إدريس سالم
أيَرى الكورد ولادة دولتهم في سايكس- بيكو آخر؟
لعلّ الكورد أخفقوا في تثبيت حقوقهم في اتفاقيتي لوزان وسيفر، بمؤامرة من إحدى المنظمات السرية التي تحكم العالم أو بتخلٍّ من دولة عظمى، فحدود سايكس – بيكو يجب أن تبقى كما هي، وأيّ تغيير في بنودها هو دمار وكارثة لمصالح فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك، ولأن هناك بند رئيسي في الاتفاقية يؤكّد على أن مدّة الاتفاقية هي 100 عام، إذاً فجغرافية كوردستان تلاشت وتقسّمت بين حدود أربع دول بموجب مصالح الدول الموقّعة والمعنية بضرورة تطبيق الاتفاقية على الأرض «فهل سنرى ولادة الدولة الكوردية في سايكس – بيكو آخر؟»، فيما المسلمون والعرب يستميتون اليوم بكلّ قوّتهم في المحافظة على هذه الكعكة، التي قسّمها لهم الدولتان الكبيرتان فرنسا وبريطانيا مع الإمبراطورية الروسية، ونسوا أو تناسوا أن هذه الكعكة هي ملك لهم، وهناك مَن قسّمها لهم وأخذ الحصة الأكبر، عدا كوردستان التي هي ملك لأبنائها الميديين، وما نشاهده ويشاهده العالم اليوم وخاصة العالم العربي ليس انفصالاً أو اقتطاع جزء من أراضٍ عربية، بل هو الأرض الكوردية التي وزعوها بين أربع دول، ويجب استعادتها بكل السبل.
سايكس – بيكو آخر قادم، ولكن بطريقة مبتكرة ووجوه جديدة وحدودٍ ترسم بالدماء، «تفتيت المفتّت وتمزيق الممزّق وتقسيم المقسّم، وربّما بتحرير وتوحيد جزأين كورديين من أصل أربعة أجزاء»، أضف إلى هذه الطريقة وجود الطبّاخ الأمريكي الشرس الذي يمسك عدّة سكاكين بيد واحدة، فسوريا ستنقسم إلى ثلاث دول أو دويلات (كوردية، سنية، علوية)، والعراق الذي يعاني التفكّك منذ 2003 ومهدّد بالتقسيم بشكل كبير وحتمي «الرحلة العربية – الكوردية داخل الخريطة العراقية مرشحة للانتهاء. هكذا يقول غسان شربل في لقاء أجراه مع الرئيس مسعود بارزاني لصالح صحيفة الشرق الأوسط»، بعد دخوله مرحلة الفوضى العارمة والاضطرابات الشديدة والصراعات العقيمة بين السنّة والشيعة، مع دخول تنظيم داعش واستيلائه على مساحات شاسعة من مناطق العرب السنة في العراق «أيّاً سيؤول إليه مصير تنظيم داعش سواء بتحجيم محدّد أو زوال تام، فإن مستقبل سوريا والعراق بات أمراً محلّ شكّ كبير من قبل القوى العظمى»، وسط التحركات الحكيمة والعميقة للحكومة والقيادة الكوردية في إقليم كوردستان للعمل بشكل جادّ وديمقراطي وعصري على تنفيذ استفتاء شعبي والوصول إلى الاستقلال الكامل وإقامة الدولة الكوردية، بعدما فشلت العلاقات والوعود بين الجانبين وطغى عليها التوتر وعدم الانسجام، لدرجة أنها وصلت في بعض الأحيان إلى التصادم العسكري، حيث حرّك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الجيش العراقي لمهاجمة قوات البيشمركة في خانقين وكركوك ومناطق كوردستانية.
ولكن المراهنة ليست على التقسيم، فالتقسيم حسب معطيات الواقع ومصالح الدول الراعية والمُديرة لكل الأزمات الراهنة في ساحة الشرق الأوسط فهو أمر مُحتّم، وسط خسائر علاقات الشراكة مع الحكومة الاتحادية التي يديرها القم الإيراني «تُعتبر مليشيا الحشد الشعبي ذراع إيران الطولي في العراق»، المراهنة تكمن على ما بعد التقسيم، وهل هذه الدول الجديدة قادرة على أن تدير جيشاً وشعباً ومؤسسات حكومتها، وتطبّق قوانينها ومواد دستورها، قادرة على تطوير المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والتعليمية، مثلما نجح في هذا الأمر إقليم كوردستان إلى حدّ كبير، الذي شكّل جيشاً من البيشمركة وازدهرت مدنها بشكل مرموق «أتقبل الدول المهدّدة بالتقسيم بحتمية التقسيم والواقع القادم؟»، خاصة أنه يربطها بدول إقليمية تبادلات تجارية ضخمة في قطاع النفط والغاز، وتوقيع الآلاف من الشركات الدولية اتفاقات معها في مجالات التصدير والاستيراد، كان آخرها اتفاق بين شركة روسنفت الروسية وإقليم كوردستان، لإنشاء أنبوب غاز إلى تركيا ثم أوروبا، وتصل طاقة تصدير الغاز الطبيعي من خلال هذا الأنبوب نحو 30 مليار متر مكعب، وتركيا أول المستفيدين، مما يجعل اقتصاد الإقليم من الاقتصادات الواعدة، وهذا الاتفاق سيفتح الباب أمام شركات جديدة «روسنفت تسعى لمنافسة غازبروم».
