نسرين اليوسفي
كُردستان وإسرائيل!
للذين يغفلون تواريخ الشعوب والأمم منذ بدء حضارة الأقوام نقول أنه لا شبه بين كردستان ودولة إسرائيل ، لا من قريب ولا من بعيد بشيء.
لقد وضعت إسرائيل خارطتها غير ملتزمة بحدود سياسية معلومة مع الدول العربية المجاورة لها والمحيطة بها منذ أول نشأتها عام (1948). ولطالما كان لإشكالية تعيين حدود رسمية لهذه الدولة التي قامت بمباركة بريطانيا وأمريكا ، أمراً غامض النوايا وسابقة خطيرة في تاريخ نشأة الدول.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وُضِعَتْ فلسطين تحت الانتداب البريطاني من أجل تأسيس وطن قومي لليهود الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد العرقي واللا انساني في أغلب الدول التي تواجدوا فيها، لكنهم بعد الحرب العالمية الثانية بعامين، أي في عام (1947) وبإقرار من هيئة الأمم المتحدة التي قسمت أرض فلسطين إلى دولتين (عربية ويهودية) وبحسب (إعلان 14 مايو عام 1948) أقاموا دولتهم وتمَّ الاعترافُ بها وبدأوا يتوسعون في حدودها ضمن الأراضي السورية واللبنانية والمصرية غير آبهين بما ورد بقرار تقسيم فلسطين بحجة فوزهم في حربهم للاستقلال.
أما كردستان التي ظهر اسمها لأول مرة كمصطلح جغرافي في القرن الثاني عشر الميلادي في عهد السلاجقة، فحدودها معلومة وأراضيها جبلية ذات حدود طبيعية، تقع بين درجتَي العرض 34° و39° ودرجتَي الطول 37° و46°. تحدها من الغرب جبال طوروس والهضبة العليا لما بين النهرين، الجزيرة وجبال ماردين السفلى.جنوبي جبال آغري (أرارات) من منتصف المسافة ما بين جنوب غرب بحر قزوين وجنوب شرق البحر الأسود، ممتدة داخل آذربيجان الإيرانية وجمهورية أرمينيا، وقسم كبير من شرقي الأناضول التركي. وتنحدر جنوباً حتى مشارف الجزيرة الفراتية العليا في شمال سورية والعراق وشمال شرق العراق فوسط القسم الغربي من إيران. وتنتهي في الجنوب بخط وهمي يمتد من مندلي العراقية إلى كرمنشاه الإيرانية. أي أن أراضي كردستان مُحدّدة ومعلومة على عكس الأراضي الإسرائيلية.
عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقَّعَتْ دول المركز المنهزمة على معاهدة سميت (بمعاهدة سيفر 1920) التي تضمنت تخلي الدولة العثمانية عن جميع الأراضي التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية ، وقد صادقت الدولة العثمانية على جميع بنود هذه المعاهدة ، وكان من ضمن تلك البنود (62 و 64 من الفقرة الثالثة) أنه من حق سكان إقليم كردستان اجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل، الا أن بريطانيا وفرنسا اللتان كانتا تسيطران على أراضي سميت ب ( العراق) و(سوريا) فيما بعد بصفة الانتداب، لم توافق على مقترحات الكرد حول حدود كردستان التي تقع أجزاء كبيرة منها ضن غنائم هاتين الدولتين المنتدبتين، كما أن كمال أتاتورك الذي عارض المصادقة على المعاهدة وخالف أوامر الباب العالي وقاد حرباً عسكرية ، استطاع أن يجبر الدول المُنتدِبة ودول الحلفاء على التفاوض من جديد حول حدود وملكية الأراضي التركية ، ووفق معاهدة لوزان (1923) تم الاتفاق على الحدود الحالية لتركيا ، وبذلك هُضم حق الشعب الكردي مرتين ، من جانب دول الحلفاء ومن جانب الدولة التركية المتشكلة.
إنَّ إسرائيل التي نسمع بين حين وآخر من بعض أطرافها الحزبية وشخصياتها السياسية ، مباركات ومبايعات كثيرة للدولة الكردية القادمة ، ونقرأ بين سطور الأطراف العربية تخويناً للكورد بهذه المباركات الإسرائيلية معيدين الى اذهاننا تأييد الرئيس ياسر عرفات وبعض الشخصيات الفلسطينية الشهيرة لحقوق الشعب الكردي ، أقامت دولتها معتمدة على الخطاب الديني وعلى تأييد الدول المتنفذة عالمياً وواضعة بيوض أجيالها منذ أربعينيات القرن الماضي في بيئة لم تكن حاضنة ملائمة لها لسبب مهم وهو ذات السبب الذي يفرّق بين الكيان الإسرائيلي الذي غُرِس على أرضٍ موعودة حسب معتقداتهم الدينية وشتَّتْ شعبها الأصلي (مُعظمهُ) ظلّ فاقداً لهويتهِ الوطنية ومحروماً منها لغاية اليوم ، وبين كردستان التي مزّقتها المعاهدات والاتفاقيات الدولية الجائرة (سايكس بيكو وسيفر ولوزان) والتي يناضلُ أبناء شعبها في سبيل استرجاع حقها كدولة لم تقُم على أنقاض تاريخ دولة أخرى ، بل تنوي انتزاع حق أبنائها الذين دفعوا حيواتهم في القرن الماضي إما في حروب داخلية مُوَجَّهة لتثبيت حقوق شعب آخر (فارسي عثماني عربي) أو غرقاً ، هرباً من عصابات الترهيب العرقي ومن ممارسات التمييز العنصري الحديث.
ليس بين كردستان وإسرائيل علاقة سوى أنّ كلتيهما تضمان شعوباً لها حقوقاً إنسانية مُعترف بها رسمياً ضمن مواثيق الأمم المتحدة في تقرير مصيرها لكن:
ليس على حساب تشريد شعوب أخرى لها أيضاً ذات الحقوق في ذات المواثيق الدولية التي لا يُطبَّقُ منها على أرض الواقع شيئاً إلاّ حين تتقاطع مصالح الدول الكبرى فيما بينها... وللتاريخِ بقيّة![1]