ٲ.د. فَرسَت مرعي
ينتمي الشيخ عبد الحميد عبدالخالق البيزلي الى عشيرة الريكان، وهي إحدى العشائر الكردية الضاربة التي تقع ديارها على الحدود العراقية – التركية ضمن ناحية نيروه وريكان التابعة لقضاء العمادية في محافظة دهوك. وتتكون العشيرة من حوالي (62) قرية، وتنقسم الى ثمانية بليكات(= صفوف)، ولكل بليكة رئيس خاص بها، كما للعشيرة رئيس يبت في شؤونها يطلق عليه الآغا.
ويظهر للباحث أن لفظة بيلك ربما جاءت من البايلك، فهو مصطلح تركي قديم أخذه الأتراك عن المغول والسلاجقة،وأول من تولى إمارة البايلك عند الأتراك هو عثمان بنأرطغرل مؤسس الدولة العثمانية وذلك سنة 1280م. ومصطلح بايلك أصله “بكلك” وهو مشكل من مقطعين: بك+ لك، فأما بيك – وتلفظ باي – في الأصل فهو لقب أبناءالسلاطين الحائزين على لقب الباشوية وذريتهم، ثماستعمل لقباً لمعظم كبار الموظفين والقادة الذين يكلفونبإدارة الولايات ويسمون وزراء الخارج، وقد اعتمدهالعثمانيون كلقب لحاكم الولاية أو المقاطعة، واشتق منه لفظةبيكلربك التي تعني أمير الأمراء وهي الرتبة الثانية من رتبالباشوية، وكلمة بايلك صارت اصطلاحاً لكل ما هو مُلكللدولة فيقال طريق البايلك وأرض البايلك. ينظر: فارس كعوان، المصطلحات الادارية العثمانية في الجزائر.
وعلى أية حال فإن هذا المصطلح قد صحف قليلاً عندما دخل الى اللغة الكردية لكي يناسب بنائها اللغوي، فأصبح يطلق عليه لفظة (بِليك) عند العشيرة الريكانية، ومعناهااحدى مقاطعات أو أراضي القبيلة، أما أفراد العشيرة الأرتوشية بمختلف فروعها، فيطلقون عليه لفظ (بِلوك)، وكما هو معروف فإن القبيلتان المارتا الذكر متجاورتان جغرافياً.
وقد اختلف المؤرخون في التعريف بلفظة الآغا، فالبعض يقول ان المصطلح فارسي الأصل ويعني السيد، وجمعه(آغاوات) إستعمله الأتراك لدلالات منها تسمية الضباطالأميين كالإنكشاريين، وقيل: كلمة مشهورة واغلبهم يتلفظونبها بالهمز لا بالمد“. ينظر (مجلة لغة العرب العراقية التي كانت تصدر في بغداد بداية القرن العشرين). وفي الحقبةالأخيرة من العهد العثماني أطلق اللقب على ذوي المكانةالعالية في المجتمع. وذكر محمد فريد وجدي:
” … أن هذه الكلمة محرفة من كلمة (آقا) المغولية“. ينظر:محمد فريد وجدي، تأريخ الدولة العلية العثمانية. وكانمدراء مكاتب الوزراء يسمون (آغا أفنديم). أما (آغا باشا) فكان يطلق على الوزراء الإنكشاريين. و(آغا بك) يعني الأخالكبير يستخدم من قبل الطبقات الإجتماعية المتوسطة. و(أغا الحرم) هم الذين يستخدمون في أقسام الحريم فيقصور السلاطين، وهم من الزنوج المخصيين.(عليالكاش،الألقاب الرسمية معناهوأصولهاhttp://www.shbabmisr.com(
وهي في الحقيقة كلمة مغولية معناها (الاخ الكبير)، وبعد سيطرة المغول على المشرق الإسلامي في أعقاب سقوط الخلافة العباسية عام656ﮪ/1258م، تغير مفهوم هذا المصطلح، فدخل الى القاموس الفارسي بمعنى الآقا أي السيد، ومن ثَّم تغَّير مفهومه لدى الكُرد في تأريخ متأخر يبدو أنه جاء في أعقاب سقوط الامارات الكردية في العصر العثماني بعد عام 1836م، ليصبح مصطلحا يطلق بصورة محددة على (رئيس القبيلة أو العشيرة الكردية تحديداً)، كما أن لفظة الشيخ تطلق على رئيس القبيلة العربية، وماليك أو ملك يطلق على رئيس القبيلة النسطورية – أتباع كنيسة المشرق – الآثوريون – الآشوريون).
يحد قرى عشيرة الريكان من الغرب قرى عشيرة النيرويي، ومن الجنوب جبل لينك وهو امتداد لسلسلة جبال متينا التي ينتهي عند مضيق رشاوه التابعة لمنطفة نهله، ليبدأ منها جبل لينك، ومن الشرق يحد قرى الريكان قرى عشيرة مزوري(بالا = العليا)، وقرى عشيرة هركي بنه جه باتجاه الشمال، بالاضافة الى مضيق كلي بالنده ونهر روي شين (= أورمار سابقاً)، ويحدها من الشمال الشرقي، قرى عشيرة الدوسكي زوري(= العليا)، بالاضافة الى الحدود التركية، حيث تقع ثلاثة قرى من عشيرة الريكان ضمن أراضي كردستان الشمالية (= التركية)، وهي: برجيله، شيفا ره زا، جانمندا، مجاورة لعشيرة الأرتوشي التي تقع ديارها الى الشمال من خط الحدود الذي يقابل عشيرة الريكان، فيما تقع ديار قبيلة بنيانش في كردستان الشمالية مقابل أراضي عشيرة النيروه.
وقد جاء ذكر عشيرة الريكان بصيغة رادكان في كتاب (الشرفنامه)الذي ألفه المؤرخ الكردي الكبير شرفخان البدليسي(914 – 1012ﮪ/1534 – 1603م).
وتطرق إليها مؤرخ العراق المحامي عباس العزاوي(1307 – 1391ﮪ/ 1890- 1971م) في حديثه عن العشائر العراقية، وبالتحديد عشائر العمادية بصورة مقتضبة وجمع بينها وبين عشيرة النيروي في ناحية تابعة للعمادية، ومما قاله:”… – نيروا– ريكان. وهذه برياسة كلحي آغا، وكان قد حصلعلى وسام الرافدين من الدرجة الثانية. وتتكون منها ناحيةمن نواحي العمادية و فيها 79 قرية”. (عباس العزاوي، موسوعة عشائر العراق، ج4، ص220). يبدو أن يتطرق الى قرى عشيرتي الريكان والنيروه معاً، بعدها ذكر العزاوي معلومات أخرى عنهم نقلاً عن كتاب الشرفنامه، بالقول:” ريكان. وجاء في الشرفنامة أنها ” رادكان ” وينطق بهاالأكراد ريكان. نيروا. والظاهر أن هذا اسم موطن عرفت بهقبائله. والأخيرتان قد تكونت منهما مجموعة تدعى ” نيروا – ريكان ” . ومنها الناحية بهذا الاسم. ومركزها قرية ” بيبو”.(المرجع نفسه، ج4، ص221).
