حقيقة التغيير الديموغرافي في الجزيرة ( محافظة #الحسكة# ) – سوريا
قهرمان مرعي
شرت صحيفة الحياة في عددها رقم (..) تاريخ 19-02-2017 _ وفي صدر صفحتها الأولى أخبار العالم – سياسية . ريبورتاج تحت عنوان 160 ألف سوري مهددون بالترحيل …. بعد عقود من توطينهم في الحسكة , إسم الكاتب فراس الهكار .
ضمن جملة من الأضاليل والمغالطات التي من شأنها ايقاع القارئ العربي في الإلتباس , سواء بتجاهل الحقيقة و مواربتها أو التقصد ببيان خلافها , في الوقت الذي يستمر ثورة الشعب السوري وهي تقترب لإتمام سنتها السادسة بعد أيام , في مواجهة نظام الإستبداد والإجرام , وعيون العالم يترقب ما هو مثير ومقلق في هذا الصراع .
– قضية الإستيطان البعثي في الجزيرة :
القضية لا تحتاج إلى براهين وتطبيقات الإستيطان المتلاحقة على الأرض لا تستلزم الإثبات, كونه أمر واقع والأمر بطبيعة الحال لا يتعلق بترحيل قبيلة بعينها من محافظة الرقة , على إعتبار مدينة الرقة السورية حالياً منصبة عليها إهتمام الاعلام , و تأتي من حيث الأهمية ل داعش بعد تخلي النظام السوري عنها منذ عام 2014 في موازاة الموصل العراقية بعد إنسحاب قوات حكومة نوري المالكي منها .
– يذكر الكاتب تحت عنوان غير مفيد / بداية الصراع الديمغرافي – … أصدرت الحكومة السورية قراراً بترحيل أبناء قبيلة الولدة الشعبانية الزبيدية عام 1974 / , فالأمر لا يتعلق بالترحيل بمقدار ما يتعلق بالإستيطان , فما دامت قراهم وأراضيهم في محافظة الرقة غمرت بمياه بحيرة سد الفرات , فهم مضطرون لا محالة إلى الرحيل .؟ , لكن السؤال هنا إلى أين . ؟
سد الفرات (1968-1978 )
عملت الدولة إلى تنمية منطقة السد من خلال إقامة مشاريع الري النموذجية من بناء وأقنية السقاية بالراحة مثل المشروع الرائد و مسكنة غرب ومسكنة شرق ومنشأة الأسد ,إضافة إلى أستصلاح اراضي قابلة للإرواء , تقدر ب حوالي /230/ ألف هكتار في محافظات الرقة , حلب , ديرالزور حسب تقديرات مسؤولي النظام وتم بناء مدينة الطبقة ( الثورة ) في حوض الفرات ويقدَّرعدد السكان المستقدمين إليها ب( 140) ألف نسمة كان من المفروض إعادة إسكان هؤلاء (المغمورين ) وغيرهم في أراض تلك المشاريع التي ألتهمت ميزانية الدولة السورية لمدة عقد كامل بدلاً من توطينهم في المناطق الكوردية , علماً إنه تم استقدام أيدي عاملة زراعية على مستوى أسر وعوائل التي لم تُغمَر قراهم بمياه السد من مختلف المناطق السورية للعمل في هذه المشاريع وخاصة ريفي حلب والرقة.
أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الإشتراكي ( حزب البعث الأسدي – بإعتبارالدكتاتور حافظ أسد الأمين القطري على مدى الحياة ) , تحت رقم (521) تاريخ 24/6/1974 , قراراً سياسياً عنصرياً من جملة القرارات الإستثنائية بحق الشعب الكوردي , الهدف منه التغيير الديمغرافي لجغرافية كوردستان سوريا من خلال الإستيلاء على الأرض ونزعها من يد سكانها الأصليين و الإخلال بالتركيبة السكانية .
