تعلموا من كوردستان
في كل دول العالم تكون العاصمة السياسية للبلد هي الأكثر التزاماً وانتظاماً ومثالاً تحتذي به المدن والمقاطعات والأقاليم التابعة لنفس البلد، بحكم أن مركز صناعة القرار يكون في العاصمة، فنجد التطور والحفاظ على النظام والقوانيين بصورة مشددة إلا في العراق!
نعم في العراق فالعاصمة السياسية بغداد هي الأكثر خراباً والأكثر فساداً وعدم مبالاة بالنظام والقانون لكن على العكس تماما ترى في إقليم كردستان النظام والالتزام وتطبيق القانون وفرضه مع أن إقليم كوردستان ما زال منطقياً وإدارياً تابعاً لإدارة الدولة العراقية، لكن ومع كل أزمة تمر بها المنطقة أو العالم نرى كيف تتعامل بها حكومة الإقليم وتخرج منها بأقل الخسائر، رغم الإمكانيات المحدودة المتاحة من الناحية المادية والبشرية.
خذ مثالاً على ذلك أزمة تفشي فيروس كورونا الذي أصبح وباءً عالمياً تعاني منه جميع منه دول العالم المتقدم والمتأخر، أزمة اجتاحت العراق على حين غفلة من أمره لم يكن جاهزاً لها؛ لا من الناحية الصحية ولا من الناحية الاقتصادية ولا حتى من ناحية الوعي والثقافة.
المرض يهاجم ويحتاج لقرارات صارمة ولا مجال للمناقشات أو المسجالات السياسية. بدأت حكومة إقليم كوردستان باتخاذ قرارات صارمة تعطيل الدوام في المدارس وإلغاء التجمعات بكافة أشكالها بما فيها احتفالات عيد نوروز القومي والذي يعد أهم أعياد السنة بالنسبة لأبناء القومية الكوردية!
لم تكتفِ حكومة الإقليم بهذه القرارات فاتخذت مجموعة أخرى منها إغلاق المساجد وإيقاف التنقل بين المحافظات وفرض حظر التجول مع فرض الغرامات المالية الكبيرة لمن يخالف الحظر.
رأينا في الأيام السابقة وبحسب تصريحات الجهات المختصة في الإقليم عن انحسار انتشار فيروس كورونا وتماثل 13 حالة للشفاء من المصابين بالفيروس والفوائد العظيمة لفرض الحظر وجلوس الناس في منازلهم.
لم تنتهِ الإجراءات عند هذا الحد فقررت وزارة الصحة في حكومة كوردستان اتخاذ قرارات أخرى، أهمها تشكيل مجموعة من الفرق الطبية الجوالة للقيام بحملة فحوصات شاملة على المواطنين والباعة في الأحياء السكنية، للتأكد من سلامتهم من الإصابة بالفيروس.
بينما فرضت الحكومة كل تلك الإجراءات لم تترك التجار يتحكمون باستغلال الأزمة ورفع الأسعار فهم بالنهاية بشر والبشر بطبعه انتهازي لا يشبع في كل مكان وزمان، لكنها هددتهم بفرض عقوبات صارمة وغرامات مالية كبيرة وشكلت فرقاً تابعة للحكومات المحلية لمراقبة الأسعار بشكل يومي فلم يطرأ الارتفاع عليها إطلاقاً.
وطيلة فترة الأزمة كانت خلية الأزمة المشكلة لمواجهة فيروس كورونا في إقليم كوردستان عبارة عن خلية نحل تتنقل بين محافظات ومناطق الإقليم ولم تقل عن إجراءاتها أنها (كلاوات) كما وصف ذلك أحد أعضاء خلية الأزمة في بغداد خلال المقطع الفيديو المسرب من المؤتمر الصحافي للخلية!
لم تفرض الحكومة حظر التجول بطراً إنما لوجود مصلحة عامة فقررت إلزام الناس بالجلوس في منازلهم للمصلحة العامة، المقدمة على أي مصلحة غيرها. وقد ساعدها بذلك وعي الناس المنقطع النظير فالناس في الإقليم يخرجون خارج منازلهم على قدر الحاجة وهذا يعود لمرحلة الوعي التي تشكلت لدى المواطنين، والتي تولدت نتيجة قرب المسؤول من الأزمة فعندما يشاهدون رئيس حكومتهم مسرور بارزاني وفريق عمله يعقدون اجتماعهم عبر الدائرة التلفزيونية ويقومون بإجراءات الوقاية فالمواطن سيتقدي بهم بكل تأكيد.
في النهاية ما أريد أن أقوله أن المسؤولين في الإقليم ليسوا ملائكة، ولكن يتفوقون على نظائرهم في بغداد والمحافظات العراقية بمراحل وسيتجاوزن هذه الأزمة العالمية بأقل الخسائر، والدليل أنهم تناسوا جميع الخلافات السياسية والحزبية المتعمقة داخل الإقليم وانشغلوا بكورونا فقط بعدّه وباءً عالمياً يهدد حياة البشر.[1]