شفان إبراهيم
العُنف الحاصد لأرواح الكورد في سوريا
لاشك أن الصورة الطاغية على المسرح الكوردي اليوم في سوريا، هي صورة العنف المُسبب للخوف. مشهدٌ يختلف جذرياً عن اندفاع وإقدام الشباب في مختلف البلدان العربية إبان ربيعهم العربي. كما تُعاكس كُلياً مُثبتات الشباب في الحدث السوري.
أصبحت النمطية اليوم تُثبط من العزيمة الكوردية حيال ردة الفعل العنيفة والقوية جداً. إن انتشار الخوف اليوم في الشارع الكوردي كنتيجة للأحداث الأخيرة, فاق حتى حجم الخوف المتولد من شمول المناطق الكوردية من أي هجوماً جوي أو صواريخ مُزيلة للرقعة الجغرافية, وما سيتلوها من تداعيات. ثمة اليوم تفجيراً لنسقً مُضمر يعيش الشعب الكوردي تحت وطأته، وبات الحريص على المستقبل الكوردي يتلقى ضرباته الموُجعة وجدانياً عاطفياً، وفكرياً قومياً. خاصة وأن ثمة جهة سياسية تعمل وتسيطر على مقادير الحكم في كوردستان سوريا مُتهمة دوماً بتسببها الدائم في الوقوف في وجه أي مشروع كوردي قومي.
إن تراكم السياسات المجحفة بحق الكورد، وعدم إزالة الإتحاد الديمقراطي لأثار الغبن والحيف الواقع على الكورد تاريخياً، ومع قناعة الغالبية أن مشاريع مثل /التربية والمناهج الجديدة، التجنيد الإلزامي, المشاريع السياسية المختلفة، السعي نحو أحادية العمل السياسي ومنع الأخر المختلف فكرياً وثقافياً وسياسياً من العمل بشكل حر، تسمية المنطقة بشمال سوريا...إلخ/ زادت من الأعباء المفروضة على الكورد، ما دفع بعامل العنف والعنف المُضاد ليحتل الصدارة في أي نقاش كوردي- كوردي حتى قبل أن يبدأ.
تملك الإدارة الذاتية القوة والقدرة التي منحها الاتحاد الديمقراطي، لها. لكن أدوات تطبيق القوة لديها تتجلى في العنف المتمايز عن السلطة الديمقراطية، وجوهر العنف تُسيّره مقولة الغاية والوسيلة متطابقتين. فالغاية في الوصول إلى السؤد السياسي تُرجم في السيطرة على الشارع الكوردي، صاحبه تضخم الغاية ذاتها للوصول إلى السيطرة على العاطفة والعقل وردة الفعل الإنساني، وهي غاية مُحاطة بخطر أن تتجاوزها الوسيلة –ذاتها- التي تُبررها، والتي لا يمكن الوصول إليها من دونها. بات اليوم من السهل التنبؤ بغاية الإتحاد الديمقراطي من السيطرة على الشارع الكوردي وفرض سلطته وقوته وهي النقطة الجوهرية من أي عمل تُقدم عليه. إضافة إلى رغبته في مشاركة المجلس الوطني في أي استحقاق سياسي دولي قادم إن كُتب لسياسة المجلس النجاح في عمله.
إن الأحداث والسجالات التي دارت في كوردستان سوريا منذ بدايات الحدث السوري وبمفاعيل داخلية، والتي انفجرت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، إذا نُظر إليها على خلفية القرن العشرين، فإن الرتم الكوردي يتشابه ويتقاطع مع توقعات لينين الذي وصف القرن العشرين بقرن الحروب والثورات. وبعد الحالة التي وصل إليها الحدث السوري فإن الوضعية المجتمعية الكوردية بات يرثى لها أكثر بكثير من مآلات ومخرجات اغلب دول الربيع العربي. فتطور أدوات العنف المتبعة في المناطق الكوردية وصلت لدرجة لم يعد من الممكن معها القول بأن ثمة رغبة في تنظيم الحياة السياسية كوردياً، بل أن هذه الاندفاعات والمقدرات العنفية تفتقد لأي سبب مُقنع مع قدراتها وتطبيقاتها التدميرية، أو تُبرر استخدام أي طرف لأي اندفاع خارج عن المألوف.
المنطقة تتجه نحو التأسيس لمرحلة جديدة، فالمجلس الكوردي كان ينشد دوماً الحفاظ على أخر شعرة بينه وبين الاتحاد الديمقراطي. أضحى الطرفين السياسيين الرئيسيين في صورتين متناقضتين أكثر من أي وقت مضى، أحدهم في صورة من يسعى إلى ترتيب البيت الكوردي، في مقابل الطرف الأخر الذي يَظهرُ كالمُهدِم لأي رؤية توحيدية، بعد إغلاق المقار الحزبية وغيرها.
