ٲ.د. فَرسَت مرعي
القسم الثالث
موقف التيار اليساري من حركة حقة
حاول بعض الكتاب والصحفيين المحسوبين على اليسار الكردي تبرير أعمال هؤلاء المنحرفين الباطنيين، بأنهم قاموا بهذه الاعمال لاسباب اقتصادية تخلصاً من سيطرة الآغوات والبرجوازية الكردية، وإقامة علاقات مبنية على المساواة بين الرجال والنساء لانقاذ المرأة من سطوة الرجال!، حيث يشير الكاتب الكردي اليساري محمد بن الملا عبدالكريم المدرس في تقييمه لهذه الحركة بالقول: ” في الحقيقة أن حركة حقه قد أتت بأمور جديدة غير موجودة في النهج الديني، بل ولا تنسجم معه، سواءً من وجهة النظر الدينية البحتة، مثل اهمال البعض منهم لأداء فرائض الصلاة والصوم(=ترك الفرائض)، أو في ميدان الحياة الاجتماعية مثل موقفهم من المرأة(= تحررها) والمساواة في المجال الاقتصادي… وأن الحركة كانت ذات صلة بالمناهج الدينية والفلسفية التي ظهرت بين المسلمين على مر التاريخ، وأظن أن هناك بصمات للطرق الفلسفسة الحديثة على الحركة. وعموماً أنها نبعت من الشعور بالحاجة الى الضرورات الحياتية للمجتمع الفلاحي الاسلامي الكردي”().
وفي رده على احد الكتاب الكرد الذي حاول تبرئة حركة حقة من الشطحات والافكار الباطنية التي ظهرت فيها، يقول:” أنه حان الوقت دون خوف من لوم الآخرين في المجتمعات المحافظة، أن نتجاسر ولا نحجب حقيقة تلك الحركات الاجتماعية والسياسية في كردستان، وأن نحاول الوصول الى حقيقة أسباب ظهورها، لقد مضى ذلك الوقت الذي نجعل من وجهة النظر القديمة لالاف السنين، محكاً لتقييم الافكار والاتجاهات وتقديرها حسب وجهة نظر رجعية…”().
ويقول الدكتورعزالدين مصطفى رسول :” وجدت أتباعه(= أتباع حمه سور) في سنة 1970 أكثر تقدماً في الحياة اليومية من غيرهم”، ويضيف ” إن كثيراً من المذاهب الباطنية في الاسلام يُعَد يقايا لأديان أخرى كاكاكائية والاسماعيلية والعلي إلهية. لكن (الحقة) بعكس تلك المذاهب منشؤها الاسلام باعتبار أصل الحركة كانت صوفية (نقشبندية) لكنها في الاخير دخل فيها آيدولوجيات أخرى كالطريقة النقشبندية ذاتها فإنها بعد انتشارها في كردستان اصطبغت بالمفاهيم الاجتماعية والوطنية واختلطت بها”.
ويذكر كاتب آخربأن ما أورده المستشار والضابط البريطاني (أدموندز) بشأن أهل الحقة بأنها مجرد إفتراءات وتلفيقات لا أساس لها من الصحة، دون إعطاء دليل على ذلك. ويحاول تبرير تصرفات وتجاوزات هؤلاء من الناحية الاخلاقية()، دونما دليل ليس إلا الدفاع لاسباب عرقية وآيديولوجية، ليس إلا.
ومن جانب آخريذكر الباحث الهولندي( مارتن فان بروينسن) نقلاً من مصادره الشفوية (= ومنهم علي عسكري) ():” بأن قريته منظمة وكأنها (كولخوز). فلاحة الارض تجري بصورة جماعية، وكل شيء بمن في ذلك النساء، ملكية جماعية. ويبدو أن (حمه سور) هو الشخص الوحيد الذي يتمتع بمساواة أكثر من اخرين في هذا المجتمع (المساواتي)فهو يهب الكثير من المال، ويقال إنه كان في (العام1975) لا يزال ينتحل صفة الاول بين الأكفاء في صلاته مع جميع فتيات القرية، رغم سنواته السبعين”.
