محمد زنكنة
جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس إقليم كوردستان #نيجيرفان بارزاني# إلى المملكة الأردنية الهاشمية في وقت مهم وحساس جداً حيث تمر المنطقة بالعديد من الصراعات والأزمات والعديد من الظروف الحساسة والتغييرات أيضاً وخصوصاً في شكل العلاقة المستقبلية بينها وبين بقية دول العالم.
ومع أن هذه الزيارة وطبيعة الاستقبال الذي حظي به الرئيس ليست الأولى لمسؤولين من الإقليم من قمة السلطة وصولاً الى الوفود الأخرى، إلا أنها اثبت بان الإقليم ما زال يشكل رقماً فاعلاً في سياسة المنطقة لكونه حقق وعلى الرغم من الكثير من النواقص التي تشخص دوما وتعمل حكومة إقليم كوردستان وبكل جدية على حلها ولاسيما في اطار وجود قانون صارم للإصلاح، مالم تحققه العديد من دول المنطقة وفي وقت قياسي ولكونه استغل ثرواته الطبيعية لحملة إعمار مازال يشهد لها أغلبية المتابعين للوضع الكوردستاني بانها حققت نسبة عالية من النجاح.
كما تأتي أيضاً في وقت يعمل فيه كل من العراق ومصر والأردن على تشكيل حلف إستراتيجي جديد (بحجة إبعاد العراق عن الهيمنة الإيرانية) وإعادة العلاقات مع المحيط العربي (ولكن بمراعاة الخصوصية التي يتمتع بها العراق بوجود شعوب غير عربية وعدم تجاهل إقليم كوردستان تحديداً)، ومن أهم بنود هذا الاتفاق أن يزود العراق مصر والأردن بالبترول بأسعار مخفضة مقابل تنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة ومهمة في العراق، ولكوردستان تجربة مهمة في كلا القطاعين ولكونه الجزء الأكثر استقرارا من العراق فمن الممكن ان يكون له دورا مهما في تنفيذ هذه الاتفاقية (هذا إن كان عمر هذا الحلف افضل من مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس في عام 1989 ولم يستمر لأكثر من شهور معدودة).
وبالعودة الى التاريخ يتبين لنا بان لشعب كوردستان علاقات قديمة وعميقة بالأردن على المستوى الجماهيري وحتى على مستوى الدولة، فقد كان للكورد موقع مهم في المجتمع الأردني ومازال مستمرا وعلى الرغم من عدم وجود لغة كوردية يتكلم بها من هم من أصول كوردية فيها إلا انهم مازالوا محتفظين بأصالتهم وطبائعهم الكوردية ولم ينقطعوا عن إحياء المناسبات القومية والوطنية الكوردية ومنها عيد نوروز دون أن تتأثر هذه المسائل بالتيار القومي العروبي المتعاطف مع البعث العراقي والناقم على البعث السوري.
ويعود تواجد الكورد على الأراضي الأردنية إلى زمن صلاح الدين الأيوبي حيث تعتبر الفترة التي تشكلت فيها الدولة الأيوبية التي حكمت العراق ومصر والأردن وسوريا واليمن من أكثر فترات التاريخ الإسلامي استقرارا، واستمر توافد الكورد فرديا حتى فترة الدولة العثمانية، لأغراض التجارة والعمل ولبعض وظائف الدولة العثمانية أو للخلاص من البطش الذي كانوا يعيشون فيه والذي تسبب بقيام أكثر من ثورة كوردية.
وقد شكل الكورد في الأردن منذ زمن صلاح الدين حارة مازالت معروفة باسمهم تسمى بحارة الأكراد (الكورد) والتي تقع على السفح الجنوبي الغربي من قلعة السلط، واثبت الرحالة السويسري بيركهارت بعد زيارته للسلط في عام 1812 بان الكورد هم احدى ثلاثة مكونات المجتمع في السلط يليهم القطيشات والعواملة. كما لعبوا دورا مهما في صفوف الجيش والدرك واستقر الكثير بعد نهاية العهد العثماني في الأردن ومن العائلات الكوردية في الأردن بدرخان، الكيكي، آل رشي، زازا، بكداش، سعدون، هشلمون وغيرهم.
أما على الجانب السياسي فقد كانت للسمعة الجيدة للثورة الكوردية دورا مهما في التقريب بينها وبين العديد من دول وقادة العالم على مستوى المنطقة والعالم وتحديدا مع مصر والأردن والمملكة العربية السعودية حيث تبادل القائد الخالد مصطفى بارزاني المراسلات مع الملك الراحل الحسين بن طلال ورئيس الديوان الملكي في ستينيات القرن الماضي وصفي التل والذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء واغتيل في القاهرة في عام 1971، ويذكر بان والدة التل السيدة منيفة بابان أيضاً كوردية ويعود أصلها لمدينة السليمانية.
ومن خلال الرسالتين التي بُعثت للبارزاني من قبل الملك حسين والتل، نلاحظ بان العلاقة لم تكن فقط في اطار سياسي ضيق فحسب، بل تعدت الى إرسال مبعوثين من البارزاني للقاء الملك الراحل والتل للتباحث حول مواضيع تهم الشأن الكوردستاني والوضع العام في فترة ثورة أيلول والعلاقة مع النظام السياسي العراقي آنذاك.
