يقتفون خُطى المؤرخ الإيراني (أحمد كسروي – 1890-1945م) وكان نفسهمن أفراد هذه الزمرة فيستخرجون المفردات البهلويّة الغريبةمن طيّات الكتب المتروكة والمعاجم اللغويّة، فيجعلونها مكانالالفاظ العربيّة المليحة السهلة المأنوسة التي دخلت فيالفارسيّة فأضفت عليها ملاحةً عجيبة. وكان هناك في زمنرضاخان وابنه محمّد رضا البهلويّ مؤسّسة في البلاطترتبط بوزارة المعارف والثقافة بخصوص هذه الاُمور،وكانت تبذل قصاري وُسعها في محو الثقافة الإسلاميّةوالمفردات العربيّة. وكانوا يهدرون أموال الشعب في إدارةالمجمع اللغويّ الواقعة خلف مدرسة ( سبهسالار) في هذاالامر، فقاموا بتغيير اسم (مسجد) إلی (دمرگاه)؛و(قبرستان = المقبرة) إلی (گورستان)؛ و(اجتماع ) إلی (گردهمائي)؛ و(خصوصاً ) و(مخصوصاً) إلی (ويژه)؛ و(جمع وتفريق وضرب وتقسيم ) العمليّات الرياضيّة الاربع إلی (أفزايش وكاهش وزدن وبخش). وهكذا الامر فيسائر المصطلحات الرياضيّة، بحيث كان المعلّمون أنفسهميصابون بالدوار أحياناً ويعجزون عن بيان ما يرمون إلیه.وهذه الاُمور تحصل من أجل إبعاد الناس عن لغة القرآن،ولقطع ارتباطهم ب (نهج البلاغة)، ولتغريبهم عن الجمعةوالجماعة، ولسلب معرفتهم بهذه المعارف الاصيلة. ومن هذهالمقولة حذف حرف الطاء من الكلمات وإبداله بحرف التاء،كتبديل كتابة لفظ طهران إلی تِهران؛ والامر كذلك بالنسبةإلی باقي الحروف العربيّة مثل: ظ، ص، ض، ع، غ، ث، ذ” ينظر: الاسلام وإيران.
ويستطرد السيد مطهري حول فوائد تدريس اللغة العربية للطلاب منذ مراحل الطفولة المبكرة:” ولو كان تدريسالعربيّة يجري في يُسر وسهولة منذ زمن الطفولة، وكانضمن برنامج الاطفال، ثمّ يتدرّج الامر، لصار فتيانناوشبابنا قادرين عند بلوغ المرحلة الجامعيّة علی القراءةوالكتابة والتكلّم بالعربيّة، ولأضحوا قادرينعلی مراجعةالثقافة العظيمة للتأريخ والحديث والفقه والتفسير، وعليالارتواء من مناهل العرفان. لكنّهم علی العكس وضعوادراسة العربيّة في المراحل العإلیة، بأُسلوب غير صحيحيعسر فهمه علی المعلِّم والتلميذ علی حدٍّ سواء. فهميتعمّدون إتعاب التلاميذ وسلب اشتياقهم للتعلُّم. ثمّ إنّهميضعون درجة امتحانيّة للرياضيّات ( من الجبر والحسابالاستدلإلی ) وللفيزياء والكيمياء، ولا يضعون درجةً للعربيّة،بل إنّهم يضعونها في درجة تافهة يتساوي فيها وجودهاوعدمه. مرتضى مطهري، الاسلام وإيران، المرجع السابق.
وفي السياق نفسه فقد شاركت شخصيات ايرانية من غيرالزرادشتيين في دعم الجهود الزرادشتية من أجل احياء تاريخ إيران القديم وبعث التراث الزرادشتي من جديد، وكان على رأس هؤلاء الدكتور إبراهيم پورداود ( 1886-1968م) الذي بدأ بترجمة كتاب (الآفستا) بأجزائه المتعددة من اللغة البهلوية الى اللغتين الفارسية والانكليزية معاً بدعم سخي من المجلس الزرادشتي في ايران ومدينة بومباي الهندية.
