#جودت هوشيار#
ثمة عدد كبير من الأساطير و الحكايات و القصص الشعبية الشائعة في فولكلور و أدب أكثر من شعب واحد ، لعل في مقدمتها الملحمة الشعرية فرهاد و شيرين أو خسرو و شيرين التي لها نصوص فولكلورية مختلفة و معالجات أدبية عديدة في التراث الثقافي لشعوب الشرق الأوسط و الأناضول و آسيا الوسطي .
و كما هو واضح من أسماء أبطال هذه الأسطورة و مسرح أحداثها و وقائعها أنها ( فارسية – كردية ) الأصل ، لأنها تستند الي وقلئع تأريخية حقيقية لها علاقة بالشعبين الفارسي و الكردي .
كان خسرو أحد آخر الحكام الفرس في نهاية الفترة التي سبقت الفتح الأسلامي لبلاد فارس أو العجم كما يقول العرب ، حيث حكم البلاد خلال الفترة الواقعة بين عامي ( 591- 628 ) م . و كانت شيرين زوجته ، و وردت سيرتهما في العديد من المصادر التأريخية . و أبرز من عالج هذه الأسطورة هو الشاعر الفارسي العظيم الفردوسي (940 -1020 ) م و ذلك في مؤلفه الشهير الشاهنامة .
لقد خلد الشاعر قصة حب خسرو و شيرين في ملحمة شعرية رائعة ، تعد من عيون الأدب الكلاسيكي الشرقي و العالمي ، بيد أنه لم يذكر شيئا عن فرهاد الذي ورد أسمه لأول مرة في مخطوطة تعود للمؤرخ الطاجيكي – الفارسي (بالامي ) كتبت في أواخر القرن العاشر . و المعروف أن (بالامي ) قد توفي في العام 996م .
أما الشاعر ( آغاجي ) الذي عاش في الفترة الممتدة من أواخر القرن العاشر الي منتصف القرن الحادي عشر ، فأنه يذكر أسم فرهاد حين يتحدث عن الأسطزرة الشعبية عن شق قناة عبر صخور جبل بيستون من جبال كردستان .
كما كتب الشاعر الأذري نظامي كنجوي ملحمة شعرية عن خسرو و شيرين و ذلك في العام 1181م و أهداها الي ذكري زوجته الحبيبة التي فارقت الحياة و هي في عز شبابها . شيرين هي البطلة الرئيسية لهذه الملحمة ، و قد أسبغ الشاعر عليها السجايا الأنسانية الرفيعة ، فهي طيبة ، قوية الأرادة ، نقية السريرة ، و ذات أخلاق حميدة . و هي صفات و فضائل يفتقر اليها خسرو كأنسان و حاكم للبلاد .
كان عشق فرهاد لشيرين من جانب واحد أي أن شيرين لم تبادله الحب ، و مع ذلك فأن فرهاد أقدم علي تضحية كبيرة من أجلها حين حقق رغبتها في شق قناة عبر جبل بيستون لغرض أيصال الماء ألي الجهه الأخري من الجبل ، وهي مهمة شاقة ( و تكاد ان تكون شيه مستحيلة بمقاييس ذلك العصر ) و لكن فرهاد أنجزها علي أحسن وجه و أثار هذا العمل الخارق اعجاب شيرين من جهة وحقد و كراهية خسرو من جهة أخري .
كان خسرو يغار من فرهاد و يتحين الفرص للأنتقام منه ، و لأنه كان يعرف مدي عمق حب فرهاد لشيرين ، فقد لجأ الي الخديعة و أرسل اليه من يخبره كذبا أن شيرين ماتت... الصدمة تهز كيان فرهاد و الفاجعة الأليمة تهد صحته ، فيفارق الحياة حزنا و كمدا علي حبيبته الغالية .