ولد الشيخ عبدالحميد بن الخليفة عبدالخالق بن الخليفة نبي بن ملا حجي بن ملا أبوبكر في قرية بيزلي التابعة لعشيرة الريكان والواقعة ضمن ناحية نيروه ريكان (= بيبو) التابعة بدورها لقضاء العمادية في محافظة دهوك في إقليم كردستان العراق في سنة 1949م.
وجاء ذكر قرية بيزلي في المصادر الإسلامية المختلفة، فعند ذكر سيرة القاضي كمال الدين بن محمد بن داود البازلي الكردي الحموي، الذي تولى نيابة دمشق ومشيخة المدرسة الشامية، يتطرق المصدر الى التعريف بقرية البازلي بالقول:” نسبةً الى قرية في منطقة العمادية التابعة لمحافظة دهوك في كردستان العرق، وما زالت عوائل تلك القرية يعرفون بهذا الاسم وهم من عشيرة الريكان المشهورة. وجاء التعريف به في مصادر أخرى:” محمد بن داود بن محمدالبازلي، أبو عبد الله، شمس الدين: فاضل، من الشافعية. كردي الأصل، من العماديّة. ولد في ضحوة يوم الجمعة سنةخمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر (= جزيرةبوتان)، ونشأ بها، وانتقل إلى تبريز في إقليم أذربيجان،فحفظ كثيراً من الكتب في الفقه والنحو، ودرس المعقولاتعلى: منلا ظهير، ومنلا محمد القنجفاني، وعثمان الباوي،والمنقولات على والده نجم الدين الاَشلوبي، ثم قدم حلبوالقصير، وقطن حماة، ودرّس بها وأفتى، وصار شيخها فيالمعقولات، وتعلم في أذربيجان، وأقام في حماة من سنة895ﮪ/1490م، فدرس بها وأفتى وصار شيخها في المعقولات، مَعَ فَضِيلَة فِي الْفِقْه وترقى بعد الْفَاقَة وَزوج بنتهفِي بَيت الْبَارِزِيّ وَهُوَ الْآن حَيّ فِي سنة خمس وَتِسْعينوَيُقَال إِنَّه جَازَ الْخمسين (على حد تعبير السخاوي في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، ج 7، ص240 برقم587، وحفظ بها كثيراً من الكتب منها: الحاوي الصغير،وعقائد النسفي، وعروض الأندلسي، والشمسية في المنطق،و الكافية في النحو لابن الحاجب، وتصريف العزي، إلىأن توفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة (925ﮪ/1519م)في مدينة حماه، قبل وفاة والده بسنتين(921ﮪ/1515م). من كتبه: غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الاَنام،وتقدمة العاجل لذخيرة الآجل، وحاشية على شرح جمعالجوامع للمحلي”. ينظر: ابن العماد الحنبلي، شذراتالذهب في أخبار من عجب، ج8، ص126، 138؛ حاجيخليفة، كشف الظنون عن أسامي الفنون، ج1، ص595؛الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة، ج 1، ص 47.
وللبازلي مخطوطة بعنوان (غاية المرام في رجال البخاريإلى سيد الأنام)عدد أوراقها: 274، المقاييس: 282 × 185 220 × 125، عدد أسطرها: (27). جاء في أولها:“ بسمالله الرحمن الرحيم، رَبِّ يَسِّر وأَعِنْ واخْتم بِخَيْرٍ يا خَبِيْر يالَطِيْف. الحمد لله الذي رفع منار الحق ببعثة النبي، ورحمالخلق بإرسال الرسول الأميّ، وجعل أقواله حجّة، وأفعالهمحجة، ففاز مَن تَعِبَه واقتدى، ونجى مَن اقتفى أثرهواهتدى… وبعد: فيقول العبد الفقير إلى الله الغني؛ محمدبن داود بن محمد البازلي؛ جعله الله ممّن سعدَ بإسعادِهِالأزليّ، ووالديه ومشائخه ومُحبيه، بحُرمة كل نبي لله وولي،كنت قدَماً مِمَّن شغفَ بخِدمةِ الحديث فَبِهَا اشتغلَ فطافَالبلادَ وجاب المَهامِهَ، فحصل منه ما حصَّل، وصرف فيهعُمرَه، فلله الْمِنَّة على ما منح به وتفضّل، وليس بخاف أنمعرفة رجال الحديث من أهمّ المهمات، وعند أرباب الحديثمن أعظم المرغوبات… فإني ما وضعت هذا الكتاب إلاليغني عن كتب الغير… فحاولت أن أجمع كتاباً حافلاً فيمشائخ البخاري وشيوخهم إلى النبي صلى الله تعالى عليهوسلم، وأذكر فيه وفياتهم إلا نادراً جدّاً، وبعض أحوالهمومناقبهم، فإنه بذِكرِهم تنزل الرحمة، وأُطوِّل الترجمةوأختصرُها على قدر شهرة الراوي وذِكره، ورتبت الأسماءعلى حروف الهجاء في اسم الراوي فقط… وأما الذي بينيوبين البخاري فأذكرهم أولاً على ترتيب الوفاة مختصراً. وَسَمَّيْتُهُ: غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام،عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل السلام… فأقولوبالله التوفيق: أخبرني بجميع صحيح البخاري إجازةالشيخ صالح الفقيه المحدّث والدي داود بن محمد البازلي،والمسند المفسر مظفر الدين بن عبد الله التبريزي تغمدهماالله برحمته…“.
وجاء في آخرها:“… عبد الله بن يوسف أبو محمد النيسي،بكسر المثناة والنون المشددة المكسورة بعد المثناة التحتيةمهملة: بلدة من بلاد مصر، في وسط البحر، وهي من كورالخليج، منسوب إلى نيس بن حام بن نوح، وهي في جزيرةمن جزائر بحر الروم، قرب دمياط… فاتّضح أن المرادبالعجمة المانعة عن الصرف؛ غير العجمة الممنوعة عنورودها في القرآن، فإن المانعة هي التي اخترعها العجمأعلاماً، والممنوعة هي التي وضعها واضعُ لغة العجم،فتأمل؛ فإنه والله حقيق أن يكتب ببياض النهار على سوادالليل، ولله الحمد على هذه الفائدة العظمى التي ما خيبالله تعالى سهري عليها ليالي وأياماً”. ينظر: محمد بن داودبن محمد الكردي الحموي الشافعي البازلي، شمس الدينأبو عبد الله (المتوفى سنة 925 ﮪ/9151م)، مخطوطة – غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام، الجزء الاول، عدد الأوراق: 274، المقاييس: 282 × 185 220 × 125،عدد الأسطر(27).
وهناك ملاحظات مدرجة عن المخطوطة جاء فيها:“خطّ الثلثالمضبوط بالحركات، وأسماء الأعلام والعناوين مكتوبةباللون الأحمر، وتوجد تصحيحات على الهوامش، والغلافجلد عثماني مغلف بالقماش، وعليه تملك مشوه، ثم تملكعلي القطان. وقف الصدر الأعظم محمد راغب پاشا. رقمالسي دي: 49091“.
وعلى أية حال فيعتقد أن مدرسة قرية بيزل أسست في سنة 921ﮪ/1516م في عهد الامير البهديناني سليمان بن الامير مبارك بن سيف الدين أمير الامارة البهدينانية، الذي حكم لمدة أقل من سنة واحدة (984ﮪ/1576م) بعد الامير قباد الأول بن حسين بن حسن الذي حكم بدوره في نفس السنة أيضاً 984ﮪ/ 1576 – 1577م.