وكانت الآبستا – الافستا مكتوبة في البدء باللسان الآفستي، ثم نقلت الى اللسان البهلوي على عهد الساسانيين، وتوجد أقسام منها باللغة السنسكريتية يقرأها البارسي الزرادشتي في الهند، وتوجد لها ترجمة باللغة الكجراتية الهندية.
أما الترجمة الفارسية فقد صدرت لغالبية أجزاء (= كتب) الافستا بالتوالي طيلة أكثر من (38) عاماً على يد إبراهيم پورداود كما أسلفنا، ولم ينتهي طبع جميع أجزائه، فطبع كتاب ( الكاتا- الكاثا – وهي أناشيد مجوسية أنشئت في مبدأ القرن السادس ق.م، أدرجت في اليسنا) في مدينة بومباي الهندية عام1926م، أما كتاب يشتها (وهي مجموعة مدائح وتضرعات وعبادات وقرابين)، فقد صدرت الطبعة الاولى عام1928م في بومباي باللغة الانكليزية، فيما صدرت طبعة ثانية عام1931م باللغة الفارسية في مدينة بومباي أيضاً. أما كتاب ( خرده آفيستا) أي الآفستا المختصرة أوالصغرى، فقد صدرت طبعتها عام1931م، بينما صدر كتاب يسنا ( وهي أدعية تقرأ عند تقديم القرابين) في بومباي عام1933م، أما طبعة طهران فقد صدر منها عام1958م – الجزء الثاني من مجموعة يسنا وتتضمن خطابات تخص موضوعات تاريخية تتعلق بالتاريخ الايراني القديم، أما كتاب ( الكاتا) فقد طبع في مدينة بومباي عام1950م في طبعة ثانية، فيما طبع كتاب (الكاتا) في طهران عام1957م مع معجم لكلمات الآفستا. وطبع كتاب الويسبرد (كتاب خاص بالمراسيم الدينية وترتيبها)، في طهران عام1964م مع جزء آخر من كتاب آفستا الذي نشره بهرام فرخوشى، حيث اكتمل الكتاب، ما عدا كتاب الونديداد أو العقيدة المضادة للشياطين، فهو أحد أعمال ( إبراهيم پورداود) غير المنشورة. وكان المستشرق الفرنسي جيمس دار مشتاتر قد ترجمه الى اللغة الفرنسية، ثم قام العالم العراقي الدكتور داوود الجلبي الموصلي(1879-1961م) بترجمته من الفرنسية الى اللغة العربية عام1955م ونشر في بغداد.
تعتبر ترجمة الآفستا Avesta من أبرزأعمال الدكتورإبراهيم پورداود بالنظر إلى سياق تعبيرات الآفستا وبُعدها عن أسلوب اللغة الفارسية اليوم، بالإضافة إلى النص الصعب والغامض للآفستا الأولى المدونة باللغة البهلوية، تتضح أهمية عمل پورداود، أنه حاول تقديم ترجمة بطلاقة للأفستا، ودون الانحراف عن قواعد اللغة الفارسية، وابتكر مؤلفات معبرة وشغوفة باستخدام الكلمات القديمة. ميزة أخرى لعمله هي المقدمة والتوضيحات المكتوبة لكل قسم من الآفستا بالإضافة إلى التفسير والترجمة، تعد هذه المجموعة قاموسًا رائعًا في أصل الكلمات الإيرانية وهي واحدة من أفضل المصادر لفهم ثقافة إيران القديمة.
لقد استخدم إبراهيم پور داود في بحثه أسلوب المستشرقين الألمان وتأثر بهم بشكل خاص من حيث إظهار العديد من المراجع والهوامش العديدة، واحتل مكانة عالية بين علماء إيران حول العالم. لم يسبق له مثيل بين معاصريه بسبب معرفته الشاملة بالألمانية والفرنسية، ومعرفته باللغتين العربية والإنكليزية، وأسلوبه البحثي الأوروبي، والحرص الشديد في الاستشهاد بالمصادر، واستخدام جمل قصيرة وكاملة، وتجنب المصطنعة، والبساطة، وإدخال العديد من المعاني في جمل قصيرة، وتجنب التكرار، وتجنب پور داود علامات الترقيم من السمات المهمة لعمله في الكتابة والترجمة. وتجنب تراكيب الكلمات غير الطبيعية وغير ذات الصلة ولم يصر على استخدام الكلمات العربية، معتبرةً إياها من صنع الإيرانيين وتعتبر كنزًا دفينًا للغة الفارسية.
