#بدري نوئيل يوسف#
لأول مرة في الثالث والعشرين من أيلول 1876 باشرت الامبراطورية العثمانية الممارسة البرلمانية ومن ضمنها الشعوب التي تسيطر عليها ،بموجب القانون الاساسي العثماني (الدستور) الذي اصدره السلطان عبد الحميد الثاني
حيث جريت انتخابات عامة لأول مرة في التاريخ العثماني ، وأسفرت عن تمثيل المسلمين في مجلس المبعوثان ب 71 مقعدًا ، والمسيحيين ب 44 مقعدًا ، و4 مقاعد لليهود ، واجتمع البرلمان رسميًا في 19 مارس 1877 م في حفل كبير أقيم داخل قاعة الاحتفالات في قصر طولمه باغجه .
البرلمان العثماني أو المجلس النيابي يكون من مجلسان ، الاول مجلس النواب أو المبعوثان ، والثاني مجلس الأعيان أو الشيوخ ، وينص على مبدأ الحكومة البرلمانية ويضمن الحريات المدنية ، ولما كان العراق ثلاث ولايات تابعة للدولة العثمانية ، علية شمله الدستور أسوة بباقي الولايات العثمانية .
كان البرلمان العثماني مقره في اسطنبول والولايات العراقية ترسل ممثليها الى مجلس المبعوثان ، ولعدم وجود قانون خاص بالانتخابات اعتمدت على معلومات اسند أمرها إلى الادارات المحلية ، والانتخابات التي جرت أول مرة في الدولة العثمانية لم تستند إلى اساس دستوري سليم ، ولم يكن تمثيل الولايات العراقية عادلا ، مما يعني أن التمثيل الكردي في العراق لم يكن بالمستوى المطلوب قياسًا بالولايا ت الأخرى سواء أكانت التركية وغيرها فلن ينتخب ممثلا من ابناء السليمانية في مجلس المبعوثان الاول .
أما في ظل عهد الاتحاديين فقد جرت انتخابات مجلس المبعوثان الثاني وفق قانون الانتخابات ولأول مرة ،ومثل المجلس سبعة عشر مبعوثًا عن ولايات العراق والذين فازوا بالانتخابات، ومن بينهم ممثلا عن مدينة السليمانية وهو الحاج ملا سعيد كركوكلي زاده ،(من مواليد السليمانية (1875 1961 ) وأسرة معروفة باسم (كركوكلي زاده) ، أتم دراسته في المعاهد الدينية ، وزاول شؤون التجارة والزراعة ، اختير على أثر تأليف الحكومة العراقية ، عضوًا في مجلس إدارة لواء السليمانية ، ثم عين عضوًا في مجلس الأعيان في تموز 1925 وجدد تعينه إلى تشرين ا لأول 1937)) .
كانت المحطة الاولى لممارسة أهالي السليمانية للحياة النيابية في جلسة مجلس المبعوثان الثاني المنعقدة في يوم الرابع من أيار 1911 ، تطرق النائب المذكور إلى موضوع تجارة الأغنام ، بسبب الأضرار التي ألحقت بالتجار وانتقد سياسة والي العراق ناظم باشا بهذا الصدد .
في أواخر كانون الثاني 1912 بدأت الانتخابات للدورة الثانية لمجلس المبعوثان ، فقد انعكس الأمر بالنسبة للاتحاديين لنبذهم من معظم الناس ، وعزفوا عن انتخاب مرشحيهم ، وصوتوا لمعارضيهم وبدء نجمهم في حالة من الضعف التدريجيّ عندما ظهروا على حقيقتهم السياسية ، وفاز من لواء السليمانية في هذه الانتخابات حكمت بابان.
استمر المجلس بضعة أشهر ، في 7 آب 1912 صدرت الارادة بسبب مطالبة ضباط الجيش العثماني بإقالة الوزارة وحل المجلس وتشكيل وزارة جديدة من غير الاتحاديين ، وعليه تشكلت وزارة حيادية جديدة .
بعيدًا عن تدخلات الاتحاديين السابقة كان من المتوقع أن تكون انتخاب الدورة الثالثة في الولايات العثمانية ومنها العراق ، لكن اندلاع حرب البلقان 1912 تأجلت الانتخابات في الولايات العثمانية ، وفي الثالث والعشرين من كانون الثاني 1913 نجح الاتحاديين في العودة إلى السلطة في خضم تلك الظروف وكان المتوقع تكرار فوز مرشحي الاتحاديين في الانتخابات في كل أجزاء العراق باستثناء البصرة ، وتكررت اسماء النواب ذاتهم للدورات الانتخابية السابقة في لواء السليمانية ، وهم : الحاج سعيد كركولي زاده ، وحكمت بابان ، وأصبح عدد نواب السليمانية نائبان بزيادة واحد ، وربما يعود السبب لزيادة عدد سكان اللواء ، أو قيام السلطات التركية بمحاولة جذب العناصر غير التركية إليها ، حيث ارادت ترتيب الوضع الداخلي لمواجهة الاخطار الخارجية فقد لاحت بوادر الحرب العالمية الأولى للعيان.
دور نواب السليمانية بعد انتخابات المجلس التأسيسي.
من العوامل المهمة في تطور الوعي السياسي العراقي ، والتي كان صداها المباشر في العراق بين الطبقة المثقفة تجربة النواب العراقيين، في مجلس المبعوثان العثماني والموضوع الذي طرح لأول مرة طرفا النزاع في غضون ثورة العشرين.