وقرية بيزلي تعد احدى المراكز الدينية في منطقة نيروه وريكان، لأنها كانت تعج بعدد من علماء الدين الاسلامي من أُسر عديدة كانت تمتهن التدريس والخطابة والافتاء في المنطقة، ومن أبرز هذه الأسر: مالا عباسي، ومالا زاده، ومالا شيخي، وغيرها، ومن ضمن هذه الأُسر، أسرة مالا زاده أسرة باحثنا (الشيخ عبدالحميد)، فضلاً أن مسجدها كان يلحق به مدرسة دينية تخرج منها العديد من الملالي والفقهاء بمختلف درجاتهم العلمية.
وكان نظام التعليم السائد في البلدان الاسلامية في العهد العثماني هو السائد في كردستان أيضاً بحكم وقوعها لحوالي أربعمائة سنة تحت الحكم العثماني(1514 –1918م)، وكان هذا النظام يفرض على الطالب أن يدرس في الكُتاب أولاً، وكانت هذه الكتاتيب منتشرة لتحفيظ الاولاد الصغار مبادىء القرآن الكريم، يشرف عليها مدرس للقرآن يسمى ملا (تحريفاً لكلمة مولى). ثم ينتقل الطالب بعد ذلك الى المدارس الملحقة بالمساجد، وهذه المدارس هي التي قادت الحركة العلمية والادبية، وكانت تخرج أفواجاً من طلبة العلم، وتثقفهم بالثقافة العقلية والنقلية. ينظر: عبدالرزاق الهلالي، تاريخ التعليم في العراق، ص80 – 93.
وكانت قرية بيزل تعد المركز الديني الرئيس في منطقة نيروه ريكان، قبل أن تقوم الحكومة العراقية بنقل أهاليها وغيرها من المناطق الكردية الملاصقة للحدود التركية الى مجمعات سكنية في سنة 1978م تقع أسفل المناطق المشارة إليها آنفاً؛ بسبب انطلاق الحركة الكردية من جديد (القيادة المؤقتة للحزب الديمقراطي الكردستاني في 26 أيار عام1976م)، ومحاولتها لم شتات الحركة الكردية من جديد التي تم اخمادها في أعقاب اتفاقية العراق والجزائر في 6 آذارعام 1975م.
وكانت القيادة العراقية تعتقد بأن إنهيارالحركة الكردية عام 1975م قد قضى إلى الابد على كل أمل لاعادة عقارب الساعة الى الوراء، أي انطلاق الحركة الكردية من جديد، ولكن يبدو أن تهجير المناضلين الكرد الذين شاركوا في الحركة الكردية التي انطلقت من عام 1961 لغاية 1975م الى جنوب وغرب العراق، ومحاولات الاجهزة الامنية للنظام العراقي السابق من أمن واستخبارات امتهان كرامة المواطنين الكرد، ربما عجل بإنطلاق الحركة الكردية للوقوف في وجه هذه المخططات غير الانسانية وغير المسؤولة تجاه مواطني البلد نفسه.
وكان ميشيل عفلق (1910 – 1989م) مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي وأمينه العام قد صرح لمجلة المعلم الجديد العراقية في عام1976م، بأنه إذا تعاملنا مع الكرد بعدالة الخلفاء الراشدين، فإن العراق سوف ينعم بالامن والاستقرار، ولن تقوم قائمة للحركة الكردية؟، وكان عفلق نفسه قد صرح قبل عدة سنوات وتحديداً في 10/6/1969م بالقول ما نصه:” … الاكراد هم مواطنون عرب مسلمونكغيرهم من العرب المسلمين لا يوجد اي فرق بينهم، عندماكانت البلاد العربية تشكل دولة أو دولاً عربية إسلامية. وفيالعصر الحديث كانت الدول الغربية الإستعمارية هيالبادئة بإيجاد الفروق وعوامل التمييز بين العرب والاكرادسواء باضطلاعها بمهمة التنقيب عن المميزات التاريخيةواللغوية والعرقية للاكراد لتكوّن من ذلك منطلقاً للانقسام فيبلدان المنطقة التي كانت هذه الدول تخطط لاستعمارها منذالقرن الماضي، وسواء بتوجيهها للحكومات والقياداتالعربية، بعد دخولها هذه البلاد، كما فعلت في مناطقاخرى من المعالم وفي البلاد العربية بالذات حيث حاولتنفس المحاولة مع البربر في شمال افريقيا وقبائل جنوبالسودان. ولكن هذا لا يعني ان الاستعمار يستطيع انيخلق ظاهرة تاريخية فالظاهرة القومية هي من ظواهرالعصور الحديثة ودور الاستعمار يقتصرعلى استغلالهاومحاولة الانحراف بها عن طريقها السوي وتسخيرهالمصلحته”.(ميشيل عفلق، في سبيل البعث – المسألة الكردية والثورة العربية، 1969م، ج5، ص37).
وعلى أية حال فقد خططت الحكومة العراقية لإنشاء مجمعات سكنية تم إنشائها لاحقاً في مناطق عديدة؛ لتسهيل مهمة السيطرة على الكرد عامة والحركة الكردية خاصةً، ومنعهم من القيام بأي نشاط قومي للحصول على الحقوق السياسية للشعب الكردي في العراق، ومن جانب آخر فإن القرى الكردية الانفة الذكر كانت دون شك مصدراً لاسناد وإحتضان الثوار الكرد، سيما وأن قرية بيزل والقرى المجاورة لها كانت حاضنة للانشطة المختلفة التي كانت تقوم بها الحركة الكردية، كما أن موقع هذه القرية الحدودي كان يساعد الثوار الكرد في تنقلاتهم عبر الحدود العراقية – التركية.
وبخصوص موضوع بحثنا حول السيد عبدالحميد وعشيرته الريكان، فقد تم اسكانهم في عدة مجمعات سكنية منها:
مجمع شيلادزي الواقعة شرق قضاء العمادية والمطلة على نهر الزاب الكبير ويحدها جبل لينكي من جهة الشمال، وهو امتداد لسلسلة جبل متينا باتجاه الشرق.
مجمع سيريي الذي بدوره يقع شرق مجمع شيلادزي في مدخل كلي بالنده، الذي كان يسمى في السابق كلي أورمار.
مجمع ديرالوك، وهي ناحية تابعة لقضاء العمادية وتقع الى الشرق منها في الطريق المؤدي الى شيلادزي وسيريي وكلي بالنده.
مجمع باكيرات، وهذا المجمع يقع الى الشمال من ناحية زاويتة على الطريق الرئيس الذي يربط مدينة دهوك بمدينة العمادية، ضمن منطقة عشيرة الدوسكي.
ويبدو أن سكان قرية بيزلي قد انتشروا في المجمعات الآنفة الذكر، ولكن صاحب البحث بعد نقله من جامع الفضل في بغداد الى محافظة دهوك استقرت أسرته في مجمع باكيرات مع أخوته وأبناء عمومته.