وفي سنة1938م أصبح الدكتورابراهيم پورداود أحد أساتذة جامعة طهران، وفي يوم الثلاثاء الموافق 8 سبتمبر/ ايلول عام 1942م أشرف پورداود على الاطروحة التي قدمها ( محمد معين) لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (مازديسنا وتأثيرها في الأدب الفارسي)، ومعناها (تأثير ديانة عباد مزدا على الادب الفارسي)، وتم قبول أطروحته على أنها (جيدة جدًا)، وكان من ضمن المناقشين: العالم الايراني محمد تقي بهار( ملك الشعراء)، وتم الاعتراف بمحمد معين كأول خريج لدورة الدكتوراه في الأدب الفارسي في إيران، ومنذ ذلك الحين انتخب أستاذاً مشاركاً ثم أستاذاً لمادة (البحث في النصوص الأدبية) في كلية الآداب- جامعة طهران.
تعرض پور داود للهجوم بسبب أبحاثه حول الدين والثقافة الزرادشتية، وأشاع البعض أنه تحول إلى الزرادشتية، ورد المؤرخ الايراني (محمود نقوي) مؤلف كتاب (پور داودباحث في العصور القديمة)، على هذا النوع من الهجوم في مقال كتبه، نقلاً عن پور داود نفسه، قوله: ” لقد أمضيت حوالي 40 عامًا من حياتي في البلدان الأوروبية، وخاصة ألمانيا، لكنني لم أر أبدًا شعب ذلك البلد فضوليًا للغاية بشأن الشؤون الشخصية لأي شخص”. لكن مرة أخرى أكرر لأولئك السادة الذين يكتبون سيرتي الذاتية، “أقول إنني لست زرادشتيًا واسمي إبراهيم وأنا ملتزم بدين آبائي، ومجرد الدراسة في دين الزرادشتية ليس سببًا لكوني زرادشتياً”.
غير أن العالم الامريكي المختص بالايرانيات ريتشارد نلسون فراي(1930 -2014م)، له رأي آخر مخالف لما مر سابقاً، إن الجماعة الزرادشتية في إيران والهند امتنعت عن قبول العالم الايراني ( پورداود) في صفوفها الذي قدم الكثير في مجال الدراسات الزرادشتية، وبالرغم من محاولاته الكثيرة اعتناق الزرادشتية. ينظر: ريتشارد نلسون فراي، تراث إيران، ص302.
ويظهر أن الدكتور محمد معين كان خاضعاً لتأثير استاذه، وهذا ما يبدو واضحاً في المقدمة التي دبجها المشرف الدكتور إبراهيم پور داود، بالقول: ” أنّ الروح الإيرانيّة علی امتداد تأريخ إيران لعدّة آلاف من السنين، حتّي في العصر الإسلاميّ، هي الروح الزرادشتيّة. وأنّ أيّ عامل لم يستطع إخضاع هذه الروح لتأثيره ونفوذه، بلعلی العكس، فإنّ هذه الروح قد أثّرت في ذلك العامل”. وعلي سبيل المثال ف :” إنّ الدين الذي جاء به الفاتحون العرب إلی الإيرانيّين قد اكتسب هنا صبغة وواجهة إيرانيّة فصار يُدعي تشيّعاً، وامتاز بذلك عن مذاهب أهل السنّة (التي تمثّل الإسلام الصحيح حسب عقيدة پورداود)”.
ويعلق المفكرالايراني الشيعي مرتضى مطهري( 1919-1979م)على جهود العالمين الايرانيين (إبراهيم پورداود)وتلميذه (محمد معين) في الترويج للزرادشتية، ومحاولة زعزعة الإسلام في نفوس الطلبة الإيرانيين بالقول:” ومن الواضح أنّ أحداً منهم لن يصبح زرادشتيّاً، بَيدَ أنّ فتوراً وضعفاً سيطرأعلی إيمانهم وثباتهم علی الإسلام، وفي جهادهم. وهذا هو هدف الاستشراق من تربية أمثال: إبراهيم پور داود، والدكتور محمد مُعين، حيث إنّهم يحطّون من المستوي العلميّ للقرآن في الاذهان عن طريق الثقافة والادبيّات، ويصرفون أذهان الشباب إلیهم من خلال لفت أنظارهم إلی مفردات الزرادشتيّة القديمة الميّتة وأدبها، ويصدّونهم عن ماء القرآن المعين وكلماته وتفسيره، وعن السير العمليّ والفعليّ في نهجه وطريقه في نهاية المطاف”. ينظر: الاسلام وإيران عطاء واسهام.
