د.زارا صالح
ورقة دي ميستورا وحقوق الكرد في سوريا
انعقدت الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف حول سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة في الفترة من 23 شباط حتى الثالث من آذار و لم يحدث أي تقدم في هذا السياق سوى الورقة التي قدمها السيد دي ميستورا (المبعوث الأممي) لكافة الاطراف السورية وتضمنت 12 نقطة حول رؤية الحل السياسي في سوريا، ثم أعلن فيما بعد عن مقترح لجدول أعمال للمحادثات المقبلة في نهاية هذا الشهر وشملت: البحث عن حكومة وطنية انتقالية، الدستور، الانتخابات وملف الحرب على الإرهاب.
بالعودة إلى محتوى الورقة المقدمة من قبل دي ميستورا، فإنها بشكل عام تبحث قضايا عامة تتجاهل تقريباً ما حصل في سوريا طيلة السنوات الماضية حيث لا حديث عن انتقال سياسي وكذلك مصير الأسد وفترة بقائه وغموض حتى حول الانتخابات والعديد من المسائل المصيرية حول سوريا المستقبل وشكل الدولة والحكم.
فمثلاً يجري الترويج لحكومة وحدة وطنية بحيث تجمع النظام والمعارضة معا بدلاً عن الانتقال السياسي وكذلك يبدو أن المعارضة أيضا لم تعد مهتمة بمصير الأسد وهناك إمكانية بقائه حتى عام 2021 وكذلك ترشحه للانتخابات الرئاسية مرة أخرى مع الإبقاء على النظام بشكله الحالي والحفاظ على مؤسساته الحكومية والمؤسسة العسكرية ايضاً، اي يفهم من ذلك بان المعارضة لا تختلف كثيراً عن النظام في رؤيتها السياسية وباحثة عن السلطة فقط حيث الإبقاء على الدولة المركزية وتطبيق نظام الادارة المحلية الموجود سلفاً في حقبة البعث وهذا بحد ذاته مشاركة في إعادة إنتاج نظام على نفس السوية ولكن هذه المرة سينضم طرف اخر وهي المعارضة لتقاسم السلطة سوية.
الحضور الكردي
تمثل الحضور الكردي في جنيف-4 بمشاركة ممثلين عن المجلس الوطني الكردي المنضوي ضمن الائتلاف الوطني السوري وليس بصورة مستقلة كممثل عن الشعب الكردي، وعلى الرغم من الوثيقة الموقعة بين الطرفين حول الحقوق الكردية فان المعارضة لم تلتزم بصيغتها وهمشت لا بل أقصت فقرة طرح الملف الكردي من جدول المفاوضات، حيث خلت الورقة التي قدمها دي ميستورا من اي بند يتعلق بحقوق الكرد وبقية المكونات الاخرى، ثم اعترضت المعارضة على مناقشة ذلك عندما حاول السيد دي ميستورا طرحها للنقاش وهذا ما يثير الشكوك حول نوايا تلك المعارضة وثقافتها الاسلامو- عروبية في تكرار تجربة ورؤية البعث في تناول القضية الكردية رغم اهمية ذلك وكذلك الحضور الكردي هناك في جنيف.
بكل تأكيد فان ما حصل في جنيف ليس وليد صدفة من قبل المعارضة فهي تكرر دوماً اسطوانة تأجيل الحقوق الكردية بعد سقوط النظام ولكنها اليوم اتفقت مع شراكة النظام ولم تعد مطالبة بإسقاط الأسد ونظامه، اي بمعنى تتطابق في رؤيتها معه في الموقف عندما يتعلق الأمر بالكرد وهذا ما صرحت به في السابق عند الحديث عن الفيدرالية، فكانت هي والنظام في نفس الخندق المعادي للكرد واعتباره تقسيما وخطا احمر في سوريا.