الظرف السياسي السائد آنذاك :
بعد إستلام غلاة القوميين المتمثل بحزب البعث الحكم في كل من سوريا والعراق وبغية توجيه الأنظار وإثارة النعرات نحو المختلف عرقياً , نتيجة التعبئة القومية المجيَّشة تحت يافطة الشعارات الكاذبة في الوحدة والحرية والإشتراكية, و بعد فشل تجربة الوحدة مع مصر والإنفصال وقيام ثورة ايلول 1961 في كوردستان العراق بقيادة السروك ملا مصطفى البارزاني والتوصل مع نظام حسن البكر- صدام على وقف القتال والإتفاق على منح الشعب الكوردي في كوردستان العراق الحكم الذاتي وفق بيان 11/آذار/1970 وبالتالي إستئناف القتال في بداية عام 1974 بعد تنصل حكومة البعث من تنفيذ الإتفاق خلال المرحلة الإنتقالية والغدر بالثورة الكوردية بعد تشكيل الجبهة الوطنية مع الحزب الشيوعي العراقي وإتفاقية التعاون المشترك مع الإتحاد السوفييتي في عام 1972 والإستفادة من رساميل النفط بتقوية جيشه وسلاحه في مواجهة تطلعات الكورد نحو الحرية , وعلى إعتبار الجزء الكوردستاني الملحق بالدولة السورية يقع في الجانب الآخر الغربي من الحدود السياسية مع العراق , وكونه يمثل العمق الحيوي لثورة ايلول الكوردستانية كما هي أوضاع سائر أجزاء كوردستان في تركيا وايران و التذرع من تنامي الشعور القومي لدى الكورد المتمثل بالحركة السياسية الكوردية في سوريا نحو المطالبة بالمثل لما لأقرانهم في العراق , وحصل التصعيد بعد إنقلاب حافظ أسد 1970 وتشكيله للجبهة الوطنية التقدمية من الحزب الشيوعي السوري وأحزاب الإتحاد الإشتراكي الناصري و القوميين العرب , وفيما بعد الحزب القومي السوري , وتوقيع إتفاقات التعاون مع الإتحاد السوفيتي والإستفادة من معونات دول الخليج بعد حرب أكتوبر ( تشرين) 1973 . لتنفيذ سياسات تهدف إلى محو الوجود الكوردي وتذويبه في بوتقة الأمة العربية , وإلهاء شعب سوريا بوجود عدو مفترض داخلي كما هو سلوكه الديماغوجي تجاه إسرائيل المحتل للجولان السوري و إستغلاله للقضية الفلسطينية و الشعور القومي العربي و الإسلامي تجاه القدس وتدخله في لبنان 1976 بتوفيرغطاء لجيشه الطائفي من الجامعة العربية كقوات ردع عربية , وما وصل إليه الأمور من تداعيات سياسات حكم البعث الشوفيني في كل من العراق وسوريا ومآلاتها بالمحصلة لصالح حكم العائلة والتوريث لجمهوريات كانت تسمى في منطلقاتهم النظرية أقطاراَ بالإسم والشعار وصولاً إلى ما أرتكب من مجازر ودمار والعمل على تسويق نظرية الإرهاب من خلال تهيئة البيئة لظهور القوى التكفيرية من رحم العصبية القومية المتمثل بنهج وفكر البعث , منذ سقوط بغداد 2003 بالتنسيق مع النظام الايراني وإستثمارذلك كله , مذهبياً وطائفياً , و بخاصة منذ إندلاع الثورة السورية .
– فيما يذكر الكاتب تحت عنوان آخر / الحزام العربي ,, اسطورة ,,- …. أن المناطق التي سكنتها عشائر قبيلة الولدة هي أملاك دولة وكانت خالية من السكان …. / ويستشهد بكتاب الباحث محمد جمال باروت بأن حوالي 4000 عائلة رحلت إلى الحسكة … ويضيف قامت الحكومة السورية ببناء مساكن ومزارع بدائية في محافظة الحسكة لهذا الغرض .. وساهم نزوح ,, المغمورين ,, رغم قسوته عليهم بإحياء مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت مهجورة … / .
مشروع الحزام العربي :
يعود مشروع الحزام العربي إلى بداية ستينيات القرن الماضي نُفِّذَ على مراحل قبل وبعد إنقلاب حزب البعث في 8/ آذار/1963 , وتسارعت خطواته التنفيذيه التي استهدفت الشعب الكوردي في وجوده على أرضه التاريخية منذ أنقلاب حافظ أسد في 16/10/1970 .
