#عبد الحسين شعبان#
إثر مكالمة هاتفية بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، انسحب نحو 100 جندي أمريكي، وأخلوا مواقعهم على طول الحدود السورية - التركية، فتدفقت القوات التركية نحو تل أبيض، ورأس العين، وعلى الرغم من أن ترامب لم يمنح أردوغان الضوء الأخضر، إلّا أن قراره بالانسحاب كان يعني إزالة العقبات التي تعترض طريقه، وهو ما التقطته أنقرة فأعلنت عن عملية «نبع السلام»، وقالت إن هدفها هو «القضاء على الإرهاب»، كما صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ولكن رد الفعل العربي، والدولي، ولاسيّما الأوروبي، اعتبر عملية الاجتياح تعرقل مكافحة «داعش»، فضلاً عمّا ستلحقه من أزمات إنسانية.
جدير بالذكر أن قرار الانسحاب الأمريكي كان اتخذ في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي (2018) لكن تنفيذه تأجل، ارتباطاً مع ارتفاع نبرة الحديث عن «المنطقة الآمنة» التي اختلفت واشنطن بشأن تفاصيلها مع أنقرة، ففي حين تريدها أنقرة بعمق 32 كم، وبعرض 460 كم، بحيث تستوعب اللاجئين السوريين، وتبعد قوات حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فإن واشنطن تعتقد أن المنطقة الآمنة يمكن أن تكون بعمق 14 كم، وبعرض 70-80 كم بين تل أبيض، ورأس العين، والأمر له علاقة بالقواعد العسكرية الخمس التي أقامتها الولايات المتحدة والمطارات التي بنتها في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن الاختلاف هو حول تحالفات واشنطن وأنقرة مع المجموعات السورية المسلحة، ففي حين اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حليفة لواشنطن، فإن تركيا تعتبرها جماعات إرهابية، خصوصاً حزب العمال الكردستاني PKK الذي تشبك بمعارك معه منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف العقد من الزمان، ويقضي رئيسه عبدالله أوجلان بقية حياته سجيناً في جزيرة إيمرلي التركية منذ عام 1999، ولكنها تتعاون مع «الجيش الوطني الحر» الذي يتقدمها، أو يرافقها في عملية الاجتياح، في حين أن «قسد» شعرت بالمرارة والخذلان بعد الانسحاب الأمريكي الذي مهّد للاجتياح التركي، فاستدارت للتفاهم مع دمشق، والتنسيق معها للدفاع عن الأراضي السورية.
وكانت أنقرة أعلنت أن العملية «لن تمتد أكثر من 30 كيلومتراً»، وشنّت طائراتها غارات على المنطقة الممتدة بين تل أبيض، ورأس العين، إضافة إلى قصف مدينة القامشلي، فضلاً عن اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية، (قسد)، وبين القوات التركية، خصوصاً في ريف الحسكة وتل أبيض، بريف الرقة.
ويزداد المشهد حدّة وتعقيداً بتقدم الجيش السوري، وسيطرته على مدينة منبج، وهو ما قد ينذر بحروب صغيرة منها: الحرب التركية- الكردية التي قد يستغلها «داعش» ليعود إلى الميدان، علماً بأن نحو 11 ألف إرهابي «داعشي» محتجز في مخيّم الهول بسوريا وتحت سيطرة «قسد»، ويوجد نحو 75 ألفاً من أفراد عوائلهم في المنطقة، ويشكّل ذلك بيئة اجتماعية حاضنة لهم في المنطقة التي تستهدفها تركيا، وقد تمكن 5 سجناء من كبار إرهابيي «داعش» من الفرار وسط القصف المدفعي التركي للقامشلي.
جدير بالذكر أن ردّ فعل كردي عامّاً نشأ ضد واشنطن التي يعتبرونها تخلّت عنهم، وهو ما يذكّر بتخلّي واشنطن عن الحركة الكردية في العراق العام 1975 بعد توقيع اتفاقية 6 مارس/ آذار، المعروفة باسم «اتفاقية الجزائر» بين شاه إيران محمد رضا بهلوي، وصدام حسين، الأمر الذي ينبغي أن يكون درساً قاسياً بحيث لا تتكرّر أخطاء التجارب السابقة.
لكن الرئيس الأمريكي عاد بعد تنديد الاتحاد الأوروبي بالغزو التركي، خصوصاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا، فهدّد بفرض عقوبات على تركيا من خلال الكونجرس، وهو ما ذهب إليه الاتحاد الأوروبي.
ومن الغريب أن تتوافق موسكو وواشنطن في موقفهما من الاجتياح التركي، وهو ما انعكس تأثيره على أعضاء مجلس الأمن الدولي البالغ عددهم 15 عضواً، وبضمنهم الأعضاء الدائمون، حيث عبّر المجلس عن «قلقه» إزاء العملية العسكرية التركية، مع التأكيد على احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، علماً بأن روسيا صديقة تاريخية لسوريا، وموجودة بفاعلية فيها منذ العام 2015 وساهمت في منع انهيارها بفعل التدخل الخارجي الأمريكي والإقليمي، لكنها مثل الولايات المتحدة لا ترغب في إحداث قطيعة مع تركيا، وتلك واحدة من مفارقات الحرب، وتداخلاتها، وتواطؤاتها، واشتباك مصالحها، وتعارض أجنداتها، على الرغم من مؤتمرات أستانة، وجنيف، وباقة القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي، ومنها القرار 2254 الذي شدد على عملية سياسية شاملة وطويلة الأمد، فكأنها شيء لم يكن.[1]