وكان جد السيد عبدالحميد (الخليفة نبي) قد أخذ الطريقة القادرية من لدن شيوخ الطريقة القادرية في قرية بريفكا، ولا تسعفنا المصادر في تحديد إسم الشيخ الذي سلم الطريقة إليه، ولكن والد الشيخ عبدالحميد الخليفة عبد الخالق(1905 – 1982م) كان قد أخذ الطريقة القادرية من يد الشيخ عبيدالله بن الشيخ نورمحمد الدهوكي البريفكاني(1885 – 1954م)، وقد أختاره الشيخ عبيدالله خليفةً له في منطقة نيروه وريكان.
وكان لجد الشيخ عبدالحميد (الخليفة نبي) و قريبه وزميله (الخليفة سعيد) علاقات خاصة مع الشيخ احمد البارزاني، شيخ بارزان وشيخ الطريقة النقشبندية في المنطقة، بحكم الانتماء الى التصوف كل حسب طريقته.
وتجدر الاشارة إلى أن هناك علاقة قديمة بين والد عبدالحميد (الشيخ عبد الخالق نبي) مع الاسرة البارزانية وتحديداً شخص الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني (1903 – 1979م)، بحكم علاقات الجيرة والانتماء الى التصوف القادري والنقشبندي، وكان الشيخ عبدالخالق قد زار بمعية قريبه (الخليفة نجم الدين) قريبه الملا مصطفى البارزاني في بغداد عام 1985م بعد عودته من الاتحاد السوفيتي.
عاش السيد عبد الحميد سنوات طفولته الاولى في قريته، وفي بداية مشواره، درس عبدالحميد القرآن الكريم والكتب الاخرى التي اعتاد طلاب العلم على دراستها في الحجرات العلمية (= المدارس المسحدية)، مثل: فتح القريب في الفقه الشافعي، والاربعين النووية في الحديث، ومتن الاجرومية في النحو، وكانت دراسته الاولية على يد كل من والدهالشيخ عبد الخالق وأخيه الاكبر الملا نوري (1940 –2008م).
ومن جانب آخر فإن الصراع الذي عصف بالمنطقة حول قيام الحركة الكردية في شهر ايلول عام1961م وما قبلها جعل الكثير من أفراد عشيرة الريكان يدخلون الى تركيا بعد مهاجمة العديد من العشائر الكردية الاخرى الموالية للحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة الملا مصطفى البارزاني لقراهم بسبب خلافات عشائرية قديمة . وقد نشرت جريدةميلَيت Milliyet التركية تقريراً للكاتب التركي (نجم الدين أونور Nacmadin Onur)، حول تصريحات كلحي آغا رئيس عشيرة الريكان في 27/7/1961م للصحافة التركية، جاء فيها: “ أياً ما يقوله جمال باشا وما يقوله الشعب سنفعله (جمال جورسل قائد انقلاب 1960م التركية ورئيس الجمهورية التركية بعد ذلك)، السبب الوحيد لهذا هو الحكومة العراقية، عشيرة البارزاني متحكمة في كل شيء بالمنطقة الذي نتواجد فيها، ما يريده ملا مصطفى(= البارزاني) يفعله، هاجمونا بقوة قوامها 3 آلاف شخص. ضربنا من أربعة جبهات. قتل منا 60 شخص وأُسر 200 شخص. وجدنا الحل في الهرب، إذا استمرت الحرب فان الجميع سيهربون”. ويستطرد قائلاً: “حتى إن لم يتم القضاء على عشيرة البارزاني ويموت الملا بارزاني لن يعود الى العراق”. ينظر:( دلشاد م. صالح بابلا، موقف جريدةميلَيت Milliyet التركية من الحركة الكوردية وثورة أيلولفي العراق(1958-1963)، ص10 -11).
وينقل التقرير عن لسان بعض اللاجئين من أفراد عشيرة الريكان أن الحرب بين العشائر قد اشتدت في العراق وقتل في صفوفهم 18 شخصاً آخرون، ولم يبقى من عشيرة كلحان ( كلحي) آغا في العراق سوى 1000 شخص يقاتل منهم 150-200 فقط قوات البارزانيين، كما إن هذه القوات أيضاً ستنسحب لنفاذ الذخيرة لديها، واشار التقرير أيضاً إلى قرار كلحي اغا بأنه سيعود إلى العراق في حال عودة الاستقرار إليها، نظراً لوجود أموال وأراضي العشيرة فيها. ينظر: (دلشاد م. صالح بابلا، موقف جريدة ميلَيتMilliyet التركية من الحركة الكوردية وثورة أيلول فيالعراق(1958-1963)، ص10 -11).
واستناداً الى ما تقدم فقد دخل المئات من أفراد عشيرة الريكان الى الاراضي التركية في شهري حزيران وتموز عام1961م بقيادة رئيس العشيرة كلحي آغا الريكاني(المتوفى في 7/12/1961م)، بعدها دخلوا الى العراق من جديد عن طريق قرية دشتان الحدودية – كاني ماسي – جبل سر العمادية – العمادية.
وبعد اشتداد القتال بين الحركة الكردية والجيش العراقي في سنة 1963م والهجمات العنيفة التي شنها الجيش العراقي في أعقاب حكومة البعث الاولى في شهر حزيران عام 1963م، هاجر قسم آخر من عشيرة الريكان الى تركيا هرباً من جحيم القتال في صيف سنة 1963م وكان من ضمن اللاجئين: الملا نوري بن الخليفة عبدالخالق مع أفراد أسرته، فلحق به أخوه الاصغر منه سناً (عبدالحميد)، حيث دخلوا القرى الكردية الملاصقة للحدود التركية مقابل قرى عشيرة الريكان، وبعد دخولهم الى تركيا قامت الحكومة التركية بادخالهم الى الاراضي العراقية من جديد عن طريق المعبر الحدودي الواقع على نهر الهيزل قبل إنشاء المعبر الحدودي في إبراهيم الخليل، حيث دخلوا منها الى قرية بيدار المسيحية الكلدانية التي كانت واقعة آنذاك على مسافة عدة كيلومترات غرب مدينة زاخو والآن تقع ضمنها كإحدى محلاتها، وبعد عملية استقرار مؤقتة في بعض القرى الواقعة على طريق زاخو – الموصل انتقلوا الى الموصل حيث استقروا هناك.
وفي الموصل كانت تنتظر السيد عبد الحميد مهام جديدة وهي الدراسة لدى علماء الموصل لتكملة دراسته التي بدأها كما ذكرنا آنفاً في مدرسة قريته بيزلي الملحقة بمسجدها. وكما هو معروف فإن مدينة الموصل مدينة عريقة لها تاريخ حافل بكثرة مساجد وجوامعها ومدارسها العلمية، والعلماء والادباء والكتاب الذين تخرجوا منها، فدرس على يد عدةعلماء عرب وكرد، منهم: العالم الكبير الشيخ بشير الصقال(1324- 1407ﮪ/ 1906 – 1986م)، والملا عثمان بن محمد الجبوري(1327- 1405ﮪ/ 1909- 1984م)، والملا عيسى اسماعيل حسن الخوركي المزوري(1322 -1433ﮪ/ 1914 – 2012م)، والشيخ حسن أحمدالآسيهي السليفاني، والملا نوري البيزلي الريكاني(13521428ﮪ/1933- 2008م) علوم اللغة العربية والاسلام: النحو، والصرف، والعقائد، وأصول الفقه،والتفسير.