سبق تنفيذه , الإستيلاء على الأملاك الخاصة بموجب قوانين الإصلاح الزراعي , شملت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة للملاكين والفلاحين الكورد . ويعتبر خط العشرة وليس (العاشر) من أكثر مناطق الجزيرة سكاناً وكانت مزدهرة بالقرى والمدن قبل تشكل الدولة السورية وتركيا الكمالية في بدايات القرن الماضي وسميت بخط العشرة نسبة إلى قرار منع التملك فيها بدءاً من الحدود التركية شمالاً نحو الجنوب بعرض ( 10-15) كم وطول يمتد من الحدود العراقية شرقاً إلى أكثر من 350/ كم نحو الغرب بموجب المرسوم التشريعي رقم /2028/ تاريخ 4/6/1956 م . أعقبه نظام البعث بالمرسوم التشريعي رقم /136/ تاريخ11/11/1964 م . وأُعتبر بموجبه كامل محافظة الحسكة منطقة حدودية, بحيث لا يمكن إنشاء أو نقل أو تعديل أي حق من الحقوق العينية على الأراضي الكائنة ضمن المحافظة , والتي تشكل حوالي /13%/ من مساحة سوريا الإجمالية , وكذلك منع الإستثمار الزراعي لمدة تزيد عن ثلاث سنوات إلا بموجب رخصة مسبقة تصدر بقرار عن وزير الداخلية بناءاً على إقتراح وزير الزراعة والإصلاح الزراعي بعد موافقة وزير الدفاع . ؟! ( موافقة ثلاث وزارات تتبعها ثلاث جهات أمنية الأمن السياسي والشرطة بمختلف مسمياتها والأمن العسكري ), من أجل رخصة الإستثمار الزراعي منعاً لحدوث أية تنمية في المنطقة الكوردية . في حين أستثني المستوطنين من قوانين منع التملك , حيث أصدر محافظ الحسكة قرارات التملك الخاصة بكل مستوطن في عام 2004 , حسب حصته , وكان رداً كيدياً لإنتفاضة الشعب الكوردي من ذات العام في 12/ آذار وأعقب بقانون/49/ لعام 2008 بمنع تملك العقارات المبنية وغير المبنية خارج المخططات التنظيمية للمدن والبلدات والقرى في محافظة الحسكة , مما أدى إلى هجرة معاكسة بإتجاه الداخل السوري بسبب ذلك , مع إزدياد البطالة وسوء المواسم الزراعية و تعطيل أسباب الحياة والمعيشة .
أولاً : الأراضي التي يدعي الكاتب بأنها أملاك دولة وخالية من السكان مجرد إفتراء ومجافاة للحقيقة لأن معظم المستوطنات سميت بالأسماء المعربة للقرى الكوردية وشملت أراضي (335) قرية بمساحة إجمالية بلغت من حيث النتيجة حوالي (300) ألف هكتار , يكفي ناتج محصولها الموسمي من الحبوب سكان سوريا بالكامل لمدة عامين وتعتبر من أخصب أراضي الجزيرة العليا , تقع في مجال منطقة الإستقرار الأولى حسب تصنيف الدولة السورية للهطولات المطرية السنوية . فيما يصنف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي الأراضي من حيث عائدية ملكيتها وفق التالي :
1. ملكية خاصة وهي المساحة المتبقية للملاكين بعد تحديد سقف الملكية الزراعية والتي قدرت ب /80/ هكتار للمالك الواحد .
22. أراضي الإستيلاء وهي كامل مساحة الأراضي الزراعية في محافظة الحسكة أستولت عليها الأنظمة المتعاقبة وخاصة نظام البعث بإسم الدولة , تحت شعارات محاربة الإقطاع الزراعي , بموجب قانون الإصلاح الزراعي رقم /161/ لعام 1958 الجمهورية العربية المتحدة – الأقليم السوري , فيما استولى البعث الأسدي بإعتباره قائداً للدولة والمجتمع على الدولة السورية وتنامت الإقطاعات في مختلف المجالات وتغولت حتى شملت البلد كأقطاعية للأسد إلى الأبد .
33. أملاك الدولة وتشمل الأراضي الغير قابلة للزراعة , منها الصخرية والمستصلحة بما فيها الأراضي البور خارج التصنيفين السابقين .
إحداث منشأة مزارع الدولة في ( 1969) :
بغية الإستحواذ على المزيد من الأراضي بالإستيلاء ,والعائدة للملاكين الكورد وحرمان الفلاحين الكورد من مورد رزقهم الأساسي في أماكن إقاماتهم الأصلية على إمتداد ريف الجزيرة والتوطئة لتنفيذ المشروع العنصري ,تم إحداث منشآت لمزارع الدولة في معظم مراكز المدن في مناطق ديرك ( المالكية ) قامشلو ( القامشلي) , سرى كهنيه ( رأس العين ) دربيسية ( الدرباسية) , المناجير , يشرف عليها القيادة القطرية , لها موازنتها الخاصة بمعزل عن الموازنة العامة للدولة وتشمل على آليات ومكننة زراعية متكاملة وعاملين دائمين وعمال موسميين , حيث تم حلها بموجب قرار القيادة القطرية لحزب البعث رقم /83/ لعام 2000 وتم توزيع أراضيها على بعض العاميلن فيها والتحضير لإستيطان عائلات عربية من جنوب الحسكة , الشدادي , وقرى جبل عبد العزيز , وتسهيل عمليات النصب من قبل المسؤولين الأمنيين المتنفذين على بقية الأراضي وبخاصة في منطقة ديرك ( المالكية ) تحت إسم شركات زراعية , إلا أنَّ مشروع الإستيطان الأخير لم يستكمل , بفعل معارضة الحركة السياسية الكوردية والفلاحين أهالي القرى المستهدفة..
