عبد اللطيف موسى
كأنّ عدالة السماء تقتضي أن تبقى المعاناة ملازمة للسوريين أو أن يقضي السوريين ما تبقّى من عمرهم في المعاناة والألم في ظل فقدان أبسط مقومات الحياة في سورية، حيث أنّ كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب مناطق واسعة من سورية وتركيا وبغض النظر عن أسباب حدوثها ونتائجها الكارثية التي خلفتها على الشعب السوري من الموت والدمار والبقاء تحت الأنقاض من دون مساعدة تقودنا هذه الكارثة الى حقيقة واقعية تتجسد في استمرارية معاناة السوريين ومواصلة صراعهم من أجل البقاء.
هنا يجدر و يتوجب الإشارة الى السبل المتاحة التي تتوافق مع مبادئ الإنسانية في تقديم الدعم والمعونة للسوريين في محنتهم هذه ،والتي تضاف الى العديد من سلسلة المحن التي يعيشها الشعب السوري من القتل والتدمير والهجرة وفقدان مقومات الحياة والبقاء في سورية.
تتجسد أبرز معالم وسمات كارثة الزلزال في زيادة المعاناة معاناة، ففي هذه اللحظات الآلاف من السوريين يقسون الموت والدمار والعيش تحت الركام من دون أي مساعدة في انتظار رحمة السماء والمساعدة الإلهية لإنقاذهم، كما ويعاني الآلاف من السوريين من البقاء دون مأوى تحت رحمة البرد القارس والمطر والثلج والظروف المناخية الصعبة ،والأمر الذي يزيد في المعاناة الواقع الجيوستراتيجي في سورية والذي استحدثته الظروف الدولية وسياسة المصالح بكافة أشكالها وصفاتها وما تحتويه من مقومات جغرافية واقتصادية واجتماعية لتعد السمة الأساسية في تجسيد سياسة المصالح في سورية، ولتجعل منها ساحة الصراع لتحقيق الأجندات وتنفيذ المصالح على حساب الشعب السوري وحقه في عيش حياة حرة كريمة تكفل حقوقه وفقاً للمبادئ والقوانين والأعراف الدولية . إنّ سياسة تنفيذ المصالح التي وجد السوريين من خلالها أنفسهم يعانون واقعاً مليئاً بالمعاناة على كافة الاصعدة من خلال الحرمان مع واقع جديد من التقسيم بكل أوجهه بمسميّات مختلفة تخالف الواقع السوري الأصيل كمناطق النظام والموالاة والمعارضة وشرق الفرات وغربه ومناطق تتبع في الولاء و الإرادة والإدارة الى دول إقليمية ذات نفوذ مباشر في الأزمة السورية. أبرز هذا الواقع الجديد طبقات مختلفة عن الأخرى من حيث الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى المعيشية، ولكن ما يجمع تلك المناطق عدم امتلاكها إرادة إدارة تلك المناطق بل العمل على معاناة سكانها تبعاً للسياسات والاجندات التي تفرض عليهم لتجعل منهم أداة رخيصة في تنفيذ تلك الأجندات.
السوريون في واقع التقسيم الجديد مجردون من كافة مكونات البقاء وفي ذلك تجسيد لسياسات الجوع والفقر وانهيار كافة مقومات المجتمع السليم وتفكك الأسرة وفقدان الثقة بين السلطة والشعب والإرادة المنهارة في ظل انعدام خطط البناء والتطوير الإصلاح ليجد السوريون أنفسهم أمام خيار الرغبة في الهجرة ومواجهة المصير المجهول وترك مناطقهم.
كل هذا يقودنا الى حقيقة أنّ السوريين في صراع مستمر مع البقاء في ظل فقدان الأمل بمستقبل يحقق أبسط مقومات العيش، وأن حجم هذه التحديات السياسية في تنفيذ المشاريع الاستعمارية الحديثة التي تقودها الدول الإقليمية والعالمية في سورية تجسد الأساس الحقيقي للمعاناة ،وكما أن حجم المصاعب والكوارث التي عانى ومازال يعاني منها السوريين ولاسيما الكارثة الأخيرة في صراع الطبيعة(الزلزال المدمر) تزيد من المعاناة في كل مكان ولا سيما الشمال السوري(جنديرس ) المحاصرة والتي تمنع عنها المساعدات نتيجة الخلافات السياسية وواقع التقسيم السياسي الذي يفرض على السوريين. إنّ ترك السوريين في كل تلك المناطق السورية المدمرة في مواجهة مصيرهم مع الموات تحت المباني المهجورة ، مع عدم توافر المسكن والظروف المناخية الصعبة وفقدان كافة المواد الغذائية وعدم توافر مواد إنقاذ السوريين من تحت الأبنية المنهارة على رؤوس ساكنيها يجسد أبرز وأصعب ملامح التراجيدية السورية في المعاناة وصراع البقاء. وهذا يتنافى كلياً مع المبادئ الإنسانية وكافة المواثيق والاعراف وحقوق الإنسان التي تنادي بها الدول الديمقراطية.
إنّ ابسط مبادئ الإنسانية تقتضي عدم ترك السوريين لوحدهم في مواجهة الموت، لذا الأمم المتحدة بكل منظماتها والدول العالمية والإقليمية والمنظمات الإنسانية مطالبة للقيام بواجبهم الإنساني في إغاثة الشعب السوري، وعدم تركه وحيداً في مواجهة مصيره، وكما يتوجب عليهم تجاوز جميع المعوقات السياسية التي تمنع دخول المساعدات الإنسانية ومساعدة السوريين في المناطق التي فرضتها التقسيمات في سورية من مناطق المعارضة ومناطق النظام والمولاة ،كما أن على الأمم المتحدة والدول التي تنادي بحقوق الإنسان والديمقراطية مساعدة السوريين في تجاوز الخلافات السياسية، والتخلي عن مصالحها في هذه الأوقات، وكذلك يتوجب على المنظمات الدولية والإنسانية والجاليات السورية وبالأخص الكوردية في المهجر وخارج سورية تنظيم العمل بشكل أكاديمي أو ما يشبه العمل المؤسساتي المنظم في جمع التبرعات والمساعدات العينية ،والعمل على التنسيق من خلال الطرق الدبلوماسية في الاستفادة من العمل الدبلوماسي للأخوة في إقليم كردستان ومؤسساتهم الدولية في العمل على إيصال تلك المساعدات الى المحتاجين اليها في سورية ولاسيما في #عفرين#.
في المحصلة يمكن القول بأن الظروف والمصاعب بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية والكوارث الطبيعية إنما تجسيد حقيقي لاستمرار المعاناة وصراع البقاء الذي يخوضه السوريين في ظل غياب الإرادة الدولية الحقيقية والصادقة في إيجاد الحلول لإنهاء معاناة السوريين وصراعهم من اجل البقاء.[1]