#حليم يوسف#
اذا تمعنا في بدايات الرواية الكردية نجد أن الروائيين الأوائل الذين ولدت على أيديهم هذه الرواية جاؤوا من الوسط السياسي، وبعد انخراط في العمل الحزبي على أعلى المستويات. ويشمل هذا الأمر كل من ساهم في نشوء وتطور هذا الجنس الأدبي خلال مرحلة تمتد الى نصف قرن ابتداء من رواية الراعي الكردي كأول رواية كردية ظهرت في بداية حقبة الثلاثينات من القرن المنصرم وحتى نهاية حقبة السبعينات منه. وسأشير الى أبرز ثلاثة أسماء تتوزع جغرافيا بين ثلاث مختلفة من الدول التي تتقاسم الوطن الكردي، وهم: – الأول هو عرب شمو صاحب رواية الراعي الكردي الذي كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في أرمينيا وتعود أصوله الى شمالي كردستان (تركيا). والثاني هو رحيم قازي صاحب رواية بيشمركه وقد كان عضوا في اللجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران. والثالث هو إبراهيم أحمد صاحب رواية مخاض الشعب وقد كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني في العراق. وتعتبر هذه الأسماء الثلاثة مع رواياتهم الأخرى من أبرز الأسماء الروائية التي ساهمت في تشكيل اللوحة الروائية الكردية خلال ما يقارب النصف قرن. وفي هذا المنحى لم تشهد المراحل اللاحقة من تطور الرواية الكردية اختلافا كبيرا من حيث انخراط الروائي الكردي في العمل السياسي والحزبي الكردي أولا ومن ثم توجهه الى ساحات الأدب والثقافة بعد يأس مطلق من السياسة أو بعد هزائم سياسية وعسكرية غطت مراحل كاملة من التاريخ الكردي الحديث. ولذلك نجد الروائي محمد أوزون أيضا والذي برز اسمه خلال الثمانينات والتسعينات قد غادر العمل السياسي والحزبي الكردي، الا أن الارث السياسي والحزبي ظل طاغيا على مجمل مواقفه السياسية وعلى أعماله الروائية أيضا. وكان واضحا على أنه غادر العمل التنظيمي، الحزبي الا أن الهاجس السياسي بالمعنى الحزبي للكلمة لم يغادره حتى آخر يوم في حياته. الا أن تلك المرحلة كانت بمثابة الجسر الواصل بين ضفتيي السياسة والأدب، مع التحفظ الشديد من الفصل بين المصطلحين. ويمكن تسمية هذا الجيل من الروائيين الكرد على أنهم كانوا جيلا لمرحلة انتقالية بين جيل البدايات حيث السياسة هي الهاجس الأول والأخير له، وبين الأجيال الجديدة من الروائيين الكرد الذين تشكل الرواية كنص أدبي، فني، هاجسهم الأول والأخير. من الجدير بالذكر أن عنصر السياسة بحضوره الطاغي على سياقات نشوء وتطور الرواية الكردية في مختلف المراحل يعود الى الشروط السياسية والتاريخية التي رسمت ملامح التراجيديا الكردية المتواصلة كأكبرشعب من حيث التعداد، حرم من التمتع بحقوقه القومية والانسانية ولا يملك دولة قومية خاصة به حتى اليوم.
واستطاعت الرواية الكردية في العقدين الأخيرين، رغم تاريخ المنع الطويل للغة الكردية ورغم تجزئة الوطن الكردي وتقطيع أوصاله بين دول تحكمها حكومات استبدادية فاشية، من أن تنفض عن نفسها غبار الإهمال والموت ، وأن تطل برأسها من بين ركام المنع والخراب من خلال نتاجات بالغة الأهمية، تضاهي في مستواها أفضل الأعمال الروائية في العالم. ومن المفارقة أن نجد السياسة التي كانت الحامل الموضوعي لسؤال الرواية الكردية عبر التاريخ تتحول الى عامل اقصاء لها، وتساهم في تهميشها واهمالها بشكل متعمد. وهنا لا يحتاج الأمر الى الاسهاب في عرض أسباب الاقصاء السياسي لهذه الرواية، بقدر ما نحتاج الى لفت الأنظار الى تحكم مافيا السياسة والمال بمفاتيح بيوت الثقافة والابداع وخضوع العمل الأدبي الى معايير أخرى لا علاقة لها بالأدب أو الفن أو النقد. ان اقصاء الرواية الكردية هو الوجه الآخر لإقصاء الشعب الكردي من التاريخ ولإبقائه تابعا وقابلا للذوبان في اللغات والقوميات السائدة. وكما أنتجت السياسة وبنجاح نموذج “الكردي الجيد”، فقد أنتجت ساحات الفن والأدب ومنها الرواية نموذج “الروائي الجيد” و “الشاعر الجيد” و”الفنان الجيد”، وهي كلها تنويعات على كلمة “جحشك” الكردية. وقد خلقت الارتدادات الأخيرة في الفكر الجمعي الكردي ردود أفعال مختلفة لدى العاملين في الحقل الأدبي الكردي، ويمكننا التحدث عن ثلاثة أنواع من الكتاب عموما ومن الروائيين خصوصا. الأول هو خلو النصوص الأدبية من الهم السياسي تماما، واعتبار كل ما يتصل بالسياسة لوثة أيديولوجية ينبغي التخلص منها لصالح “النقاء” الفني. الثاني هو غرق النصوص الأدبية في المواضيع السياسية والشعارات وخلط الحابل بالنابل من خلال الرؤية الذاهبة الى اعتبار كل شيء سياسة. الثالث، وهو النوع الذي أميل اليه، هو خلق التوازن بين ما هو سياسي وما هو أدبي، من خلال توظيف الموضوع السياسي في النص الأدبي، وجعل السياسة خادمة للأدب وليس العكس. وهذا ما حاولت القيام به في رواية ” الوحش الذي في داخلي”[1]