لجنة إعمار مزارع الدولة :
تم تشكيل لجنة بأمرمن القيادة القطرية بإسم لجنة إعمار مزارع الدولة برئاسة عضو القيادة القطرية عبد الله الأحمد , وظيفتها , بناء قرى نموذجية من حيث البناء والمخطط التنظيمي للشوارع وحفر آبار إرتوازية وبناء خزانات عالية لمياه الشرب وإنشاء مدارس والتزويد بالكهرباء والإنارة وبناء مقرات حزبية , في الوقت الذي كانت معظم قرى المحافظة تنام في ثُبات و ظلام , تعتمد على مياه الأنهار والينابيع والآبار السطحية الغير صالحة للشرب وتم تسليم ناتج الموسم الزراعي لعام1974 للمستوطنين , كل حسب حصته.
ولم يساهم الإستيطان بإحياء متر واحد من الأراضي بل على العكس من ذلك , أستولوا وبدعم مباشر من اللجان الحزبية والأمنية لنظام الأسد على المزيد من الأراضي من الملا كين الكورد بعد تحديد سقوف الملكية وإجراءات الإستيلاء المتلاحقة وكذلك نزع يد الفلاحين الكورد من الأراضي الصخرية المستصلحة في قراهم دون وجه حق بحجة استكمال حيازات المستوطنين من العوائل التي تولدت منها أكثر من أسرة .
ويروي الكاتب على لسان أحدهم , تحت بند الفساد فاقم المشكلة … / كلفت الجهات الحكومية قريبنا خلف المفتاح ( عضو القيادة القطرية لحزب البعث حالياً ) التفاض معنا , وتعهد أن يزودنا بالمال والسلاح اللازم , وأن تدفع القيادة القطرية رواتب للشباب , لكننا رفضنا الانخراط بمثل هذا المشروع /
المدعو خلف المفتاح مسؤل مكتب الإعداد والثقافة والإعلام لحزب البعث منذ 8/7/20133.؟ , يحرِّض أبناء قوميته (العروبيين) المستوطنين , لحمل السلاح في مواجهة الكورد في محافظة الحسكة وليست الرقة لأن النظام هو من سلَّم الرقة لربيبته (داعش) فالتحالف الدولي بقيادة الاميركان وكذلك دول الاقليم تركيا وايران والنظام الأسدي والقوى المحلية المرتبطة مع الاطراف هي التي تتصارع على توسيع رقعة النفوذ سواء بمواجهة بعضها البعض أو داعش , وإتهامه بأن هدف الأكراد إستثمار معركة الرقة و الضغط من خلال ممثليهم والأمريكيين بترحيلهم إلى الرقة ,لإدارتها بعد تحريرها , هم أنفسهم متورطون فيها من خلال سياسات النظام , الذي يعمل جاهداًعلى إبقاء حالة التوتر , لمواجهة تطلع الكورد في تقرير مصيرهم كما هو حال معظم مكونات الشعب السوري .
الحقيقة أن المدعو خلف المفتاح يزور محافظة الحسكة ويدير إجتماعات حزب البعث في مناطق إدارة حزب الإتحاد الديمقراطي الذاتية والذي يضم في صفوف قواته , أبناء المستوطنات لقاء مصالح مشتركة , فالموضوع لا يتعلق لا بمعركة الرقة ولا غيرها , بإعتقادي إن الأمر يتخطى دورالبنى التقليدية العشائرية التي كانت تتغذى عليها دولة المخابرات , لأنَّ صيرورة التاريخ ما بعد إنتصار ثورة الشعب السوري ستختلف عما قبلها .