وفي تسعينيات القرن الماضي وعلى الرغم من العلاقة القوية التي ربطت الأردن بالعراق ونظام صدام، إلا أن القيادة السياسية الأردنية كانت تنظر بعين التقدير والاحترام للأحزاب الكوردية وقد التقى الملك حسين بن طلال بمبعوثين عن الرئيس الراحل مام جلال والرئيس مسعود بارزاني لأكثر من مرة ليشرح لهم النظرة الثابتة للأردن من حاضر ومستقبل العراق لأنه كان قد توصل الى قناعة مفادها بان هذا النظام لن يمكنه الاستمرار وحان وقت تغييره وخصوصا بعد احتلاله للكويت وتحديه لدول العالم.
وكان الملك الحسين هو أول من اقترح نظام فدرالية الأقاليم الثلاثة للعراق تفاديا لأي مشاكل في المستقبل بعد إسقاط نظام البعث وللبدء بعملية ديمقراطية تغلق صفحة الدكتاتورية للأبد وتتخلص من التركة الثقيلة للأنظمة السابقة، وتقوت هذه الفكرة أكثر بعد الأزمة التي سببها هروب صهر صدام، حسين كامل ولجوئه الى الأردن.
وبعد سقوط البعث فتحت الأردن أبوابها لقادة العملية السياسية العراقية الجديدة واستقبل الملك عبدالله الثاني اكثر من وفد عراقي وكوردستاني وفتحت صناديق للاقتراع للجالية العراقية للمشاركة في انتخابات الجمعية الوطنية ومجلس النواب والتصويت على الدستور، وبعد تولي الرئيس مسعود بارزاني رئاسة إقليم كوردستان، استقبله الملك عبدالله ولأول مرة في التاسع عشر من آذار لعام 2007 وتوجت هذه الزيارة بافتتاح القنصلية الأردنية في أربيل في سبتمبر 2011 ، وتوالت بعدها الزيارات للرئيس بارزاني والرئيس نيجيرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني لأكثر من مرة للمملكة.
واليوم وبعد هذا الإرث التاريخي والسياسي بين الجانبين، وبوجود اكثر من 83 شركة أردنية تعمل في كوردستان، لابد للإقليم أن يستفيد من هذه الفرصة لمزيد من التطوير في العلاقات مع الأردن والتي تحتل مكانة مهمة على مستوى المنطقة والعالم ولابد للأردن أن يتأكد بان الإقليم هو المكان الأكثر أماناً وثقة لتنفيذ المشاريع التي يحتاجها الإقليم ويحتاجها الاقتصاد الأردني أيضاً في ظل أزمات كثيرة تواجه المنطقة ومن الضروري جدا أن يمتد مدى العلاقات الى محاور أوسع من الاقتصاد والسياسة أي أن يشمل الجوانب الثقافية أيضاً وعلى المستوى الثقافي والشعبي، حيث مازالت الكثير من المبهمات تواجه أفكار الكثير من أبناء الشعوب العربية دون أن يكون لهم أي ذنب في هذا الموضوع، ومن المهم أن يتفهم المواطن الأردني ماهية كوردستان وخصوصيتها وخصوصية شعبها والظلم الذي وقع عليها منذ تأسيس الدولة العراقية وما تعانيه الآن من مشاكل في ظل عقلية لا تتقبل الشراكة الحقيقية في اطار وطن اتفق على ان يكون موحدا في اطار دستور لا يعترف به الجانب الآخر.
حقق الأردن نجاحاً لافتاً للنظر في مجالات العلوم والتكنلوجيا والاندماج مع العالم بالإضافة الى مجالات أخرى كالسياسة والاستثمارات لكنها مازالت بحاجة الى مزيد من التمويل والدعم لقلة مواردها الاقتصادية، واثبت الإقليم أيضاً وبتطبيق سياسة الانفتاح والتعايش السلمي بين مكوناته والاستقرار الأمني الذي يعيشه النجاح على أصعدة كثيرة بانه قادر على أن يبني كيانا يعتمد عليه ويستطيع الحفاظ على استقراره وبإمكانه الاستفادة من ثرواته لكنه أيضاً بحاجة الى مزيد من الخبرات وان اندماج الطرفين سيصنع الكثير من قصص النجاح في المنطقة (دون تجاهل المخاوف الجادة من التدخل السلبي لأطراف سياسية ذات طابع ميليشايوي في بغداد لإفشال أي تقارب من هذا النوع) .
لقد اثبت إقليم كوردستان بانه طرف يُعتمد عليه، وفي إحدى زيارات الرئيس مسعود بارزاني للأردن، كان الملك عبدالله الثاني قد اكد له بأن الكورد شعب وفيّ، ومن خلال تواجد الجالية الأردنية في الإقليم توضحت الكثير من الحقائق التي كانت خافية عن الجميع بسبب سيطرة ونفوذ البعث الذي دمر العراق وآخر تقدمه (مع عدم وجود نية للتطور لدى الكثيرين من أصحاب النفوذ السياسي في عراق اليوم)، لذلك يستطيع الأردن أن يستغل كل هذه المقومات لتحقيق الكثير مما لا يمكن تحقيقه في المدن والمحافظات الأخرى في العراق.[1]