وكما يبدو وفق مشروع دي ميستورا فان إمكانية شراكة بين النظام والمعارضة باتت واردة جداً وسيكون كذلك، وهنا ما هو مصير الاتفاقية الموقعة بين المجلس الكردي والائتلاف السوري؟ فهي تنصلت منها اليوم حتى قبل تملكها اية سلطة وماذا ستكون فيما بعد عندما تمتلكها. هنا تكمن مسؤولية المجلس الوطني الكردي من خلال ممثليه الذي حضروا جنيف وسوف يشاركون في الاجتماعات القادمة ايضاً وعليهم البحث عن مخرج وامكانية تجاوز مرحلة الصمت والانتظار من قبل المعارضة، حيث نعلم موقف النظام سلفاً من قضية الوجود الكردي في سوريا ولكن ان تنحدر المعارضة وتشاركه الموقف يتطلب تحركا كرديا. اولا ضرورة مناقشة ذلك مع الائتلاف قبل انعقاد الجولات القادمة والوصول إلى صيغة تفرض ذلك عليها وفي حال لم يوافق الائتلاف او الهيئة العليا للمفاوضات على ذلك فان عليها اتخاذ موقف حاسم من شكل العلاقة معها ومن ثم التوجه نحو الامم المتحدة والدول الكبرى الراعية للمؤتمر مثل امريكا وروسيا وغيرها من الدول الأوروبية لإدراج بند مستقل حول الملف الكردي وكذلك ضرورة دعوة الكرد كهيئة مستقلة ممثلة عن شعب له خصوصيته وبحيث تضمن دستورياً وجوده القومي وحقوقه في إطار حكم ذاتي للإقليم الكردي ضمن دولة فيدرالية لسوريا عموماً. طبعاً هكذا خطوة يجب أن تتم سريعاً وفي القريب العاجل دون انتظار وعود المعارضة الخبية التي بانت وظهرت على حقيقتها عندما بدأت الحوارات الجدية حول سوريا حيث يجري التحضير لكتابة دستور وشكل الدولة والانتخابات دون اية اشارة حتى لذكر كلمة الكرد.
صحيح أن مستقبل سوريا والتغيير في المنطقة سواء في العراق او سوريا وإستراتيجية محاربة الإرهاب وداعش هي مسؤولية وتخطيط الدول صاحبة القرار وقيادة التحالف الدولي والذي لا تخلو أجندتهم من فرصة الاعتماد على الكرد خاصة بعد نجاحاتهم الكبيرة في هزيمة داعش، فان الكرد مطالبون بتدارك الوضع والاستفادة من الفرصة التاريخية من خلال المطالبة بتغيير خطابهم السياسي وتوجيهه نحو اصحاب القرار الدولي كي يأخذ منحاه السليم، علماً بأن أجندة المشروع الاستراتيجي في المنطقة سيكون في سياق المصالح والطموحات القومية الكردية اذا تمكن الكورد من قراءة الواقع وفهم لعبة المصالح السياسية.
لن تعود سوريا كسابق عهدها بكل تأكيد ولكن تأجيل المطالب الكردية إلى حين يعني فقدان فرصة اللحظة التاريخية وعودة إلى نقطة الصفر لان عملية الإقرار بحق تقرير المصير للكرد واختيار شكل العلاقة والشراكة مع بقية المكونات في سوريا يعتمد على قدرة الطرف الكردي في الدفاع وطرح قضيته بكل شجاعة و جراءة اليوم اولا ومن ثم اتخاذ الخطوة المناسبة في علاقتها مع المعارضة من خلال موقفها العملي ووثيقة كتابية وبرعاية وضمان دولي خاصة وان التجارب السابقة سواء من قبل المعارضة او في الجوار وتحديداً في اقليم كردستان حيث تتنصل حتى تاريخ اليوم الحكومة المركزية في بغداد من بنود المادة 140 فما بالكم اذا استقرت الأوضاع في سوريا وتقاسم النظام والمعارضة السلطة، عندها سنكون من جديد أمام سيناريوهات حكم البعث بصورته المعادة في التعامل مع القضية الكردية.
مازالت الفرصة قائمة في تجاوز الأخطاء السابقة والعودة بقضية الشعب الكردي في سوريا إلى جدول المفاوضات والتعامل معها وطرحها كبند رئيسي هناك كي لا نخرج خاليي الوفاض.[1]