وعلى السياق نفسه يقول الشيخ حسين خانقاه احد شيوخ الطريقة القادرية في مدينة كركوك ويمت بصلة القربى الى شيوخ حقه بالقول: ” أن شيوخ حقه مثل أية مجموعة من شيوخ النقشبندية كانوا يقومون بارشاد مريديهم، الى أن بدأ قسم من رجال الدين والمتصوفين في زمن الشيخ عبد الكريم ب( الشطحات) وقسم من هؤلاء كانوا يتكلمون عن ظهور( محمد المهدي)، ومن هنا أخذوا يهملون شيئاً فشيئاً، القيام بالفرئض كالصوم والصلاة، وتركوا العمل والعلاقات الاخرى، ولما كان يقوله ويعمله هؤلاء من أمور غريبة عن عقلية الناس ، اشتهروا ( بالمجانين )، أما البقية الذين تمسكوا بسلوكهم الصوفي، فكان يطلق عليهم الصوفية، ولكن الشيخ عبد الكريم لم يرض باقوال وافعال هؤلاء، وفي احدى المناسبات قام بضرب (حمه سور- محمد الاحمر- احد مستشاره المقربين)، لأن حمه سور كان يقول ( لم تبق الشريعة)، وكان الشيخ يضربه ويقول قل (باقية)؛ إلا أن حمه سور كان يصر على قوله بعدم بقاء الشريعة”().
وبعد ثورة 14تموزعام1985م/1378ﮪ في العراق التي قضت على النظام الملكي، نشرت جريدة الجمهورية البغدادية في السنة الاولى من صدورها في الاعداد(50،51،53،60)() حيثيات محاكمة مشهورة في بغداد لاحد مساعدي الشيخ عبد الكريم شدله وهو شخص معروف باسم (حمه سور) وقد أتهمته المحكمة بأن حركته (حقه) تستند على مذهب الحلول والتناسخ والإباحية التي طبقها عملياً بين أتباعه كما رواها شهود من أهل قريته (=كلاوقوت) والقرى المجاورة، وكان (حمه سور) قد أدعى بين أتباعه النبوة زاعماً أنه نسخ الشريعة الاسلامية، وأن الله قد حل فيه، فكلامه هو كلام الله، وزعم أنه المهدي المنتظر، وكان يدعو الاهلين الى ترك فريضة الصوم والصلاة، والدعوة الى إباحة النساء، زاعماً أن مواقعة النساء اللاتي يرغبن في الجماع هي أحسن عند الله منها. فضلاً عن الدعوة الى منع التناسل().
وكان أحد المحامين من مركز مدينة كركوك ويدعى (معتصم) قد اتهم (حمسور) بأنه في حقيقته أجنبي، لا يعلم أصله، ولكن الشهود قالوا: إنه جاء الى قريتهم من ايران، وكان قبل ذلك في روسيا، فتلقفه المستعمرون فدفعوه لتعلم اللغة الكردية، وهيئوه حتى يؤدي هذا الدور، وأرسلوه الى العراق فاتصل بالشيخ (عبد الكريم الشدلي) الذي – كما قيل – كان يدعي الالوهية في حينه، ولما اختلف معه جاء الى قرية (كلاوقوت) في ناحية شوان التابعة للواء (=محافظة) كركوك، فأفسد عقيدة كثير من العوام الجهال الذين يتبعون كل ناعق دون دليل أو برهان().
وقد انقسمت الحقه بعد وفاة الشيخ عبدالكريم شدله على أربعة أجنحة متمايزة تلاشى اثنان منها فيما بعد، وبقي الآخران منفصلان وهما:
1- المامه رضائية، نسبة الى المامه رضا الذي خلف شقيقه عبدالكريم شدله المتوفى سنة1942م في قيادة الحقه، وتوفي هو الآخر سنة1961م. وكان يناور عندما يسأل عن سبب تركهم للفرائض الشرعية من قبل أحد علماء مدينة السليمانية، فكان جوابه:”[ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين]. حتى أداة بلوغ الغاية. إننا وصلنا الى الغاية، وحصل لدينا اليقين، ولذلك لسنا بحاجة الى السجود”().
2- الحمسورية، نسبة الى حمه سور() الذي متطرفاً أكثر من الفرع الآخر، وكان يقول عن دينه :” بأنه فوق دين النووي”( = يظهر انه يقصد الامام النووي)()، وكان يؤول الآيات القرآنية التي تتكلم عن خلق الانسان من طين بقولهم:” ألا يقول العلماء أن الله خلق البشر من طين؟ فما يضر الله لو وضعنا قطعة طين في شق حائط”(). ولذا كان يعد الحقة خارجين عن الاسلام. وكان هذا الفرع أكثر تطرفاً من ناحية العلاقات الاجتماعية المشاعية بين الرجال والنساء، وقد مات حمسور سنة1986م. حيث كانت له علاقات مباشرة مع مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (= فهد المسيحي من الطائفة النسطورية – االآشورية) الذي اعدمته الحكومة الملكية العراقية في 14/2/1949م/1370ﮪ، وكان فهد عندما رجع من الاتحاد السوفيتي الى العراق عن طريق ايران في عام1943م/1362ﮪ، جلب معه طابعة بمساعدة الحزب الشيوعي الايراني(= تودة)، فاستقر في قرية شدله في بيت الشيخ عبد الكريم والتقى هناك بحمسور، فضلاً عن ذلك أنه حينما كان يضطر للاختفاء عن أنظار السلطات الملكية العراقية –آنذاك- يلجأ دوماً الى المكان نفسه (= قرية شدله) النائية ويبقى فيه لفترات طويلة().