وكانت الاجازات العلمية تعطى للطلاب الذين يكملون المرحلة الدراسية، وتهيئهم عند ذلك كي يقوموا بالتدريس والخطابة والوعظ، فكان يجتمع لشهود تلك الاجازات علماء البلدة وأعيانها. وكانت الاجازات هذه تكتب بيد الشيخ أو الملا يعترف فيها بتدريسه علوماً معينة للطالب المجاز على أساس الرواية التي أخذها عن أسلافه من العلماء. (محسن عبد الحميد، الآلوسي مفسراً، ص36).
وبعد دراسة السيد عبد الحميد لعدة سنوات (دوازده عيلم- 12 علم) منح الاجازة العلمية من قبل الملا عثمان محمد الجبوري سنة1968م في حفلة أقيمت في مسجده الكائن في مدينة الموصل، وكان الشيخ عبدالحميد قد ألقى أول خطبة جمعة في مسجد قضيب البان عام1966م في الموصل، وبعدها تم تعيينه من قبل الشخصية الموصلية حجي سعدون في مسجده الذي يحمل اسمه.
وفي السنوات 1969- 1971م دخل المعهد الاسلامي فيمحلة النبي شيث في الموصل تحت اسم المدرسة الاحمدية الدينية الوقفية التابعة لرئاسة ديوان الاوقاف و تخرج منها في الشهر الثامن من عام 1971م، بعدها انتقل الى بغداد للدراسة في كلية الامام الاعظم (= كلية الشريعة) وبعد دراسة خمس سنوات (1971 – 1972م/1976- 1977م)، حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الاسلامية، وكان من أقرانه في الكلية كل من: الشيخ الدكتور علي محيي الدين القره داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والملا محمد بن الملا أحمد العقري رئيس اتحاد علماء الدين الاسلامي السابق في كردستان العراق، الملا مصطفى حسن الريكاني( المتوفى سنة 1433ﮪ/2022م)، الملا مهدي الزيباري(المتوفى سنة1423ﮪ/ 2020م)، وآخرون. وكان من أساتذته في الكلية كل من: الدكتور حمد عبيد الكبيسي، والدكتور أحمدناجي القيسي، والدكتور أحمد عبيد الكبيسي، والدكتورهاشم جميل عبد الله القيسي، والدكتور عبد الله الجبوري، ،والدكتور حارث الضاري، والدكتور محمد رمضان عبد اللهالكركوكي، والشيخ عبد اللطيف البرزنجي. ومن الأساتذةالمصريين: الشيخ عبد الرحمن محمود، والدكتور عبد الفتاحبركة، والدكتور عبد المنعم الشافعي، والدكتور سيد نداالأزهري.
وكان السيد عبدالحميد قد درس علوم اللغة العربية والفقه الشافعي على يد كل من العلامة عبدالكريم المدرس(1905 –2005م) في الحضرة الكيلانية في بغداد، ودرس العلوم الاسلامية على يد الملا عبدالمجيد ملا عبدالله ملا عبدالكريم(1920 -1994م)، وحاز منه على الاجازة العلمية الثانية بعد إجازته الاولى في مدينة الموصل على يد الشيخ عثمان محمد الجبوري.
وتجدر الاشارة إليه أن السيد عبدالحميد درس علوم اللغة العربية من النحو والصرف والبلاغة وغيرها على يد العلامة الموصلي الشيخ بشير الصقال رحمه الله، وعلامة العراق عبدالكريم المدرس رحمه الله كما أسلفنا؛ وهذا ما جعله ملماً بعلوم اللغة العربية ومتفوقاً على أقرانه في هذا المجال، وهذا لا يقلل من أستاذيته في المذهبين الفقهيين: الشافعي بحكم دراسته في كردستان والموصل وبغداد، والحنفي بحكم عمله في الدراسة والوعظ والخطابة في كل من الموصل وبغداد بحكم كون غالبية علمائها على المذهب الحنفي الذي كان مذهب الدولة الرسمي أيام الدولة العثمانية حتى انتهاء حكمها على العراق عام1918م، وبداية الحكم الوطني من 1920م لغاية سقوط بغداد بيد الاحتلال الامريكي عام2003م.
وكان الشيخ عبدالحميد أثناء دراسته الجامعية يلقي الخطب في جامع الحيدرخانة في بغداد، وبعد تخرجه تم نقله الى جامع الفضل بصفة إمام وخطيب، وبقي فيه الى عام 1982م، حيث طلب نقله الى مسقط رأسه في محافظة دهوك؛ إثر تعرضه لضغوط عديدة من جانب وزارة الاوقاف العراقية آنذاك للاشادة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء القاء خطب الجمعة، وخاصة والحرب العراقية –الايرانية كانت في أوجها.
وفي سنة 1978م قبل الشيخ عبد الحميد في قسم المخطوطات وتحقيق النصوص في كلية الآداب/ الجامعة المستنصرية، وتخرج منها سنة 1980م بحصوله على شهادة الدبلوم العالي، بإشراف الاستاذ الدكتور صلاح الدين الناهي.
وكان نتاج ذلك هوتحقيقه لكتاب( أحكام الصغار) للفقيه الحنفي محمد بن محمود بن حسين الاسروشني(المتوفى سنة632ﮪ/) الذي يعد من أهم نتاجاته العلمية.
ومؤلف الكتاب هو محمد بن محمود بن حسين، مجد الدينالأسروشني: فقيه حنفي، نسبته إلى (أسروشنة) الواقعةشرقي سمرقند. وأُسْروشَنَة، أو أشروسنة، أو سروشنة،الاسم القديم لمنطقة في ما وراء النهر الواقعة بين سمرقند ونهر سيحون، و قد تبقت الآن منها آثار بالقرب من خجندفيطاجيكستان، ويرى المستشرق الروسي فاسيلي بارتولد(1869 – 1930م) أن الأطلال القائمة بالقرب من موضعيدعى شهرستان في الجنوب الغربي من أوراتبه، تعودإلى أسروشنة.
وذكر اسم أسروشنة في القرون الماضية وفي المصادرالمختلفة بأشكال مختلفة. وقد ذكرتها المصادر الفارسيةالقديمة بهذه الصورة، أو سروشنة، و لكن أقدم مصدرعربي ذكرت فيه هذه المنطقة استناداً إلى المصادر المتوفرةهو صورة الأرض للخوارزمي، حيث ذكرها باسم أُشروسنة. و بعد ذلك تكرر هذا الاسم في المصادر الجغرافيةوالتاريخية وخاصة في القرون الأولى (البلاذري، ابن خرداذبه، ابن قدامة، الإصطخري، البتاني). وكان ياقوت الحموي قد موضعها في بلاد ما وراء النهر دون أن يحدد موقعها مثلما فعلت المصادر التاريخية والجغرافية التي سبقته، وكان القائد الاسلامي المشهور قتيبة بن مسلم الباهلي هو الذي فتحها سنة 85ﮪ.
للاسروشني عدة مؤلفات منها: كتاب الفصول وهو مخطوطفي المعاملات، ضمه ابن قاضي سنماونة إلى كتاب(الفصول) للعمادي، وسماهما (جامع الفصولين – مطبوع)،و(أحكام الصغار – مطبوع) في الفروع، و(الفتاوي – مخطوط) و(قرة العينين في إصلاح الدارين – مخطوط).