التصعيد ضد أحزاب المجلس وتشميع مكاتبه سيؤسس حتماً لمرحلة مخالفة عن سابقتها في كوردستان سوريا، وهي مرحلة ستحمل حلاً جذرياً للازمة بدلاً من ترميمها أو تأجيلها كما في المرات السابقة. حينها ستعاني المناطق الكوردية من عُسف سياسي جديد قوامه شراكة قاسية مبنية على عض الأصابع وليّ الأذرع وكسر العظام بشكل خفي ومباغت، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية نيابية بمراقبة دولية. لكن الاتحاد الديمقراطي وبتصرفاته الأخيرة اثبت انه بارعٌ في خلق الأزمات وإضاعة الفرص، بكل بساطة كان يمكنه جرّ المجلس الكوردي إلى شراكة ويُلزمه بدفع الدماء والخسائر والتضحيات، لكن ثمة أمرين منعاه، الأول: مشروعه الأممي متعاكساً مع تبني المجلس الكوردي لمشروع قومي جغرافي, فالاتحاد الديمقراطي عمل ويعمل كل ما في وسعه لتطبيق مشروعه, والمجلس يعول على الدعم والتأييد الدولي أكثر من أي شيء أخر. الثاني: مدى ارتباط كل من المجلس الكوردي والاتحاد الديمقراطي بمحاور كوردية تتضارب مشاريعها هي الأخرى بين القومية والاستفتاء على الاستقلال، وما بين أخوة الشعوب والأمة الشرق أوسطية الديمقراطية.
التدخل الأمريكي لرأب الصدع سيحدث أجلاً أو عاجلاً وحينها سيجد الاتحاد الديمقراطي نفسه في موقع البائس والمجبر والمسير لا المخير لحمل وزر كل ما ارتكبه أعضائه ومناصريه ومؤازريه، وسيجد المجلس الكوردي نفسه كالمنتشي بعد عذاب طويل، لكنه هو الأخر سيُعاني من التطبيق الفعلي للشراكة لسببين، الأول: فقدان النُخب الثقافية والفكرية والأدبية والأكاديمية وهو ما يتقاطع مع حال الإدارة الذاتية والإتحاد الديمقراطي، الثاني: سيكون العنوان الأبرز الدائم لمناصري وممثلي الإتحاد الديمقراطي في الشراكة بين الطرفين متمثلاً في أن لا أحد قدم أيّ تضحيات في المنطقة باستثناء الإتحاد الديمقراطي، خاصة وان تهمة العمالة والخيانة مرتبطة بالمجلس منذ أكثر من سنتين وفق منظر الإتحاد الديمقراطي، وأنصاره غير مستعدين لقبول أي طرف غير متفق مع سياسته.
الدوامة الذي وضع الإتحاد الديمقراطي نفسه فيها بعد أحداث شنكال، قسم الرقعة السياسية في كوردستان سوريا إلى سؤالين فقط..
الأول: الأحداث والاشتباك حصل في منطقة جغرافية تتبع سياسياً وإدارياً إلى إقليم كوردستان العراق، والقوة العسكرية هناك قوة مشتركة بين بشمركة الإقليم وبشمركة روج افا وهذه الأخيرة مسجلة على ملاك وزارة بشمركة الإقليم، والاشتباك حصل بين قوات حماية شنكال وقوات عائدة إلى حزب العمال الكوردستاني من جهة، ومن جهة ثانية قوات البشمركة، العنف المولد جراء هذه الاشتباكات ضد الكورد في سوريا هل يؤكد ويشرح أن هذه المنطقة ليست سوى إرث نضالي تاريخي لنهج البارزاني في كوردستان سوريا.
الأمر الثاني: بمناسبة أو بدونها يؤكد الإتحاد الديمقراطي فك أي ارتباط تنظيمي وسياسي مع حزب العمال الكوردستاني، لكن ردة فعله على أحداث شنكال أثبت العكس تماماً، وهو الأمر الذي ستستغله تركيا آجلاً أم عاجلاً في أي لقاء تركي - أمريكي حول ضع الكورد في سوريا.
إلى اليوم فإن السمة البارزة للإدارة الذاتية هو سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي. اكتملت السلبية والبؤس والعسف السياسي مؤخراً عبر إلغاء الأخر المختلف. بالمجمل لم يستطيع الاتحاد الديمقراطي ولا الإدارة الذاتية من إرساء أي أسس ديمقراطية أو أرضية لحالة سياسية جمعية، وهما يتحملان مسؤولية كبيرة في ما حل بالمنطقة ولم يقدموا شيء على الرغم من دعاوى الإصلاح, بل السمة العامة هي الوقوف دوماً عند حد النزعة الحزبوية الضيقة من جهة, ومن جهة أخرى التضييق والضغط باتجاه المحافظة على الواقع المُعاش.[1]