وقد دخل الكثير من أتباع طائفة حقة الى الاحزاب الكردية العلمانية بشتى أطيافها اليسارية والماركسية، ويذكر الدكتور جمال محمد فقي بأنه عندما كان في العاشرة من عمره حينما شبت ثورة 1963م بقيادة القوميين والبعثيين” رأبيت أكثر من (150) نفراً من الشيوعيينفي محافظة أربيل والموصل من الكرد والعرب قد مروا من خلال قريتنا(طالبان الكبير) المجاورة لمركز ناحية طق طق الحالي والتجئوا الى جماعة (مامه رضا) في قرية (كلكه سماق)”.
أما بخصوص الغرائب والشذوذ في تصرفاتهم، فقد ذكرها أحد الباحثين الكرد وفق ما يلي:
1- دفن الاجسام وهم أحياء في أكداس روث حيوانية.
2- شيوعية الاموال ، حتى يقول بعض من الناس شملت النساء أيضاً.
3- حفلات الاستحمام المشترك والمختلط وسحب الكلاب معهم الى داخل الاحواض.
4- التبرك بأوعية مملوءة من البول ولمسها.
5- عدم حلق شعر الرأس وخصوصاً المقدمة منها.
6- عدم شرب الشاي والاكتفاء بالماء الحر والسكر().
بناءً على ما تقدم يظهر للباحث ما يلي:
1- أن عناصر من حركة البابية والبهائية استطاعت التغلغل الى صفوف الطريقة النقشبندية المجددية الكردية التي أسسها مولانا خالد الجاف انطلاقاً من مدينة السليمانية، ورسمت لها مخططاً للتنفيذ تم تطبيقه ببطء عن طريق الدفع بهم نحو الشطط والغلو في شيوخهم وعن طريق (التوجيه) بواسطة تعلق قلب المريد بشيخه وتذكره طوال الوقت! (في الاسلام على الانسان أن يتعلق قلبه بالله وحده وليس بشيء آخر لانه منافٍ للتوحيد الخالص). وهكذا بحلول سنة1920م/1339- 1340ﮪ ظهرت حركة الحقة في عهد شيخها (عبد الكريم شدله).
2- دعم الحاخامات اليهود للبهائية عن طريق التصوف اليهودي (= القبالاه) والدعم المادي السخي، على أساس ظهور الالفية السعيدة وظهور المسيح المنتظر(= المهدي المنتظر)، وعن هذا الطريق محاولة إنشاء نواة لها في الاجزاء الجبلية البعيدة من كردستان ذات الغالبية السنية مثل : حركة حقة في شمال شرق كردستان العراق، والخورشيدية في أواسط شمال كردستان العراق، لأن الحركتين البابية والبهائية قامت ضمن أتباع المذهب الشيعي الاثنا عشري في ايران المستعد أصلاً لاستقبال الخرافات والاوهام البعيدة عن الاسلام الصحيح.
3- استغل أعداء الاسلام بعد هذه المنطقة عن مراكز المدن ووقوعها بين مضائق جبلية وعرة، شمال غرب السليمانية، شمال وشمال شرق كركوك، لنشر أفكارهم الهدامة.
4- كان الجهل والامية والايمان بالخرافات متفشية في هذه المنطقة. حيث يتفشى الجهل والامية وللحالة الاجتماعية المتأخرة والبساطة التي كان عليها أهلها، وهذا ديدن الحركات الباطنية التي ظهرت في حقب مختلفة من التاريخ الاسلامي كالنصيرية (= العلوية) والدرزية والبهرة والحروفية وغيرها.
5- تفرعت الحركة الى أجنحة لامتداد نفوذها الى مناطق أخرى، لا سيما الجناح الحمسوري .
6- كان الجناح الحمسوري أكثر تطرفاً من الناحية الباطنية، وإيغالاً في الاباحية، إذ ألغت العبادات والفرائض. كما دعت الى شيوعية الاموال وحتى النساء، ويرون أن الله خلق البشر من طين ولا حرج في وضع قطعة طين في شق حائط – على حد زعمهم ().
7- إنضم غالبية أتباع الحركتين المامه رضائية والحمسورية الى الحزب الشيوعي العراقي وكانوا من أتباع حركة أنصار السلام، ومن ثَم الحزب الشيوعي الكردستاني، والاحزاب اليسارية الكردية الاخرى، بسبب القواسم المشتركة الكثيرة بين الباطنية والعَلمانية اليسارية .[1]