فهؤلاء يعلمون جيداً ومعهم النظام المجرم إن الثورة السورية لم تبدأ من فراغ , بل كانت رداً على الإستبداد والمظالم التي تعرض لها الشعب السوري بمختلف مكوناته العرقية والمذهبية ولا بد للعدالة الإنتقالية أن تنتقم للضحايا وتقتص من المجرمين ولا بد أن يعود الحقوق لأصحابها , فالملكية الفردية لا تسقط بالتقادم كما هو حق الشعوب في الحرية, لا تنال منها أمد الإستبداد وعلى المستوطنين أن يعوا جيداً بأن معادلة التوفيق بين سياسات النظام وما يدعونه من إغراءات أمريكية وتبادل المنافع مع سلطة حزب الإتحاد الديمقراطي الذي يتبنى شعار الأمة الديمقراطية لا تنفعهم , عليهم ترك الأراضي لأصحابها , دون نزاع كما كان يتعامل معهم أبناء الشعب الكوردي بسلام وأمان على إعتبارهم ضحايا سياسات نظام البعث الأسدي العنصري , ليس إلا. في 5/3/2017
* أرسل هذا الرد إلى رئيس تحريرصحيفة الحياة اللندنية السيد زهير قصيباتي , فلم ينشر .؟ بالرغم أن الرد ملخَّص وملطَّف جداً .؟
▼صورة عن الريبورتاج المنشور في جريدة الحياة اللندنية ……
160 ألف سوري مهددون بالترحيل … بعد عقود على توطينهم في الحسكة
الأحد، 19 فبراير/ شباط 2017
فراس الهكار
يفكر أحمد العلي (أحد أبناء قبيلة الولّدة العربية الزبيدية) والمتحدر من قرية تل الأرقم في رأس العين بمحافظة الحسكة السورية، في مكان مناسب يلجأ إليه بعد أن صادرت الميليشيات الكردية منزله الذي تبلغ مساحته مع الأراضي المحيطة به (2،5) دونم، وقد حولته الميليشيات إلى مركز تدريب عسكري لقواتها، ولم تكتف بذلك إنما صادرت أرضه التي تبلغ مساحتها (80) دونماً. ذنب أحمد أن ابنه منتسب إلى تنظيم «داعش»، هذا ما زعمه قادة الميليشيات عندما أخرجوه مع بقية أفراد عائلته من بيته وأرضه.
يؤكد أحمد أنه: «مطلوب للأمن العسكري السوري بموجب مذكرة بحث، ولا يستطيع مغادرة الحسكة باتجاه المحافظات السورية الأخرى». ويقول: «لست أدري أين أذهب ومعي زوجتي وأطفالي».
عندما انسحبت قوات النظام السوري من الحسكة تركت العشائر العربية وحيدة في مواجهة ممارسات انتقامية كردية تضمنت اعتقالات وترحيلاَ وتجنيداً، وكان الهدف الأول للميليشيات الكردية تهجير أبناء قبيلة الولّدة العربية الزبيدية الذين يُعرفون محلياً ب «المغمورين»، لأن الأكراد يعتبرونهم دُخلاء على الحسكة، رغم أن وجودهم فيها تجاوز العقود الأربعة، ويبلغ عددهم في الحسكة حوالى (160) ألف نسمة، يقطنون في 48 قرية، تتوزع على مسافة بطول 260 إلى 300 كلم من ناحية المالكية شرقاً إلى مدينة رأس العين غرباً، وعرض ما بين 10 إلى 15 كلم.
بداية الصراع الديموغرافي
أصدرت الحكومة السورية قراراً بترحيل أبناء قبيلة الولّدة الشعبانية الزبيدية (أكبر قبائل الرقة) عام 1974، إلا أن الشيخ شواخ البورسان (1900 – 1982) شيخ القبيلة في الجزيرة (الضفة اليسرى لنهر الفرات)، رفض الرحيل من الرقة إلى الحسكة، إلا أنه عاد وقبل تحت ضغط الحكومة.
سكنت القبيلة في مساحات شاسعة من أملاك الدولة الخالية إلى أن قامت الحكومة السورية ببناء مساكن ومزارع بدائية في محافظة الحسكة لهذا الغرض، ويبلغ عددها نحو 48 قرية، تمتد على طول الشريط الحدودي من المالكية إلى رأس العين في ما يُعرف محلياً بمنطقة «الخط العاشر»، وغاب اسم القبيلة في المنطقة الجديدة ليحل مكانه اسم آخر هو «المغمورون»، ويشمل ذلك كل من غمرت مياه بحيرة الأسد أرضه وبيته بعد إنشاء سد الفرات وتشكّل البحيرة خلفه، والتي غمرت ما يزيد عن (85) قرية يسكنها أبناء قبيلة الولّدة الزبيدية.
