عبدالله جعفر كوفلي
الكورد وقول الحقيقة
لقد فكرت طويلاً وملياً وأجهدت نفسي كثيراً وأثقلتها بما لا تطيق وحاولت جاداً ان أنساه وان يتجاوزه ذاكرتي ولكنه كان حاضراً عند كل انين وقطرة دم تسال وصرخة طفلٍ وأمٍ ومسنٍ وقطرة دمع ورأس قلم وحنين مهاجر يحلم بوطنه وازقة مدينته التي خرج منها مرغماً، وسط كل هذه الامتزاجات والافكار سؤال يراود مخيلتي وربما في فكر الكثير وأكون صادقاً بأن ما اعيشه وابحث عنه لست وحيداً بل لم ولن اكون فالطريق مليء بأمثالي يبحثون عن جواب ذلك السؤال كل بأسلوبه وشاكلته هذا السؤال دفعني الى البحث المستفيض وقراءة الاحداث بدقة وهذا السؤال الذي غالباً ما اجاب عنه المؤرخون والقادة والباحثون ولكن جوابهم لم يطفئ غليلي ولم يرو عطشي لأنه وان كان حقيقة ولكنه في قرارة نفسي هو جزء من الحقيقة وينقصه جزء مهم وحساس وعليه تقف الاجزاء الاخرى. هذا السؤال هو ما هو السبب الذي جعل الشعب الكوردي ممزقاً بين اجندات دول العالم وما هو سر وجودهم كمادة دسمة على طاولة المفاوضات والحوارات وعلى دم شبابه وعجز مسنه ودمعة امرأته وطفل فاقد ابويه منتشلاً من تحت الانقاض تتم الاتفاقات وتقسيم الكعكة بينهم وما ان يخرج راسه من حجره إلا وتبدأ دول الاضداد المجاورة والعالم بنسج المؤامرات وتوقيع الاتفاقات وكأنهم وجودوا ليقفوا في وجه طموحات هذا الشعب المسكين المغلوب على أمره .
لقد حاول الكثير الاجابة على هذا السؤال ومنهم من ربطه بالظروف الموضوعية والمصالح الدولية والموقع الجغرافي ووجود الثروات الطبيعية وعدم قدرة القيادات السياسية من لعب دورها والاستفادة من الفرص واستغلالها وما الى ذلك من اسباب وقد اتفق معهم ولكني قد اختلف معهم في فقرة واحدة وهي حقيقة مُرة مرارة الحنظل وثقيلة كثقل الجبال وهي ان حُبنا لقوميتنا يحمل علامات استفهام عديدة وإننا لم نكن صادقين مع ارضنا ومياهنا وسماءنا – مع تقديري لكن من احب قوميته وناضل من اجلها وضحى بالنفيس من اجلها – فلكل قاعدة شواذ، اذ ان الظروف والوقائع الداخلية ومنهجية الاعداء زرعت في نفوسنا الولاء للمناطق والمدن والاحزاب والقوى السياسية اكثر من ولاءنا لقوميتنا الكوردية فكل تيار واتجاه ربط وجود الشعب الكوردي بوجوده ويرفع شعاراً قومياً براقاً ويجعل من نفسه حامياً وحارساً امنياً لحقوق الشعب الكوردي، ويصنف غيره بالخيانة واداة المؤامرة بيد الاعداء، لذا بات حب الاحزاب والقوى السياسية اولى من حب القومية والوطن مع العلم ان هذه الاحزاب والقوى وجدت لخدمة القومية وهذه ليست دعوة للعنصرية او الشوفينية لأن حبي لقوميتي لا تعني بأي شكل إنكار الاخر او التجاوز على حقوقه، وان طبيعة الشعب الكوردي بات مناسباً لزرع مثل هذه الافكار فقد قيل قديماً ان الشعب الكوردي شعب يحب غيره اكثر من نفسه ومثله الافغان وان الدلائل الواضحة على ما ذهبت اليه :
- إن احترامنا وحبنا لضحايا ومناسبات قوميتنا لا ترتقى الى المستوى المطلوب فمثلاً شاءت الاقدار ان تصادف مناسبة مرور ثلاثين عاماً على مجزرة حلبجة في 16/3/1988 يوم الجمعة، وإجلالا لهم جرى العرف ان تطلق صفارات الانذار وتقف حركة السير لمدة خمس دقائق في الساعة الحادية عشرة صباحاً ويقف الجميع بصمت وفي يوم الجمعة لم يخرج إلا القليل من المواطنين الى الشارع وحتى غالبيتهم لم تعرف المناسبة إلا بعد ان سمع صوت الصفارات او شاهد في التلفاز وربما كان غارقاً في نوم عميق ذهب به الى احلام نرجسية خائبة، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. وإذا كان مبررنا انها وقعت منذ زمن فأن مأساة كركوك وطوزخورماتو وعفرين لا تزال جراحاً ينزف الدم منها وان احتجاجاتنا واستنكارنا لم تخرج من اطار شبكات التواصل الاجتماعي او إصدار البيانات من هنا وهناك .
- إن حبنا واحترامنا لتراثنا تحمل الكثير من الاستفهامات فالقادة والعظماء والحكام جزء مهم من تاريخنا والعالم اجمع تفتخر بهؤلاء القادة الذين ضحوا بجل حياتهم في سبيل اوطانهم وحقوق شعوبهم، اما نحن فقد جعلناهم رموزاً حزبية ومناطقية بدلاً من وضعهم في اوسع نطاق فالشمالي لا يعترف بقادة وعظماء الجنوب والشرقي لا يعترف بالغربي والعكس صحيح تماماً.
وعليه فإذا كان حبنا لقوميتنا ضعيفة وربما هناك من يفضل القوميات الاخرى على قوميته ، فأننا ننتظر الاسوأ والاسوأ ويكون الاتي ادهى وأمر، وان العالم غير مسؤول عن زرع حب القوميات في نفوس شعوبها وانما الشعوب هي التي تفتخر بانتماءاتها القومية وتدافع عنها وتضحي من اجلها واكرر انها ليست دعوة للعنصرية وإنما هي التعامل بالمثل وهو حق طبيعي وإنساني مشروع.[1]