وبخصوص پورداود يستطرد السيد المطهري بالقول:” وإبراهيم پور داود من الملحدين المعاصرين. ونهجه وكلامه وكتاباته الكثيرة تجلّي هذا الامر. ومع أ نّه لم يدّعِ رسميّاً بأنّه من الزرادشتيّة، لكنّ له عملاً ونيّةً وفعلاً نزعة قويّة إلي هذا الدين. وكان الدكتور محمّد معين علي هذه الشاكلة خلال مدّة خضوعه لإشرافه وتأثيره؛ فقد كان يدافع عن الزرادشتيّة بصراحة. إلاّ أنّه شارك بعد ذلك في جلسات آية الله العلاّمة الطباطبائيّ( المفسر والفيلسوف محمد حسين الطباطبائي – 1904 – 1981م) في ترجمة وتبادل مباحثاته مع المستشرق الفرنسي هنري كوربان(المتوفى سنة1978م) حول القرآن والاسلام والتشيّع، فمال إلي الاسلام. والله تبارك وتعالي هو أرحم الراحمين. والامل أنّه سبحانه اكتفي بعقوبته في الدنيا، وطهّره بذلك عن تحمّل العقاب الاُخرويّ. فقد أُصيب آخر حياته بالجُلطة الدماغيّة فأجريت له عمليّة جراحيّة، لكنّه لم يَعُدْ إلي الوعي بعد انتهاء العمليّة الجراحيّة. واستمرّ فاقد الوعي مدّة أربع أو خمس سنوات، وكان بدنه مطروحاً علي الارض كالميّت، وأعينه مغمضة، إلاّ أنّ حواسّه كانت صحيحة. وكان عاجزاً عن تناول الطعام، فكانوا يصبّون في فمه السوائل خلال هذه المدّة المديدة، ثمّ أُعيد من المستشفي’ إلي بيته، فعيل صبر أهل بيته من استقبال الزائرين، وكان تنظيفه يتمّ بصعوبة، حتّي وُضع جسده أخيراً في غرفة مجاورة لباب المنزل، وكانوا من شدّة الكراهيّة يتمنّون موته باستمرار، حتّي أسلم الروح بعد سنواتٍ من فقدان الوعي بهذه الكيفيّة، فاعْتَبِرُوا يَ’´أُولِي الاْبْصَ’رِ!“. مرتضى مطهري، الاسلام وإيران، المرجع السابق.
وعلى صعيد الأدب والفكر برزعلى السطح مجموعة من المفكرين والأدباء حملوا لواء التنظير للقومية الفارسية العلمانية، وكان من أبرزهم المؤرخ عبد الحسين زرين كوب (1923 – 1999م)، ومن أعماله: (الاحتلال العربي لإيران وآثاره)، و(قرنان من الصمت)، و(لا شرقي ولا غربي… بل إنساني).
وبحسب أحد الباحثين فإنّه يمكن بلورة أفكار زرين كوب من كتابه (قرنان من الصمت)، روَّج فيه أثر الإيرانيين على الخلافة الإسلامية بعد الفتوحات الاسلامية، في المقابل يزعم أن العرب لا حضارة لهم، ولا يملكون شيئا من السُّلْطة أو التهذيب.
إن المآخذ التي رصدها أحد الباحثين العرب على منهج ( زرين كوب)، هو أنَّ المنهج الذي اعتمده زرين كوب برفضه روايات الطبري وابن الأثير انتقائي، واعتمد على ثناء الفرس أو الحطّ من شأن العرب في رواياته دون أي معايير علمية ومنهجية، إلا أن الكاتب عاد إلى التحليل الواقعي والمحايد للتاريخ بعد تراجع الموجة القومية، فكتب كتاب: تاريخ إيران بعد الإسلام، ثم كارنامه إسلام.[1]