مطالبتهم بتشكيل السلطة التشريعية .
بهدف امتصاص زخم الثوار اصدر ويلسون الحاكم المدني للعراق في بغداد (1918 - 1920) من قبل الانتداب الإنجليزي بيانًا حال اندلاع لهيب الثورة أعلن فيه عزم حكومته على اجراء انتخابات عامة وتشكيل مجلس تأسيسي ، لم يكن يسيرا في تاريخ العراق ولادة أول مجلس تأسيسي لعدة عوامل بعضها يتعلق بظروف الانتخابات فقد واكبته صعوبات وعقبات جمة منها فتاوى بتحريم الاشتراك بالانتخابات بدعوى أنها غير نزيهة اصدارها رجال الدين في كربلاء والنجف و بغداد والكاظمية ، رافقها مقاطعة عمت أنحاء العراق أو تصاعد الدعاية التركية ، أو من فرض ضرائب والبعض الأخر يعود إلى الخوف من إصدار قانون التجنيد الإلزامي بالإضافة لطموحات الشيخ محمود الحفيد ، كانت السليمانية وأجزاء واسعة من لوائي اربيل وكركوك خارجة عن سلطة الدولة العراقية عند الشروع في الانتخابات وبذلت سلطات الانتداب البريطاني سياسة المناورة والتسويف لدفع المنطقة الكردية إلى الاشتراك في الانتخابات ، و احتواء الحركة الكردية التي يتزعمها الشيخ محمود .
من ضمن اساليب سلطات الانتداب في تحقيق أهدافها وخطتها تقطيع اوصال لواء السليمانية إلى مناطق إدارية وانتخابية مبعثرة منها :
الحاق منطقة رانية بلواء اربيل ولأجل اضعاف حركة الشيخ محمود الحفيد، عهدت الحكومة العراقية في 20 كانون الثاني 1924 إلى متصرف لواء كركوك (بصفته متصرفا للسليمانية) بأمور انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي عن لواء السليمانية ، و بعد أن لمست الحكومة رغبة من لدن البعض للاشتراك في الانتخابات.
تقرر شكليًا تهيئة الأجواء المناسبة للراغبين في الاشتراك في الانتخابات ، في آذار من العام نفسه فاز خمسة أشخاص بعضوية المجلس التأسيسي في الانتخابات التي تمت وهم كل من:
الشيخ قادر الحفيد (شقيق الشيخ محمود)، عزت بيك عثمان باشا ، ميرزا فرج الحاج شريف ، محمد بيك فتاح باشا ، واحمد بيك توفيق بيك، وكان اغلبهم من مؤيدي الحكومة ، ومن الموالين لها ، ولهذا السبب تم انتخابهم ، وكان المجلس يفتقر إلى أبسط ممارسات النظام الديمقراطي الذي ظهر به أول مجلس تشريعي منتخب في تاريخ العراق المعاصر و يفترض أن يقوم على دعامة أساسية وهي الانتخاب المباشر ، ولم يمثل النواب طموحات الجماهير الكردية ، ولا يتمتعوا بتأييد أو سمعة جماهيرية ولكون ممثلي لواء السليمانية في المجلس التأسيسي من نواب الحكومة.
لقد كان النواب من صفوة القوم ، ومن الناس المعروفين في مناطقهم ومن أولى المهمات التي كان على المجلس البت فيها موضوع تصديق المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1922 ، دارت حول تعديلها معارضة قوية داخل المجلس وخارجه وإلحاق ولاية الموصل بالعراق قبل إقرارها ، والإطماع التركية و مصير الولاية المذكورة اثار قلق النواب الكورد . في الجلسة الحادية والعشرين المنعقدة في 5 حزيران 1924 أيد نواب السليمانية ، ما ورد في تقرير زملائهم نواب كركوك وأربيل حول تأجيل البت في المعاهدة لحين حسم مشكلة ولاية الموصل ، وفي الجلسة الثالثة والعشرين المنعقدة في 10 حزيران 1924 قدم نواب السليمانية ومعهم نواب اربيل تقريرين منفصلين إلى رئاسة المجلس ، وكانا المطلب ذاته ، فجاء في تقرير نواب السليمانية : ( اننا مستنكفون تجاه المعاهدة العراقية الانكليزية الى نتيجة مصير ولاية الموصل وملحقاتها السابقة مع السليمانية ، نسترحم قبول استنكافنا إن لم تصل المعاهدة إلى نتيجة حل مسألة الموصل ودمتم) .
مع زملائهم النواب الكورد ساهم نواب السليمانية في تأجيج المعارضة داخل المجلس ، عندما جعلوا المجلس يعيش في حومة مناقشات استمرت لغاية البت على المعاهدة ، و في نهاية المطاف رضخوا للأمر الواقع وتراجع النواب الكورد عن موقفهم الصلب المعلن في التقرير المذكور بعد إن لمسوا ميلا من لدن اعضاء المجلس للتصويت لصالح المعاهدة عند عرضها على المجلس وكان نواب السليمانية ضمن المصوتين لصالح المعاهدة.
المصادر :
دور نواب السليمانية في المجلس النيابي من رسالة الماجستير التي قدمها (سالار عبد الكريم) .[1]