والكتاب يشمل كل ما يخص الصغار من أحكام كالطهارة والعبادات، والأحوال الشخصية (النكاح، الرضاع، الميراث…)، والمعاملات والحدود وغيرها، وهو بهذا يعد موسوعة متكاملة تشمل الأحكام المتعلقة بالصغار، ولقد سبق المؤلف عصره في تأليفه لهذه الموسوعة التي سبقت القوانين والتشريعات التي كتبت بعدها بقرون، ولقد أحسن الشيخ الاختيار عند ما تولى تحقيق مخطوطة هذا الكتاب، ولإخراجه من رفوف المكتبات ليقدمه كهدية ثمينة للعلماء والباحثين وطلبة العلم ورجال الشريعة والقانون.
ونلخص هنا منهج الشيخ وجهوده في تحقيق الكتاب, واعتمدنا في ذلك على ما كتبه الشيخ في مقدمة الكتاب:
1- جمع ست مخطوطات للكتاب من مكتبات مختلفة.
2- تحليل نصوص الكتاب، وبيان المسائل الغامضة فيه، وإضافة المصادر إلى المواضع التي لم يشر فيها المؤلف إلى المصدر.
3- ترتيب النص وتنقيطه بعلامات التنقيط.
4- الفصل بين المسائل، ووضع عنوان لكل مسألة لتسهيل الوصول اليها.
5- المقابلة بين نسخ الكتاب، والإشارة الى الاختلافات الموجودة بينها.
6- تخريج الآيات القرآنية الواردة في الكتاب.
7- تخريج الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب.
8- تخريج النصوص المنقولة من المصادر، والتعريف بتلك المصادر.
9-إضافة بعض المسائل المتعلقة بمواضيع الكتاب وفات المؤلف ذكرها.
10- تعريف الأعلام الواردة في الكتاب.
ونظراً لقيمة الكتاب العلمية وأهميته فقد أوصت الجامعة المستنصرية بطبعه على نفقتها، ولقد طبع بناءً على تلك التوصية في عام 1982م في أربع مجلدات.
وبعد أن عانى الشيخ عبد الحميد من مضايقات قوى الأمن التابعة لحكومة حزب البعث بسبب مواقفه المعارضة لسياساتهم، وعدم استجابته لطلباتهم بضرورة الدعاء للرئيس الاسبق صدام حسين أثناء الحرب العراقية – الايرانية؛ اضطر الى مغادرة بغداد في عام 1982م، وانتقل الى محافظة دهوك وبالتحديد اصبح إماماً وخطيباً في جامع مصيف سوارتوكا الواقع شمال مدينة دهوك بحوالي 25كم تقريباً .
وفي عام 1989م انتقل الى مركز محافظة دهوك، واصبح إماماً وخطيباً لجامع دهوك الكبير القديم، واستمر فيه لمدة ثلاثين سنة أي حتى عام 2019م.
يعد الشيخ عبدالحميد أحد مؤسسي كلية الشريعة والدراسات الاسلامية في دهوك سنة 1992م، وابتدأ التدريس فيها، حيث نقل خدماته الوظيفية من وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في إقليم كردستان إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، واستمر بالتدريس في قسم اللغة العربية في كلية التربية جامعة دهوك، فضلاً عن إشرافه على مكتبة الكلية، وبعد تأسيس جامعة زاخو عام2010م نقلت خمات الشيخ الى قسم اللغة العربية في كلية الآداب – جامعة زىاخو، وبعد أن تأسس قسم الدراسات الاسلامية في فاكولتي العلوم الانسانية – جامعة زاخو نقل الشيخ الى القسم المذكور حسب تخصصه. إلى أن تقاعد من الخدمة الجامعية في عام 2014م، علماً بأنه كان مستمراً في الامامة والخطابة تطوعاً أثناء خدمته الجامعية.
ترأس لجنة الإفتاء في اتحاد علماء الدين الاسلامي فرع دهوك لفترات طويلة في أواخر التسعينيات من القرن العشرين وبداية الالفية الثانية، وكان سبق له أن شارك في المؤتمر الاول الذي عقده علماء الدين الاسلامي في كردستان العراق في قصبة كلاله مقر الوعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني في 21 شهر ايلول/ سبتمبر عام 1970م، بمشاركة 640 شخصية دينية علمية، وتمخض على إثرها تأسيس (اتحاد علماء الدين الاسلامي في كردستان العراق).
لقد كان تأسيس إتحاد علماء الدين الإسلامي كمؤسسة علمية ومهنية في كردستان خطوة مهمة في إتجاه ترسيخ دور علماء الاسلام في تعزيز مبادىء العقيدة والشريعةونشر ثقافة التعايش وحب الإنسانية، وفي توعية المواطنين في عموم مناطق ومدن وقرى كوردستان. وبموازات ذلك أدى علماء الدين الإسلامي أدواراً مشهودة في مراحل النضال والثورة، وفي رفع مستوى الوعي الديني والوطني لدى الناس والتعريف بالحقوق الشرعية، ورفض الظلم والإستبداد والطغيان.
وكان دوره يتلخص في الحفاظ على الهوية الاسلامية لشعب كردستان العراق، وتعزيز مكانتها في المجتمع.
ومن جانب آخر كان الشيخ عبد الحميد قد ألقى العديد من المواعظ والمحاضرات في صوت الإذاعة الكردية في بغداد في الفترة ما بين 1978 الى 1985م، عندما كان متواجداً كامام وخطيب في جامع الفضل في بغداد، وحتى بعد انتقاله كامام وخطيب الى محافظة دهوك، مع الشيخ عبدالحميد الأتروشي، والشيخ عمر مولود الديبكي، والملامصطفى حسن الريكاني والأستاذ أبو زيد السندي، حيثخدم الشريعة الاسلامية باللغة الكردية على أتم ما يكون، ومن ضمن تلك المواعظ عشرات الحلقات من تفسيره (الحياة مع القرآن). وسمى الشيخ تفسيره ب (زيانا دكه ل قورئانا بيروز) أي: الحياة مع القرآن الكريم، ويمكن تلخيص منهجه في تفسيره للقرآن الحكيم بالنقاط الآتية:
1- يبين الشيخ في مقدمة التفسير سبب قيامه بهذه المهمة الشاقة فيقول: أردت أنْ أقدم خدمة لبني جلدتي المحبين للإسلام، وأن أكون عوناً لهم على فهم معاني كتاب الله عزَّ وجلَّ.
2- بدأ الشيخ تفسيره بذكر بعض التعاريف المهمة المتعلقة بالتفسير، وبيان الفرق بين التفسير والتأويل، وشروط المفسر، ومن ثَمَّ بيان فضل القرآن الكريم وفضل تفسيره.
3- يبدأ الشيخ تفسير السورة ببيان مكيتها أو مدنيتها، ثم يتطرق الى بيان فضل السورة، فمثلاً يشير الى مكية سورة الفاتحة ويتجنب الخوض في ذكر الآراء المرجوحة التي تقول بأنها مدنية، ثم يذكر بعض الأحاديث عن فضلها مثل حديثعبدالله بن عباس – رضي الله عنهما – قال:[ بينما جبريل -عليه السلام- قاعد عند النبي – صلى الله عليه وسلم – سمع نَقِيضَا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فُتِحَ اليوم ولم يفتح قط إلا اليوم. فنزل منه مَلَكٌ، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنُورين أُوتِيْتَهُما لم يُؤتهما نَبِيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخَوَاتِيمُ سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منها إلا أُعْطِيتَهُ]. رواه مسلم في صحيحه.