و اذا كان فرهاد في ملحمة كنجوي شخصية ثانوية ، فأنه البطل الرئيسي في الروايات الفولكلورية لهذه الأسطورة التأريخية الشعبية . و يعتقد بعض المستشرقين و منهم ع. علييف في كتابه الذي يحمل عنوان خسرو و شيرين في آداب شعوب الشرق ( موسكو – 1962 ) ان ذلك قد حدث تحت تأثير ملحمة الشاعر الأوزبكي ( نوفوي ) ( 1484 م ) فرهاد و شيرين فقد حاول ( نوفوي ) أن يضفي علي فرهاد الصفات و السجايا الأنسانية السامية .
فرهاد في هذه الملحمة يتمتع – اضافة الي بسالته و شهامته و رجولته – بخصال و قيم رفيعة ، فهو دمث الخلق ، ذكي ، يحب العمل و ذو مهارة فنية عالية ( شق قناة بيستون ) . و علي النقيض من ذلك رسم الشاعر صورة سلبية للغاية لخسرو كأنسان خبيث و غادر و حاكم مستبد ، يتسبب في موت فرهاد ، و لكن القدر يمهل و لا يهمل ، حيث نراه بعد حين يلقي جزاءه العادل و يقتل علي يدي أبنه .
و في العصر الحديث ألهمت هذه الأسطورة عددا من الشعراء البارزين ، قكتبوا مسرحيات شعرية مستمدة من أحداثها و وقائعها ، وفي مقدمتهم الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت الذي ألف مسرحية تحت عنوان حكاية حب أو فرهاد و شيرين و قد قدمت هذه المسرحية علي أشهر مسارح العالم لسنوات طويلة متتالية ( في موسكو و باريس و برلين و غيرها من العواصم ) . و في أذربيجان كتب الشاعر فورغوف مسرحية فرهاد و شيرين التي ترجمت الي عدد من اللغات الأجنبية و قدمت علي مسارح جمهوريات الأتحاد السوفييتي ( السابق ) .
و لا بد من الأشارة هنا الي أن معهد الأستشراق في مدينة بطرسبورغ الروسية ، قام بجمع نصوص فولكلورية كردية و شرقية لهذه الأسطورة و بذلت جهود مشكورة من قبل علماء المعهد لدراسة هذه النصوص و مقارنتها و تحليل مضامينها و أبراز قيمتها الفنية و سماتها الجمالية و يحق لنا ان نتساءل هنا : الي متي نظل نتعرف علي تراثنا الشعبي و أدبنا الكلاسيكي من خلال المستشرقين الأجانب ؟
و عندما نقول ذلك فأننا لا نبخس الجهود المضنية التي بذلها المستشرقون الكردولوجيون في سبيل اخراج كنوزنا الكلاسيكية و الفولكلورية من ظلمات الماضي الي النور و نفض الغبار عنها و تحقيقها و ترجمتها و نشرها . و لهم دين فىأعناقنا و فضل كبير علي ثقافتنا ، و نأمل ان يحذو الدارسون الكرد حذوهم . و كنا في دراساتنا عن التراث الكردي ٌقد أشرنا الي تقصير وزارة الثقافة في أقليم كردستان عن النهوض بمهامها الأساسية و خصوصا تشكيل فرق عمل تتولي توثيق تراثنا الفولكلوري - الشفاهي الباذخ و الجميل ، لأننا ان لم نوثق هذا التراث فأن الزمن سيمحو ما تبقي منه لحد الآن
.
, قلنا ذلك و كتبنا و ناشدنا المسؤولين في وزارة الثقافة الكردستانية ان يتحركوا في هذا الأتجاه . ذهب وزير و جاء آخر و لم يتغير شىْ علي الأطلاق ، و بقيت المهرجانات الشغل الشاغل و الهم الأكبر لهذه الوزارة . و ها نحن نناشدها من جديد ان تلتفت الي هذه الناحية ، لأن تراثنا الثقافي عصب هويتنا التي يتحدثون عنها ليل نهار .[1]