الحزام العربي «أسطورة»
اعتبر الأكراد منذ البداية أن ترحيل عائلات من قبيلة الولّدة إلى الحسكة يستهدفهم، مع العلم أن المناطق التي سكنتها عشائر قبيلة الولّدة هي «أملاك دولة» وكانت خالية تماماً من السكان، حتى أن قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة وزعت الأراضي على جميع الفلاحين من دون استثناء حتى الأكراد ال «مكتومي القيد» ممن جاؤوا هاربين من تركيا ضمن موجات الهجرة التي بدأت في أوائل القرن الماضي. يقول الباحث السوري محمد جمال باروت في كتابه «التكوّن التاريخي الحديث للجزيرة السورية»: «كانت العائلات المغمورة تُشكل حوالى 22 ألف عائلة يقدر عدد أفرادها بحوالى 122 ألف نسمة، إلا أن العائلات بمعظمها انتقلت إلى مدينة الرقّة وحوالى 4000 عائلة رحلت إلى الحسكة، وعددها يقارب عدد الأكراد الذي يقطنون في منطقة الخط العاشر من (مكتومي القيد)، وهم الأكراد الذي جاؤوا إلى سورية هرباً من القبضة التركية قبل عام 1945، وعلى رغم ذلك لم تقم الحكومة بتهجيرهم من أراضيهم، بالتالي لم يُشكل نقل 24 ألف نسمة من قبيلة الولّدة زيادة على التركيبة السكانية للجزيرة السورية».
ساهم نزوح «المغمورين» رغم قسوته عليهم بإحياء مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت مهجورة، وأقلق هذا النزوح القسري الأكراد، وكانت الأزمة السورية فرصة لتظهير قلقهم وتحويله خطوات.
الفساد فاقم المشكلة
تشكل قبيلة الولّدة ثقلاً عشائرياً لناحية العدد ومساحة الأراضي ومناطق الانتشار، وتتوزع عشائر القبيلة في ريف الرقة الغربي على امتداد ضفتي نهر الفرات (اليمنى شامية واليسرى جزيرة)، وصولاً إلى بلدة مسكنة وقرى ريف حلب الشرقي.
أكد أحد أفراد قبيلة «الولّدة» من آل البورسان: «حاولت الحكومة السورية مع بدء الأزمة في البلاد استمالة أفراد القبيلة وتسليحهم ليكونوا رأس حربة في الصراع الدائر، وصد أي تحرك في شمال شرقي، البلاد إلا أن تلك المساعي فشلت، لأن سلطة حزب البعث كانت أهملت «المغمورين» طيلة عقود، بخاصة بعد أن ضب الجفاف مناطق الجزيرة، وأبناء القبيلة كانوا منقسمين بين مؤيد ومعارض».
ساهم فساد ضباط الأمن في المنطقة، وسعي حزب البعث الحثيث لتهميش دور العشائر بغية إضعاف العصبية القبلية وإحلال العصبية القومية محلها في إضعاف القبائل العربية على حساب تنامي دور الأحزاب الكردية التي تملك المال والسلاح، وعندما شعرت الحكومة السورية بخطورة تنامي الدور الكردي حاولت إعادة تفعيل دور العشائر إلا أن تلك المساعي باءت بالفشل.
ويروي أحد وجهاء العشيرة من آل البورسان: «كلفت الجهات الحكومية قريبنا خلف المفتاح (عضو القيادة القطرية لحزب البعث حالياً) التفاوض معنا، وتعهد أن يزودنا بالمال والسلاح اللازم، وأن تدفع القيادة القطرية رواتب للشباب، لكننا رفضنا الانخراط بمثل هذا المشروع».
لم ينجح المفتاح في مهتمه لأن أفراد القبيلة كانوا قد انقسموا، وبعضهم كان قد شكل كتائب مسلحة (أويس القرني، أحرار الدبسي، أحرار الطبقة وغيرها) فيما عُرف آنذاك ب «الجيش الحر»، حتى أن من حصلوا على أسلحة من فرع الحزب بالحسكة للانخراط في «الدفاع الوطني» قاموا ببيعها إلى أقاربهم في تلك الكتائب، وساهموا في إسقاط الكثير من المدن والبلدات والقرى في الرقة وريفها، إضافة إلى دورهم الفاعل في حصار مطار الطبقة العسكري والفرقة 17، ولم يكن المفتاح يتمتع بحظوة اجتماعية عند أقاربه قبل الأزمة أو بعدها لأسباب عشائرية كثيرة.
