عمر كوجري
قبل أربع وثلاثين سنة، قررت الفاشية البعثية في العراق إلحاق وجع أبدي بحق الكرد ليس في جنوبي الوطن فحسب بل أربعة مواطن جهاته، حيث دُفن أكثر من 182 الف كردي وهم أحياء تحت التراب بقرار من المجرم صدام حسين، نفذّه علي حسن الكيماوي الذي أشرف بنفسه على إبادة خمسة آلاف قرية كردية..وقبلها كانت جريمة السلاح الكيماوي في 16 آذار ومن العام 1988 نفسه، حيث قضى أكثر من خمسة آلاف مواطن كردي في مدينة حلبجة الشهيدة ..
في كل عام تتجدد الذكرى فتفتح باب المأساة الكردية التي لا يمحوها تقادم الأيام..ويحاول الكرد استذكار هذا الوجع التي تضج به الجبال، لعلهم يرسمون لغدهم مستقبلاً بلا دفن الأرواح وهي تصرخ.. تناجي ضمير الإنسانية لئلا تغيب بتلك الوحشية التي ما شهد مثلها التاريخ..
بعد أكثر من ثلاثة عقود، مازال الظالمون يرتعون في الأرض، ومن قتل هذا العدد الهائل من الكرد، ربما غابت رموزه الأساسية، لكنّ كماً كبيراً من المجرمين لم تصلهم يد العدالة. أو أن العدالة في الأصل مفقودة.. ويعيش، ويموت هؤلاء دون أن ترف جفونهم التي من الإجرام قد رُسمت، وهم يفرغون ظهور السيارات ببشر طيبين بلا اي سلاح اسمهم : الكرد..يفرغونها في أرض معدة لهم.. في تلك الصحراء القاتلة.. ويهيلون عليهم التراب.. وبعد دقائق قليلة يخمد كل ذلك الصراخ .. ولكن الكردي لم ينته من وجه الأرض..بقي شامخاً.. وهاهو الآن يستصرخ الضمير البشري.. ينادي شرعة الأمم أن :
انتصروا لدماء شهدائنا .. تعالوا واعلنوا قصاصكم الأممي بحق المجرمين الذين تسببوا في دفن أرواحنا تحت تراب تلك الصحاري.. الأرواح التي أبعدوها قصداً عن موطن الكرد.. وحبيب الكرد :: الجبل..
لكن الصوت الأممي مازال خافتاً.. وأما العراق .. الدولة التي محت بالشكل صورة المجرم ذاك.. مازال لم يفكر بتضميد جراحنا الكردية التي لم تندمل بعد.. ورغم معرفة القادة الكوردستانيين أن لاشيء يعوّض بحر الدموع الكردية.. لكنهم في كل عام وبهذه المناسبة يطالبون الحكومة الوطنية بتعويض أهالي هؤلاء الشهداء.. وإعادة رسم معالم خمسة آلاف قرية كردية سواها الفاشي بالأرض، لكن كأن سادة اليوم هم سليلو سادة الأمس.. ويسوّفون في كل مرة، ويكتفون بعبارات الإنشاء والتأسف، والتبرؤ من ذلك العهد البائد، وفي غير ذلك ما لا يعيد لأهل الشهيد ولو أسماله التي نامت في باطن تلك الأرض الغريبة..
أربع وثلاثون سنة، ومازال العهد الحالي يبحث عن طريق .. عن حجة ليعيد تلك المأساة بحق الكرد مرة ثانية..وإلا ما معنى أن تجتاح أرضاً رواها الكرد بدماء شبابهم حتى حرروها؟ ما معنى أن تغلق طاقة أرزاق الغلابة، أن تزعم أنك شريكه في كل شيء، ولا تمنحه أي شيء؟
أليست هذه كارثة مستمرة إلى هذه اللحظة؟[1]