#صلاح كرميان#
یعرف الاعتذار بانه تعبیر عن الشعور بالندم والاسف لارتكاب عمل خاطئ او ما یسبب الاذی الأخرین.
یعد الاعتذار احدی مهارت الاتصال الاجتماعية وفن من الفنون التى لا يتمتع بها الكثيرون وان قدرة الإنسان على الإعتذار تتطلب ثقافة وأدباً وفكراً سديداً. ان فن الإعتذار هو قيمة عالية من قيم الإنسان الراقى المثقف الذی یتحكم بالمنطق دون أن يتنازل عن شىء من كرامته فیما یجعل الطرف المقابل يشعر بالرضا والراحة النفسية. فبالاعتذار تزول الأحقاد وتندثر الكراهیة.
یكون الإعتذار أكبر وأعظم حين يأتى من قوى لضعيف ومن غني لفقير ومن رئيس لمرؤوس.وبالاخص حين يأتى الإعتذار من جهة معتدية إلى اخری معتدى عليها وان مضى علی ارتكاب الجرم او الخطأ عقود أو قرون من الزمن. من شأن الإعتذار قلب الموازين وتضمید الجراح واطفاء نار الحقد وبناء علاقات انسانیة على أساس من المحبة والعدل والسلام . فهو اساس لثقافة التسامح فى العالم الذى حطمته الحروب وخربته الحقد والكراهیة.
ان الجهل باسالیب الاعتذار یأتي من الكبریاء والتعالي، التي هي صفة المجتمعات المتخلفة التي تري من الاعتذارعنوانا للهزيمة أو دلیلا للضعف وإنقاص للشخصية والمقام. لذا نری الاشخاص غیر الواعین بثقافة الاعتذار یلجأوون الی خلق الاعذار بدلا من الاعتذار.
ان الاعتذار باتت سمة من سمات المجتمعات المتقدمة حیث ترفع الاصوات لتنادي بتقدیم الاعتذار مطالبة الحكومات واصحاب القرار بممارسة مسؤولیاتهم تجاه من تعرضوا الی سوء المعاملة او ارتكبت بحقهم اخطاء او جرائم لایمكن الصفح عنها. فهناك عشرات الامثلة الحیة في عصرنا الحالي اشیر الی نماذج منها قبل التطرق الی حالة من واقعنا الراهن، الا وهي جرائم الابادة الجماعیة المتمثلة بحملات الانفال والقصف الكیمیاوي وقتل البرزانیین والكورد الفیلیین وسكان الجنوب من الشیعة التي ارتكبت من قبل النظام العراقي البائد.
بالرغم من ان الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون ولد في عام 1946 اي بعد مضي 14 سنة على تجارب معهد توسكيجي التي دعمت من قبل الحكومة الامریكیة لاجراء الابحاث حول تأثيرات مرض السفلس بين الامريكيين السود والتي بدأت سنة 1932 واستمرت الى سنة 1972، و التي تم فیها اخضاع 399 امريكيا اسودا من مقاطعة ماكون في ولاية الاباما لاجراء تلك التجارب عليهم، الا انه وبتاريخ 1997/3/16 قدم اعتذارا صريحا نيابة عن حكومة الولايات المتحدة الامريكية امام احد ضحايا تلك التجارب اللاإنسانية الامريكي الاسود هيرمان شو الذي كان يبلغ من العمر 95 عاما في تلك السنة، ومن خلاله الى أسر جميع الضحايا الذين تعرضوا الى تلك التجارب بالكذب والتحايل والخداع. وقد القى كلنتون كلمة في تلك المناسبة جاء فيها:
لقد اقدمت حكومة الولايات المتحدة على عمل يعتبر خاطئا بكل المعاني وخاطئ اخلاقيا، وكان ذلك اعتداءا على التزامنا بالوحدة والمساواة لكافة مواطنينا. بأمكاننا ان ننهي الصمت. ونتوقف عن التفات رؤوسنا باتجاه آخر. بأمكاننا النظر اليك محدقا في عيونك وفي الختام نقول بالنيابة عن الامريكيين ان ما اقدمت عليه حكومة الولايات المتحدة الامريكية كانت مخجلة، وانني آسف.
اعتذرت نیوزیلندا عام 1997 للسكان الاصلیین (الماوریین) لنقض معاهدة 1840 التی اقرت حقوقهم فی امتلاك اراضهم وتعرضهم الی سوء المعاملة. وفی شهر شباط سنة 2002 اعتذرت رئیسة وزراء نیوزیلندا للجالیة الصینیة فی بلادها لسیاسة التفرقة العنصریة التی تعرضوا لها فی نهایة القرن التاسع عشر.
فی عام 1997 اقدم البرلمان النرویجی وكذلك فعلت الحكومة السویدیة عام 1998 علی تقدیم الاعتذار الی سكان اسكندنافیا الاصلیین المعروفین ب( سامي) لما عانوه من ظلم من قبل سلطات البلدین فی السابق.
وفي استراليا اعتذر رئیس الوزراء السابق كفن راد فی شباط عام 2008 من سكان أستراليا الاصليين الابورجنيزعن الجریمة المعروفة ب الجيل المسروق التي تعتبر جريمة لاانسانية ارتكبها المحتلون الانكليز بحقهم وذلك بسرقة الفتيات الصغار من ذويهم واستخدامهن لخدمة نواياهم.