4- يذكر الشيخ الأسماء الأخرى لسورة الفاتحة وهي: أم الكتاب، أم القرآن، السبع المثاني، الصلاة، الشافية، الكافية، الواقية.
5- يتطرق الى ذكر المسائل الفقهية التي تشير إليها الآيات، ففي سورة الفاتحة يبين حكم قراءة سورة الفاتحة في الصلاة، وفي آيات الحج والصوم في سورة البقرة يذكر أحكام الحج والصوم بشىء من التفصيل.
6- يذكر سبب نزول الآية أحيانا، ولاسيما إذا كان ذلك ضرورياً، مثلا في قوله تعالى: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ…}، البقرة: 158، ويذكر الشيخ رواية عاصم بن سليمان، قال: سألت أنساً عن الصفا والمروة، قال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما جاء الاسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ…}.
7- القارئ لتفسير الشيخ يرى أنّه قد بذل جهداً كبيراً، ولاسيما في زمن كانت القراءة والكتابة باللغة الكردية والاهتمام بها ضعيفاً الى أبعد الحدود.
8- يركز الشيخ في تفسيره على الجانب الدعوي والتربوي, ويرد على المشككين والمغرضين من أعداء الدين.
9- سألت الشيخ عن التفاسير التي اعتمد عليها في تفسيره فكانت إجابته: استفدت من الكثير من التفاسير، ولكن الاعتماد الأكبر كان على تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي(المتوفى سنة 671ﮪ)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير(المتوفى سنة774ﮪ)، والتفسير الكبير لفخر الدين الرازي(المتوفى سنة606ﮪ)، وفي ظلال القرآن لسيد قطب(المتوفى سنة1966م).
10– هناك بعض الأخطاء الاملائية البسيطة وغير المؤثرةفي تفسير الشيخ، ومن السهل تصحيحها.
وتجدر الاشارة إليه أنَّ للشيخ فضلاً عن تفسيره كتابات أخرى، منها تحقيقه لكتاب ( أحكام الصغار للاسروشني كما أسلفنا القول، وعناصر القوة في الاسلام (= عبارة عن خطب منبرية).
مواقفه
للشيخ عبدالحميد مواقف كثيرة في الدفاع عن المظلومين ونصرة قضاياهم، فعلى سبيل المثال كان له مواقف مشهودة في التصدي لمخططات النظام العراقي السابق في محاولته القضاء ليس على الحركة الكردية فحسب، بل وأد كل تحرك أو صوت كردي معارض لمخططاتهم الجهنمية لترويض الكرد كشعب بحجة تمرده وتصديه للسلطة العراقية في المرحلة الاولى، وفي المرحلة الثانية اتهامهم الحركة الكردية بدعم الإيرانيين وجيشهم وميليشياتهم في محاولة غزو الاراضي العراقية أثناء سنوات الحرب العراقية – الايرانية (1980 – 1988م).
كان للشيخ عبد الحميد مواقف واضحة وصريحة في عدم الاستجابة لمطالب الجهات الامنية في محافظة بغداد أثناء إمامته وخطابته في جامع الفضل في وسط بغداد، وتم استدعائه مرتين من قبل مديرية الأمن العامة حول الدعاء للرئيس العراقي آنذاك، وعلى أية حال فإن الشيخ لم يستجب لهذه المطالب.
وفي السياق نفسه فقد تم استدعاء الشيخ الى احدى الجهات الامنية في بغداد مرة ثالثة بحجة أنه يحمل جريدة ( طريق الشعب) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي العراقي، وكان الشيخ في قرارة نفسه يغلف الكتب الاسلامية الممنوعة وغير المرغوبة عند البعثيين بالجرائد إخفاءً لها، ولم ينتبه إلى كونها تمثل جهة معارضة للسلطة القائمة آنذاك؛ لذلك فبعد أن زادت الضغوط عليه وهو في مكان بعيد في بغداد؛ لذا قرر في نهاية الامر حسم الامر بنقل خدماته الى مسقطرأسه في محافظة دهوك، وبالتحديد الى جامع مصيف سواره توكا ( تبعد زهاء 25 كم شمال مركز مدينة دهوك)؛للتخفيف من وطأة تلك الضغوط، وتمت الاشارة الى ذلكآنفاً.
وبعد الانتقال الى محافظة دهوك، فإن مواقف الشيخ لم تتغير، وإنما زادت صلابةً لأنه رأى بأم عينيه ما يعانيه أبناء قومه وعشيرته من تدمير القرى وتهجير وإسكان أهاليها في مجمعات قسرية، وكان الشيخ قد استقر في إحداها مع أهله وأبناء عمومته وهو مجمع (باكيرات) الواقع على بعد 20 كم شمال مركز مدينة دهوك.
وقد تعرض الشيخ وإخوانه وأبناء عمومته إلى ضغوط كبيرة من قبل منتسبي الاجهزة الحزبية والأمنية لثني مواقفهم في الدعاء للرئيس العراقي، وتلبية رغباتهم في الطلب من سكنة مجمع باكيرات الالتجاق بمعسكرات الجيش الشعبي وألوية المهمات الخاصة، أو الدخول الى منازل المواطنين بدون استئذان بحجة المسح الامني والسكاني، ولكن وقوف الشيخ عبدالحميد وأخيه العالم الرباني المشهور ملا نوري(المتوفى سنة 2008م) أحبطت هذه المخططات.
فعلى سبيل المثال عندما قتل وزير الدفاع العراقي عدنانخيرالله طلفاح في حادث طائرة الهيليكوبتر في4/5/1989م، تفوه شخص من عشيرة الريكان بكلمات معبرة عن الظلم الواقع على الشعب في جامع باكيرات يفهممنها أنه انتقاص من المقتول، ونقل أحد الوشاة من وعاظ السلاطين من وعاظ السلاطين هذه المعلومة الى منظمةحزب البعث في مجمع باكيرات ونسبها الى الملا نوري أخوالشيخ ظلماً وزوراً، فتم استدعاء ملا نوري على الفور الىالفرقة الحزبية في ناحية مانكيش الواقعة على بعد حوالي50كم شمال غرب مدينة دهوك للتحقيق معه دون النظر الىمركزه الديني كإمام وخطيب جامع مجمع باكيرات أو سنه،لذلك رافق الشيخ عبد الحميد أخاه الى المكان المطلوب،وبعد تحقيق قصير تمكن الشيخ باسلوبه الراقي وبهيبته منإنقاذ أخيه من براثنهم.