تعرض «المغمورون» في الحسكة إلى كثير من المضايقات من جانب القوات الكردية التي سيطرت على ريف المحافظة، على اعتبار أنهم وافدون إلى المحافظة، وما عادت قوتهم كما كانت في زمن مضى، بخاصة مع انقسامهم أمام الأزمة السورية.
يقول عبدالرحمن وهو من أبناء «المغمورين»: «فرضت القوات الكردية التجنيد الإجباري مقابل 100 دولار شهرياً، وكانت الغاية الأساسية لتلك السياسة هي دفع الشباب العرب إلى الهروب خارج حدود المحافظة.
كما تم ترحيل الكثير من أبناء «المغمورين» في قرى القيروان وتل حلف والراوية والعزيزية والدهماء وتل الأرقم وتلال العلو التي تم إحراقها بالكامل وتهجير أهلها.
وأصدرت اللجنة الزراعية في عام 20144 قراراً صادرت بموجبه آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية بذريعة أن أصحابها يقطنون الرقة، ومنها 1500 هكتار في قرية توكل الغمر، و650 هكتاراً في قرية الحرمون الغمر، و300 هكتار في قرية القحطانية الغمر، و250 هكتاراً في قرية المناذرة الغمر، و50 هكتاراً في قرية معشوق الغمر، و40 هكتاراً في قرية الحمرا الغمر.
استثمار معركة الرقة
يروي أحد وجهاء «المغمورين»: «مع بدء التقدم الكردي نحو الرقة، بدأ القيادي البارز في التجمع الديموقراطي الكردي عمر علوش يزور وجهاء المغمورين في مضافاتهم يرافقه المحامي عبدالله العريان رجل الأميركيين شمال الرقة، وحمل علوش معه عرضاً سياسياً لم نتوقعه يوماً وهو مبالغ مالية كبيرة (50 ألف دولار) وسيارات حديثة «لاند كروز» لكل شخص، على أن يقبلوا بتسميتهم أعضاء في المجلس السياسي لمدينة الرقة عند تحريرها».
ليس هذا الطرح عادياً، فما يريده الأكراد من هذه الحركة شراء بعض وجهاء العشيرة من «المغمورين» وفي حال موافقتهم على الطرح الكردي يكونون قد أقروا بتخليهم عن أراضيهم وممتلكاتهم وقراهم التي قطنوها منذ عام 1974. لاقى هذا العرض رفضاً من جانب معظم الوجهاء، إلا أن علوش بعد أن يئس من المواطنين توجه إلى آل البورسان شيوخ العشيرة.
ويقول أحد أفراد عشيرة البورسان: «حسب المعلومات التي وصلتنا من علوش نفسه إن موقف الشيخ البورسان كان إيجابياً، وقد تعهد تنفيذ بنود الاتفاق وأن يكون اسمه ضمن المجلس السياسي لإدارة مدينة الرقة ممثلاً عن المغمورين وبذلك يكون البورسان قد أقر رسمياً بعودة العشيرة إلى الرقة».
أثار هذا الموقف من الشيخ محمود الشواخ البورسان صدمة كبيرة بين أفراد القبيلة، ورغم أن هذا العرض رفضته غالبية الوجهاء، إلا أن الشيخ قبل به حسب أقاربه.
ضغوطات أميركية كبيرة
عمر علوش المنسق الكردي لملف «المغمورين» في الجزيرة السورية، ولدى سؤاله عن التنسيق الذي يقوم به مع المحامي البدوي عبدالله نهير العريان، لإقناع وجهاء «المغمورين» بضرورة العودة إلى الرقة، فنفى علمه بكل هذا الأمر وقال: «من قال أنني حاورت البورسان أو سواهم، المغمورون مستقرون في قراهم ولا أحد يطلب منهم المشاورة، أهل الرقة يتشاورن بين بعضهم بعضاً وفي حال انتهاء مشاوراتهم لابدَّ أنهم سيعلنون نتائج عملهم».
الشيخ محمود البورسان قال: «نحن نرفض هذا الطرح تماماً، وندرك أن الأكراد يريدون ترحيلنا في شكل مُسيس وبضغط أميركي مباشر، قدموا لي سيارة خلال أحد الاجتماعات التي عقدت في القاعدة الأميركية الواقعة بين تل تمر والدرباسية، ورفضت أخذها، لكنهم أصروا وأحرجوني فقبلت بها، لكن لم أقبض منهم أي مبلغ، لكن الضغوط الأميركية كبيرة علينا للقبول بإدارة الرقة بعد تحريرها».