كما وقامت المانيا و كطريقة لتقديم الاعتذار لضحايا الهولوكوست من اليهود في المانيا بتقدیم مساعدات مالیة لاسر ضحایا وأصدار طابع تذكاري بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لميلاد آن فرانك . وكذلك قامت سويسرا بالاعتذار عن اليهود لدورها في تعليق ممتلكاتهم.
وفي هذه السنة وبعد انتخابه بشهور قدم الرئیس الفرنسی الجدید فرانسوا هولاند الاعتذار عن دور بلاده في محرقة الیهود اثناء الحرب معترفا بان تلك الجريمة ارتكبت في فرنسا، من قبل فرنسا. واعتذر عن قتل ما يصل الى 200 من المتظاهرین الجزائريين الذین تعرضوا للضرب حتى الموت من قبل الشرطة الفرنسیة عام 1961.
الغرض من التطرق الى الحالات الواردة اعلاه ليس لاضفاء طابع العدالة والمساواة على تلك الانظمة الغربیة او الانبهار بالحریة والديموقراطية التي تدعيها. وانما لكي نقطع الحجج و المبررات التي قد يلجأ اليها البعض للتهرب من المسؤولية بأنهم غير معنيين عن ما قام به الطاغية المهزوم صدام حسین لانهم لم يكونوا ضمن اركان نظامه اثناء تنفيذ الجرائم الوحشية التي ارتكبتها اجهزة النظام القمعية، بل یلجأوون الی تقدیم الاعذار الواهیة للتبریر بانهم ليسوا ممن عليهم تقديم الاعتذار.
من الواضح بأن الجرائم سالفة الذكر لم ترتكب اثناء فترات حكم المسؤولين الحاليين في تلك البلدان ولیسوا بالمسؤولين المباشرين على ارتكابها، بل هناك فوارق زمنية كبیرة بین وقت حدوثها وایامنا هذه.
ان عمليات الانفال جرائم فريدة في وحشيتها وتعتبر اكبر الجرائم مأساوية نفذت بحق الجماهير الفقيرة في قری وقصبات كوردستان، كذلك قتل البرزانیین وتغییب الكورد الفیلیین وقيام وأجراء تجارب الاسلحة الكيمياوية واختبار مدى قوتها التدميرية على الاطفال والنساء والرجال من الكورد قد نفذ بأمر من الطاغية المهزوم صدام بصفته رئيسا لدولة العراق. والعراق كیان سیاسی له موقعه بین دول العالم وملزم بالتعهدات والمواثیق الدولیة حتی لو تغییر نظام الحكم فیه وان الكثیر من القرارت والقوانین التي صدرت تحت ظل الحكم البائد ومنها ما تخص العلاقة مع الدول الاخری بقت نافذة لحد یومنا هذا باستثناء ما تم تعدیلها او سنها لتلائم الظروف المستجدة.
ما يدعو للاستغراب والتساؤل هو عدم ايلاء الاهتمام بضحايا جرائم الابادة الجماعیة تلك من قبل الاطراف المتواجدة على الساحة السياسية العراقية، فالبرغم من مبادرة البرلمان العراقي باعتبار تلك الجرائم جرائم الابادة الجماعیة الا ان مسألة تقدیم الاعتذارعن ما تعرضوا له من المآسي لاتزال لم تعطی اذانا صاغیة، فالاعتذار من شأنه التخفیف من الالام التي خلفتها هول الجرائم و یساهم بلا شك في خلق مناخ من الثقة والطمأنینة بمستقبل جديد خالي من الافكار العدائية الشوفينية، كلمة من شأنها خلق شعور نفسي للشعب الكوردي بتقدیر معاناتهم وترسخ الاحساس بمساواتهم وشراكتهم ضمن العراق.
يبدو ان حكام العراق الحالیین لایتسمون بروح العصر ولایزالون یحملون تلك الثقافة البالیة وان الكبریاء والتعالی هی الصفة الغالبة لدیهم والاعتذار ليس محط اهتمامهم او لربما لایدركون قیمته الانسنیة ولم تتخذ كظاهرة حضارية لدیهم. والاغرب من ذلك ان قادة الاحزاب الكوردیة المشاركة فی الحكومة العراقیة لم تعطي تلك المسألة ادنی اهتمام، فبینما تشتد الصراعات والخلافات بین اربیل وبغداد علی المسائل العالقة كالنفط والمیزانیة، لم نلاحظ اي تحرك جدي من قبل اي من الزعماء والوزراء الكورد للمطالبة بتقدیم الاعتذار.
لقد حان الوقت لان يصار الى العمل من اجل تقديم الاعتذارمن قبل الحكومة العراقیة بصورة رسمية الى الشعب الكوردي وبالاخص ضحايا مذابح الانفال والقصف الكيمياوي لمدينة حلبجة وجرائمه الاخرى باعتبارها جرائم الابادة الجماعية المنظمة خططت لها ضمن سياسة شوفینیة عنصریة انتهجتها الحكومة العراقیة فی حینه والامثلة التي اوردت في مقدمة هذه السطور تفند كل الحجج التي قد تتخذ كمبررات لعدم الاقدام على مثل هذه المبادرة الحيوية التي لابد منها لازالة اي شكل من اشكال التمييز بين ابناء الوطن الواحد. وان مثل هذه الخطوة كفيل بجلب انتباه المجتمع الانساني الی تلك الجرائم والاعتراف بها دوليا وتخفیف الام اسر الضحايا وتعویضهم مادیا و معنویا على ضوءها.
* قدمت في مؤتمر مركز حلبجة لمناهضة انفلة وابادة الشعب الكوردي – CHAK الذي انعقد في السلیمانیة بتاریخ 24/11/2012.[1]