سامان سورانی
كوردستان وسياسة التوازن والتضامن
ما تشهده منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك إقليم كوردستان من تطورات متسارعة في حركتها وانعكاساتها في ظل ظروف معقدة على الصعيد الإقليمية والدولية والمحلية، مع بروز تداعياتها على الساحة العراقية من خلال التوازنات الجديدة المتوقع حصولها في هذه المنطقة الحيوية من العالم وادعاء القوى الدولية والإقليمية مواصلة سعيها ليكون الشرق الأوسط ومن ضمنه إقليم كوردستان مستقراً ومنطقة واعدة، مع ازدياد تركُّز القواعد العسكرية الأجنبية فيها (قواعد أمريكية وبريطانية وفرنسية وروسية وتركية وإيرانية، بل وحتى صينية موجودة في منطقة القرن الإفريقي) للوصول إلى ما يصل إلى 50 قاعدة.
في الوقت الذي تنأى فيه حكومة إقليم كوردستان بالنفس عن سياسة الأحلاف والمحاور، بعد قراءة الواقع والتفاعلات السياسية المتسارعة في المنطقة، تسعى القيادة السياسية الحكيمة بشكل متواصل إلى بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار والدول الفاعلة عالمياً بما يحقق المصالح العليا للإقليم والأخذ بشعب الإقليم لبر الأمان والاستقرار وتعمل على مشاريع مرتبطة بالتضامن الحقيقي من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ونشر سياسة التضامن والتعاون والتوازن لا في العراق فقط، بل في المنطقة كافة، للتخلص من عقدة التوسعية على حساب الآخر والتحلي بفلسفة الانسجام والتسامح، تكريساً للعدل والمساواة بين شعوب المنطقة والعالم.
ساهم الإقليم كبوابة الشرق الاقتصادية الآمنة من خلال قدرته على صناعة توازن أمني داخلي وخارجي بشكل فعّال في بناء توازن ‘إستراتيجي مستقر في هذه المنطقة، حتى أصبح اليوم عنصراً رئيسياً لقياس مدى استقرار المنطقة، لأن حكومة الإقليم تعمل بسياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وتنبذ سياسة المحاور والتكتلات والاستقطابات.
لقد أصبح الشرق الأوسط في السنوات الماضية منطقة جاذبة للقوة الخشنة والقوة الناعمة والقوة الذكية والقوة القاسية، لكننا نعتقد بأن ممارسة القوة وإتباع النهج المبني على تحالفات علاقات هجينة وتواطؤ الأضداد غير قابل للاستدامة، والتوازن لا يتحقق إلا عن طريق قدرة نظام الأمن في توليد طاقات متعادلة ومتماسكة ضمن جميع الاتجاهات السياسية.
إن القيادة السياسية الحكيمة في كوردستان تعلم بأن للموقع الجغرافي لإقليم كوردستان، الواقع عند حافات إمبراطوريات تاريخية منتهية صلاحياتها وفي ملتقي طرق الحضارات الإنسانية الرفيعة أثراً بالغاً على مصير سكانه ومستقبلهم السياسي وأن لقيمته الجيوستراتيجية الجيوبوليتيكية المتحكمة بقلب الشرق الأوسط وممراتها ومفاتيح اجتيازها تبعات من النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسلوكية والجیوبولتیكیة، لا ننسى أن هناك منطقة ضمن إقليم كوردستان تحتل مركز الصدارة في ربط أكثر الدول أهمية ببعضها البعض (إيران – العراق – تركيا) وإن التوازن الإقليمي هو الذي يؤثر على التوازن الدولي، وذلك كونه ينظم علاقة القوى الرئيسة المسيطرة على سياسة العالم.
يعد مفهوم الأمن في الشرق الأوسط من المفاهيم المعقدة في السياسة الدولية، كونه ما زال يخضع في معظم مناطق الشرق للسياسات الدولية، فهو مرتبط بشكل أساسي بالوضع السياسي واستراتيجية القوة الاقتصادية، لكن القدرة السياسية والعسكرية، المدعومة منذ عام 2014 من قبل قوات التحالف ضد الإرهاب العالمي، والقدرة الاقتصادية والاجتماعية لإقليم كوردستان، جعلته ينتصر عسكرياً على تنظيم داعش ليصنع بُعداً سلوكياً أمنياً.
إن هذا البعد السلوكي الأمني يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالح العالم، وهذا بدوره يعزز قدرة الإقليم في التغيير الحقيقي لبسط معادلة السلام والأمان ضمن جميع المناطق المحيطة به ويجعله أكثر مرونة وحركة وفاعلية خاصة ضمن معادلة التوازن الدولي والإقليمي.
إن قدرة قيادة الإقليم، المدركة لحجمها ودورها، على توظيف هذا الموقع الجيوستراتيجي وفق مصلحته العلیا والمصالح المشتركة مع البيئة العراقية والإقليمية والدولية سوف تحقق المبدأ المهم والأساس وهو عنصر التوازن في التعاطي مع مختلف دول العالم، ولهذه القيادة الرؤية الإستراتيجية لاستثمار كل إمكاناته لبناء إقليم حديث بمعنى الكلمة يقود منطقتها نحو التطور والنمو الحضاري.
وختاماً: ستبقى إستراتيجية التوازن والتضامن والتكافؤ في التعاطي الإقليمي والدولي هي الأنسب لإقليم كوردستان في سياسته الداخلية والخارجية.[1]