أياً تكن السيناريوهات الأيام القادمة فإن أولى بوادر نجاح الاستفتاء هو وجود رغبة وإرادة شعبية كوردستانية في التصويت ب (نعم) في يوم الاستفتاء، فمنذ انطلاقة مهرجان كولن في ألمانيا وإلى اليوم والشعب منتفض راغب في حقه وحريته، ثانياً أن قيادة إقليم كوردستان تجاوزت مرحلة التلويح بالاستقلال، ثائر ضد رفض الديكتاتوريات والتمييز العنصري، حيث لوّحوا سابقاً بين الفينة والأخرى وفي مناسبات متفرقة علّ بغداد تطبّق الدستور بشكل قانوني دون التعدّي على حقوق الكورد الشرعية، لكنهم كانوا مزاجيين في تطبيقه «إيران تتحكم في مزاج قادة العراق»، إلا أنها هذه المرة حددت تاريخ الاستفتاء وأعدت لذلك عدتها، وثالثاً وهو الأهم قانونياً أن الاستفتاء غير محظور بموجب القانون الدولي ولا يعتبر انتهاكاً، لأن خطوة إقليم كوردستان الأولية المتمثلة في إجراء استفتاء على الاستقلال لا تتعارض مع القانون الدولي، فعلى مدى القرن الماضي أجرى عدد مفاجئ من كيانات الدولة الفرعية استفتاءات تتعلق بالاستقلال، ففي الفترة ما بين عامي 1905 – 1991 عقدت 52 كياناً من كيانات الدولة الفرعية استفتاءات تتعلق بالاستقلال، ومنذ عام 1991 تم إجراء 53 استفتاء ذات صلة بالاستقلال، بما مجموعه 105 استفتاء، ومن المقرر أن تحدث بحلول نهاية عام 2019 أربعة استفتاءات (كوردستان في العراق، كاتالونيا في إسبانيا، كاليدونيا الجديدة في فرنسا، بوغانفيل في بابوا غينيا الجديدة)، بحسب “بول ويليامز“ الاستاذ في القانون والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية، وهذه بعض من الدلائل الواقعية على أن الكورد سيرون دولتهم، التي لطالما ناضلوا من أجلها قرابة أكثر من قرن كامل.
فالأنظمة التي حكمت المنطقة منذ عهد العثمانيين مروراً بالبعثيين وصولاً الى مسوخ الأنظمة الحاكمة الراهنة «ديمقراطيون ديكتاتوريون»، عملت بكل قوتها بعقل استبدادي على ضرب التعايش المشترك والتعددية ورفض التنوّع وقبول الآخر، وفشلت في تنفيذ مواثيق المواطنة والمساواة، فلم تعطِ القوميات حقوقها الثقافية والتعليمية بل مارست بحقها العنف والاضطهاد، فها هي الحكومة الاتحادية في بغداد ومن ورائها الأنظمة المحيطة ومعها جماهير غفيرة من العالم العربي تستكمل اليوم مسار أسلافها من القرون الماضية باستعمال خطاب شمولي عدائي رافض لحق الكورد في الحرية والاستقلال، وبالتالي إعطائهم مبرراً إضافياً يزيد إصرارهم على بناء تجربتهم الخاصة في الحكم وتمسكهم بخيار الاستقلال، إلا أن الكورد تعلموا واستخلصوا الدروس من تجربة تقسيم المنطقة منذ مئة عام، حين وضعتهم اتفاقية سايكس – بيكو (بين فرنسا وبريطانيا) ومعاهدة سيفر (بين الدولة العثمانية والحلفاء) ووضعت معهم جميع شعوب المنطقة خارج الحسابات وبعيداً عن دائرة القرار لرسم خريطة الشرق الأوسط، وبالتالي حرمتهم من حقهم في تقرير مصيرهم.
كلمة أخيرة لقادة الحركة الكوردية في غربي كوردستان « PYD المنهمك والغارق مع القبائل ومعارك ليست له، وENK-S المهمل لقضية شعبه والراكض وراء غيره وبيانات وأحلام وردية» أن يستفيدوا من تجارب نضال ثورات جنوبي كوردستان وتعاملهم مع الخصوم، ويتوقفوا عن تبادل الاتهامات وتخوين الآخر «أنت ضدي إذاً أنت عزرائيل، أنت معي إذاً أنت ملاك»، وعلى أتباعها أن يصحوا من حرب الشتائم والتحزّبيات العمياء، فعندما تنتقد عبد الله أوجلان فلا يعني أنك أردوغاني طوراني، وكذلك عندما تنتقد البارزاني لا يعني أنك بعثي أو أسدي أو صدامي، لنتخلص من هذه الأحكام الثقيلة والجاهزة، ولنؤيّد أي إرادة أو مطالب كوردية في أي جزء من كوردستان، دون أن نهمل أو ننسى قضايا الجزء الذي ولدنا فيه وننتمي إليه.[1]
كاتب وصحفي كوردي