وأضاف البورسان: «إن نية ترحيلنا مُبيتة، وهذا ما يريده الأميركيون بالدرجة الأولى عبر تحميلنا مسؤولية إدارة شؤون الرقة، لكن هذا المشروع لن يكون إلا على جثثنا، نحن من الحسكة وسنبقى هنا، وفي الرقة عشائر كبيرة قادرة على إدارة شؤونها في حال تحريرها».
وأصدر الشيخ محمود البورسان بياناً منذ أيام اعتذر فيه لعدم: «حضور اجتماع لعشائر الرقة متذرعاً بعارض صحي ومتمنياً للمجتمعين النجاح في مساعيهم». وهذا هو الاجتماع الثالث إلا أن الشيخ رفض حضوره، بعد أن بدأ خبر النوايا الكردية بترحيل «المغمورين» يطفو على السطح، ويصل إلى الإعلام.
إدانات بلا جدوى
أصدرت المنظمات الدولية والمحلية مئات التقارير التي وثقت ارتكاب مجازر وحرق قرى وتجريفها، وتهجير مدنيين ونفي أشخاص واحتلال منازل وقرى ونهب ممتلكات، إضافة إلى قمع تظاهرات، وتجنيد أطفال. وقد أصدرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في 19 حزيران (يونيو) 2014، تقريراً حمل عنوان «تحت الحكم الكردي… الانتهاكات بالمناطق الخاضعة لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، وقد تحدث التقرير عن الاعتقالات التعسفية، والتعذيب الذي ينتهي أحياناً بالوفاة، كما رصد تجنيد الأطفال في قواتهم ومعاركهم.
ونشرت صحيفة «تايمز» البريطانية في الأول من حزيران عام 20155، تقريراً عن حملات التطهير العرقي الذي تقوم به قوات الحماية الكردية ضد العرب السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وأعربت الولايات المتحدة الأميركية في الفترة ذاتها على لسان الناطق باسم الخارجية الأميركية جيف راتكي، عن قلقها من تقارير تكشف استغلال حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري»، الدعمَ الجوي لقوات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» في تهجير أعداد كبيرة من العرب والتركمان السوريين خارج مناطقهم. وكذلك أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً صحافياً حول انتهاكات حقوق الإنسان التي يقوم بها حزب الاتحاد الديموقراطي وميليشياته المسلحة ضد المعارضين لسياساتهم، وإنهم يستخدمون تهمة الإرهاب للمخالفين لهم لشرعنة الاعتقالات التعسفية والتهجير والتعذيب ومصادرة الأراضي.
المصير المجهول
يعيش عبدالرحمن الشاب المتحدر من قرية البهيرة في حيرة وقلق دائم، لا يدري أي مستقبل مجهول ينتظر سكانها ويقول: «كلما زاد تسليح الميليشيات الكردية وتعاظمت قوتها أصبح خطر الترحيل أكبر، وحرص الأكراد على الترويج لفكرة السيادة لمن يملك القوة على الأرض وليست للغالبية أو لأي استفتاء ممكن أن يحصل لتحديد مستقبل الجزيرة السورية».
الأكراد يدركون جيداً أنهم أقلية في الحسكة حتى إذا ما تم استثناء أبناء قبيلة الولّدة الذين يقطنون في 48 قرية من أصل 1717 بريف محافظة الحسكة، بينها 1161 قرية عربية ونحو 453 قرية كردية و48 قرية مختلطة عربية وكردية.
بينما يتعاظم الخوف في نفس سعد الدين إبراهيم الذي يخشى من التجنيد الإجباري في صفوف الميليشيات الكردية، وقال: «هاجس التجنيد لا يفارقنا ونحن نشعر بالتهديد الدائم حتى أن تحركاتنا محسوبة ونحاول مقدار الإمكان ألا نخرج من قرانا إلا في حالات طارئة خشية من حواجز الميليشيات، لكن رغم ذلك لن نترك أراضينا وبيوتنا».
ويرى إبراهيم عبدالخالق من قرية القيروان: «أن الصمت على مثل هذا المشروع هو خيانة، لأن الجزيرة سورية وسكانها سوريون من كل القوميات والإثنيات، ولم يكن للمواطنين العرب دور في اضطهاد الأكراد حين كانت السلطة بيد حزب البعث في الحسكة، لذا لا مبرر لما تقوم به الميليشيات الكردية من مشاريع تهدف إلى ترحيل أكبر مقدار ممكن من أبناء العشائر العربية وإرضاء الجزء الآخر بفتات من مناصب شكلية وسيارات وبعض الرواتب والأموال».[1]