وفي المرة الثانية عندما مات الأمين العام ومؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي (ميشيل عفلق) في 23/6/1989م، وكان مسيحياً وفق مذهب الروم الارثوذكسومن أهالي مدينة دمشق، تم الاعلان في الاذاعة العراقية رسمياً بأنه قد أسلم!، وتم اجراء مراسيم صلاة الجنازة الاسلامية عليه من قبل أحد أزلام السلطة البعثية آنذاك (وعاظ السلاطين)، وكان أخو الشيخ عبدالحميد الملا نوري قد تفوه لمرة الثانية بكلمات أمام بعض الناس مضمونها بأن عفلق قد مات على نصرانيته ولم يسلم، ونقل بعض عملاء حزب البعث من وعاظ السلاطين هذه المعلومات الى الاجهزة الحزبية والامنية، فتم استدعاء الملا نوري والشيخ عبد الحميد ونجله الكبير(عبدالمنعم) الطالب في المرحلة الإعدادية بواسطة المنظمة الحزبية في مجمع باكيرات الى الفرقة الحزبية في ناحية مانكيش التابع لقضاء مركز دهوكللتحقيق معه.
كما لا يمكن نسيان موقف عقيلته (والدة عبدالمنعم) في منع أزلام البعث من الدخول الى منزلهم أثناء عدم تواجد الشيخ في البيت، ولكن هيبة الشيخ ووقاره والمامه الكامل باللغة العربية الفصحى وقدرته على الإقناع، مكنته من التخلص من هذه المكيدة، وتم الاعتذار له من قبل أمين سر الفرقة الحزبية.
وعندما جرت عمليات ما يسمى بالأنفال في كردستان العراق، وكان آخرها أنفال منطقة بهدينان في محافظة دهوك في 25/8/1988 واستمرت الى 6/9/1988 وكان يطلق عليها الأنفال الثامنة وهي خاتمتها، حيث تم سوق الآلآف الى حتفهم في صحاري جنوب العراق ظلماً وزورا وبدون وجه حق، مثلهم في ذلك كمثل أصحاب الاخدود، { قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَاقُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)}، سورة البروج.
وبخصوص منطقة بهدينان فقد تم نقل الآلآف من الأبرياء من النساء والشيوخ والأطفال إلى منطقة بحركي الواقعةشمال غرب مدينة أربيل، حيث وضع آلاف من الناس منالنساء والاطفال والشيوخ في منطقة سهلية مملوءةبالاشواك والاحجار لا تتوفر فيها وسائل العيش (صحراء قاحلة) من ظلٍ يقيهم حرالشمس اللاهبة، فضلاً عن عدم توفر المياه والخيم وما الى ذلك؛ حيث تم وضعهم فيمعسكرات مسيجة بالاسلاك الشائكة حتى ينتظروامصيرهم المعروف دون أي وازع من دين أو إنسانية أوضمير؛ ولكن وقوف أهالي أربيل الاوفياء بكل شهامة وكرامةمن خلال دعمهم اللامحدود لكل متطلبات الحياة التي لا تخطر على البال؛ فتم انقاذ حياة هؤلاء البؤساء، مع ما رافق ذلك من تفشي الاوبئة والامراض المعدية السارية التي قضت على حياة المئات من الاطفال والرضع وحتى الشيوخ،لذلك هب علماء الدين الاسلامي في منطقة دهوك ومن ضمنهم: الشيخ عبدالحميد واخوانه الملا محمد شريف محمد طاهر البانصوري الدوسكي امام وخطيب جامع صدام حسين (= آزادي حالياً) والملا رشيد سكيري امام وخطيب الحامع الكبير في العمادية، والملا مصطفى حسن الريكاني خطيب جامع الامام حمزة، والملا علي نبي كرمافي الدوسكي امام وخطيب جامع كريباصي، والملا زاهد عابد الكوهرزي امام وخطيب جامع الشهداء معزملائهم الآخرين من العلماء وغيرهم من الشخصيات بمختلف طبقات المجتمع لنصرة هؤلاء المظلومين من بنيدينهم وقومهم، والطلب من الناس بمساعدتهم بكل ما يتوفرلديهم من متطلبات الحياة المختلفة من غذاء وماء ودواء وخيم وغيرها من وسائل السكن حتى يمكن انقاذ ما يمكن انقاذهمن الأرواح قبل كل شىء.
ومن جهة أخرى فقد زار الشيخ برفقة الملا محمد شريف الدوسكي والملا رشيد السكيري قيادة مكتب تنظيم الشمال العائد لحزب البعث في كركوك للطلب من مسؤوله (حسن العامري) بجمع شمل العوائل للتي تفرق أفرادها ما بين معسكر بحركى ومعسكرات الاعتقال الاخرى في قلعة مفرق دهوك والقلاع الاخرى الواقعة في مدن وقصبات منطقة بهدينان، ويبدو أن النجاح كان مصير خطوة علماء الدين الاسلامي المذكورين، رغم ما رافق هذا الاقتراح أو الالتماس من خطورة على حياتهم بسبب اتهامهم بدعم الاتجاهات المعارضة للسلطة آنذاك في إشارة الى ثوار ومؤازري الحركة الكردية.
و من مواقف الشيخ الجديرة بالذكر عدم رغبته في الانتماءإلى الأحزاب، ولا سيما حزب البعث، وكان يتعاون ويتعاملمع جميع الأحزاب في سبيل المصلحة العامة. وانتمىالشيخ لمدة سنتين إلى الحركة الإسلامية في كردستانالعراق في نهاية سنة 1991م، وكان هذا الانتماء عائدا ً إلىالعلاقة القوية التي كانت تجمع بينه وبين بعض العلماء منقادة الحركة أمثال: الشيخ عثمان بن عبدالعزيز مرشد الحركة، وشقيقه علي بن عبدالعزيز نائب المرشد، ودفعتهذه العلاقات قيادة الحركة لترشيحه لمجلس شورى قيادة الحركة رغم عدم تواجده في كردستان آنذاك (بسبب إنشغاله في رحلة الحج)، وعمل مع الحركة الإسلامية إلىأن حدثت بعض المشاكل بين الحركة الاسلامية والاتحادالوطني الكردستاني تطور الى قتال بين الجانبين في 3/12/1993م؛ ولكن هذا القتال المؤسف بين أبناء الشعب الواحد، كان له تأثير سلبي في وجدان الشيخ الذي كان لا يتصور حدوث هذا الامر الجلل، وسقوط العشرات من الضحايا بين الجانبين وحدوث تجاوزات خطيرة على حرمات بعض الضحايا.
وأجبرت هذه الأحداث المؤسفة في منطقة بيتواتة التابعة لمحافظة السليمانية مقر قيادة الحركة الإسلامية، ولكي لا تنتقل هذه الاحداث الى منطقة دهوك ذات الصبغة المحافظة، ابتعد الشيخ عن العمل التنظيمي، وركَّز أكثر على العمل العلمي والدعوي من خلال التدريس في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية التي تأسست في هذه الحقبة عام 1992م، فضلاً عن خطب الجمعة والمحاضرات والمواعظ المختلفة بعد الصلوات، وكان لهذه الاحداث المؤسفة التي لم يكن لها أي مبرر معقول يستحق كل هذه التضحيات تأثير على موقف الشيخ، لا سيما وأن الكُرد قد خرجوا للتو من مآسي حليجة والانفال وغيرها؛ كل هذه التداعيات والنتائج أوصلت الشيخ عبدالحميد الى قناعة أن الموقف الامثل هو استقلال عالم الدين مما يجعله مقبولا منقبل الجميع، وأكثر تأثيرا ًعلى الآخرين.[1]